حماية حقوق الأقليات
نجــــــــــــــــــــــــــــــــــــد :: نجـــــــــد العامـــــــــــــــــــــــــــــــة :: تقارير أمريكية
صفحة 1 من اصل 1
حماية حقوق الأقليات
حماية حقوق الأقليات
بقلم تينسلي ياربرو
بقلم تينسلي ياربرو
"لديّ حلم بأن يعيش أطفالي الأربعة الصغار يوماً ما في دولة لا يُحكم فيها عليهم بسبب لون بشرتهم بل بمضمون شخصيتهم."
الدكتور مارتن لوثر كنغ جونيور، خطاب مسيرة واشنطن، آب/أغسطس، 1963
ترك واضعو الدستور الأميركي قضية الرقيق للأجيال القادمة، ولم توفر الحرب الأهلية ولا عملية إعادة التعمير التي تلتها فعلياً إلا فترة مؤقتة من الراحة من مسألة التمييز العرقي ضد العبيد السابقين وأولادهم. في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، بدأت المحكمة العليا بإخضاع القوانين التي تفرض التمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الأصل القومي، إلى مراجعة قضائية صارمة بحيث منعت فعلياً جميع أشكال التمييز العرقي أو العنصري التي لها علاقة بالحكومة.
بدأ الكونغرس أيضاً بمنع التمييز العرقي العام والخاص في عمليات التصويت، والتوظيف، والمرافق العامة، والإسكان، والبرامج الممولة من الخزينة الفدرالية. وفي وقت لاحق، أخضعت المحكمة العليا القوانين المستندة إلى التفرقة بين الجنسين إلى مراجعة متشددة أيضاً، ولم يمنع الكونغرس التمييز على أساس التفرقة بين الجنسين في حقول مختلفة فحسب، بل ومنع أيضاً المعاملة غير المتساوية المستندة على العجز أو الإعاقة.
كانت المناقشات حول توسيع مفاهيم المساواة من أكثر الأحداث المسببة للآلام، والأعمق أثراً، في التاريخ الأميركي. وربما باستثناء المجتمعات الأكثر تجانساً، تُشكل المعاملة المنصفة للأقليات إحدى أهم المسؤوليات الأساسية لأي دولة وأكثرها إزعاجاً. ما من طريقة يستطيع مجتمع بموجبها معاملة جميع أفراده بصورة مماثلة وفي الوقت نفسه يقوم بوظائفه المشروعة. يُفرض على الحكومات بانتظام رسم حدود في قوانينها تُصنّف الناس أو تقسّمهم إلى مجموعات منفصلة وتعامل أعضاء إحدى هذه المجموعات بتفضيل أكثر أو أقل من أعضاء مجموعة أخرى. تُشكّل معدلات الضريبة التي تختلف حسب مستويات الدخل، ومؤهلات الانتخاب أو الحصول على رخصة قيادة سيارة التي تعتمد على العمر، أمثلة شائعة لمثل هذه القوانين. وطالما تَحترم هذه التصنيفات مصالح قانونية واجتماعية أساسية، فإنها تُعتبر مشروعة ويُتوقّع إلتزام المواطنين بها ضمن المعقول.
وبالمقارنة، فإن السياسات التي تُميز بين مجموعات من المواطنين على أساس العرق، أو الأصل القومي، أو الخلفية الإثنية، أو الجنس، أو المعتقد الديني، أو عوامل مرتبطة بها، كلها بالأساس لا علاقة لها بالأهداف الحكومية التي يعتبرها العاقلون من الناس مشروعة. عندما تُعامل الحكومات أفراداً معيّنين بمحاباة أقل من الآخرين، استناداً إلى خصائص ولادتهم أو اعتبارات أخرى لا يبدو أن لها علاقة بالفوائد المفروض للمواطنين الحصول عليها، أو بالأعباء التي يُتوقع منهم تحملّها، فإن الحكومة تبرر بذلك الشكوك بأن المسؤولين المعيّنين يتصرفون بسبب تحيزّهم وافتراضاتهم النمطية حول قيمة الفرد وسلوكه، بدلاً من السعي في سبيل أهداف عامة قانونية واضحة.
لكن علاوة على هذه المبادئ، فإن الدرجة التي تعتبر عندها تصنيفات المجموعات أنها غير منصفة وجديرة بالإدانة، تعتمد إلى حد كبير على التوجهات السائدة في المجتمع. فعندما تُشكّل المجموعات المستهدفة أقليّة عددية في مجتمع ما وتملك خصائص طبيعية مميزة أو تمارس أنماطاً معيشية يجدها الآخرون غريبة ومستهجنة، أو كانت تعاني من إعاقات تكون قانونية بالنسبة للحكومات، أو تعتنق معتقدات أو تتبع ممارسات سياسية أو دينية غير مألوفة، فإن المقاومة الاجتماعية للتغيير تصبح قوية، كما يبدو أن الاستيعاب الكامل لهذه المجموعات في المجتمع غير ممكن التحقيق.
إن سوء معاملة الأقليات والمجموعات الأخرى لا ينحصر بالأنظمة الدكتاتورية التي لا تحترم، أو تحترم جزئياً، حكم القانون. في الستينات من القرن الماضي، أُرغم البريطانيون، رغم تقليدهم الطويل الأمد بالالتزام بالمبادئ الديمقراطية والعدالة الأساسية، على مواجهة سوء معاملتهم للمهاجرين من غير البيض. كما من الواضح أن الكفاح التاريخي حول الرق ومخلفاته هو من بين التطورات القانونية والاجتماعية التي تركت أعمق الأثر في التجربة الأميركية.
حتى عندما تُقرر دولة ما إنهاء التمييز ضد أقليّات عرقية أو مجموعات محرومة أخرى، عليها أيضاً حل المشاكل المتعلقة بالإنعاش الملائم لهذه الأقليات. هل يجب أن تُلزم السياسات المناهضة للتمييز المسؤولين الحكوميين فقط؟ أو هل يجب توسيع هذا الالتزام ليشمل الأفراد والمؤسسات الخاصة؟ هل يكفي إنهاء التمييز المعني؟ أو هل من الضروري تصحيح نتائج المظالم السابقة من خلال، مثلا، تقديم معاملة تفضيلية لأفراد المجموعات المحرومة الذين يسعون للحصول على وظائف والتقدم في مراكز عملهم وقبولهم في الكليات، وغيرها من الفوائد؟ هل أن عدم المساواة في الماضي، بالاختصار، تؤدي إلى حقوق واجبة التقديم في المستقبل؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يجب أن تنحصر الفوائد بالأفراد الذين عانوا بالفعل من التمييز في الماضي أو توسيعها لتشمل كافة أعضاء مجموعة معيّنة؟
* التمييز: إهانة لمجتمع ديمقراطي
عبر معظم تاريخها، اضطرت الولايات المتحدة إلى مواجهة هذه الأنواع من الأسئلة لحل مجموعة مختلفة من القضايا التي تؤثر على الأقلّيات وغيرها من الفئات المحرومة، بدءاً من الكفاح المحزن حول الرّق ومخلّفاته، إلى توسيع الدولة لمبادئ المساواة للمرأة وغيره من أنواع التمييز غير العرقي، وإلى محاولات لتعريف وتأمين المساواة التنافسية للأميركيين المصابين بحالات عجز وإعاقة مختلفة، إلى الجهود الحديثة لإدخال التوجه الجنسي للفرد ضمن حقوق الخصوصية الشخصية التي تخضع للحماية القانونية.
تداخلت عدة مواضيع أساسية أخرى مع كل من هذه الحركات. أولاً، هناك المبدأ القائل إن أشكالاً معيّنة من التمييز تُعتبر إهانة لمفهوم مجتمع منفتح وديمقراطي. أشار الرئيس جون أف. كنيدي ببلاغة إلى هذا المبدأ في خطابه للأمة سنة 1963، إثر صدور قرار من محكمة بإلغاء التمييز العنصري في جامعة ألاباما، رغم معارضة جورج والاس، حاكم ولاية ألاباما المناصر لهذا التمييز. قال الرئيس في ذلك المساء، "آمل أن يقف كل أميركي، أينما يعيش، ليفحص ضميره حول هذه المسألة وحول أحداث أخرى مرتبطة بها. لقد أسس هذه الدولة رجال ينتمون إلى بلدان وخلفيات عديدة. وهي تأسست على مبدأ أن الناس ولدوا جميعاً متساوين، وأن حقوق كل الناس تُنتقص عندما تتهدد حقوق إنسان آخر".
في وقت لاحق في فصل الصيف من تلك السنة، كرر مارتن لوثر كنغ جونيور، المدافع الرئيسي عن الحقوق المدنية في تلك الحقبة، لازمة أساسية أخرى لحركة المساواة في خطابه، "لديّ حلم" الذي توّج به مسيرة الحقوق المدنية إلى واشنطن تلك السنة. وفي حديثه أمام جمهور ضم أكثر من مئتي ألف شخص في الساحة حيث قام نصب الرئيس ابراهام لنكولن، وهو الذي وضع إعلان تحرير العبيد، شجب الدكتور كنغ ظلم مجتمع تستند فيه السياسة العامة، كما الممارسة الفردية، إلى افتراضات نمطية حول قيمة الإنسان. وأعلن كنغ قائلا: "لديّ حلم بأن يعيش أطفالي الأربعة الصغار يوماً ما في دولة حيث لا يُحكم فيها عليهم بسبب لون بشرتهم بل بمضمون شخصيتهم".
وأخيراً، فإن الدوافع التي أدّت إلى ازدياد نشاط حركات حماية الأقلّيات والمجموعات المحرومة الأخرى ولتمكنها من كسب الدعم لها، كانت بسبب اعتبارات عملية تعود لمصالحها الذاتية. إذا سُمح لمجتمع بالتحامل ضد طبقة من الشعب، فماذا يمنعه من تعزيز قوة غيرها من التحاملات؟ قد يُدرك العديد من المواطنين أن التمييز ضد أفراد من عرق أو دين واحد، أو من خلفية إثنية واحدة، أو يتّبعون ممارسات أو توجهات غير تقليدية، قد يؤدي إلى هجمات تمييز ضد مجموعات مستهدفة أخرى.
* الحملة ضد الرق
تحت تأثير هذه الاهتمامات، وسعت الولايات المتحدة تدريجياً أشكال التمييز التي لا تقبل بها الدولة وهاجمت التمييز في المجالات القضائية، والتشريعية، والتنفيذية، كما في محكمة الرأي العام. كانت الحملة المناهضة للرق ومخلفاتها أكثر هذه الحملات إحباطا للعزم وأطولها. عندما احتفلت الأمة في الثمانينات من القرن الماضي بالذكرى المئوية الثانية لتبني دستورها، أكد ثورغود مارشال، الذي اختير العام 1967 أول قاض أميركي أسود في المحكمة العليا، بأن ليس لدى أفراد شعبه أسباب تدعوهم للتصفيق تأييداً لإقرار الدستور الأساسي. قال مارشال، إنه بدلاً من ذلك، يجب أن يوجه الأميركيون الأفريقيون ثناءهم إلى التعديلات الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر للدستور، والى الممنوعات التي شُرعت خلال الحرب الأهلية وفترة إعادة الإعمار ضد الرق والتمييز في التصويت وفي مجالات أخرى من الحياة القومية.
من الممكن القول إن كلمات القاضي مارشال كانت صحيحة من نواحي عدة. لقد نص الدستور الأساسي للعام 1787 على أن العبيد سوف يحتسبون كثلاثة أخماس شخص عند تحديد عدد سكان كل ولاية الذي يتم بموجبه تقرير عدد مندوبيها إلى مجلس النواب، وهو المجلس التشريعي الأدنى في الكونغرس القومي. يشمل الدستور أيضاً مادة منعت، حتى العام 1908، إقرار أي تعديل للدستور أو قانون يُقيّد استيراد العبيد، وضَمَن لمالكي العبيد إرجاع الهاربين منهم حتى أولئك الذين فروا إلى ولايات منعت قوانينها الرق. عشية اندلاع الحرب الأهلية الدموية في البلاد حول الرق والمسائل المرتبطة به، أكدت المحكمة العليا في قضية دريد سكوت ضد ساندفورد (1857) أن الأميركيين الأفريقيين، أحراراً كانوا أم عبيداً، ليسوا مواطنين أميركيين ولا يحق لهم التمتع بالحقوق التي ضمنها الدستور للمواطنين.
بعد انتهاء الحرب الأهلية، شرّع الكونغرس وصادقت الولايات على مجموعة من التعديلات للدستور هدفت إلى تأمين حقوق المواطنية الكاملة للعبيد السابقين الذين حصلوا على حريتهم خلال الحرب استناداً إلى إعلان تحرير العبيد الذي أصدره الرئيس لنكولن العام 1863. نصت المادة الرئيسية للتعديل الرابع عشر، الذي تمت المصادقة عليه العام 1868 على أنه "لا يحق لأي ولاية أن تضع أو تُطبق أي قانون يختصر من المميزات أو الحصانات لمواطني الولايات المتحدة، كما لا يحق لأي ولاية أن تحرم أي فرد من حقه في الحياة، أو الحرية، أو الملكية، بدون قواعد الإجراءات القانونية المُتّبعة، كما لا يحق لها أن تحرم أي فرد يعيش ضمن نطاق سلطتها القضائية من الحماية المتساوية للقوانين".
حقق الإصدار والتطبيق المبكّر لهذه التعديلات التي تمّت في حقبة إعادة الإعمار نهاية جزئية ومؤقتة فقط للتمييز ضد الاقليات في الولايات المتحدة. استناداً إلى سلطاته في فرض تطبيق نصوص التعديلات، أصدر الكونغرس عدداً من القوانين المهمة المتعلقة بالحقوق المدنية. فمثلا، منع قانون الحقوق المدنية للعام 1875 الفصل العرقي، أو التمييز في وسائل المواصلات العامة والفنادق والمسارح. ولكن حتى الكونغرس الذي أقرّ التعديل الرابع عشر للدستور، سمح بالفصل العرقي في مدارس واشنطن، عاصمة الدولة. وإذ تضاءل الحماس القومي لإعادة الإعمار في السبعينات والثمانينات من القرن التاسع عشر، قامت أيضاً المحكمة العليا بتفسيرات ضيقة لهذه الحقوق المدنية التي أقرها الكونغرس أو اعتبرها على أنها مخالفة للدستور.
رد: حماية حقوق الأقليات
قيام وسقوط قوانين الفصل العرقي
قامت المحكمة العليا خلال حقبة ما بعد إعادة الإعمار أيضاً بمنح موافقتها على قوانين الفصل العرقي. في القضية بليسي ضد فرغوسون (1896) أيدت المحكمة سلطة الولايات في طلب تطبيق فصل عرقي في القطارات وفي غيرها من المرافق العامة والخاصة طالما كانت التسهيلات المفصولة عرقياً "متساوية". واستنتجت الأغلبية في المحكمة أن قوانين الفصل العرقي أثّرت على السود والبيض بدرجة متساوية، ولم توقع أي وصمة دونية على أي من العرقين. وأكدت المحكمة أن بإمكان ولاية أن تقرر بصورة معقولة بأن مثل هذه القوانين كانت ضرورية لتعزيز السلم الأهلي والنظام العام فيها. كان القاضي جون مارشال هارلان، المالك السابق للعبيد من ولاية كنتاكي، عضو المحكمة الوحيد الذي لم يوافق على رأي الأغلبية. سَخِر هارلان من مفهوم الأغلبية القائل بأن قوانين الفصل العرقي عاملت بالتساوي أفراد الجنس الأبيض المسيطر والعبيد السابقين، وأعلن في رأيه أنه بموجب التعديلات التي أدخلت في فترة إعادة الإعمار "أصيب دستورنا بعمى الألوان ولا يعرف أو لا يقبل بوجود طبقات بين المواطنين. وفي ما يخص الحقوق المدنية فإن كافة المواطنين متساوون أمام القانون." تكهن هارلان بأن اشتراك المحكمة في مؤامرة سمحت للولايات بإبقاء الأميركيين الأفريقيين في حالة من شبه العبودية سوف "يُبيّن مع الوقت بأنه ضار كضرر القرار الذي اتخذته هذه المحكمة في قضية دريد سكوت."
لمدة نصف قرن بعد قضية بليسي، ظلت مقولة "منفصل ولكن متساو" هي قانون البلاد ولم تواجه إلاّ أسوأ الأشكال الصارخة من التمييز العنصري، وفي بعض الأحيان هزيمة في المحاكم. في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، بدأت المحكمة العليا في توجيه نظرة انتقادية أكثر إلى قوانين الفصل العرقي وأشكال التمييز العنصري المرتبطة بها. إن الحاشية الرابعة الشهيرة لرأي القاضي هارلان فيسك ستون في قضية الولايات المتحدة ضد شركة كارولين برودكتس (1938) رأت أنه يجب إضافة القوانين إلى تلك التي من المحتمل أن تحتاج لمراجعة قضائية دقيقة، ومنها قانون: "التحامل ضد الاقليات المتفردة والمعزولة". ورغم أن المحكمة أشارت الى الضرورة العسكرية في الإبقاء على العقوبات التي فُرضت خلال الحرب العالمية الثانية ضد الأميركيين اليابانيين، فقد شدد القاضي هيوغو ال. بلاك بإسم الأغلبية على أن "كافة التقييدات القانونية التي تحجب الحقوق المدنية عن مجموعة عرقية واحدة تثير الشبهات فوراً". وفي أهم الأحكام التي أصدرتها المحكمة العليا في تلك الفترة بدأت المحكمة في التخفيف من الفصل العرقي في مؤسسات التعليم العالي والمهني. قررت المحكمة في قضية سويت ضد بينتر (1950)، ليس أن قانوناً حديثاً ينشئ مدارس حكومية في الولايات خاصة بالسود هو أدنى مرتبة من قانون تخصيص كلية حقوق في جامعة تكساس للبيض فحسب، بل قررت أيضاً أنه في تحديد ما إذا كانت المدارس المفصولة عرقياً هي متساوية، على المحاكم القضائية أن تأخذ في الحسبان أيضاً العوامل غير الملموسة إضافة الى الملموسة، وهي "تلك الصفات (مثل السمعة المؤسساتية) التي لا يمكن قياسها موضوعياً ولكنها تؤدي إلى عظمة كلية الحقوق".
وقرر القاضي ثورغود مارشال، الذي كان آنذاك محامياً للجمعية الوطنية لتقدم الشعب الملون، مع غيره من المدافعين عن الحقوق المدنية، مدعوماً بدقة تفسير المحكمة لمبدأ الـ"منفصل ولكن متساوٍ" في هذه القضية، بأنه حان الوقت لتحدّي المبدأ بحد ذاته، وبالأخص الافتراض بأن المرافق المنفصلة عرقياً يمكن أن تكون متساوية. إثر مقاضاة واسعة، تبنت المحكمة العليا في 17 أيار/مايو 1954، هذا الموقف. قرر رئيس المحكمة ايرل وارن في قرار إجماعي في قضية براون ضد مجلس التعليم وقضايا مرافقة بأن حضور الطلاب إلى مدارس منفصلة عرقياً بموجب القانون ولّد احاسيس بالدونية بين أطفال الأقليات مما أثّر سلباً على قدرتهم على التعلم. لذلك فالتعليم في مثل هذه المدارس لن يكون متساوياً ومتناغماً أبدأ مع متطلبات ما أكّده التعديل الرابع عشر "للحماية المتساوية". في حكم آخر صدر عن المحكمة العليا بالإجماع في السنة التالية بشأن قضية براون II، أمر رئيس المحكمة العليا وارن قضاة المحاكم الأدنى مرتبة ومجالس المدارس بأن يعملوا "بكل سرعة وتصميم" على تطبيق مبدأ إلغاء الفصل العرقي في المدارس العامة.
قبل تقاعد رئيس المحكمة العليا وارن العام 1969، ألغت المحكمة العليا والمحاكم الأدنى مرتبة الفصل العرقي في حقول عديدة من الحياة القومية بضمنها قانون أصدرته ولاية فرجينيا يمنع الزواج العرقي المختلط. أثناء رئاسة وارن برغر (1969-1986) وويليام ايتش رنكويست (1986) وافقت المحكمة العليا على منح القضاة في القضايا المتعلقة بإلغاء الفصل العرقي في المدارس سلطات واسعة تشمل نقل الطلاب في الباصات بأمر المحكمة، لتأمين اندماج المدارس في المناطق المفصولة عرقياً وفرض حصص عرقية في مجالس الطلاب وهيئات التدريس. رغم ذلك، وضع القضاة تمييزاً حاداً بين الفصل بحكم القانون (الرسمي) والفصل بحكم الواقع (ناتج فقط من أنماط الإسكان المنفصل) مؤكدين بأن هذا الفصل بحكم الواقع لا يحرمه الدستور. كما أقرّت أغلبية في المحكمة العليا من المحاكم برفع مراسيم إلغاء الفصل العرقي بعد ان يتم تحقيق جزء مهم من امتثالها بتحويل نظام مدرسي يتبع الفصل العرقي المزدوج إلى نظام وحدوي. وأخيراً وضعت المحكمة العليا حدوداً لتطبيق ضمان "الحماية المتساوية" التي نص عليها التعديل الرابع عشر، بالنسبة للسياسات التي تهدف إلى التمييز العنصري وليس فقط لتلك السياسات التي لها تأثير غير متساوٍ بالنسبة للعرق.
في حين أن نظام المحاكم الأميركية اتخذ على عاتقه، في أوجه عديدة، قيادة عملية تحقيق المساواة العرقية، أنشأ البيت الأبيض والكونغرس أيضاً حمايات مهمة ضد هذا التمييز. عشية الغضب القومي بسبب المواجهات العنيفة بين رجال الشرطة والمشاركين في مسيرة الحقوق المدنية في برمنغهام، بولاية ألاباما، اقترحت إدارة الرئيس كنيدي تشريعات للحقوق المدنية بعيدة الأمد التي عمل الرئيس ليندون بي. جونسون على إقرارها في الكونغرس اثر اغتيال الرئيس كنيدي العام 1963. حرم قانون الحقوق المدنية للعام 1964، الذي صدر بموجب سلطة الكونغرس في تنظيم التجارة بين الولايات وفي تطبيق أحكام التعديل الرابع عشر، التمييز العرقي، وغيره من أشكال التمييز في المرافق العامة والتوظيف والبرامج الممولة من قبل الخزينة الفدرالية. أدى تطبيق البند الأخير اكثر مما أدّاه أي أمر من المحاكم إلى تسريع إلغاء الفصل العرقي في المدارس العامة. إثر العنف الممارس ضد المشاركين في مسيرة المدافعين عن حقوق التصويت في ألاباما، أصدر الكونغرس قانون حقوق التصويت للعام 1965 الذي ألغى اختبارات معرفة القراءة والكتابة وغيرها من الاختبارات المطلوبة من الناخبين في ولايات لها تاريخ عريق في التمييز العنصري، خاصة بالنسبة لتسجيل أسماء الناخبين، وكذلك اشترط على الولايات للحصول على "تأهيل مسبق" من المسؤولين الفدراليين قبل تمكنّهم من تشريع قوانين انتخابية جديدة. أدى قانون العام 1965 إلى زيادات هائلة في تسجيل أسماء الناخبين الأميركيين الأفريقيين في الولايات الجنوبية والى نقص مقابل في اللجوء إلى الخطاب المؤيد للتمييز العنصري في المجالات السياسية. ومن خلال قانون الإنصاف في الإسكان للعام 1967، تحرك الكونغرس أيضاً لإلغاء التمييز العنصري في معظم المعاملات الإسكانية.
قامت المحكمة العليا خلال حقبة ما بعد إعادة الإعمار أيضاً بمنح موافقتها على قوانين الفصل العرقي. في القضية بليسي ضد فرغوسون (1896) أيدت المحكمة سلطة الولايات في طلب تطبيق فصل عرقي في القطارات وفي غيرها من المرافق العامة والخاصة طالما كانت التسهيلات المفصولة عرقياً "متساوية". واستنتجت الأغلبية في المحكمة أن قوانين الفصل العرقي أثّرت على السود والبيض بدرجة متساوية، ولم توقع أي وصمة دونية على أي من العرقين. وأكدت المحكمة أن بإمكان ولاية أن تقرر بصورة معقولة بأن مثل هذه القوانين كانت ضرورية لتعزيز السلم الأهلي والنظام العام فيها. كان القاضي جون مارشال هارلان، المالك السابق للعبيد من ولاية كنتاكي، عضو المحكمة الوحيد الذي لم يوافق على رأي الأغلبية. سَخِر هارلان من مفهوم الأغلبية القائل بأن قوانين الفصل العرقي عاملت بالتساوي أفراد الجنس الأبيض المسيطر والعبيد السابقين، وأعلن في رأيه أنه بموجب التعديلات التي أدخلت في فترة إعادة الإعمار "أصيب دستورنا بعمى الألوان ولا يعرف أو لا يقبل بوجود طبقات بين المواطنين. وفي ما يخص الحقوق المدنية فإن كافة المواطنين متساوون أمام القانون." تكهن هارلان بأن اشتراك المحكمة في مؤامرة سمحت للولايات بإبقاء الأميركيين الأفريقيين في حالة من شبه العبودية سوف "يُبيّن مع الوقت بأنه ضار كضرر القرار الذي اتخذته هذه المحكمة في قضية دريد سكوت."
لمدة نصف قرن بعد قضية بليسي، ظلت مقولة "منفصل ولكن متساو" هي قانون البلاد ولم تواجه إلاّ أسوأ الأشكال الصارخة من التمييز العنصري، وفي بعض الأحيان هزيمة في المحاكم. في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، بدأت المحكمة العليا في توجيه نظرة انتقادية أكثر إلى قوانين الفصل العرقي وأشكال التمييز العنصري المرتبطة بها. إن الحاشية الرابعة الشهيرة لرأي القاضي هارلان فيسك ستون في قضية الولايات المتحدة ضد شركة كارولين برودكتس (1938) رأت أنه يجب إضافة القوانين إلى تلك التي من المحتمل أن تحتاج لمراجعة قضائية دقيقة، ومنها قانون: "التحامل ضد الاقليات المتفردة والمعزولة". ورغم أن المحكمة أشارت الى الضرورة العسكرية في الإبقاء على العقوبات التي فُرضت خلال الحرب العالمية الثانية ضد الأميركيين اليابانيين، فقد شدد القاضي هيوغو ال. بلاك بإسم الأغلبية على أن "كافة التقييدات القانونية التي تحجب الحقوق المدنية عن مجموعة عرقية واحدة تثير الشبهات فوراً". وفي أهم الأحكام التي أصدرتها المحكمة العليا في تلك الفترة بدأت المحكمة في التخفيف من الفصل العرقي في مؤسسات التعليم العالي والمهني. قررت المحكمة في قضية سويت ضد بينتر (1950)، ليس أن قانوناً حديثاً ينشئ مدارس حكومية في الولايات خاصة بالسود هو أدنى مرتبة من قانون تخصيص كلية حقوق في جامعة تكساس للبيض فحسب، بل قررت أيضاً أنه في تحديد ما إذا كانت المدارس المفصولة عرقياً هي متساوية، على المحاكم القضائية أن تأخذ في الحسبان أيضاً العوامل غير الملموسة إضافة الى الملموسة، وهي "تلك الصفات (مثل السمعة المؤسساتية) التي لا يمكن قياسها موضوعياً ولكنها تؤدي إلى عظمة كلية الحقوق".
وقرر القاضي ثورغود مارشال، الذي كان آنذاك محامياً للجمعية الوطنية لتقدم الشعب الملون، مع غيره من المدافعين عن الحقوق المدنية، مدعوماً بدقة تفسير المحكمة لمبدأ الـ"منفصل ولكن متساوٍ" في هذه القضية، بأنه حان الوقت لتحدّي المبدأ بحد ذاته، وبالأخص الافتراض بأن المرافق المنفصلة عرقياً يمكن أن تكون متساوية. إثر مقاضاة واسعة، تبنت المحكمة العليا في 17 أيار/مايو 1954، هذا الموقف. قرر رئيس المحكمة ايرل وارن في قرار إجماعي في قضية براون ضد مجلس التعليم وقضايا مرافقة بأن حضور الطلاب إلى مدارس منفصلة عرقياً بموجب القانون ولّد احاسيس بالدونية بين أطفال الأقليات مما أثّر سلباً على قدرتهم على التعلم. لذلك فالتعليم في مثل هذه المدارس لن يكون متساوياً ومتناغماً أبدأ مع متطلبات ما أكّده التعديل الرابع عشر "للحماية المتساوية". في حكم آخر صدر عن المحكمة العليا بالإجماع في السنة التالية بشأن قضية براون II، أمر رئيس المحكمة العليا وارن قضاة المحاكم الأدنى مرتبة ومجالس المدارس بأن يعملوا "بكل سرعة وتصميم" على تطبيق مبدأ إلغاء الفصل العرقي في المدارس العامة.
قبل تقاعد رئيس المحكمة العليا وارن العام 1969، ألغت المحكمة العليا والمحاكم الأدنى مرتبة الفصل العرقي في حقول عديدة من الحياة القومية بضمنها قانون أصدرته ولاية فرجينيا يمنع الزواج العرقي المختلط. أثناء رئاسة وارن برغر (1969-1986) وويليام ايتش رنكويست (1986) وافقت المحكمة العليا على منح القضاة في القضايا المتعلقة بإلغاء الفصل العرقي في المدارس سلطات واسعة تشمل نقل الطلاب في الباصات بأمر المحكمة، لتأمين اندماج المدارس في المناطق المفصولة عرقياً وفرض حصص عرقية في مجالس الطلاب وهيئات التدريس. رغم ذلك، وضع القضاة تمييزاً حاداً بين الفصل بحكم القانون (الرسمي) والفصل بحكم الواقع (ناتج فقط من أنماط الإسكان المنفصل) مؤكدين بأن هذا الفصل بحكم الواقع لا يحرمه الدستور. كما أقرّت أغلبية في المحكمة العليا من المحاكم برفع مراسيم إلغاء الفصل العرقي بعد ان يتم تحقيق جزء مهم من امتثالها بتحويل نظام مدرسي يتبع الفصل العرقي المزدوج إلى نظام وحدوي. وأخيراً وضعت المحكمة العليا حدوداً لتطبيق ضمان "الحماية المتساوية" التي نص عليها التعديل الرابع عشر، بالنسبة للسياسات التي تهدف إلى التمييز العنصري وليس فقط لتلك السياسات التي لها تأثير غير متساوٍ بالنسبة للعرق.
في حين أن نظام المحاكم الأميركية اتخذ على عاتقه، في أوجه عديدة، قيادة عملية تحقيق المساواة العرقية، أنشأ البيت الأبيض والكونغرس أيضاً حمايات مهمة ضد هذا التمييز. عشية الغضب القومي بسبب المواجهات العنيفة بين رجال الشرطة والمشاركين في مسيرة الحقوق المدنية في برمنغهام، بولاية ألاباما، اقترحت إدارة الرئيس كنيدي تشريعات للحقوق المدنية بعيدة الأمد التي عمل الرئيس ليندون بي. جونسون على إقرارها في الكونغرس اثر اغتيال الرئيس كنيدي العام 1963. حرم قانون الحقوق المدنية للعام 1964، الذي صدر بموجب سلطة الكونغرس في تنظيم التجارة بين الولايات وفي تطبيق أحكام التعديل الرابع عشر، التمييز العرقي، وغيره من أشكال التمييز في المرافق العامة والتوظيف والبرامج الممولة من قبل الخزينة الفدرالية. أدى تطبيق البند الأخير اكثر مما أدّاه أي أمر من المحاكم إلى تسريع إلغاء الفصل العرقي في المدارس العامة. إثر العنف الممارس ضد المشاركين في مسيرة المدافعين عن حقوق التصويت في ألاباما، أصدر الكونغرس قانون حقوق التصويت للعام 1965 الذي ألغى اختبارات معرفة القراءة والكتابة وغيرها من الاختبارات المطلوبة من الناخبين في ولايات لها تاريخ عريق في التمييز العنصري، خاصة بالنسبة لتسجيل أسماء الناخبين، وكذلك اشترط على الولايات للحصول على "تأهيل مسبق" من المسؤولين الفدراليين قبل تمكنّهم من تشريع قوانين انتخابية جديدة. أدى قانون العام 1965 إلى زيادات هائلة في تسجيل أسماء الناخبين الأميركيين الأفريقيين في الولايات الجنوبية والى نقص مقابل في اللجوء إلى الخطاب المؤيد للتمييز العنصري في المجالات السياسية. ومن خلال قانون الإنصاف في الإسكان للعام 1967، تحرك الكونغرس أيضاً لإلغاء التمييز العنصري في معظم المعاملات الإسكانية.
رد: حماية حقوق الأقليات
حقوق كافة الأقليات
لم يكن الأميركيون الأفريقيون، بالطبع، الهدف الوحيد للتمييز العنصري في الولايات المتحدة. إن تاريخ الدولة في معاملة الأميركيين الأصليين مؤسف بنفس الدرجة. شجّع الكونغرس كما شجعت المحاكم لسنوات طويلة، التوسع في الغرب على حساب حقوق ملكية الهنود الحمر للأراضي، وصادروا أراضيهم وعزلوهم في أحيان كثيرة، داخل محميات لهم في ظروف معيشية بائسة. ولكن في نهاية الأمر مُنح الهنود الحمر المواطنية وحق التصويت. وابتداءً من الستينات حشدت مجموعات الحقوق المدنية للهنود الحمر قواها وحققت انتصارات مهمة بالنسبة لصيد الحيوانات، وصيد الأسماك، وحقوق الأراضي، بضمنها حماية المقابر والأماكن المقدسة الأخرى. لكن، في قضية مهمة نظرت فيها المحكمة العليا العام 1990، رفضت هذه المحكمة توسيع أي حماية مهمة لاستعمال بعض القبائل للمخدر "بيوت" في المناسبات الدينية، وقررت أن الممارسات الدينية عليها الالتزام بالقوانين الجنائية المحايدة دينياً، بضمنها أنظمة المخدرات.
واجه الأميركيون المتحدرون من أصول إسبانية صعوبة مماثلة في تأمين استيعابهم في الحياة الأميركية. جعلت الحواجز اللغوية والقلق القومي من الهجرة غير المشروعة، بالأخص بالنسبة للقادمين من المكسيك، من الإسبانيين أهدافاً محتملة للتمييز في التوظيف والإسكان والتعليم. بالإضافة الى ذلك، كانت اللغة الإسبانية هدفاً رئيسياً للحركة الساعية الى جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للبلاد، لكن الأميركيين الإسبانيين، مثلهم مثل مجموعات الاقليات الأخرى، حققوا تقدماً في السنوات الأخيرة.
في العام 1982 ألغت المحكمة العليا سياسة اتبعتها ولاية تكساس تَستثني بموجبها الأطفال غير الحاملين لهويات، المولودين من مهاجرين غير قانونيين، من الدخول الى المدارس الحكومية المجانية، وأكد القضاة على أهمية التعليم بالنسبة لتطور الطفل في المستقبل.
ومع أن النساء الأميركيات لا يشكلن أقلية عددية من إجمالي السكان في البلاد، فقد تعرضن، كما تعرضت النساء في معظم الدول، بصورة تقليدية الى مختلف أشكال المعوقات المستندة إلى افتراضات تتعلق بالجنس. قبل تبنّي التعديل التاسع عشر للدستور في العام 1920، كانت المحاكم تؤيد قوانين الولايات التي حرمت النساء من حق التصويت. دعم عدد من القرارات السابقة القوانين التي تمنع النساء من ممارسة المحاماة، والطب، ومهن أخرى معينة. وبالفعل، وحتى في العام 1961، أيدت المحكمة العليا قانوناً أصدرته ولاية فلوريدا يستثنى النساء من العمل في هيئات المحلفين ما لم يُعبّرن بصراحة عن رغبتهن في ذلك. لكن يبدو أن الجنس لم يكن أكثر ملاءمة من العرق كأساس مناسب لتوزيع الحكومة للفوائد والأعباء. رغم ذلك فقد ظلت النساء، مثلهن مثل الأميركيين الأفريقيين، مستثنيات بصورة منتظمة من العملية السياسية، وبالتالي من فرصة ممارسة التحكم بمصائرهن.
استناداً على هكذا اعتبارات، شمل الكونغرس الجنس بين أشكال التمييز المحرومة في التوظيف الذي يغطيها قانون الحقوق المدنية للعام 1964. منع القسم التاسع من التعديلات التعليمية للعام 1972 المدارس التي تستلم معونات من الخزينة الفدرالية التمييز ضد الطالبات من النساء. تحت ضغط مارسته في نفس السنة، المنظمة الوطنية للنساء ومجموعات أخرى، اقترح الكونغرس على المجالس التشريعية للولايات تصديقها للتعديل المتعلق بالحقوق المتساوية، والذي نص على أنه: "لا يجوز لحكومة الولايات المتحدة أو حكومة أي ولاية أن تمنع أو تختصر المساواة في الحقوق بموجب القانون بسبب الجنس". كما منح الكونغرس لنفسه سلطات تنفيذية وفي هذا الإطار. وفي نهاية الأمر فشل التعديل المتعلق بالحقوق المتساوية في كسب موافقة العدد الضروري من الولايات، ورفضت المحكمة العليا، بصورة عامة، معادلة تصنيف الجنس مع ذلك المستند إلى العرق. لكن في العام 1971، ألغت المحكمة العليا وللمرة الأولى، قانوناً يميّز بين الجنسين استناداً الى مبدأ "الحماية المتساوية".
وبعد بضع سنوات تالية، قررت أغلبية المحكمة بأن القوانين المستندة إلى الجنس "شبه مشكوك فيها" ويمكن تأييد صلاحيتها فقط إذا كانت تتعلق، إلى حد كبير، بمصالح حكومية مهمة. وبما أن النساء وحدهن يحبلن فإن حق الإجهاض المثير للجدل الذي اعترفت به المحكمة في قضية رو ضد ويد، (1973)، اعتُبر أيضاً من قبل نساء عديدات بأنه حماية ضد التمييز المستند إلى الجنس، كما ضمانة للخصوصية الشخصية.
كانت الولايات المتحدة بوجه عام مترددة اكثر في تحريم التمييز المستند على التوجه الجنسي، او بالاعتراف بحق الراشد الموافِق بممارسة علاقات جنسية مثلية. أضاف عدد من المدن والمقاطعات، أو الولايات التفضيل الجنسي بين الأشكال التي يُمنع تصنيفها وذهب عدد قليل منها الى حد الاعتراف بالزواج بين اللواطيين. في قضية رومر ضد ايفانز (1996)، ألغت أغلبية من 6-3 في المحكمة العليا، استناداً الى مبدأ الحماية المتساوية، تعديلاً دستورياً قامت به ولاية، تمّ بموجبه إلغاء كافة الأنظمة الحالية والمستقبلية التي تحمي الأشخاص من التمييز استناداً الى التفضيل الجنسي. رغم امتناعها عن اعتبار اللواطيين فئة محمية بشكل خاص، أدانت المحكمة التعديل لكونه محاولة يمنع على الولاية أن تقوم بها لوضع اللواطيين في منزلة مواطنين من الدرجة الثانية.
في العام 1971، أعلنت المحكمة العليا برئاسة برغر أن الوضع القانوني للمهاجرين غير القانونيين هو مشبوه دستورياً، ووعدت بإخضاع القوانين التي تميّز بين المواطنين الأميركيين وغير المواطنين الى مراجعة قضائية صارمة. وقد ألغت في قرارات لاحقة عدداً من القوانين التي تمنح الفوائد العامة الى المواطنين فقط. وفي نفس الوقت، أوضح القضاة أن التشريعات الفدرالية التي تميز بين المواطنين والأجانب تستحق مراعاة اكبر من التشريعات المماثلة التي تصدرها الولايات. كما اعترفوا أيضاً بالاستثناءات للمبدأ العام بالمعاملة المتساوية بين المواطنين وغير المواطنين فأيدوا عدداً من الأنظمة التي تحصر التوظيف في الدوائر الحكومية بالمواطنين فقط.
على أساس العلاقة العامة بين التقدم في السن والتمكن من أداء واجبات العمل رفضت المحكمة العليا اعتبار تصنيفات السن في التوظيف بأنها "شبه مشبوهة". لكن نظراً للنفوذ السياسي المتنامي للمتقدمين في العمر. فلا عجب بأن أصدر الكونغرس عدداً من الحمايات ضد التمييز بسبب السن. مثلاً يشمل قانون الحقوق المدنية للعام 1964 السن بين الأشكال الممنوعة من أشكال التمييز في التوظيف.
منذ الحرب العالمية الثانية حاول المحاربون القدامى، وغيرهم من الأميركيين العجزة، الضغط على أعضاء الكونغرس طالبين الحماية من التمييز المستند على الإعاقة. في العام 1990 قام تحالف من أجل إقرار مثل هذا التشريع بإقناع الكونغرس بتبني قانون الأميركيين العاجزين. عرّف القانون العاجز بأنه المصاب بإعاقة بدنية أو عقلية تُقيّد "نشاطاً حياتياً" واحداً أو أكثر. وقد ضمن القانون حق المشمولين به بالوصول إلى المرافق العامة، وفرص التوظيف، وخدمات المواصلات. وأجبر أصحاب العمل وغيرهم بإجراء بعض التعديلات الضرورية لتأمين الالتزام بأهداف القانون. ذهب قانون الأميركيين العاجزين بعيداً باتجاه تقليل العوائق التي تواجه العاجزين في التوظيف، والتعليم، ومجالات أخرى. رغم ذلك، فقد فسرت المحكمة العليا في عدد من قراراتها أحكام القانون بصورة ضيقة. على سبيل المثال، في قضية نظرت فيها المحكمة عام 1999 قررت أغلبية القضاة بأن قانون الأميركيين العاجزين لا يفرض على شركة طيران توظيف طيارين يعانون من قصر النظر رغم أن هذا العائق قابل للتصحيح.
* السجال حول قانون "فرص للأقليات"
واجهت المحكمة العليا تحت رئاسة برغر ورينكويست أيضاً قضية تمييز لم يُفرض على المحكمة تحت رئاسة وارن أن تواجهها، ألا وهي النقاش المزعج حول قانون "فرص للأقليات". في جهودها لعلاج تأثيرات الانحياز الماضي ضد الأقليات العرقية والنساء في التوظيف والتعليم العالي، وضعت إدارات حكومية وجامعات، منذ ستينات القرن الماضي، برامج تُقدم درجات مختلفة من التفضيلات للأقليات والنساء في قرارات القبول في المدارس، والتوظيف، والتقدم. أكد مؤيدو مثل هذه البرامج على أنها إجراءات مؤقتة لضمان المعاملة المنصفة لأعضاء مجموعات تعرّضت تاريخياً إلى تمييز مقصود، كما لتسريع قيام مجتمع مندمج بالفعل. وشدد المدافعون عن "الفرص للأقليات" على انه عندما قام الرجال البيض، وهم الضحايا المفترضون لمثل هذه البرامج، باتهام هذا العمل أنه "تمييز عكسي" فقد ردّ مناصرو "الفرص للأقليات" بأنه من الصعب مقارنة هذه المجموعة البيضاء الراسخة بالأميركيين الأفريقيين، وبغيرهم من المجموعات التي تعرضت لمدة طويلة لسوء المعاملة استناداً إلى عرقهم أو لون بشرتهم، ولذلك فلا يحق لهم الآن الحصول على حماية قضائية خاصة. بالإضافة إلى تأكيدهم على أن برامج "الفرص للأقليات" تُشكّل "تمييزاً عكسياً" مخالفاً للدستور أشار النقاد إلى أن "الفرص للأقليات" يخالف مفهوم الدستور "المصاب بعمى الألوان"، وينتهك مبدأ التقدم استناداً إلى الجدارة، ويزيد من حدة القتال العرقي، وربما يُوَلدُ مشاعر بالدونيّة لدى الذين صممت هذه البرامج لمساعدتهم.
كانت ردّة فعل المحكمة العليا تجاه القضايا التي تتحدى برامج "الفرص للأقليات" مختلطة. في أول قضية رئيسية نظرت فيها المحكمة وهي مجلس أوصياء جامعة كاليفورنيا ضد باكي (1978)، واجهت المحكمة نظاماً من الحصص ينص بحيث تُخصص نسبة 16 من كل 100 مقعد في السنة الأولى في كلية طب تابعة للولاية للأقليات. لعب القاضي لويس باول، الذي أعطى الرأي الرئيسي في القضية، دوراً محورياً حقيقياً في قرار المحكمة. متحدثاً عن نفسه وعن أربعة قضاة آخرين، ألغى باول الحصص المعترض عليها، وقرر القاضي أن كافة التصنيفات العرقية معرّضة لمراجعة قضائية صارمة بغض النظر عن العرق المتأثر بها، وانه لا توجد أي مصلحة تعتبر ضرورية يمكنها دعم سياسة قبول الطلاب تستند على العرق فقط. قرر باول ومجموعة أخرى من أربعة قضاة، رغم ذلك، بأن مصلحة أي ولاية في تأمين جسم طالبي متنوع هي مهمة إلى درجة تكفي لتبرير أخذ العرق في الاعتبار إضافةً إلى عوامل أخرى، عند اتخاذها قرارات القبول هذه.
في قضية عمال الصلب ضد ويبر، التي نظرت فيها المحكمة في السنة التالية، أقرّت أغلبية المحكمة العليا القرار المشترك للشركة ونقابة عمالها بمنح نسبة 50 بالمئة من وظائف معينة إلى أفراد من الاقليات، وذلك إلى أن تصبح النسبة المئوية للأقليات من العمال مقاربة لنسبة الأقليات من إجمالي عدد القوى العاملة في المنطقة. أبدى أولاً بريان ويبر، وهو العامل الأبيض الذي تحدّى الحصص التي أقرتها الشركة، بأن هذا التدبير ينتهك أحكام التمييز في التوظيف المنصوص عليها في قانون الحقوق المدنية للعام 1964. قررت أغلبية أعضاء المحكمة، رغم ذلك، بأن ذلك التشريع لم يقصد منع قرار طوعي اتخذته شركة لفرض حصة عرقية كوسيلة لتصحيح اثار التمييز السابق في التوظيف في منطقة ما. وأثناء الفترة الباقية من رئاسة برغر للمحكمة العليا أقرّت المحكمة، كما أبطلت، مجموعة متنوعة من الإجراءات المتعلقة بـ"الفرص للأقليات". ففي قضية فوليلوف ضد كلوتزنيك، اتخذت المحكمة قراراً يدعم قانون أصدره الكونغرس خصّص نسبة مئوية من أموال الأشغال العامة إلى مؤسسات الأعمال التجارية التي تملكها اقليات. أوضح القضاة أن مثل هذه البرامج الفدرالية لـ"فرص للأقليات" تستحق مراعاة قضائية اكبر من نظرائها في الولايات والمحليين. وفي ظل رئاسة رنكويست تبنى قضاة المحكمة العليا مبدئيا هذا الموقف الذي اتخذته محكمة برغر. ولكن في قضية شركة اداراند كونستركتورز ضد بينا (1995)، أقرت الأغلبية بأنه يجب إخضاع الترتيبات الفدرالية كما تلك المتخذة في الولايات إلى نفس الدرجة من المراجعة القضائية الصارمة.
توسعت مؤخراً معارضة المحكمة لـ"الفرص للأقليات" لتشمل عملية الانتخابات. في قضية شو ضد هانت (1996)، وفي أحكام أخرى، سمحت المحكمة العليا للناخبين البيض بتحدّي ما يُعرف بمناطق الأغلبية-الأقلية في انتخابات الكونغرس التي ينتخب منها أعضاء مجلس النواب. بضغط من وزارة العدل، إثر عملية الإحصاء القومي للسكان العام 1990، أنشأت عدة ولايات مناطق يشكل فيها الأميركيون الأفريقيون او الأسبانيون أغلبية انتخابية. يتوفر في هذه المناطق فرصة أفضل لمرشحي الاقليات بإنتخابهم إلى الكونغرس. إلى حد ما أيدت المحكمة إنشاء هذه المناطق الخاصة من خلال تأييدها لدستورية التعديلات التي أُدخلت العام 1982 إلى قانون حقوق التصويت لعام 1965. تنص هذه التعديلات على أن الانتخابات على مستوى الولاية تصبح باطلة ليس فقط اذا كان لها قصد تمييزي، بل وأيضاً إذا كان مضمونها يؤدّي إلى تقليل فرص الناخبين من الأقليات بانتخاب مرشحين يختارونهم. ولكن أغلبية ضيّقة من قضاة المحكمة العليا قررت بأن مناطق الأغلبية-الأقلية تعتبر غير دستورية ان هي رُسمت لغرض هدفه الأساسي عرقي لتأمين انتخاب مرشحي الاقليات.
* عقيدة المساواة الفردية
من خلال قرارات قضائية، وقوانين أصدرها الكونغرس، وفرض السلطة التنفيذية وتطبيقها، والمواقف العامة المتغيرة، تطوّر المجتمع الأميركي بثبات نحو الاعتراف بحقوق الأقليات في ظل القانون. حرّمت الولايات المتحدة إلى حد كبير الظلم الصارخ الذي أُجبر على تحمله لمدة طويلة الأميركيين الأفريقيين، وغيرهم من المجموعات المحرومة الأخرى. وقد اقتربنا أكثر من اليوم الذي تتأكد صحة الرأي المخالف للقاضي هارلان في قضية بليسي عام 1896: "في نظر الدستور، وفي عيون القانون، لا توجد في هذه البلاد طبقة من المواطنين متفوقة، مسيطرة، أو حاكمة: ليس هناك نظام طبقي هنا".
بدأ الكفاح من اجل وضع حد للتمييز ضد الاقليات في الولايات المتحدة بصورة أولية في المحاكم القضائية، وفي الكونغرس، وفي المجالس التشريعية للولايات. حققت هذه الجهود نجاحها لسببين. الاول، هو حكم القانون والاعتقاد الراسخ من قبل الشعب الأميركي انه حتى ولو لم يوافق أفراد أو جماعات على قرارات المحاكم أو المجالس التشريعية التي تصنع السياسة، فإنه يتوجب على المواطنين أن يطيعوا هذه السياسة. في حال عدم موافقتهم على هذه السياسة يمكنهم ممارسة الضغط على أعضاء المجالس التشريعية، ورفع دعاوى أمام المحاكم، وليس القيام بمظاهرات صاخبة في الشوارع.
والسبب الثاني، هو أن المعتقد المدني الأميركي، كما جسّده الدستور، ووثيقة إعلان الاستقلال، وتقليد طويل الأمد اتبعته المجالس التشريعية والمحاكم، يؤكد بأن كل الناس خُلقوا متساوين وتحقّ لهم الحماية المتساوية بظل القانون. حتى إذا لم يحب أفراد من الأميركيين مجموعات مُعيّنة، بسبب لون بشرة أعضائها، أو أنماط حياتهم، أو لغتهم، فان المعتقد الواسع الانتشار في المساواة الفردية يُرغم الأميركيين على التعامل مع تحيزاتهم هذه. ورغم أن الدولة ما زالت غير متحررة تماماً من تاريخها التمييزي ضد مجموعات معّينة، فإنها ملتزمة بصورة علنية على أن تزيل، في نهاية الأمر، كافة مخلّفات التمييز العنصري أو الأشكال الأخرى من التحيّزات.
وفي حين أن هذين المعتقدين، حكم القانون والمساواة الفردية، قد يرتبطان عن كثب بالتجربة التاريخية للولايات المتحدة، فإن القاعدة العامة تبقى قابلة للتطبيق في كل مكان: وجوب معاملة الأفراد بالتساوي في ظل القانون. وبخلاف ذلك، تكون الدولة تقوم بتشجيع النزاع المدني.
المقال و قراءات إضافية باللغة الإنجليزية
معلومات عن كاتب المقال:
يعمل تنسلي إي. ياربرو، الاستاذ في الفنون والعلوم أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة إيست كارولاينا في غرينفيل، بولاية نورث كارولاينا. ألّف كتباً حول سير عدد من القضاة بضمنهم رئيس المحكمة العليا هيوغو أل. بلاك، والقاضيان (الجد والحفيد) الذين حملا اسم جون مارشال هارلان. اما احدث كتبه فهو، محكمة رنكويست والدستور (اوكسفورد، 2000)، ومحكمة برغر: القضاة، والقرارات، والارث 2001 . .
لم يكن الأميركيون الأفريقيون، بالطبع، الهدف الوحيد للتمييز العنصري في الولايات المتحدة. إن تاريخ الدولة في معاملة الأميركيين الأصليين مؤسف بنفس الدرجة. شجّع الكونغرس كما شجعت المحاكم لسنوات طويلة، التوسع في الغرب على حساب حقوق ملكية الهنود الحمر للأراضي، وصادروا أراضيهم وعزلوهم في أحيان كثيرة، داخل محميات لهم في ظروف معيشية بائسة. ولكن في نهاية الأمر مُنح الهنود الحمر المواطنية وحق التصويت. وابتداءً من الستينات حشدت مجموعات الحقوق المدنية للهنود الحمر قواها وحققت انتصارات مهمة بالنسبة لصيد الحيوانات، وصيد الأسماك، وحقوق الأراضي، بضمنها حماية المقابر والأماكن المقدسة الأخرى. لكن، في قضية مهمة نظرت فيها المحكمة العليا العام 1990، رفضت هذه المحكمة توسيع أي حماية مهمة لاستعمال بعض القبائل للمخدر "بيوت" في المناسبات الدينية، وقررت أن الممارسات الدينية عليها الالتزام بالقوانين الجنائية المحايدة دينياً، بضمنها أنظمة المخدرات.
واجه الأميركيون المتحدرون من أصول إسبانية صعوبة مماثلة في تأمين استيعابهم في الحياة الأميركية. جعلت الحواجز اللغوية والقلق القومي من الهجرة غير المشروعة، بالأخص بالنسبة للقادمين من المكسيك، من الإسبانيين أهدافاً محتملة للتمييز في التوظيف والإسكان والتعليم. بالإضافة الى ذلك، كانت اللغة الإسبانية هدفاً رئيسياً للحركة الساعية الى جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للبلاد، لكن الأميركيين الإسبانيين، مثلهم مثل مجموعات الاقليات الأخرى، حققوا تقدماً في السنوات الأخيرة.
في العام 1982 ألغت المحكمة العليا سياسة اتبعتها ولاية تكساس تَستثني بموجبها الأطفال غير الحاملين لهويات، المولودين من مهاجرين غير قانونيين، من الدخول الى المدارس الحكومية المجانية، وأكد القضاة على أهمية التعليم بالنسبة لتطور الطفل في المستقبل.
ومع أن النساء الأميركيات لا يشكلن أقلية عددية من إجمالي السكان في البلاد، فقد تعرضن، كما تعرضت النساء في معظم الدول، بصورة تقليدية الى مختلف أشكال المعوقات المستندة إلى افتراضات تتعلق بالجنس. قبل تبنّي التعديل التاسع عشر للدستور في العام 1920، كانت المحاكم تؤيد قوانين الولايات التي حرمت النساء من حق التصويت. دعم عدد من القرارات السابقة القوانين التي تمنع النساء من ممارسة المحاماة، والطب، ومهن أخرى معينة. وبالفعل، وحتى في العام 1961، أيدت المحكمة العليا قانوناً أصدرته ولاية فلوريدا يستثنى النساء من العمل في هيئات المحلفين ما لم يُعبّرن بصراحة عن رغبتهن في ذلك. لكن يبدو أن الجنس لم يكن أكثر ملاءمة من العرق كأساس مناسب لتوزيع الحكومة للفوائد والأعباء. رغم ذلك فقد ظلت النساء، مثلهن مثل الأميركيين الأفريقيين، مستثنيات بصورة منتظمة من العملية السياسية، وبالتالي من فرصة ممارسة التحكم بمصائرهن.
استناداً على هكذا اعتبارات، شمل الكونغرس الجنس بين أشكال التمييز المحرومة في التوظيف الذي يغطيها قانون الحقوق المدنية للعام 1964. منع القسم التاسع من التعديلات التعليمية للعام 1972 المدارس التي تستلم معونات من الخزينة الفدرالية التمييز ضد الطالبات من النساء. تحت ضغط مارسته في نفس السنة، المنظمة الوطنية للنساء ومجموعات أخرى، اقترح الكونغرس على المجالس التشريعية للولايات تصديقها للتعديل المتعلق بالحقوق المتساوية، والذي نص على أنه: "لا يجوز لحكومة الولايات المتحدة أو حكومة أي ولاية أن تمنع أو تختصر المساواة في الحقوق بموجب القانون بسبب الجنس". كما منح الكونغرس لنفسه سلطات تنفيذية وفي هذا الإطار. وفي نهاية الأمر فشل التعديل المتعلق بالحقوق المتساوية في كسب موافقة العدد الضروري من الولايات، ورفضت المحكمة العليا، بصورة عامة، معادلة تصنيف الجنس مع ذلك المستند إلى العرق. لكن في العام 1971، ألغت المحكمة العليا وللمرة الأولى، قانوناً يميّز بين الجنسين استناداً الى مبدأ "الحماية المتساوية".
وبعد بضع سنوات تالية، قررت أغلبية المحكمة بأن القوانين المستندة إلى الجنس "شبه مشكوك فيها" ويمكن تأييد صلاحيتها فقط إذا كانت تتعلق، إلى حد كبير، بمصالح حكومية مهمة. وبما أن النساء وحدهن يحبلن فإن حق الإجهاض المثير للجدل الذي اعترفت به المحكمة في قضية رو ضد ويد، (1973)، اعتُبر أيضاً من قبل نساء عديدات بأنه حماية ضد التمييز المستند إلى الجنس، كما ضمانة للخصوصية الشخصية.
كانت الولايات المتحدة بوجه عام مترددة اكثر في تحريم التمييز المستند على التوجه الجنسي، او بالاعتراف بحق الراشد الموافِق بممارسة علاقات جنسية مثلية. أضاف عدد من المدن والمقاطعات، أو الولايات التفضيل الجنسي بين الأشكال التي يُمنع تصنيفها وذهب عدد قليل منها الى حد الاعتراف بالزواج بين اللواطيين. في قضية رومر ضد ايفانز (1996)، ألغت أغلبية من 6-3 في المحكمة العليا، استناداً الى مبدأ الحماية المتساوية، تعديلاً دستورياً قامت به ولاية، تمّ بموجبه إلغاء كافة الأنظمة الحالية والمستقبلية التي تحمي الأشخاص من التمييز استناداً الى التفضيل الجنسي. رغم امتناعها عن اعتبار اللواطيين فئة محمية بشكل خاص، أدانت المحكمة التعديل لكونه محاولة يمنع على الولاية أن تقوم بها لوضع اللواطيين في منزلة مواطنين من الدرجة الثانية.
في العام 1971، أعلنت المحكمة العليا برئاسة برغر أن الوضع القانوني للمهاجرين غير القانونيين هو مشبوه دستورياً، ووعدت بإخضاع القوانين التي تميّز بين المواطنين الأميركيين وغير المواطنين الى مراجعة قضائية صارمة. وقد ألغت في قرارات لاحقة عدداً من القوانين التي تمنح الفوائد العامة الى المواطنين فقط. وفي نفس الوقت، أوضح القضاة أن التشريعات الفدرالية التي تميز بين المواطنين والأجانب تستحق مراعاة اكبر من التشريعات المماثلة التي تصدرها الولايات. كما اعترفوا أيضاً بالاستثناءات للمبدأ العام بالمعاملة المتساوية بين المواطنين وغير المواطنين فأيدوا عدداً من الأنظمة التي تحصر التوظيف في الدوائر الحكومية بالمواطنين فقط.
على أساس العلاقة العامة بين التقدم في السن والتمكن من أداء واجبات العمل رفضت المحكمة العليا اعتبار تصنيفات السن في التوظيف بأنها "شبه مشبوهة". لكن نظراً للنفوذ السياسي المتنامي للمتقدمين في العمر. فلا عجب بأن أصدر الكونغرس عدداً من الحمايات ضد التمييز بسبب السن. مثلاً يشمل قانون الحقوق المدنية للعام 1964 السن بين الأشكال الممنوعة من أشكال التمييز في التوظيف.
منذ الحرب العالمية الثانية حاول المحاربون القدامى، وغيرهم من الأميركيين العجزة، الضغط على أعضاء الكونغرس طالبين الحماية من التمييز المستند على الإعاقة. في العام 1990 قام تحالف من أجل إقرار مثل هذا التشريع بإقناع الكونغرس بتبني قانون الأميركيين العاجزين. عرّف القانون العاجز بأنه المصاب بإعاقة بدنية أو عقلية تُقيّد "نشاطاً حياتياً" واحداً أو أكثر. وقد ضمن القانون حق المشمولين به بالوصول إلى المرافق العامة، وفرص التوظيف، وخدمات المواصلات. وأجبر أصحاب العمل وغيرهم بإجراء بعض التعديلات الضرورية لتأمين الالتزام بأهداف القانون. ذهب قانون الأميركيين العاجزين بعيداً باتجاه تقليل العوائق التي تواجه العاجزين في التوظيف، والتعليم، ومجالات أخرى. رغم ذلك، فقد فسرت المحكمة العليا في عدد من قراراتها أحكام القانون بصورة ضيقة. على سبيل المثال، في قضية نظرت فيها المحكمة عام 1999 قررت أغلبية القضاة بأن قانون الأميركيين العاجزين لا يفرض على شركة طيران توظيف طيارين يعانون من قصر النظر رغم أن هذا العائق قابل للتصحيح.
* السجال حول قانون "فرص للأقليات"
واجهت المحكمة العليا تحت رئاسة برغر ورينكويست أيضاً قضية تمييز لم يُفرض على المحكمة تحت رئاسة وارن أن تواجهها، ألا وهي النقاش المزعج حول قانون "فرص للأقليات". في جهودها لعلاج تأثيرات الانحياز الماضي ضد الأقليات العرقية والنساء في التوظيف والتعليم العالي، وضعت إدارات حكومية وجامعات، منذ ستينات القرن الماضي، برامج تُقدم درجات مختلفة من التفضيلات للأقليات والنساء في قرارات القبول في المدارس، والتوظيف، والتقدم. أكد مؤيدو مثل هذه البرامج على أنها إجراءات مؤقتة لضمان المعاملة المنصفة لأعضاء مجموعات تعرّضت تاريخياً إلى تمييز مقصود، كما لتسريع قيام مجتمع مندمج بالفعل. وشدد المدافعون عن "الفرص للأقليات" على انه عندما قام الرجال البيض، وهم الضحايا المفترضون لمثل هذه البرامج، باتهام هذا العمل أنه "تمييز عكسي" فقد ردّ مناصرو "الفرص للأقليات" بأنه من الصعب مقارنة هذه المجموعة البيضاء الراسخة بالأميركيين الأفريقيين، وبغيرهم من المجموعات التي تعرضت لمدة طويلة لسوء المعاملة استناداً إلى عرقهم أو لون بشرتهم، ولذلك فلا يحق لهم الآن الحصول على حماية قضائية خاصة. بالإضافة إلى تأكيدهم على أن برامج "الفرص للأقليات" تُشكّل "تمييزاً عكسياً" مخالفاً للدستور أشار النقاد إلى أن "الفرص للأقليات" يخالف مفهوم الدستور "المصاب بعمى الألوان"، وينتهك مبدأ التقدم استناداً إلى الجدارة، ويزيد من حدة القتال العرقي، وربما يُوَلدُ مشاعر بالدونيّة لدى الذين صممت هذه البرامج لمساعدتهم.
كانت ردّة فعل المحكمة العليا تجاه القضايا التي تتحدى برامج "الفرص للأقليات" مختلطة. في أول قضية رئيسية نظرت فيها المحكمة وهي مجلس أوصياء جامعة كاليفورنيا ضد باكي (1978)، واجهت المحكمة نظاماً من الحصص ينص بحيث تُخصص نسبة 16 من كل 100 مقعد في السنة الأولى في كلية طب تابعة للولاية للأقليات. لعب القاضي لويس باول، الذي أعطى الرأي الرئيسي في القضية، دوراً محورياً حقيقياً في قرار المحكمة. متحدثاً عن نفسه وعن أربعة قضاة آخرين، ألغى باول الحصص المعترض عليها، وقرر القاضي أن كافة التصنيفات العرقية معرّضة لمراجعة قضائية صارمة بغض النظر عن العرق المتأثر بها، وانه لا توجد أي مصلحة تعتبر ضرورية يمكنها دعم سياسة قبول الطلاب تستند على العرق فقط. قرر باول ومجموعة أخرى من أربعة قضاة، رغم ذلك، بأن مصلحة أي ولاية في تأمين جسم طالبي متنوع هي مهمة إلى درجة تكفي لتبرير أخذ العرق في الاعتبار إضافةً إلى عوامل أخرى، عند اتخاذها قرارات القبول هذه.
في قضية عمال الصلب ضد ويبر، التي نظرت فيها المحكمة في السنة التالية، أقرّت أغلبية المحكمة العليا القرار المشترك للشركة ونقابة عمالها بمنح نسبة 50 بالمئة من وظائف معينة إلى أفراد من الاقليات، وذلك إلى أن تصبح النسبة المئوية للأقليات من العمال مقاربة لنسبة الأقليات من إجمالي عدد القوى العاملة في المنطقة. أبدى أولاً بريان ويبر، وهو العامل الأبيض الذي تحدّى الحصص التي أقرتها الشركة، بأن هذا التدبير ينتهك أحكام التمييز في التوظيف المنصوص عليها في قانون الحقوق المدنية للعام 1964. قررت أغلبية أعضاء المحكمة، رغم ذلك، بأن ذلك التشريع لم يقصد منع قرار طوعي اتخذته شركة لفرض حصة عرقية كوسيلة لتصحيح اثار التمييز السابق في التوظيف في منطقة ما. وأثناء الفترة الباقية من رئاسة برغر للمحكمة العليا أقرّت المحكمة، كما أبطلت، مجموعة متنوعة من الإجراءات المتعلقة بـ"الفرص للأقليات". ففي قضية فوليلوف ضد كلوتزنيك، اتخذت المحكمة قراراً يدعم قانون أصدره الكونغرس خصّص نسبة مئوية من أموال الأشغال العامة إلى مؤسسات الأعمال التجارية التي تملكها اقليات. أوضح القضاة أن مثل هذه البرامج الفدرالية لـ"فرص للأقليات" تستحق مراعاة قضائية اكبر من نظرائها في الولايات والمحليين. وفي ظل رئاسة رنكويست تبنى قضاة المحكمة العليا مبدئيا هذا الموقف الذي اتخذته محكمة برغر. ولكن في قضية شركة اداراند كونستركتورز ضد بينا (1995)، أقرت الأغلبية بأنه يجب إخضاع الترتيبات الفدرالية كما تلك المتخذة في الولايات إلى نفس الدرجة من المراجعة القضائية الصارمة.
توسعت مؤخراً معارضة المحكمة لـ"الفرص للأقليات" لتشمل عملية الانتخابات. في قضية شو ضد هانت (1996)، وفي أحكام أخرى، سمحت المحكمة العليا للناخبين البيض بتحدّي ما يُعرف بمناطق الأغلبية-الأقلية في انتخابات الكونغرس التي ينتخب منها أعضاء مجلس النواب. بضغط من وزارة العدل، إثر عملية الإحصاء القومي للسكان العام 1990، أنشأت عدة ولايات مناطق يشكل فيها الأميركيون الأفريقيون او الأسبانيون أغلبية انتخابية. يتوفر في هذه المناطق فرصة أفضل لمرشحي الاقليات بإنتخابهم إلى الكونغرس. إلى حد ما أيدت المحكمة إنشاء هذه المناطق الخاصة من خلال تأييدها لدستورية التعديلات التي أُدخلت العام 1982 إلى قانون حقوق التصويت لعام 1965. تنص هذه التعديلات على أن الانتخابات على مستوى الولاية تصبح باطلة ليس فقط اذا كان لها قصد تمييزي، بل وأيضاً إذا كان مضمونها يؤدّي إلى تقليل فرص الناخبين من الأقليات بانتخاب مرشحين يختارونهم. ولكن أغلبية ضيّقة من قضاة المحكمة العليا قررت بأن مناطق الأغلبية-الأقلية تعتبر غير دستورية ان هي رُسمت لغرض هدفه الأساسي عرقي لتأمين انتخاب مرشحي الاقليات.
* عقيدة المساواة الفردية
من خلال قرارات قضائية، وقوانين أصدرها الكونغرس، وفرض السلطة التنفيذية وتطبيقها، والمواقف العامة المتغيرة، تطوّر المجتمع الأميركي بثبات نحو الاعتراف بحقوق الأقليات في ظل القانون. حرّمت الولايات المتحدة إلى حد كبير الظلم الصارخ الذي أُجبر على تحمله لمدة طويلة الأميركيين الأفريقيين، وغيرهم من المجموعات المحرومة الأخرى. وقد اقتربنا أكثر من اليوم الذي تتأكد صحة الرأي المخالف للقاضي هارلان في قضية بليسي عام 1896: "في نظر الدستور، وفي عيون القانون، لا توجد في هذه البلاد طبقة من المواطنين متفوقة، مسيطرة، أو حاكمة: ليس هناك نظام طبقي هنا".
بدأ الكفاح من اجل وضع حد للتمييز ضد الاقليات في الولايات المتحدة بصورة أولية في المحاكم القضائية، وفي الكونغرس، وفي المجالس التشريعية للولايات. حققت هذه الجهود نجاحها لسببين. الاول، هو حكم القانون والاعتقاد الراسخ من قبل الشعب الأميركي انه حتى ولو لم يوافق أفراد أو جماعات على قرارات المحاكم أو المجالس التشريعية التي تصنع السياسة، فإنه يتوجب على المواطنين أن يطيعوا هذه السياسة. في حال عدم موافقتهم على هذه السياسة يمكنهم ممارسة الضغط على أعضاء المجالس التشريعية، ورفع دعاوى أمام المحاكم، وليس القيام بمظاهرات صاخبة في الشوارع.
والسبب الثاني، هو أن المعتقد المدني الأميركي، كما جسّده الدستور، ووثيقة إعلان الاستقلال، وتقليد طويل الأمد اتبعته المجالس التشريعية والمحاكم، يؤكد بأن كل الناس خُلقوا متساوين وتحقّ لهم الحماية المتساوية بظل القانون. حتى إذا لم يحب أفراد من الأميركيين مجموعات مُعيّنة، بسبب لون بشرة أعضائها، أو أنماط حياتهم، أو لغتهم، فان المعتقد الواسع الانتشار في المساواة الفردية يُرغم الأميركيين على التعامل مع تحيزاتهم هذه. ورغم أن الدولة ما زالت غير متحررة تماماً من تاريخها التمييزي ضد مجموعات معّينة، فإنها ملتزمة بصورة علنية على أن تزيل، في نهاية الأمر، كافة مخلّفات التمييز العنصري أو الأشكال الأخرى من التحيّزات.
وفي حين أن هذين المعتقدين، حكم القانون والمساواة الفردية، قد يرتبطان عن كثب بالتجربة التاريخية للولايات المتحدة، فإن القاعدة العامة تبقى قابلة للتطبيق في كل مكان: وجوب معاملة الأفراد بالتساوي في ظل القانون. وبخلاف ذلك، تكون الدولة تقوم بتشجيع النزاع المدني.
المقال و قراءات إضافية باللغة الإنجليزية
معلومات عن كاتب المقال:
يعمل تنسلي إي. ياربرو، الاستاذ في الفنون والعلوم أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة إيست كارولاينا في غرينفيل، بولاية نورث كارولاينا. ألّف كتباً حول سير عدد من القضاة بضمنهم رئيس المحكمة العليا هيوغو أل. بلاك، والقاضيان (الجد والحفيد) الذين حملا اسم جون مارشال هارلان. اما احدث كتبه فهو، محكمة رنكويست والدستور (اوكسفورد، 2000)، ومحكمة برغر: القضاة، والقرارات، والارث 2001 . .
مواضيع مماثلة
» منظمات حقوق الإنسان تعرب عن القلق من أوضاع حقوق الإنسان في ا
» بيان حقائق: قانون حماية أميركا للعام 2007
» المدن الأميركية تتبنى سياسة التدوير الصناعي من أجل حماية الب
» حماية المستهلك لها جذور عميقة في تاريخ الولايات المتحدة
» حقوق الإنسان العربي
» بيان حقائق: قانون حماية أميركا للعام 2007
» المدن الأميركية تتبنى سياسة التدوير الصناعي من أجل حماية الب
» حماية المستهلك لها جذور عميقة في تاريخ الولايات المتحدة
» حقوق الإنسان العربي
نجــــــــــــــــــــــــــــــــــــد :: نجـــــــــد العامـــــــــــــــــــــــــــــــة :: تقارير أمريكية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى