مبادئ الانتخابات الديمقراطية
نجــــــــــــــــــــــــــــــــــــد :: نجـــــــــد العامـــــــــــــــــــــــــــــــة :: تقارير أمريكية
صفحة 1 من اصل 1
مبادئ الانتخابات الديمقراطية
مبادئ الانتخابات الديمقراطية
بقلم دي. غراير ستيفنسون جونيور
"إن هدف كل تنظيم سياسي هو ... أولاً الحصول على حكّام، رجال يملكون القدر الأكبر من الحكمة لإدراك، والقدر الأكبر من الفضيلة لتحقيق الهدف المشترك للمجتمع".
- جيمس ماديسون، مجلة الفدرالي، العدد 57
عبّر إعلان الاستقلال الصادر عام 1776 عن جوهر نظرية الديمقراطية بإشارته إلى "حكومات.. تستمد سلطاتها العادلة من رضى المحكومين". بعد سبعة وثمانين عاماً من ذلك، عندما كانت الولايات الأميركية تخوض حرباً أهلية فيها، وذلك بعد رفض 11 ولاية منها نتيجة انتخابات عام 1860، أعاد الرئيس أبراهام لينكولن طرح مبدأ الرضى بقوله "حكومة من الشعب، يختارها الشعب، من أجل الشعب". ومهما كانت صياغته، فإن هذا المبدأ الأساسي يستلزم نظام انتخابات، أي نظام "الاعتماد على الشعب" الذي نوّه به جيمس ماديسون في العدد 51 من مجلة الفدرالي باعتباره "السيطرة الأساسية للحكم".
تقدّم الانتخابات حلولاً للمسائل الهامة التي يواجهها أي نظام سياسي، إذ تُحدد سلمياً من هم الذين سيحكمون كما تضفي المشروعية على القرارات التي يتخذونها. هذه الأهداف تصبح أسهل تحقيقاً عندما تشجع صفات النظام الانتخابي على شيوع الاعتقاد لدى الناس بحرية ونزاهة الانتخابات. العوامل التي تشجع على هذا الاعتقاد هي حقوق الانتخاب والوصول إلى صناديق الاقتراع، والتي تتميز بشموليتها أكثر مما تتميز بالحصرية؛ ومبدأ مساواة الأصوات بحيث لا يكون لصوت ما تأثير يفوق تأثير صوت آخر؛ ونتائج انتخابات تقررها قواعد موضوعة سلفاً، تقترن بأقل قدر ممكن من الغش والتزوير في الاقتراع وفرز الأصوات وعدّها. كانت هذه المعايير للانتخابات الحرة والنزيهة متطورة خلال مراحل التاريخ السياسي الأميركي. وعكس تطورها تجربة كل جيل في التعامل مع طبيعة المجتمع السياسي، والمدى المسموح به للمعارضة القانونية، والتمثيل، وهيكلية الانتخابات وإدارتها.
* من له حق الانتخاب
بموجب المادة الأولى، الفقرة الثانية، من الدستور، كان يحق للفرد انتخاب عضو في مجلس النواب الأميركي إذا كان له حق انتخاب عضو "في الفرع الأكثر عدداً من فروع الهيئة التشريعية في الولاية". وباستثناء تحديد بعض المؤهلات لمناصب الحكومة المركزية، ترك الدستور تحديد مؤهلات التصويت لكل من الولايات على حدة. من الناحية العملية، وبسبب القوانين التي كانت معتمدة في مختلف الولايات، عنى ذلك في البداية أن يبقى حق الاقتراع محصوراً بالبالغين من الرجال البيض الذين يملكون قدراً بسيطاً من الممتلكات أو الذين يدفعون مقداراً معيّناً من الضرائب. بحلول العام 1830، لم تعد المؤهلات المتعلقة بالملكية معمولاً بها لأن حق الانتخاب أصبح يشمل جميع البالغين من الذكور البيض.
قبل الحرب الأهلية، كان السود ممنوعين من الانتخاب عموماً، حتى في الولايات التي كان الرق ممنوعاً فيها. وما أن صمتت المدافع عام 1865، بشّرت ثلاثة تعديلات للدستور بحصول تغييرات كبيرة في مفهوم المجتمع السياسي الأميركي، أولئك الذين يحق لهم الانتخاب والذين يحق لهم أن يترشحوا لمناصب عامة. فقد ألغى التعديل الثالث عشر (1865) الرق. وأعلن التعديل الرابع عشر (1868) أن "جميع الأفراد المولودين في الولايات المتحدة والمتجنسين بجنسيتها الخاضعين لسلطاتها، يُعتبرون من مواطنيها ومواطني الولايات التي يقيمون فيها." وبذلك أصبح دستورياً أمر تحديد المواطنية بالنسبة للبلاد عامة كما للولايات لأول مرة. وأعلن التعديل أيضاً أنه "لا يجوز لأي ولاية ... أن تحرم أي فرد ضمن نطاق صلاحياتها من الحماية المتساوية للقوانين". أما التعديل الخامس عشر (1870)، فألغى العرق كمعيار للتصويت، وهو تعهّد لم يتم الوفاء به إلا بعد عقود من ذلك.
والواقع، أن بعض الولايات عمدت إلى اعتماد سبل للتهرب من تطبيق نصوص الدستور. من هذه السبل "فقرة الجد" التي لم تبطلها المحكمة العليا إلا في العام 1915. استثنت هذه الفقرة من امتحان معرفة القراءة والكتابة كل الذين سبق أن صوّتوا بتاريخ الأول من كانون الثاني/يناير 1866، أو قبله والمتحدرين منهم؛ وهو تاريخ كان يخضع كل شخص أسود تقريباً لامتحان يرمي إلى التأكد من معرفته القراءة والكتابة، وهو امتحان كانت تتم إدارته محلياً ويمكن أن يكون النجاح فيه صعباً. كما كانت الانتخابات الأولية المحصورة بالبيض وسيلة أكثر استعمالاً من فقرة الجد. فالانتخابات الأولية، وهي انتخابات تتم داخل الحزب السياسي المعني لاختيار مرشحيه للانتخابات العامة، أصبحت معتمدة في العديد من مناطق الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين كوسيلة لجعل اختيار مرشحي الحزب عملاً ديمقراطياً يتولاه الناخبون بدلاً من قادة الحزب. في الولايات التي كان فيها أحد الحزبين مسيطراً، مثل الحزب الديمقراطي في الولايات الجنوبية، أصبحت الانتخابات التمهيدية هي الانتخابات العامة في الواقع لأنه لم يكن في وسع الحزب الجمهوري مواجهة خصمه، أو كانت مواجهته له في الانتخابات العامة، رمزية في أفضل حال. ولذلك حتى لو كان في وسع السود الاقتراع في الانتخابات العامة، كانت الأنظمة المتبعة في بعض الولايات تمنعهم من التصويت في الانتخابات التمهيدية، ما ألغى تأثيرهم في الانتخابات المحلية وانتخابات مجالس الولايات. ولم يحصل حتى العام 1944 أن قضت المحكمة العليا بصورة قاطعة أن حق الانتخاب الذي يضمنه التعديل الخامس عشر للدستور يُطبق في الانتخابات التمهيدية كما في الانتخابات العامة.
رغم ذلك، كانت نسبة المسجلّين من السود في لوائح الناخبين في الجنوب في بداية ستينات القرن الماضي (العشرين)، لا تتجاوز الربع، أما نسبة الإقبال الفعلية على الاقتراع فكانت أقل من ذلك بكثير. أدّى العمل على جبهتين إلى حصول تغييرات مذهلة في غضون عقد من الزمن جعلت نسب الاقتراع لدى السود تقارب نسب الاقتراع لدى البيض. أولاً، جاءت الهجمات الناجحة على ضريبة الرؤوس (أي التي يدفعها كل فرد يريد الاقتراع) التي كانت تُثني الفقراء، لا سيما السود، عن التصويت. فقد منع التعديل الرابع والعشرين للدستور (1964) استخدام ضريبة الرؤوس في الانتخابات الفدرالية، وبعد سنتين من ذلك أبطلت المحكمة العليا اعتبار تلك الضريبة شرطاً للاقتراع في انتخابات مجالس الولايات. ثانياً، قانون حقوق الاقتراع لعام 1965، وهو أهم قانون انتخابات يصدره الكونغرس الأميركي، الذي ألغى كل الوسائل التي كانت تُستخدم لجعل السود يمتنعون عن الاقتراع. ونتيجة لتدابير مثل الإشراف الفدرالي على الانتخابات، وإلغاء امتحانات معرفة القراءة والكتابة، تضاعف في العام 1967 تسجيل الناخبين السود في قوائم المقترعين في ولاية جورجيا، وازداد بحوالي ثلاثة أضعاف في ولاية ألاباما، كما زاد بنسبة ثمانية أضعاف في ولاية مسيسيبي.
أما حركة منح النساء حق الاقتراع، التي بدأت في الأربعينات من القرن التاسع عشر، فقد استغرق وصولها إلى هدفها وقتاً أطول. ولكن ما أن تم ضمان حق النساء في الاقتراع، لم يعد ذلك الأمر يحتاج إلى مزيد من قوانين الحماية. في العام 1869، أصبحت منطقة وايومينغ أول وحدة سياسية في الولايات المتحدة تمنح النساء حق الاقتراع، ولكن الولايات الأخرى كانت بطيئة في عمل المثل، خاصة بعد أن قضت المحكمة العليا عام 1875 بأن في وسع الولايات الاستمرار في منع النساء من الاقتراع دون أن يعتبر ذلك مخالفة لأحكام التعديل الرابع عشر للدستور. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت ثلاث ولايات أخرى قد سمحت للنساء بالاقتراع. وسَمح التعديل التاسع عشر للدستور للنساء في كل أنحاء البلاد بالاقتراع قبيل الانتخابات العامة التي جرت العام 1920.
* من له الحق بترشيح نفسه
توازن الأنظمة التي تحكم البعد الثاني للمجتمع السياسي، أي الحق في الترشّح لتولي مناصب عامة، بين اثنتين من القيم المتنافسة. فمن ناحية، فضّلت الولايات تقليدياً مبدأ الشمولية. أي أنه إذا توفرت لدى شخص ما شروط السن، والإقامة، والمواطنية، يصبح له الحق في أن يرشح نفسه كي يتاح للناخبين الاقتراع له. كان الدستور يمنع دائماً فرض شرط ديني لتولي أي منصب قومي، وفي العام 1961 قضت المحكمة العليا بمنع الولايات أيضاً من فرض مثل هذا الشرط.
ومن الناحية الأخرى، حاولت الولايات أيضاً الثَني عن الإفراط في عدد المرشحين والأحزاب. وحيث أن الأحزاب السياسية تجمع بين مصالح مختلفة وتوفّق بينها، فإن التقليد السياسي الأميركي يفضّل أكثرية حاكمة مُشكّلة من ائتلافات ضمن الحزب، لا أكثرية حاكمة تعتمد على ائتلافات بين الأحزاب. وهذا التفضيل هو لنظام يزيد من احتمال أن يكون الفائز في الانتخابات قد فاز بأكثرية الأصوات أو على الأقل بعدد كبير منها، وهو هدف يقل احتمال تحقيقه بوجود عدد كبير من المرشحين والأحزاب.
هذه الأهداف تتحقق عادة بأن يُفرض على من يريد خوض الانتخابات التمهيدية للحزب أن يجمع عدداً من التواقيع على عريضة (ودفع رسم معيّن)، بحيث يكون عدد التواقيع عليها ومقدار الرسم المفروض للترشح في الانتخابات الأولية الخاصة بمناصب الولاية ككل، أكبر ما يُفرض من عدد تواقيع ومقدار رسوم الترشح لانتخابات حكومات محلية. وبالمثل، إذا كان لحزب ما أن يكون له مرشحون، فقد يُفرض عليه أن يًثبت أن لديه قدراً من التأييد يسبق الانتخابات، إما بواسطة توقيع عرائض أو استناداً إلى عدد الأصوات التي نالها في الانتخابات السابقة.
إن الأنظمة التي تشرف على حق الترشح في الولايات تتسبب بأعباء على من يسعى إلى الرئاسة كمرشح لـ"حزب ثالث" (أي من حزب غير الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري). فعلى المرشحين لمناصب فدرالية ومناصب حكومات الولايات والحكومات المحلية، أن يفوا بشروط الترشيح في الولاية المعنّية لكي يتمكنوا من الترشح في تلك الولاية. وهذا أمر سهل بالنسبة للحزبين الرئيسيين، إنما يمكن أن يكون صعباً جداً على أي حزب ثالث.
لكن سيطرة أي من الحزبين الرئيسيين خلال معظم التاريخ الأميركي لم تحد من خيار الناخبين بقدر ما يمكن ملاحظته لأول وهلة. يعود ذلك لثلاثة أسباب على الأقلهي: إن الحزبين بالذات تغيّرا مع الوقت بالنسبة لما يدعون له؛ إن الأحزاب الثالثة نبّهت الحزبين الرئيسيين بالنسبة للتغييرات في آراء الناخبين؛ إن أي سياسة يفرضها الكونغرس أو إدارة الرئيس تكون دائماً عرضة للطعن في دستوريتها أمام المحكمة العليا.
* مجال تحرّك المعارضة
لا معنى للاقتراع دون خيار. والخيار العقلاني يتطلّب السماح للمواطنين الذين يعارضون من هم في السلطة بالإعلان عن آرائهم، وانتقاد السياسات المتبعة، واجتذاب المؤيدين وتنظيمهم. والانتخابات الحرة والنزيهة مستحيلة إذا كان المسؤولون يملكون سلطة إسكات منتقديهم.
عادةً ما تتمتع المعارضة بحرية تحرك واسعة النطاق في الولايات المتحدة، ولكن استثناءات ملحوظة لذلك تثبت أن الحريات تكون في بعض الأحيان في أكبر خطر عندما يكون هناك أكبر قدر من الحاجة إليها. بالنسبة للبعض، وفي بعض مراحل التاريخ، بدا وكأن سلامة الجمهورية تعتمد على القضاء على الرأي المعارض وعلى وجهات النظر المعتبرة هدّامة. الأمثلة على ذلك تتراوح بين قانون التحريض على الفتنة الصادر عام 1798، الذي جعل لثلاث سنوات انتقاد الرئيس أو الكونغرس عملاً جرمياً، وبين تطبيق القانون المعروف بقانون سميث في حقبة الحرب الباردة في الخمسينات من القرن الماضي، وهو قانون جعل الدعوة إلى إطاحة الحكومة عملاً جرمياً.لا معنى للاقتراع دون خيار. والخيار العقلاني يتطلّب السماح للمواطنين الذين يعارضون من هم في السلطة بالإعلان عن آرائهم، وانتقاد السياسات المتبعة، واجتذاب المؤيدين وتنظيمهم. والانتخابات الحرة والنزيهة مستحيلة إذا كان المسؤولون يملكون سلطة إسكات منتقديهم.
على نقيض ذلك، آمن آخرون بأن أفضل سبيل للحفاظ على الأمن هو الحرية، وهذه فكرة راقت للآباء المؤسسين وانتصرت في الكثير من قرارات المحاكم الأميركية. فقد ورد في رأي قانوني للقاضي روبرت جاكسون قدّمه للمحكمة العليا العام 1943 أن "حرية الاختلاف لا تنحصر في الأمور التافهة. فذلك لا يشكّل سوى صورة زائفة للحرية. إن جوهر الحرية يكمن في حق الاختلاف على أمور تلامس صميم النظام القائم". ولفت القاضي وليام برانان، في رأي له عام 1964 إلى أن نقاش القضايا العامة "يجب أن يكون غير مكبوح، قوياً، وواسع النطاق... وقد يتضمن هجمات شرسة، لاذعة، وأحياناً حادة جداً على الحكومة والمسؤولين الرسميين". باختصار، في حين يمكن للحكومة أن تحد من الكلام التحريضي عندما تكون أعمال العنف وشيكة، فليس هناك اليوم بموجب الدستور فكرة يمكن أن توصف بأنها فكرة مخالفة للقانون. قال القاضي لويس براندايس في عام 1927 "إذا حان وقت لفضح الكذب والمغالطات عن طريق النقاش، وتحاشي الشر بعمليات التوعية، فإن العلاج اللازم يكون المزيد من الكلام لا فرض الصمت
رد: مبادئ الانتخابات الديمقراطية
التمثيل
تسفر الانتخابات عن اختيار مسؤولين يتصّرفون نيابة عن الشعب. في الولايات المتحدة تتجلى هذه العلاقة بأفضل صورها في الهيئات التشريعية للولايات وفي كونغرس الولايات المتحدة، حيث يمثّل المسؤولون، عند القيام بدورهم كمشرعين، ولاية بكاملها أو جزءاً يدعى الدائرة الانتخابية من ولاية. ونظام التمثيل المعتمد في ولاية أو دولة ما له أهميته إذ إنه يؤثر في توزيع السلطة، لا بين مناطق جغرافية وحسب بل بين المصالح المتنافسة أيضاً. ففي الكونغرس، مثلاً، يفرض الدستور أن يكون لكل ولاية عضوان في مجلس الشيوخ، في حين يكون عدد أعضاء مجلس النواب من كل ولاية متناسباً مع عدد سكانها. وهكذا، فإن ولاية وايومينغ، التي لا يصل عدد سكانها إلى 500 ألف نسمة، ممثلة في مجلس الشيوخ بنفس عدد ممثلي ولاية كاليفورنيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 34 مليون نسمة. ولكن ولاية وايومينغ لديها في مجلس النواب ممثل واحد، في حين يبلغ عدد ممثلي كاليفورنيا فيه 53 ممثلاً نتيجة إحصاء العام 2000. هذا النمط من التمثيل، الذي يمثّل حلا وسطاً، تم التوصل إليه في المؤتمر الدستوري العام 1787، يتيح للولايات الصغيرة أن يكون لها تأثير سياسي يفوق ما كان يمكن أن يكون لها لو كان التمثيل على أساس عدد السكان وحسب. تتحمل الهيئات التشريعية في الولايات مسؤولية تقسيم الدوائر الانتخابية لأعضائها ولممثليها في مجلس نواب الولايات المتحدة. إن الدوائر الفردية هي الأكثر تفضيلاً في الولايات المتحدة. فإذا كانت ولاية ما ترسل عشرة أعضاء إلى مجلس النواب، تقوم هيئتها التشريعية بقسمتها إلى عشر دوائر انتخابية، تنتخب كل واحدة منها ممثلاً.
بخلاف التمثيل النسبي وبعض أشكال الدوائر المخصصة لعدد من الممثلين، لا تُشجع الدوائر الفردية على نمو الأحزاب الثالثة. وقد تقلّص إلى حد كبير من نفوذ الأقليات السياسية الكبيرة. سبب ذلك أن رسم حدود الدوائر الانتخابية بشكل معّين يمكن أن يقلّص من قوة مجموعة من الناخبين أو قوة حزب سياسي. وإذا كثُر عمل ذلك واستمر لعدة سنوات، يمكن للمحكمة العليا أن تقضي بأن مثل هذا الأمر مخالف للدستور وتبطله. وما لم يحصل ذلك، يبقى هذا الأمر تقليداً متبعاً في الحياة السياسية الأميركية منذ أمد بعيد. ولكن الجهود التي يبذلها حزب ما لتأمين تفوقه من خلال رسم حدود الدوائر الانتخابية يجب أن تبقى متفقة مع بعض المبادئ. فيجب أن لا تبدو وكأن حدود تلك الدوائر قد رُسمت بشكل اعتباطي، كما يجب أن تكون الدوائر مُدمجة ومتلاصقة. رغم هذا، تبقى الانتخابات التي تجري في السنة التي يتم فيها الإحصاء العُشري (أي كل عشر سنوات) بالغة الأهمية، لأن الحزب الذي يُسيطر على الهيئة التشريعية في الولاية في بداية العقد الجديد هو الذي يرسم حدود الدوائر الانتخابية لمقاعد الهيئة التشريعية في الولاية ومقاعد مجلس النواب الأميركي بحيث يبقى معمولاً بها لحين الإحصاء التالي بعد عشر سنوات.
ولكن المحكمة العليا قامت منذ أمد بعيد بوضع حد لترتيب كان متبعاً في رسم حدود الدوائر الانتخابية تسبب باختلال كبير في التمثيل. فبحلول الخمسينات من القرن الماضي، كانت اختلالات عددية ملحوظة تحصل دائماً بين الدوائر الانتخابية في كل ولاية تقريباً. فمع انتقال الناس من المزارع إلى المدن، ومن المدن إلى الضواحي، لم يكن رسم حدود الدوائر يُماشي سرعة التغيير. وحصل أن كان عدد ممثلي بعض المناطق الريفية القليلة السكان يفوق عدد ممثلي مناطق تفوقها في عدد السكان في المناطق الحضرية. وكان ممثلو تلك المناطق غير تواقين بالطبع إلى تعديل تلك الدوائر لأن في ذلك خسارة لهم ولمصالحهم.
أبطلت سلسلة قرارات أصدرتها المحكمة العليا في الستينات من القرن الماضي مثل تلك الترتيبات لرسم حدود الدوائر الانتخابية، وفرضت بدلاً من ذلك تحديد الدوائر على أساس صوت واحد لكل فرد. أي أنه يجب أن يكون عدد سكان كل دائرة انتخابية مساوياً لعدد سكان الولاية مقسوماً على عدد الدوائر. وقبل نهاية ذلك العقد، أرست المحكمة العليا تغييراً ثورياً في التمثيل في الولايات المتحدة، ناقلة القوة السياسية من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، وخاصة إلى ضواحي المدن. نتيجة لذلك، أصبحت أكثرية الناس قادرة على انتخاب أكثرية أعضاء الهيئات التشريعية.
* الهيكليات والإجراءات الانتخابية
إن الأنظمة والممارسات الانتخابية يمكنها أيضاً أن تسهم إما في اعتبار الانتخابات حرة ونزيهة، أو العكس. وهذا يعتمد على معوّقات الاقتراع، وفرز الأصوات، وأنظمة تمويل الحملات الانتخابية.
إحدى الوقائع البارزة في انتخابات الولايات المتحدة ظاهرة عدم الاقتراع. (الاقتراع في الولايات المتحدة طوعي، وليس واجباً قانوناً كما في بعض البلدان). وحتى في الانتخابات الرئاسية المنظورة جداً، كانت نسبة إقبال الناخبين في السنوات الأخيرة في حدود الخمسين بالمئة. أي أن نصف السكان الذين يحق لهم الاقتراع (تقريباً جميع المواطنين فوق سن الـ 17 سنة) لا يقترعون. مقارنة بذلك، كانت نسبة الذين اقترعوا في الانتخابات الرئاسية العام 1960 حوالى 65 بالمئة، وهي أعلى نسبة سجّلت في العصر الحديث. وهكذا، عندما فاز الرئيس كلينتون بالرئاسة لولاية ثانية العام 1996 بنسبة 49 بالمئة من أصوات المقترعين، كانت نسبة المقترعين له أقل من ربع مجموع من يحق لهم الاقتراع.
ما هو سبب هذا الاتجاه؟ هناك عوامل، مثل تناقص الشعور بالواجب المدني والاجتماعي، وعدم اكتراث الناخبين الناجم عن الاعتقاد بأن الانتخابات لا تؤثر في حياتهم، وزيادة نسبة الزوجين العاملين بين السكان، التي يمكن أن تقلل من الإقبال على الاقتراع، بالإضافة إلى الشعور، في الانتخابات العامة في الآونة الأخيرة، بأن ليس هناك من قضايا هامة على المحك في هذه الفترة من السلام والازدهار التي تنعم بها البلاد.
من المهم أيضاً أن نُبقي في خلدنا أن الاقتراع في الولايات المتحدة يستلزم اتخاذ ثلاثة قرارات مختلفة. فإلى جانب اتخاذ قرار بالاقتراع وتحديد المرشح الذي سيقترعون له، على المقترعين المحتَملين أن يكونوا قد تسجلوا أيضاً في قوائم الناخبين. ويبدو أن هذا الشرط يعيق الاقتراع لأن فترة التسجيل في هذه القوائم تنتهي قبل الانتخابات بأسابيع. إضافة إلى ذلك، فإن التسجيل في قوائم الاقتراع يتم في الولايات، وداخل الولايات في المقاطعات، وداخل المقاطعات في محل الإقامة، وهذا يعني أن على الذين انتقلوا حديثاً إلى محل إقامة جديد أن يعيدوا تسجيلهم أو ينقلوا أسماءهم إلى قوائم الناخبين في محل إقامتهم الجديد. ولذا فإن كثرة تنقل الأميركيين توحي بأن هناك دائماً عدداً من الناخبين المحتملين لا يتمكنون من الاقتراع بسبب شرط تسجيلهم في قوائم الناخبين. وما زال من غير الواضح ما إذا كانت أنظمة جديدة لتسهيل تسجيل الناخبين، مثل التسجيل لدى طلب رخصة قيادة سيارة أو طلب تجديد مثل هذه الرخصة، سوف تحسن نسبة الإقبال على الإقتراع.
تُستخدم لدى فرز الأصوات وعدّها وسائل وقاية قانونية تم تطويرها بمرور الزمن كي تقلل الأخطاء إلى أدنى مستوى ممكن وتضمن الإنصاف. ولهذا تتضمن قوانين كل الولايات نصوصاً تقضي بإعادة الفرز في بعض الحالات، وتسمح للمرشح الذي يبدو خاسراً للوهلة الأولى بأن يطعن في النتائج. لولا ذلك، قد تؤدي الشكوك في دقة فرز الأصوات إلى تقويض ثقة الناس بنزاهة الانتخابات وتنتقص من شرعية الذين يعلن فوزهم من المرشحين. ولعل أفضل مثال على ذلك الانتخابات الرئاسية المطولة التي جرت العام 2000 وأبرزت بوضوح المشاكل التي يمكن أن تنشأ خلال عملية فرز الأصوات البسيطة عادة.
* الاقتراع في الانتخابات الرئاسية
لكل من الولايات، بموجب الدستور، عدد محدد من الأصوات الناخبة يساوي عددها عدد ممثلي تلك الولاية في الكونغرس، أما منطقة واشنطن العاصمة فيبلغ عدد أصواتها الناخبة ثلاثة أصوات، وفق ما يقضي التعديل الثالث والعشرون للدستور الصادر عام 1961. يفوز المرشح بالرئاسة إذا حصل على أكثرية (270 صوتاً على الأقل) مجموع الأصوات الناخبة للولايات، وهو 538 صوتاً. وهذه الأصوات يدلي بها ناخبون يجتمعون في عواصم ولاياتهم في 18 كانون الأول/ديسمبر من السنة التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية (يعرف هؤلاء بمجموعهم بالهيئة الناخبة). ينص الدستور على أن أعضاء الهيئة الناخبة من كل ولاية "يتم تعيينهم بالطريقة التي ترتئيها الهيئة التشريعية لتلك الولاية". ومنذ أواسط الثمانينات من القرن التاسع عشر، يتم اختيار الناخبين الرئاسيين من كل ولاية باقتراع سكان تلك الولاية. وفي الولايات الخمسين، ما عدا ولايتي ماين ونبراسكا، تسود قاعدة الأكثرية البسيطة: أي ان المرشح لمنصب الرئاسة الذي يحصل على أكثرية أصوات المقترعين في ولاية ما يحصل على أصوات كل الناخبين الرئاسيين في تلك الولاية، ما يجعل الأصوات التي ينالها المرشحون الآخرون لهذا المنصب لا قيمة لها.
تبدو الهيئة الناخبة كأنها مفارقة تاريخية، حتى بالنسبة إلى الكثير من الأميركيين. فقد أصبحت ولاية فلوريدا ميدان معركة بعد يوم الانتخابات الرئاسية العام 2000 (7 تشرين الثاني/نوفمبر) بسبب تلك الهيئة الناخبة. كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية في تلك الولاية موضع نزاع بين تشرين الثاني/نوفمبر وحتى كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة بسبب التقارب الشديد غير المعتاد في نتائج التصويت الشعبي بين المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش والمرشح الديمقراطي آل غور. وحيث أن نتائج الانتخابات في الولايات الـ49 الباقية جعلت ما حصل عليه المرشحان من أصوات الهيئة الناخبة متقارباً جداً، تعذّر على أي من المرشحين جمع 270 صوتاً انتخابياً (اللازمة للفوز) دون حساب أصوات ولاية فلوريدا التي يبلغ عددها 25 صوتاً. أي أن المرشح الذي يكون قد فاز بأكثرية الأصوات الشعبية في تلك الولاية يكون قد فاز أيضاً بجميع الأصوات الانتخابية لتلك الولاية، وأصبح الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة. ومع أن الجميع كانوا متفقين على أن آل غور كان متقدماً في عدد الأصوات الشعبية في عموم البلاد ببضع مئات آلاف الأصوات، فإن هذا التقدم ما كان ليعني شيئاً بالنسبة إلى انتخابه رئيساً. فالأمر الأهم كان نتيجة الانتخابات الشعبية في فلوريدا (وبالتالي حساب أصوات تلك الولاية في الهيئة الانتخابية).
معظم أوراق الاقتراع التي اسُتخدمت في ولاية فلوريدا تم فرزها بواسطة الآلات. ولكن بعض أوراق الاقتراع تعّذرت قراءتها بصورة صحيحة لأن بعض المقترعين الذين استخدموا بطاقات يتم ثقبها لم يثقبوا البطاقة بشكل كامل، أو انهم تركوا القسم المثقوب من البطاقة معلّقاً فيها ولم ينزعوه عنها، أو أن محاولتهم ثقب البطاقة لم تترك سوى أثر بسيط على البطاقة. لم تَحسب الآلات مثل هذه البطاقات كأصوات قانونية. كما يبدو أن عدداً من الناخبين لم يصوّتوا للمرشح الرئاسي في بطاقاتهم. كانت مثل هذه الأمور قد حصلت في الولاية في انتخابات أخرى، ولكن ما من أحد عالج المشكلة لأن النتائج لم تكن بهذا القدر من التقارب، ولأن ما هو على المحك لم يكن بهذا القدر من الأهمية. وبما أن غور كان متخلفاً عن بوش في نتيجة انتخابات الولاية ببضع مئات من الأصوات (التي بلغ مجموعها في الولاية ستة ملايين صوت) فقد أراد ومؤيدوه أن يعيد المسؤولون عن العمليات الانتخابية في كل الدوائر الانتخابية في الولاية فرز الأصوات التي رفضت الآلات حسابها. أما بوش ومؤيدوه فقد خشوا من أن تؤثر عناصر شخصية على أي فرز يدوي لمعرفة نية المقترعين الذين استخدموا تلك البطاقات تتسبب له بخسارة غير منصفة للانتخابات. واعتبر بوش أن آلات الفرز لا تحبّذ مرشحاً على آخر، في حين أن أي فرز يدوي لا بد وأن يجري تحت ضغوط مخاطر نتيجة الانتخابات. حَجبت هذه القضية المثيرة للجدل القاسم المشترك بين الرجلين: فكل منهما أصرّ على فرز الأصوات بصورة منصفة. أما الخلاف فكان على الطريقة التي يجب أن تُعتمد لتحقيق ذلك.
تسفر الانتخابات عن اختيار مسؤولين يتصّرفون نيابة عن الشعب. في الولايات المتحدة تتجلى هذه العلاقة بأفضل صورها في الهيئات التشريعية للولايات وفي كونغرس الولايات المتحدة، حيث يمثّل المسؤولون، عند القيام بدورهم كمشرعين، ولاية بكاملها أو جزءاً يدعى الدائرة الانتخابية من ولاية. ونظام التمثيل المعتمد في ولاية أو دولة ما له أهميته إذ إنه يؤثر في توزيع السلطة، لا بين مناطق جغرافية وحسب بل بين المصالح المتنافسة أيضاً. ففي الكونغرس، مثلاً، يفرض الدستور أن يكون لكل ولاية عضوان في مجلس الشيوخ، في حين يكون عدد أعضاء مجلس النواب من كل ولاية متناسباً مع عدد سكانها. وهكذا، فإن ولاية وايومينغ، التي لا يصل عدد سكانها إلى 500 ألف نسمة، ممثلة في مجلس الشيوخ بنفس عدد ممثلي ولاية كاليفورنيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 34 مليون نسمة. ولكن ولاية وايومينغ لديها في مجلس النواب ممثل واحد، في حين يبلغ عدد ممثلي كاليفورنيا فيه 53 ممثلاً نتيجة إحصاء العام 2000. هذا النمط من التمثيل، الذي يمثّل حلا وسطاً، تم التوصل إليه في المؤتمر الدستوري العام 1787، يتيح للولايات الصغيرة أن يكون لها تأثير سياسي يفوق ما كان يمكن أن يكون لها لو كان التمثيل على أساس عدد السكان وحسب. تتحمل الهيئات التشريعية في الولايات مسؤولية تقسيم الدوائر الانتخابية لأعضائها ولممثليها في مجلس نواب الولايات المتحدة. إن الدوائر الفردية هي الأكثر تفضيلاً في الولايات المتحدة. فإذا كانت ولاية ما ترسل عشرة أعضاء إلى مجلس النواب، تقوم هيئتها التشريعية بقسمتها إلى عشر دوائر انتخابية، تنتخب كل واحدة منها ممثلاً.
بخلاف التمثيل النسبي وبعض أشكال الدوائر المخصصة لعدد من الممثلين، لا تُشجع الدوائر الفردية على نمو الأحزاب الثالثة. وقد تقلّص إلى حد كبير من نفوذ الأقليات السياسية الكبيرة. سبب ذلك أن رسم حدود الدوائر الانتخابية بشكل معّين يمكن أن يقلّص من قوة مجموعة من الناخبين أو قوة حزب سياسي. وإذا كثُر عمل ذلك واستمر لعدة سنوات، يمكن للمحكمة العليا أن تقضي بأن مثل هذا الأمر مخالف للدستور وتبطله. وما لم يحصل ذلك، يبقى هذا الأمر تقليداً متبعاً في الحياة السياسية الأميركية منذ أمد بعيد. ولكن الجهود التي يبذلها حزب ما لتأمين تفوقه من خلال رسم حدود الدوائر الانتخابية يجب أن تبقى متفقة مع بعض المبادئ. فيجب أن لا تبدو وكأن حدود تلك الدوائر قد رُسمت بشكل اعتباطي، كما يجب أن تكون الدوائر مُدمجة ومتلاصقة. رغم هذا، تبقى الانتخابات التي تجري في السنة التي يتم فيها الإحصاء العُشري (أي كل عشر سنوات) بالغة الأهمية، لأن الحزب الذي يُسيطر على الهيئة التشريعية في الولاية في بداية العقد الجديد هو الذي يرسم حدود الدوائر الانتخابية لمقاعد الهيئة التشريعية في الولاية ومقاعد مجلس النواب الأميركي بحيث يبقى معمولاً بها لحين الإحصاء التالي بعد عشر سنوات.
ولكن المحكمة العليا قامت منذ أمد بعيد بوضع حد لترتيب كان متبعاً في رسم حدود الدوائر الانتخابية تسبب باختلال كبير في التمثيل. فبحلول الخمسينات من القرن الماضي، كانت اختلالات عددية ملحوظة تحصل دائماً بين الدوائر الانتخابية في كل ولاية تقريباً. فمع انتقال الناس من المزارع إلى المدن، ومن المدن إلى الضواحي، لم يكن رسم حدود الدوائر يُماشي سرعة التغيير. وحصل أن كان عدد ممثلي بعض المناطق الريفية القليلة السكان يفوق عدد ممثلي مناطق تفوقها في عدد السكان في المناطق الحضرية. وكان ممثلو تلك المناطق غير تواقين بالطبع إلى تعديل تلك الدوائر لأن في ذلك خسارة لهم ولمصالحهم.
أبطلت سلسلة قرارات أصدرتها المحكمة العليا في الستينات من القرن الماضي مثل تلك الترتيبات لرسم حدود الدوائر الانتخابية، وفرضت بدلاً من ذلك تحديد الدوائر على أساس صوت واحد لكل فرد. أي أنه يجب أن يكون عدد سكان كل دائرة انتخابية مساوياً لعدد سكان الولاية مقسوماً على عدد الدوائر. وقبل نهاية ذلك العقد، أرست المحكمة العليا تغييراً ثورياً في التمثيل في الولايات المتحدة، ناقلة القوة السياسية من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، وخاصة إلى ضواحي المدن. نتيجة لذلك، أصبحت أكثرية الناس قادرة على انتخاب أكثرية أعضاء الهيئات التشريعية.
* الهيكليات والإجراءات الانتخابية
إن الأنظمة والممارسات الانتخابية يمكنها أيضاً أن تسهم إما في اعتبار الانتخابات حرة ونزيهة، أو العكس. وهذا يعتمد على معوّقات الاقتراع، وفرز الأصوات، وأنظمة تمويل الحملات الانتخابية.
إحدى الوقائع البارزة في انتخابات الولايات المتحدة ظاهرة عدم الاقتراع. (الاقتراع في الولايات المتحدة طوعي، وليس واجباً قانوناً كما في بعض البلدان). وحتى في الانتخابات الرئاسية المنظورة جداً، كانت نسبة إقبال الناخبين في السنوات الأخيرة في حدود الخمسين بالمئة. أي أن نصف السكان الذين يحق لهم الاقتراع (تقريباً جميع المواطنين فوق سن الـ 17 سنة) لا يقترعون. مقارنة بذلك، كانت نسبة الذين اقترعوا في الانتخابات الرئاسية العام 1960 حوالى 65 بالمئة، وهي أعلى نسبة سجّلت في العصر الحديث. وهكذا، عندما فاز الرئيس كلينتون بالرئاسة لولاية ثانية العام 1996 بنسبة 49 بالمئة من أصوات المقترعين، كانت نسبة المقترعين له أقل من ربع مجموع من يحق لهم الاقتراع.
ما هو سبب هذا الاتجاه؟ هناك عوامل، مثل تناقص الشعور بالواجب المدني والاجتماعي، وعدم اكتراث الناخبين الناجم عن الاعتقاد بأن الانتخابات لا تؤثر في حياتهم، وزيادة نسبة الزوجين العاملين بين السكان، التي يمكن أن تقلل من الإقبال على الاقتراع، بالإضافة إلى الشعور، في الانتخابات العامة في الآونة الأخيرة، بأن ليس هناك من قضايا هامة على المحك في هذه الفترة من السلام والازدهار التي تنعم بها البلاد.
من المهم أيضاً أن نُبقي في خلدنا أن الاقتراع في الولايات المتحدة يستلزم اتخاذ ثلاثة قرارات مختلفة. فإلى جانب اتخاذ قرار بالاقتراع وتحديد المرشح الذي سيقترعون له، على المقترعين المحتَملين أن يكونوا قد تسجلوا أيضاً في قوائم الناخبين. ويبدو أن هذا الشرط يعيق الاقتراع لأن فترة التسجيل في هذه القوائم تنتهي قبل الانتخابات بأسابيع. إضافة إلى ذلك، فإن التسجيل في قوائم الاقتراع يتم في الولايات، وداخل الولايات في المقاطعات، وداخل المقاطعات في محل الإقامة، وهذا يعني أن على الذين انتقلوا حديثاً إلى محل إقامة جديد أن يعيدوا تسجيلهم أو ينقلوا أسماءهم إلى قوائم الناخبين في محل إقامتهم الجديد. ولذا فإن كثرة تنقل الأميركيين توحي بأن هناك دائماً عدداً من الناخبين المحتملين لا يتمكنون من الاقتراع بسبب شرط تسجيلهم في قوائم الناخبين. وما زال من غير الواضح ما إذا كانت أنظمة جديدة لتسهيل تسجيل الناخبين، مثل التسجيل لدى طلب رخصة قيادة سيارة أو طلب تجديد مثل هذه الرخصة، سوف تحسن نسبة الإقبال على الإقتراع.
تُستخدم لدى فرز الأصوات وعدّها وسائل وقاية قانونية تم تطويرها بمرور الزمن كي تقلل الأخطاء إلى أدنى مستوى ممكن وتضمن الإنصاف. ولهذا تتضمن قوانين كل الولايات نصوصاً تقضي بإعادة الفرز في بعض الحالات، وتسمح للمرشح الذي يبدو خاسراً للوهلة الأولى بأن يطعن في النتائج. لولا ذلك، قد تؤدي الشكوك في دقة فرز الأصوات إلى تقويض ثقة الناس بنزاهة الانتخابات وتنتقص من شرعية الذين يعلن فوزهم من المرشحين. ولعل أفضل مثال على ذلك الانتخابات الرئاسية المطولة التي جرت العام 2000 وأبرزت بوضوح المشاكل التي يمكن أن تنشأ خلال عملية فرز الأصوات البسيطة عادة.
* الاقتراع في الانتخابات الرئاسية
لكل من الولايات، بموجب الدستور، عدد محدد من الأصوات الناخبة يساوي عددها عدد ممثلي تلك الولاية في الكونغرس، أما منطقة واشنطن العاصمة فيبلغ عدد أصواتها الناخبة ثلاثة أصوات، وفق ما يقضي التعديل الثالث والعشرون للدستور الصادر عام 1961. يفوز المرشح بالرئاسة إذا حصل على أكثرية (270 صوتاً على الأقل) مجموع الأصوات الناخبة للولايات، وهو 538 صوتاً. وهذه الأصوات يدلي بها ناخبون يجتمعون في عواصم ولاياتهم في 18 كانون الأول/ديسمبر من السنة التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية (يعرف هؤلاء بمجموعهم بالهيئة الناخبة). ينص الدستور على أن أعضاء الهيئة الناخبة من كل ولاية "يتم تعيينهم بالطريقة التي ترتئيها الهيئة التشريعية لتلك الولاية". ومنذ أواسط الثمانينات من القرن التاسع عشر، يتم اختيار الناخبين الرئاسيين من كل ولاية باقتراع سكان تلك الولاية. وفي الولايات الخمسين، ما عدا ولايتي ماين ونبراسكا، تسود قاعدة الأكثرية البسيطة: أي ان المرشح لمنصب الرئاسة الذي يحصل على أكثرية أصوات المقترعين في ولاية ما يحصل على أصوات كل الناخبين الرئاسيين في تلك الولاية، ما يجعل الأصوات التي ينالها المرشحون الآخرون لهذا المنصب لا قيمة لها.
تبدو الهيئة الناخبة كأنها مفارقة تاريخية، حتى بالنسبة إلى الكثير من الأميركيين. فقد أصبحت ولاية فلوريدا ميدان معركة بعد يوم الانتخابات الرئاسية العام 2000 (7 تشرين الثاني/نوفمبر) بسبب تلك الهيئة الناخبة. كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية في تلك الولاية موضع نزاع بين تشرين الثاني/نوفمبر وحتى كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة بسبب التقارب الشديد غير المعتاد في نتائج التصويت الشعبي بين المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش والمرشح الديمقراطي آل غور. وحيث أن نتائج الانتخابات في الولايات الـ49 الباقية جعلت ما حصل عليه المرشحان من أصوات الهيئة الناخبة متقارباً جداً، تعذّر على أي من المرشحين جمع 270 صوتاً انتخابياً (اللازمة للفوز) دون حساب أصوات ولاية فلوريدا التي يبلغ عددها 25 صوتاً. أي أن المرشح الذي يكون قد فاز بأكثرية الأصوات الشعبية في تلك الولاية يكون قد فاز أيضاً بجميع الأصوات الانتخابية لتلك الولاية، وأصبح الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة. ومع أن الجميع كانوا متفقين على أن آل غور كان متقدماً في عدد الأصوات الشعبية في عموم البلاد ببضع مئات آلاف الأصوات، فإن هذا التقدم ما كان ليعني شيئاً بالنسبة إلى انتخابه رئيساً. فالأمر الأهم كان نتيجة الانتخابات الشعبية في فلوريدا (وبالتالي حساب أصوات تلك الولاية في الهيئة الانتخابية).
معظم أوراق الاقتراع التي اسُتخدمت في ولاية فلوريدا تم فرزها بواسطة الآلات. ولكن بعض أوراق الاقتراع تعّذرت قراءتها بصورة صحيحة لأن بعض المقترعين الذين استخدموا بطاقات يتم ثقبها لم يثقبوا البطاقة بشكل كامل، أو انهم تركوا القسم المثقوب من البطاقة معلّقاً فيها ولم ينزعوه عنها، أو أن محاولتهم ثقب البطاقة لم تترك سوى أثر بسيط على البطاقة. لم تَحسب الآلات مثل هذه البطاقات كأصوات قانونية. كما يبدو أن عدداً من الناخبين لم يصوّتوا للمرشح الرئاسي في بطاقاتهم. كانت مثل هذه الأمور قد حصلت في الولاية في انتخابات أخرى، ولكن ما من أحد عالج المشكلة لأن النتائج لم تكن بهذا القدر من التقارب، ولأن ما هو على المحك لم يكن بهذا القدر من الأهمية. وبما أن غور كان متخلفاً عن بوش في نتيجة انتخابات الولاية ببضع مئات من الأصوات (التي بلغ مجموعها في الولاية ستة ملايين صوت) فقد أراد ومؤيدوه أن يعيد المسؤولون عن العمليات الانتخابية في كل الدوائر الانتخابية في الولاية فرز الأصوات التي رفضت الآلات حسابها. أما بوش ومؤيدوه فقد خشوا من أن تؤثر عناصر شخصية على أي فرز يدوي لمعرفة نية المقترعين الذين استخدموا تلك البطاقات تتسبب له بخسارة غير منصفة للانتخابات. واعتبر بوش أن آلات الفرز لا تحبّذ مرشحاً على آخر، في حين أن أي فرز يدوي لا بد وأن يجري تحت ضغوط مخاطر نتيجة الانتخابات. حَجبت هذه القضية المثيرة للجدل القاسم المشترك بين الرجلين: فكل منهما أصرّ على فرز الأصوات بصورة منصفة. أما الخلاف فكان على الطريقة التي يجب أن تُعتمد لتحقيق ذلك.
رد: مبادئ الانتخابات الديمقراطية
في نهاية المطاف، قضت المحكمة العليا في أواسط كانون الأول/ديسمبر بعدم جواز إجراء الفرز دون وجود معايير منتظمة لتحديد نية المقترعين. وحيث لم يكن قد تبقى على وقت تصويت الهيئة الانتخابية سوى بضعة أيام، قررت المحكمة أن أي فرز يدوي مقبول دستورياً لم يكن ممكناً ضمن ذلك الوقت. وفي غياب الطريقة هذه، قد تختلف معاملة صوت أحد ما عن معاملة صوت غيره، الأمر الذي يخالف أحكام فقرة التعديل الرابع عشر للدستور التي تقضي بالحماية المتساوية.
سوف يكون لهذا القرار الذي أصدرته أعلى محكمة في البلاد تأثير يتعدّى الانتخابات الرئاسية للعام 2000. أرست المحكمة قاعدة قد تكون دليلاً لكل عملية إعادة فرز في الانتخابات المستقبلية في أي مكان من الولايات المتحدة. ولن يمكن إجراء إعادة الفرز بعد الآن إلاّ اذا تم فحص بطاقات الاقتراع بموجب معايير تهدف إلى ضمان المعاملة المتساوية والحد من التأثيرات الشخصية.
* الحد من الإنفاق
كانت انتخابات العام 2000 جديرة أيضاً بالملاحظة للطريقة التي أبرزت فيها دور المال في المنافسة على أصوات الناخبين. يقال إن المخطط السياسي الجمهوري، مارك هانا، ذكر قبل أكثر من قرن: "هناك أمران هامان في السياسة، الأول هو المال، ولا أذكر ما هو الثاني". فرض قانون الحملات الانتخابية الفدرالية وتعديلاته الصادرة العام 1974 قيوداً رئيسية على مصادر، وكميات، وكيفية استخدام أموال الحملات الانتخابية من أجل تلافي الفساد أو مظاهر الفساد. ولكن هذه الحدود تمس الحقوق التي ينص عليها التعديل الأول للدستور، وهي الحق في حرية التعبير وحرية التجمع، لأن المال في السياسة ينوب مناب الكلام: فالمرشحون، والأحزاب، وسائر المجموعات السياسية يحتاجون المال لبناء منظماتهم ونقل رسائلهم إلى الناخبين بواسطة وسائل الإعلام.
عند تأييدها لجزء من هذا القانون المعقد، العام 1976، أرست المحكمة العليا تمييزاً دستورياً بين التبرعات والإنفاق. لأن الحد من مقدار التبرعات اعتُبر أقل إضراراً بحرية الكلام من الحد من الإنفاق، ولأن التبرعات تُشكل خطراً أكبر من ناحية الفساد أو مظاهر الفساد، فقد أبطلت المحكمة النصوص التي كانت تحدّ من الإنفاق وأيدت فرض حدود على التبرعات. وأيدت المحكمة أيضاً الشرط المفروض على التمويل الحكومي للحملات الانتخابية الرئاسية (على أساس تقديم المثل من التبرعات في الانتخابات الأولية والمؤتمرات التمهيدية، وتوفير كامل التمويل في الانتخابات العامة)، مقابل موافقة المرشحين على التقيّد بفرض حدود على الإنفاق. وكان الهدف، في جزء منه، جعل حلبة التنافس المالي بين مرشحي الحزبين الرئيسيين أكثر تعادلاً. لا تدخل ضمن هذه الحدود تبرعات تهدف إلى تعزيز بنية الحزب، أو إلى تمويل حملات تشجيع الناخبين على الاقتراع، أو حملات إعلامية تركز على قضايا معيّنة.كانت انتخابات العام 2000 جديرة أيضاً بالملاحظة للطريقة التي أبرزت فيها دور المال في المنافسة على أصوات الناخبين. يقال إن المخطط السياسي الجمهوري، مارك هانا، ذكر قبل أكثر من قرن: "هناك أمران هامان في السياسة، الأول هو المال، ولا أذكر ما هو الثاني". فرض قانون الحملات الانتخابية الفدرالية وتعديلاته الصادرة العام 1974 قيوداً رئيسية على مصادر، وكميات، وكيفية استخدام أموال الحملات الانتخابية من أجل تلافي الفساد أو مظاهر الفساد. ولكن هذه الحدود تمس الحقوق التي ينص عليها التعديل الأول للدستور، وهي الحق في حرية التعبير وحرية التجمع، لأن المال في السياسة ينوب مناب الكلام: فالمرشحون، والأحزاب، وسائر المجموعات السياسية يحتاجون المال لبناء منظماتهم ونقل رسائلهم إلى الناخبين بواسطة وسائل الإعلام.
* عملية ديمقراطية مستقرة
الانتخابات الحرة والنزيهة ضرورية لضمان "رضى المحكومين" الذي يشكل أساس السياسة الديمقراطية. هذه الانتخابات تشكل أدوات لمنح السلطة ولإضفاء الشرعية، تماما كما تُلقي الانتخابات غير النزيهة الشكوك على حق مرشح ما بالمنصب، وتُقّلل من قدرته على الحكم.
ما من أحد يدعي أن السياسة الانتخابية في الولايات المتحدة تبلغ حد الكمال. فبعض سماتها شَوَّه، أو عَطّل، أو أَسكَت، أو حوّر رضى المحكومين بين الحين والآخر. رغم ذلك، ولكثير من الأسباب، يعتقد معظم الأميركيين أن نظامهم الانتخابي عادل ونزيه إجمالاً. أولاً، مقارنةً مع المثل الواضح لما سببته النزاعات التي أدّت إلى الحرب الأهلية قبل نحو قرن ونصف القرن، فإن الانتخابات في الولايات المتحدة اليوم تعمل بفعالية إذ انها تقرر من هو الفائز ومن هو الخاسر، وبذلك تحقق الهدف الذي صممت الانتخابات من أجله. فالمرشحون الخاسرون ومؤيدوهم يقرّون للفائزين بفوزهم، وبحقهم في تولّي الحكم. هذا إنجاز ليس بالبسيط. فمثل هذا القبول يفترض وجود نظام سياسي مستقر لا تتعرض فيه القيم والمصالح المطلقة للخطر، حتى ولو نادراً.الانتخابات الحرة والنزيهة ضرورية لضمان "رضى المحكومين" الذي يشكل أساس السياسة الديمقراطية. هذه الانتخابات تشكل أدوات لمنح السلطة ولإضفاء الشرعية، تماما كما تُلقي الانتخابات غير النزيهة الشكوك على حق مرشح ما بالمنصب، وتُقّلل من قدرته على الحكم.
ثانياً، إن إجراء الانتخابات بصورة متكررة يعني أن ما من حزب أو فئة يمكن أن يضمن وجوده الدائم في سدة الحكم. فأكثرية اليوم قد تحل محلها غداً أكثرية مختلفة جداً. هذا هو العنصر الأساسي في نظرية الديمقراطية: الأكثريات في تغيّر دائم.
ثالثا، الأكثريات قد تكون عابرة لأن النظام الانتخابي يحمي الحق في المنافسة. والانتخابات التي لا تتيح فرص الفوز للمعارضة الجدّية تكون صورية.
أخيراً، تربط الانتخابات الأميركية الناخبين بالمسؤولين المنتخبين. فهؤلاء المسؤولون يحتاجون إلى الفوز بأكثرية أصوات الناخبين كي يتمكنوا من تولي الحكم. ولذلك يعتبر الناس المسؤولين المنتخبين كوكلاء لهم يحصلون منهم على الإذن بالتصرف نيابة عنهم. الانتخابات في أميركا جعلت المسؤولين الرسميين خدّاماً للشعب، لا أفراد الشعب خدّاماً للحكومة.
مهما كان مقياس ما أحرزته الولايات المتحدة من تقدّم في السياسات الديمقراطية، فقد تختار دول أخرى عدم اعتماد النموذج الأميركي بكل خصائصه. بعض مزايا السياسات الانتخابية في الولايات المتحدة تستمر فقط لأنها من بقايا التاريخ. فليس على دولة أميركية تنطلق في القرن الواحد والعشرين أن تنتخب رئيسها بواسطة الهيئة الانتخابية. وقد لا تختار أن تُبقي عدد ممثلي الولايات في مجلس الشيوخ متساوياً. أما المزايا الأخرى، مثل ضمان حرية الصحافة، أو اختيار أعضاء الكونغرس بالانتخاب الشعبي فسوف تبقى بالطبع. رغم هذا، هناك دروس وعبر تبرز من تجربة أميركا الديمقراطية تشير إلى خصائص لعلها ضرورية للحفاظ على عملية ديمقراطية مستقرة في أماكن أخرى:
* أولاً، إن حق الترشيح والانتخاب يجب أن يكون متاحاً بصورة واسعة النطاق، كما أن كل صوت يجب أن يكون مساوياً للآخر. إن تقييد المجتمع السياسي، إن من ناحية الجنس، أو العقيدة السياسية، أو الأصل الإثني، أو الدين، مثلاً، أمر ينتقص من شرعية النظام. وعلى العكس من ذلك، فإن شمولية حق الترشيح والانتخاب تشجع كل عناصر المجتمع على التفكير بأن لهم مصلحة في النظام القائم لأنه يوفر لكل منهم فرصة للانتصار.
* ثانياً، على تشجيع إقبال الناخبين على الاقتراع أن يكون من الأولويات. تدني الإقبال يجب أن يدعو الى القلق، إن لم يكن الى الذعر. فتدّني الإقبال لا يؤدي فقط إلى انتخاب مسؤولين لا يحظون بدعم أكثرية من يحق لهم الاقتراع، بل يؤدي أيضاً إلى ازدياد نفوذ جماعات أصحاب مصالح حسنة التنظيم وقوية الدوافع.
* ثالثاً، أن يتمتع الكلام السياسي بالكثير من الحرية هو أمر بالغ الأهمية للعملية الديمقراطية. أما تقييد المعارضة التي لا تخالف القانون، لا يعيق السياسات الانتخابية بتقييد تحركات المعارضين وحسب، بل ان قمع الرأي قد يدفع المعارضين إلى الخروج عن السبل المشروعة للمشاركة السياسية واللجوء إلى سبل احتجاج تتسم بالعنف.
* رابعاً، إن الانتخابات والنظام التمثيلي يجب أن يمكّنا أكثرية من الناس من السيطرة على الحكم، ولكن ينبغي أن تكون هناك سبل وقاية لمنع الأكثرية من سحق الأقلية والقضاء عليها. كما أن الترتيبات التي تعطي وزناً أكثر من اللزوم لمصالح الأقلية يمكن أن تُربك عنصراً أساسياً من عناصر رضى المحكومين، ألا وهو إصدار تشريعات تعكس فعلاً إرادة الأكثرية. وإلا، فإن وجهات نظر الأقلية تحل محل وجهات نظر الأكثرية، وبذلك تُعطّل عملية صنع القرار لدرجة تصبح معها الحكومة عاجزة عن العمل.
* خامساً، لأن الانتخابات لا تعمل بصورة فعّالة إلا إذا اعتبرها معظم الشعب حرة ونزيهة، يجب أن تكون هناك إجراءات معتمدة تعالج بسرعة أي ادعاءات بحصول غش في عمليات الاقتراع. دون هذه الوسائل العلاجية، سرعان ما تعتبر السياسات الانتخابية بأنها مزورة.
* أخيراً، قد يتبيّن أن من الصعب الحفاظ على انتخابات حرة ونزيهة في مجتمع تقوم فيه خلافات عميقة بين قسم كبير من السكان حول أكثر المسائل الحيوية. أحياناً يمكن أن تقاس عافية النظام السياسي بالقضايا التي لا تطغى على الحملات الانتخابية، وبالمقترحات التي لا تطرح على التصويت في الانتخابات.
لفت وودرو ويلسون، قبل نحو قرن، إلى أن "المؤسسات الديمقراطية لا يمكنها أن تصبح ناجزة مطلقاً، إنها مثل النسج الحي، هي في حالة صنع دائم. إنه لأمر مُضني عيش حياة الشعب الحر". إن التدقيق المتأني وإمكانيات التغيير هما أساس عمل في النظام الانتخابي. فإن إدراك عيوب هذا النظام له نفس أهمية تقدير محاسنه.
معلومات عن كاتب المقال:
دي. غراير ستيفنسون جونيور هو أستاذ مادة أنظمة الحكم في كلية فرانكلين ومارشال حيث يدرّس مواضيع النظام السياسي الأميركي، والمحكمة العليا الأميركية، والقانون الدستوري. من أعماله الأخرى: كتاب "الحملات الانتخابية والمحكمة: المحكمة العليا في الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية"؛ كما اشترك (مع ألفيوس توماس مايسون) في تأليف كتاب "القانون الدستوري الأميركي: دروس تمهيدية وقضايا مختارة".
مواضيع مماثلة
» كيف تعمل الانتخابات التمهيدية في الانتخابات الرئاسية الأميركية
» قرار مجلس الأمن رقم 242: إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشر
» العالم ينتفع من توسع الديمقراطية
» إنشاء شبكة الديمقراطية للدول الأميركية
» العلاقات الديمقراطية بين الدول الأميركية وإفريقيا يجب أن تفي
» قرار مجلس الأمن رقم 242: إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشر
» العالم ينتفع من توسع الديمقراطية
» إنشاء شبكة الديمقراطية للدول الأميركية
» العلاقات الديمقراطية بين الدول الأميركية وإفريقيا يجب أن تفي
نجــــــــــــــــــــــــــــــــــــد :: نجـــــــــد العامـــــــــــــــــــــــــــــــة :: تقارير أمريكية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى