البنوك المركزية الخليجية في مأزق
صفحة 1 من اصل 1
البنوك المركزية الخليجية في مأزق
توشحت الأسواق العالمية من أقصاها إلى أدناها باللون الأحمر بفعل المخاوف المتزايدة من ركود الاقتصاد الأميركي الأكبر عالميًا. وهو ما دفع البنك الفيدرالي الأميركي إلى التعجيل بموعد إجتماعه من يوم الثلاثاء القادم إلى اليوم ليفاجئ الأسواق بخفض هو الأكبر منذ 24 سنة وصل إلى 0.75 نقطة أساس لتصل الفائدة إلى معدل 3.5 في المئة.
ويأتي هذا القرار كرسالة واضحة إلى الأسواق بأن السياسة النقدية الأميركية تحمل من المرونة ما يمكنها من التعامل مع هذه الأزمة التي باتت تؤرق الاقتصاد العالمي وتضغط على النظام المصرفي بشكل كبير. ويبقي البنك الفيدرالي عينه مفتوحة على معدل التضخم حتى يمحي أثر هذا الخفض الكبير على أسعار الفائدة.
وبينما ترى الكثير من المؤسسات العالمية أن أسعار الفائدة ستصل إلى مستويات 2.5 في المئة، تقف البنوك المركزية الخليجية مكتوفة الأيدي بين مطرقة مجاراة خفض الفائدة بسبب ارتباط عملاتها بالدولار، وسندان التضخم الذي بدأت وتيرة ارتفاعه تتسارع، حيث تجاوز حاجز 6 في المئة بجميع الدول الخليجية.
ويعزى الانخفاض الحاد الذي طال البورصات الخليجية الى المخاوف من دخول الاقتصاد العالمي بركود، متأثرًا بالإقتصاد الأميركي. وهو ما يعني انخفاض الطلب على البترول، وكذلك على المنتجات البتروكيماوية التي تعتبر عصب الصناعة الخليجية وفرس الرهان على مستقبل اقتصادياتها. وهذا بالتالي قد يؤدي الى العودة إلى سياسة انكماشية ستهبط بمعدلات النمو الاقتصادي بشكل حاد.
فخفض أسعار الفائدة سيرفع معدل التضخم. وفك الارتباط بالدولار يعتبر الخيار الأصعب والاسوأ، كون اقتصادياتها ما زالت ضعيفة البنية ولا تستطيع عملاتها مقاومة مخاطر التعويم، او الربط بعملات أخرى كاليورو. مما يجعل البنوك المركزية الخليجية امام خيار قد تضطر معه إلى خفض أسعار الفائدة على الريبو العكسي لتخسر المصارف جاذبية ربط أموال عملائها بودائع. وهذا فيما لو تم، سيدفع المستثمرين الى البحث عن فرص بديلة تحفظ قيمة ثرواتهم وتشكل عائدًا يفوق الربط بالودائع.
وتعتبر أسواق المال المستفيدة الكبرى من هذه الهجرة، كونها الأكثر جاذبية بحكم ان السيولة حاضرة فيها عند الطلب. وتعد الأسواق الخليجية من اكثر البورصات جاذبية كبيرة كون العائد فيها بات يفوق الربط بالودائع، ومكررات ربحيتها وصلت الى ادنى مستوياتها التاريخية. كما انها قد تعافت قريبًا من موجة تصحيحية امتدت لقرابة عام ونصف. ولا بد من الاشارة الى ان ارتفاع معدل التضخم سيشكل عبئًا على الشركات من ناحية ضرورة تحسين أرباحها لاستيعاب هذا المعدل المرتفع.
وسيكون لأسواق المال الخليجية نصيب كبير من الارتفاعات. فهي ستصبح هدفًا للسيولة الحائرة خصوصًا تلك العائدة من الأسواق العالمية هربًا من أوضاعها الخطرة حاليًا. ولم يبقَ أمام صانعي السياسة النقدية الخليجيين سوى تكريس سياسة تعميق أسواق المال بطرح المزيد من الفرص الاستثمارية لامتصاص السيولة وتحويلها إلى نقد ايجابي يساهم ببناء منشأت اقتصادية ترفد الدخل الوطني.
واذا اخذنا بالاعتبار كون القنوات الاستثمارية الأخرى التي تعتبر ملاذ أمن للسيولة في الأزمات كالذهب والعقار لم تعد خيارًا مثاليًا. فسعر اونصة الذهب ارتفع بحدة الى مستويات تاريخية لم يصلها منذ 28 سنة، الامر الذي يزيد من نسبة المخاطرة.
ولعل ابرز ما أفرزته أزمة الرهن العقاري وآثارها القوية على الاقتصاد العالمي، انها أظهرت تباطؤ صناع السياسة النقدية الخليجيين بقراءة التحولات الاقتصادية العالمية منذ بداية العقد الحالي. وتفويتها لفرصة تحرير جزء من عملاتها عندما كان اليورو يقف عند مستويات مساوية للدولار. بينما فقدت احتياطاتها المقومة بالدولار قرابة 45 في المئة من قيمتها بسبب انخفاض الدولار.
وتبرز مؤسسة النقد السعودية (ساما) كأكبر البنوك امتلاكًا لاحتياطي بالدولار يصل الى مايربو عن 250 مليار دولار. و مازالت (ساما) تتمسك بموقفها من العلاقة الثابتة بين الدولار والريال. واليوم ، بعد قرار خفض الفائدة الاخير ستزداد الضغوط على الريال السعودي. حيث سيشكل هذا القرار تحولاً قسريًا للتحفظ الذي كانت تبديه المؤسسة مع انخفاض قيمة الدولار على اعتبار أن الخيارات اصبحت محدودة أمامهم والتعاطي مع توجيه النقد الموجود بالسوق يتطلب سياسة توطين الجزء الأكبر منها بمشاريع خلاقة ترفد الاقتصاد الوطني وتسمح بتعويم العملة مستقبلاً.
وقد بات بحكم المؤكد أن تتوجه البنوك المركزية الخليجية الى مزيد من خفض الفائدة ، وقد يتحول إلى أسعار الفائدة الأساس. فالتضخم سيصبح خارج السيطرة وبالتالي ستشهد أسعار السلع ارتفاعات سبق ان توقعت جهات رسمية أن تصل إلى 30 في المئة للعام الحالي 2008.
هذه الارتفاعات في تكاليف الحياة ستلقي بأثرها البالغ على دخل المواطن مما يعني إن زيادة الرواتب أصبحت امرًا واقعًا لأي دولة خليجية لم ترفع رواتب الموظفين.
مواضيع مماثلة
» البنوك المركزية الخليجية تقتفي أثر الخفض من الفيدرالي الأميركي
» فاينانشال تايمز : البنوك الخليجية تسير قدماً في عمليات الاند
» محافظ المركزي الفرنسي لا يقلقه وضع البنوك
» الازدحام في الخليج.. مأزق حقيقي يبحث عن حل
» اللجنة التنفيذية لتطوير المنطقة المركزية حول الحرم النبوي تن
» فاينانشال تايمز : البنوك الخليجية تسير قدماً في عمليات الاند
» محافظ المركزي الفرنسي لا يقلقه وضع البنوك
» الازدحام في الخليج.. مأزق حقيقي يبحث عن حل
» اللجنة التنفيذية لتطوير المنطقة المركزية حول الحرم النبوي تن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى