الطفل في الاسلام
صفحة 1 من اصل 1
الطفل في الاسلام
المحتويات
المقدمة
الفصل الاول المنهج التربوي العام في العلاقات الاَُسرية
أولاً : الاتفاق على منهج مشترك
ثانياً : علاقات المودة
ثالثاً : مراعاة الحقوق والواجبات
رابعاً : تجنب إثارة المشاكل والخلافات
خامساً : التحذير من الطلاق
الفصل الثاني المرحلة الاَولى : مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل
أولاً : مرحلة ما قبل الاقتران
1 ـ انتقاء الزوجة
2 ـ انتقاء الزوج
3 ـ العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل
ثانياً : مرحلة الحمل
1 ـ انعقاد الجنين
2 ـ المحيط الاَول للطفل
أ ـ الاهتمام بغذاء الاَُم
ب ـ الاهتمام بالصحة النفسية للحامل
الفصل الثالث المرحلة الثانية : مرحلة ما بعد الولادة
أولاً : مراسيم الولادة
ثانياً : التركيز على حليب الاَُم
الفصل الرابع المرحلة الثالثة : مرحلة الطفولة المبكرة
أولاً : تعليم الطفل معرفة الله تعالى
ثانياً : التركيز على حبِّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
ثالثاً : تربية الطفل على طاعة الوالدين
رابعاً : الاِحسان إلى الطفل وتكريمه
خامساً : التوازن بين اللين والشدة
سادساً : العدالة بين الاَطفال
سابعاً : الحرية في اللعب
ثامناً : التربية الجنسية وإبعاد الطفل عن الاثارة
تاسعاً : تنمية العواطف
عاشراً : الاهتمام بالطفل اليتيم
الفصل الخامس المرحلة الرابعة : مرحلة الصبا والفتوة
أولاً : تكثيف التربية
ثانياً : المبادرة إلى التعليم
ثالثاً : تمرين الطفل على الطاعات
رابعاً : مراقبة الطفل
خامساً : الوقاية من الانحراف الجنسي
سادساً : ربط الطفل بالقدوة الحسنة
المقدِّمة
المنهج التربوي العام في العلاقات الاَُسرية
العلاقات الاَُسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الاسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته ، وايصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال .
والاَجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الاَُسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيّف الجدّي مع نفسه ومع اسرته ومع المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان الاسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظم مسيرتها ، فيوزع الادوار والواجبات ويحدّد الاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية .
وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي :
أولاً : الاتفاق على منهج مشترك
للمنهج المتبنّى في الحياة تأثير على السلوك ، فهو الذي يجعل الايمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة ، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يُحدد لها من تعاليم
( 10 )
وبرامج ، ووحدة المنهج تؤدي إلى وحدة السلوك ، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك من حيثُ الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة ، فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والادوار والواجبات في مختلف الجوانب ، والمنهج الاسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنيها في الاسرة المسلمة ، فهو منهج ربانّي موضوع من قبل الله تعالى المهيمن على الحياة بأسرها والمحيط بكل دقائق الامور وتعقيدات الحياة ، وهو منهج منسجم مع الفطرة الاِنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق ، وهو موضع قبول من الاِنسان المسلم والاَُسرة المسلمة ، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى ، وهذه الخاصية تدفع الاسرة إلى الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها ، فلا مجال للنقاش في خطئه أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه ، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الاُسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة ، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الادوار ، فان تعاليم المنهج الاسلامي تتدخل لانهائه وتجاوزه .
والمنهج الاسلامي وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والادوار والسلوك ، امّا القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلية ومصاديقها فانها تتغير بتغير الظروف والعصور ، فيجب على الوالدين الاتفاق على تفاصيل التطبيق ، وعلى قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما ، سواءً في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الاطفال والاسلوب التربوي الذي يجب اتّباعه معهم ؛ لانّ الاختلاف في طرق التعامل وفي اسلوب
( 11 )
العلاقات يؤدي الى عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل ، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أُخرى فيتّبع سلوكين في آنٍ واحد ، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي . (فان الاطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الاب والام فيما يخص تربية اطفالهم يكونون اطفالاً معضلين أكثر ممن عداهم)(1).
ثانياً : علاقات المودّة
من واجبات الوالدين إشاعة الودّ والاستقرار والطمأنينة في داخل الاسرة ، قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة..) (2).
فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين علاقة مودّة ورحمة وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للاعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، وهي رابطة تؤدي إلى تماسك الاسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموّحد ، والمودّة والرحمة تؤدي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوقات الطارئة على الاسرة ، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل ، يقول الدكتور سپوك : (اطمئنان الطفل الشخصي والاساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة) (3).
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط11 .
(2) الروم 30 : 21 ، يراجع الميزان .
(3) مشاكل الآباء في تربية الابناء ، للدكتور سپوك : 44 ـ المؤسسة العربية للدراسة والنشر 1980 ط3.
( 12 )
ويجب على الزوجين ادامة المودّة في علاقاتهما في جميع المراحل ، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها ، والمودّة فرض من الله تعالى فتكون ادامتها استجابة له تعالى وتقرباً إليه ، وقد أوصى الاِمام علي بن الحسين عليه السلام بها فقال : «وامّا حقّ رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم ان الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وان كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية ، فانّ لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون اليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها وذلك عظيم..» (1).
وقد رَكّز أهل البيت عليهم السلام على إدامة علاقات الحبّ والمودّة داخل الاسرة ، وجاءت توصياتهم موجهة إلى كلٍّ من الرجل والمرأة .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» (2).
وقال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته» (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من اتخذّ زوجة فليكرمها»(4).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي
____________
(1) تحف العقول ، للحرّاني : 188 ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف 1380 هـ ط5 .
(2) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 | 14 باب حق المرأة على الزوج .
(3) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 ـ دار صعب ـ بيروت 1401 هـ .
(4) مستدرك الوسائل ، للنوري 2 : 550 ـ المكتبة الاِسلامية طهران 1383 هـ .
المقدمة
الفصل الاول المنهج التربوي العام في العلاقات الاَُسرية
أولاً : الاتفاق على منهج مشترك
ثانياً : علاقات المودة
ثالثاً : مراعاة الحقوق والواجبات
رابعاً : تجنب إثارة المشاكل والخلافات
خامساً : التحذير من الطلاق
الفصل الثاني المرحلة الاَولى : مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل
أولاً : مرحلة ما قبل الاقتران
1 ـ انتقاء الزوجة
2 ـ انتقاء الزوج
3 ـ العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل
ثانياً : مرحلة الحمل
1 ـ انعقاد الجنين
2 ـ المحيط الاَول للطفل
أ ـ الاهتمام بغذاء الاَُم
ب ـ الاهتمام بالصحة النفسية للحامل
الفصل الثالث المرحلة الثانية : مرحلة ما بعد الولادة
أولاً : مراسيم الولادة
ثانياً : التركيز على حليب الاَُم
الفصل الرابع المرحلة الثالثة : مرحلة الطفولة المبكرة
أولاً : تعليم الطفل معرفة الله تعالى
ثانياً : التركيز على حبِّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
ثالثاً : تربية الطفل على طاعة الوالدين
رابعاً : الاِحسان إلى الطفل وتكريمه
خامساً : التوازن بين اللين والشدة
سادساً : العدالة بين الاَطفال
سابعاً : الحرية في اللعب
ثامناً : التربية الجنسية وإبعاد الطفل عن الاثارة
تاسعاً : تنمية العواطف
عاشراً : الاهتمام بالطفل اليتيم
الفصل الخامس المرحلة الرابعة : مرحلة الصبا والفتوة
أولاً : تكثيف التربية
ثانياً : المبادرة إلى التعليم
ثالثاً : تمرين الطفل على الطاعات
رابعاً : مراقبة الطفل
خامساً : الوقاية من الانحراف الجنسي
سادساً : ربط الطفل بالقدوة الحسنة
المقدِّمة
المنهج التربوي العام في العلاقات الاَُسرية
العلاقات الاَُسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الاسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته ، وايصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال .
والاَجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الاَُسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيّف الجدّي مع نفسه ومع اسرته ومع المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان الاسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظم مسيرتها ، فيوزع الادوار والواجبات ويحدّد الاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية .
وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي :
أولاً : الاتفاق على منهج مشترك
للمنهج المتبنّى في الحياة تأثير على السلوك ، فهو الذي يجعل الايمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة ، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يُحدد لها من تعاليم
( 10 )
وبرامج ، ووحدة المنهج تؤدي إلى وحدة السلوك ، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك من حيثُ الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة ، فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والادوار والواجبات في مختلف الجوانب ، والمنهج الاسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنيها في الاسرة المسلمة ، فهو منهج ربانّي موضوع من قبل الله تعالى المهيمن على الحياة بأسرها والمحيط بكل دقائق الامور وتعقيدات الحياة ، وهو منهج منسجم مع الفطرة الاِنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق ، وهو موضع قبول من الاِنسان المسلم والاَُسرة المسلمة ، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى ، وهذه الخاصية تدفع الاسرة إلى الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها ، فلا مجال للنقاش في خطئه أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه ، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الاُسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة ، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الادوار ، فان تعاليم المنهج الاسلامي تتدخل لانهائه وتجاوزه .
والمنهج الاسلامي وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والادوار والسلوك ، امّا القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلية ومصاديقها فانها تتغير بتغير الظروف والعصور ، فيجب على الوالدين الاتفاق على تفاصيل التطبيق ، وعلى قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما ، سواءً في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الاطفال والاسلوب التربوي الذي يجب اتّباعه معهم ؛ لانّ الاختلاف في طرق التعامل وفي اسلوب
( 11 )
العلاقات يؤدي الى عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل ، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أُخرى فيتّبع سلوكين في آنٍ واحد ، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي . (فان الاطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الاب والام فيما يخص تربية اطفالهم يكونون اطفالاً معضلين أكثر ممن عداهم)(1).
ثانياً : علاقات المودّة
من واجبات الوالدين إشاعة الودّ والاستقرار والطمأنينة في داخل الاسرة ، قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة..) (2).
فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين علاقة مودّة ورحمة وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للاعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، وهي رابطة تؤدي إلى تماسك الاسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموّحد ، والمودّة والرحمة تؤدي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوقات الطارئة على الاسرة ، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل ، يقول الدكتور سپوك : (اطمئنان الطفل الشخصي والاساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة) (3).
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط11 .
(2) الروم 30 : 21 ، يراجع الميزان .
(3) مشاكل الآباء في تربية الابناء ، للدكتور سپوك : 44 ـ المؤسسة العربية للدراسة والنشر 1980 ط3.
( 12 )
ويجب على الزوجين ادامة المودّة في علاقاتهما في جميع المراحل ، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها ، والمودّة فرض من الله تعالى فتكون ادامتها استجابة له تعالى وتقرباً إليه ، وقد أوصى الاِمام علي بن الحسين عليه السلام بها فقال : «وامّا حقّ رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم ان الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وان كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية ، فانّ لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون اليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها وذلك عظيم..» (1).
وقد رَكّز أهل البيت عليهم السلام على إدامة علاقات الحبّ والمودّة داخل الاسرة ، وجاءت توصياتهم موجهة إلى كلٍّ من الرجل والمرأة .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» (2).
وقال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته» (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من اتخذّ زوجة فليكرمها»(4).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي
____________
(1) تحف العقول ، للحرّاني : 188 ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف 1380 هـ ط5 .
(2) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 | 14 باب حق المرأة على الزوج .
(3) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 ـ دار صعب ـ بيروت 1401 هـ .
(4) مستدرك الوسائل ، للنوري 2 : 550 ـ المكتبة الاِسلامية طهران 1383 هـ .
رد: الطفل في الاسلام
( 13 )
طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (1).
فأقوال أهل البيت عليهم السلام وتوصياتهم في الاِحسان إلى المرأة وتكريمها ، عامل مساعد من عوامل إدامة المودة والرحمة والحب .
وقد أوصى أهل البيت عليهم السلام المرأة بما يؤدي إلى ادامة المودة والرحمة والحب إنْ التزمت بها ، ومنها طاعة الزوج ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت» (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما استفاد امرؤ فائدة بعد الاِسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر اليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله» (3). وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة على اتباع ا الحسن في إدامة المودة والرحمة ، بالتأثير على قلب الزوج وإثارة عواطفه (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : ما يهمّك ، ان كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك ، وان كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «بشّرها بالجنة وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً ، ـ وفي رواية ـ ان لله عز وجل عمّالاً وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد») (4).
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 278 | 1 باب حق المرأة على الزوج .
(2) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 201 ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم 1410 هـ ط2 .
(3) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 200 ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم 1410 هـ ط2 .
(4) مكارم الاخلاق : 200 .
( 14 )
وقال الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : «جهاد المرأة حسن التبعّل» (1).
ومن العوامل المساعدة على ادامة المودّة والحب وكسب ودّ الزوج ، هي الانفتاح على الزوج واجابته إلى ما يريد ، قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «خير نسائكم التي اذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء وإذا لبست لبست معه درع الحياء» (2).
فهي منفتحة مع زوجها مع تقدير مكانته ، وبعبارة أخرى التوازن بين الاحترام وعدم التكلّف .
وحدّد الاِمام علي بن الحسين عليه السلام العوامل التي تعمّق المودة والرحمة والحب داخل الاسرة فقال : «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها .
ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهي : صيانة نفسها عن كلِّ دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها، واظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه» (3).
وعلاقات المودة والرحمة والحب ضرورية في جميع مراحل الحياة ، وخصوصاً في مرحلة الحمل والرضاعة ، لان الزوجة بحاجة الى الاطمئنان والاستقرار العاطفي ؛ وان ذلك له تأثير على الجنين وعلى
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 | 6 باب حق الزوج على المرأة .
(2) الكافي ، للكليني 5 : 324 | 2 باب خير النساء ، كتاب النكاح ـ دار التعارف بيروت 1401 هـ ط3.
(3) تحف العقول : 239 .
( 15 )
الطفل في مرحلة الرضاع كما سيأتي .
ثالثاً : مراعاة الحقوق والواجبات
وضع المنهج الاسلامي حقوقاً وواجبات على كلِّ من الزوجين ، والمراعاة لها كفيل باشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الاسرة ، فالتقيد من قبل الزوجين بالحقوق والواجبات الموضوعة لهم يساهم في تعميق الاواصر وتمتين العلاقات الوديّة وينفي كلّ أنواع المشاحنات والتوترات المحتملة ، والتي تؤثر سلبياً على جو الاستقرار الذي يحيط بالاسرة والمؤثر بدوره على التوازن الانفعالي للطفل .
ومن أهم حقوق الزوج هو حق القيمومة ، قال الله تعالى : ( الرجالُ قوّامون على النسّاء بما فضّل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم..) (1). فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق لانّ الحياة الاسرية لا تسير بلا قيمومة ، والقيمومة للرجل منسجمة مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلِّ من الزوجين ، وان تراعي هذهِ القيمومة في تعاملها مع الاطفال وتشعرهم بمقام والدهم .
وأهم الحقوق بعد حق القيمومة كما جواب في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سؤال امرأة عن حق الزوج على المرأة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدَّق من بيتها شيئاً إلاّ باذنه ولا تصوم تطوعاً إلاّ باذنه ، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلاّ باذنه..» (2).
____________
(1) النساء 4 : 34 .
(2) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 | 1 باب حق الزوج على المرأة .
( 16 )
ومن حقوق الزوج قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «حق الرجل على المرأة انارة السراج واصلاح الطعام وان تستقبله عند باب بيتها فترحّب به وان تقدّم اليه الطشت والمنديل وان توضّئه وان لا تمنعه نفسها إلاّ من علّة» (1).
ولاَهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تؤدي المرأة حق الله عزّ وجل حتى تؤدي حق زوجها» (2).
ووضع المنهج الاسلامي حقوقاً للزوجة يجب على الزوج مراعاتها ، قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام جواباً على سؤال اسحاق بن عمار عن حق المرأة على زوجها فقال عليه السلام : «يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها»(3).
وأجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سؤال خولة بنت الاَسود حول حق المرأة فقال : «حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ويكسوك مما يلبس ولا يلطم ولا يصيح في وجهك» (4).
ومن حقها مداراة الزوج لها وحسن صحبته لها ، قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : «إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها على كلِّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك» (5).
ومن حقّ الزوجة وباقي أفراد العائلة هو اشباع حاجاتهم المادية ، قال
____________
(1) مكارم الاخلاق 215 .
(2) مكارم الاخلاق 215 .
(3) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 | 2 باب حق المرأة على الزوج .
(4) مكارم الاخلاق 218 .
(5) مكارم الاخلاق 218 .
( 17 )
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله» (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «ملعون ملعون من يضيع من يعول» (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «حقُّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها وأنْ يستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً فاذا فعل ذلك فقد أدّى والله حقها» (3).
والالتزام بحقوق الزوج من قبل الزوجة وبحقوق الزوجة من قبل الزوج ضروري لاشاعة الاستقرار في اجواء الاسرة ، فيكون التفاعل ايجابياً ويدفع كلا الزوجين للعمل من أجل سعادة الاسرة وسعادة الاطفال ، واستقرار المرأة في مرحلة الحمل والرضاعة ومرحلة الطفولة المبكرة يؤثر في استقرار الطفل واطمئنانه ، والانطلاق في الحركة على ضوء ما مرسوم له من نصائح وارشادات وتوجيهات فينشأ مستقر الشخصية سوّي في افكاره وعواطفه وسلوكه .
رد: الطفل في الاسلام
رابعاً : تجنب إثارة المشاكل والخلافات
المشاكل والخلافات في داخل الاسرة تخلق أجواءً متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي في أغلب الاحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الاسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الاسرة بما فيها الاطفال ، حيثُ تؤدي الخلافات والاَوضاع المتشنجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي
____________
(1) عدة الداعي ، لاَحمد بن فهد الحلّي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
(2) عدة الداعي ، لاَحمد بن فهد الحلّي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
(3) عدة الداعي ، لاَحمد بن فهد الحلّي : 81 ـ مكتبة الوجداني قم .
( 18 )
يعيشها ، بدءاً بالاشهر الاولى من الحمل ، والسنين الاولى من الولادة والمراحل اللاحقة بها .
والاَجواء المتوترة تترك آثارها على شخصية الطفل المستقبلية ، و (إنّ الاضطرابات السلوكية والامراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله ، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للابوين كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الامن النفسي) (1).
ويقول العالم جيرارد فوجان : (والام التي لا تجد التقدير الكافي إنسانة وأم وزوجة في المنزل لا تستطيع ان تعطي الشعور بالامن) (2).
فالشعور بالامن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سوياً متزناً ، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة ، والطفل في حالة مثل هذه يكون متردداً حيراناً لا يدري ماذا يفعل ، فهو لا يستطيع إيقاف النزاع والخصام وخصوصاً اذا كان مصحوباً بالشدة ، ولا يستطيع ان يقف مع أحد والديه دون الآخر ، اضافة إلى محاولات كلّ من الوالدين بتقريب الطفل اليهما باثبات حقّه واتهام المقابل باثارة المشاكل والخلافات ، وكل ذلك يترك بصماته الداكنة على قلب الطفل وعقله وارادته .
يقول الدكتور سپوك : (إنّ العيادات النفسية تشهد آلاف الحالات من
____________
(1) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة بيروت ـ 1407هـ ط1.
(2) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة بيروت ـ 1407هـ ط1.
( 19 )
الابناء الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد ، ان هؤلاء الابناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر ، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس ، فيخافون من اقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون ان معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الاهانات) (1) ويختلف نوع التشنجات والخلافات من أُسرة ا أخرى ، ويختلف اسلوب التعبير عن التشنجات من اسرة إلى أخرى ، فقد يكون التعبير بالالفاظ الخشنة البذيئة والاهانات المستمرة ، وقد يكون بالضرب واستخدام العقاب البدني ، ويلتقط الاطفال الممارسات التي تحدث اثناء الخلافات فتنعكس على سلوكهم الآني والمستقبلي ، فنجد في كثير من العوائل أن الابن يهين الام أو يضربها ، أو يستخدم نفس الاسلوب مع زوجته حين الكبر .
ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنجات بين الزوجين ، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وانهائها ، فقد وضع الاسلام منهجاً متكاملاً إزاء الخلافات والتشنجات ، وقد مرّ في النقاط السابقة التأكيد على تعميق المودّة والرحمة داخل الاسرة ، ووضع برنامج للحقوق والواجبات بين الزوجين ، والاَهم من ذلك وضع برنامجٍ في اسلوب اختيار الزوج أو الزوجة كما سيأتي . والمنهج الاسلامي يبتني على اسلوب الحث والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث ، وعلى اسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية أو التي تؤدّي إلى الخلافات .
____________
(1) مشاكل الآباء في تربية الابناء : 45 .
( 20 )
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم» (1).
وشجّع الامام محمد الباقر عليه السلام على تحمّل الاِساءة ، لان ردّ الاساءة بالاساءة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ، فقال عليه السلام : «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة» وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل على الصبر على سوء أخلاق الزوجة فقال : «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الاَجر ما أعطى أيوب على بلائه» (3).
والصبر على الاِساءة من الزوجة أمر غير متعارف عليه لولا انّه من توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون محبوباً ومرغوباً من قبل الزوج المتديّن وليس فيه أي إهانة لكرامته فيصبر عن رضا وقناعة .
والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع زوجاته يخفّف الكثير من التشنجات ، وكذلك الاقتداء بسيرة أهل البيت عليهم السلام ، قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «كانت لاَبي عليه السلام امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها» (4)ونهى رسول الله 6 عن استخدام العنف مع الزوجة فقال : «أيُّ ر لطم امرأته لطمة أمر الله عزّ وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنّم» (5).
____________
(1) مكارم الاخلاق 216 ـ 217 .
(2) مكارم الاخلاق 216 .
(3) مكارم الاخلاق 213 .
(4) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 | 4 باب حق المرأة على الزوج .
(5) مستدرك الوسائل 2 : 550 .
( 21 )
وشجّع الاِمام جعفر الصادق عليه السلام على التفاهم لُتجنب الخلافات الحادّة فقال : «خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني» (1).
وعن الاِمام محمد الباقر عليه السلام : «وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته» (2).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن الممارسات التي تؤدي إلى حدوث الخلافات فقال : (من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة اذا غاب عنها زوجها ، الحصان معه اذا حضر ، التي لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، فاذا خلا بها تمنعت تمنع الصعبة عند ركوبها ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً» (3).
ونهى صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته فقال : «أيما أمرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ ان تتوب وترجع وتطلب منه طاقته» (4).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المنّ على الزوج فقال : «لو أن جميع ما في الارض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوماً من الاَيام ، تقول : من أنت ؟ انّما المال مالي ، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس ، إلاّ ان تتوب وترجع وتعتذر الى
____________
(1) مكارم الاخلاق 200 .
(2) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 | 4 باب حق الزوج على المرأة .
(3) مكارم الاخلاق 202 .
(4) مكارم الاخلاق 202 .
( 22 )
زوجها»(1).
وحذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لاعصابه فقال : «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه..» (2).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهجران باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات فقال : «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الاسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع»(3) وهذه التوجيهات ان روعيت رعاية تامة فانها كفيلة بالح التوترات والتشنجات ، واذا لم يستطع الزوجان مراعاتها فالافضل ان يكون النقاش الحاد والمتشنج بعيداً عن مسامع الاطفال ، وان يكون تبادل النظرة السلبية ، وتبادل الاتهامات والاِهانات بعيداً عن مسامعهم ، وأنْ يوضّح للاطفال ان الخلافات شيء طبيعي ، وانهما لازالا يحبان بعضهم البعض ، ويجب عليهما حسم الخلافات وانهائها في أسرع وقت .
خامساً : التحذير من الطلاق
حذّر الاسلام من الطلاق وانهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الاطفال وعلى المجتمع ، فالطلاق مصدر القلق عند الاطفال ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي ،
____________
(1) مكارم الاخلاق 202 .
(2) مكارم الاخلاق 214 .
(3) مكارم الاخلاق 202 .
( 23 )
حيثُ ان الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حدٍّ سواء، بل ان التفكير المجرد بالطلاق يولد القلق والاضطراب في أعماقه، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلبياً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوّية ، وقد وضع الاِسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية، وتهديم الاسرة ، فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (1).
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض اليه من الطلاق وان الله يبغض المطلاق الذوّاق» (2).
وقال عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ يحب البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق ، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجل من الطلاق»(3).
وحثّ الاِسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق ، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة ، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدي إلى الطلاق ، فأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : (.. وعاشروهنّ بالمعروف فان كرهتموهنّ فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (4).
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 | باب حق المرأة على الزوج .
(2) الكافي 6 : 54 | 2 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة ـ الذواق : السريع النكاح السريع الطلاق .
(3) الكافي 6 : 54 | 3 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة .
(4) النساء 4 : 19 .
المشاكل والخلافات في داخل الاسرة تخلق أجواءً متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي في أغلب الاحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الاسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الاسرة بما فيها الاطفال ، حيثُ تؤدي الخلافات والاَوضاع المتشنجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي
____________
(1) عدة الداعي ، لاَحمد بن فهد الحلّي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
(2) عدة الداعي ، لاَحمد بن فهد الحلّي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
(3) عدة الداعي ، لاَحمد بن فهد الحلّي : 81 ـ مكتبة الوجداني قم .
( 18 )
يعيشها ، بدءاً بالاشهر الاولى من الحمل ، والسنين الاولى من الولادة والمراحل اللاحقة بها .
والاَجواء المتوترة تترك آثارها على شخصية الطفل المستقبلية ، و (إنّ الاضطرابات السلوكية والامراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله ، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للابوين كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الامن النفسي) (1).
ويقول العالم جيرارد فوجان : (والام التي لا تجد التقدير الكافي إنسانة وأم وزوجة في المنزل لا تستطيع ان تعطي الشعور بالامن) (2).
فالشعور بالامن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سوياً متزناً ، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة ، والطفل في حالة مثل هذه يكون متردداً حيراناً لا يدري ماذا يفعل ، فهو لا يستطيع إيقاف النزاع والخصام وخصوصاً اذا كان مصحوباً بالشدة ، ولا يستطيع ان يقف مع أحد والديه دون الآخر ، اضافة إلى محاولات كلّ من الوالدين بتقريب الطفل اليهما باثبات حقّه واتهام المقابل باثارة المشاكل والخلافات ، وكل ذلك يترك بصماته الداكنة على قلب الطفل وعقله وارادته .
يقول الدكتور سپوك : (إنّ العيادات النفسية تشهد آلاف الحالات من
____________
(1) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة بيروت ـ 1407هـ ط1.
(2) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة بيروت ـ 1407هـ ط1.
( 19 )
الابناء الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد ، ان هؤلاء الابناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر ، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس ، فيخافون من اقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون ان معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الاهانات) (1) ويختلف نوع التشنجات والخلافات من أُسرة ا أخرى ، ويختلف اسلوب التعبير عن التشنجات من اسرة إلى أخرى ، فقد يكون التعبير بالالفاظ الخشنة البذيئة والاهانات المستمرة ، وقد يكون بالضرب واستخدام العقاب البدني ، ويلتقط الاطفال الممارسات التي تحدث اثناء الخلافات فتنعكس على سلوكهم الآني والمستقبلي ، فنجد في كثير من العوائل أن الابن يهين الام أو يضربها ، أو يستخدم نفس الاسلوب مع زوجته حين الكبر .
ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنجات بين الزوجين ، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وانهائها ، فقد وضع الاسلام منهجاً متكاملاً إزاء الخلافات والتشنجات ، وقد مرّ في النقاط السابقة التأكيد على تعميق المودّة والرحمة داخل الاسرة ، ووضع برنامج للحقوق والواجبات بين الزوجين ، والاَهم من ذلك وضع برنامجٍ في اسلوب اختيار الزوج أو الزوجة كما سيأتي . والمنهج الاسلامي يبتني على اسلوب الحث والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث ، وعلى اسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية أو التي تؤدّي إلى الخلافات .
____________
(1) مشاكل الآباء في تربية الابناء : 45 .
( 20 )
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم» (1).
وشجّع الامام محمد الباقر عليه السلام على تحمّل الاِساءة ، لان ردّ الاساءة بالاساءة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ، فقال عليه السلام : «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة» وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل على الصبر على سوء أخلاق الزوجة فقال : «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الاَجر ما أعطى أيوب على بلائه» (3).
والصبر على الاِساءة من الزوجة أمر غير متعارف عليه لولا انّه من توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون محبوباً ومرغوباً من قبل الزوج المتديّن وليس فيه أي إهانة لكرامته فيصبر عن رضا وقناعة .
والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع زوجاته يخفّف الكثير من التشنجات ، وكذلك الاقتداء بسيرة أهل البيت عليهم السلام ، قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «كانت لاَبي عليه السلام امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها» (4)ونهى رسول الله 6 عن استخدام العنف مع الزوجة فقال : «أيُّ ر لطم امرأته لطمة أمر الله عزّ وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنّم» (5).
____________
(1) مكارم الاخلاق 216 ـ 217 .
(2) مكارم الاخلاق 216 .
(3) مكارم الاخلاق 213 .
(4) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 | 4 باب حق المرأة على الزوج .
(5) مستدرك الوسائل 2 : 550 .
( 21 )
وشجّع الاِمام جعفر الصادق عليه السلام على التفاهم لُتجنب الخلافات الحادّة فقال : «خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني» (1).
وعن الاِمام محمد الباقر عليه السلام : «وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته» (2).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن الممارسات التي تؤدي إلى حدوث الخلافات فقال : (من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة اذا غاب عنها زوجها ، الحصان معه اذا حضر ، التي لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، فاذا خلا بها تمنعت تمنع الصعبة عند ركوبها ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً» (3).
ونهى صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته فقال : «أيما أمرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ ان تتوب وترجع وتطلب منه طاقته» (4).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المنّ على الزوج فقال : «لو أن جميع ما في الارض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوماً من الاَيام ، تقول : من أنت ؟ انّما المال مالي ، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس ، إلاّ ان تتوب وترجع وتعتذر الى
____________
(1) مكارم الاخلاق 200 .
(2) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 | 4 باب حق الزوج على المرأة .
(3) مكارم الاخلاق 202 .
(4) مكارم الاخلاق 202 .
( 22 )
زوجها»(1).
وحذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لاعصابه فقال : «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه..» (2).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهجران باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات فقال : «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الاسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع»(3) وهذه التوجيهات ان روعيت رعاية تامة فانها كفيلة بالح التوترات والتشنجات ، واذا لم يستطع الزوجان مراعاتها فالافضل ان يكون النقاش الحاد والمتشنج بعيداً عن مسامع الاطفال ، وان يكون تبادل النظرة السلبية ، وتبادل الاتهامات والاِهانات بعيداً عن مسامعهم ، وأنْ يوضّح للاطفال ان الخلافات شيء طبيعي ، وانهما لازالا يحبان بعضهم البعض ، ويجب عليهما حسم الخلافات وانهائها في أسرع وقت .
خامساً : التحذير من الطلاق
حذّر الاسلام من الطلاق وانهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الاطفال وعلى المجتمع ، فالطلاق مصدر القلق عند الاطفال ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي ،
____________
(1) مكارم الاخلاق 202 .
(2) مكارم الاخلاق 214 .
(3) مكارم الاخلاق 202 .
( 23 )
حيثُ ان الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حدٍّ سواء، بل ان التفكير المجرد بالطلاق يولد القلق والاضطراب في أعماقه، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلبياً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوّية ، وقد وضع الاِسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية، وتهديم الاسرة ، فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة» (1).
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض اليه من الطلاق وان الله يبغض المطلاق الذوّاق» (2).
وقال عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ يحب البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق ، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجل من الطلاق»(3).
وحثّ الاِسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق ، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة ، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدي إلى الطلاق ، فأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : (.. وعاشروهنّ بالمعروف فان كرهتموهنّ فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (4).
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 | باب حق المرأة على الزوج .
(2) الكافي 6 : 54 | 2 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة ـ الذواق : السريع النكاح السريع الطلاق .
(3) الكافي 6 : 54 | 3 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة .
(4) النساء 4 : 19 .
رد: الطفل في الاسلام
( 24 )
وحثّ على الاصلاح واعادة التماسك الاسري ، قال الله تعالى : ( وإنْ امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما أن يُصلحا بينهما صُلحاً والصُّلحُ خيرٌ..) (1) . فالصلح أولى من عدمه ، وبما ان القلوب ت المشاعر تتغير من وقت لآخر ومن ظرفٍ لآخر ، فإنّ الاِسلام حثّ على إجراء مفاوضات الصلح قبل القرار بالانفصال ، قال تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حَكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما إنّ الله كان عليماً خبيراً )2( وإذا لم تنفع كل محاولات الاصلاح وإعادة العلاقات إلى مجاريها ، وإذا لم تتوقف التشنجات والتوترات إلاّ بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين ، ولكنّه يؤثر على نفسية الطفل ، وينعكس على سلوكه ، ولهذا منح الاسلام فرصة جديدة للعودة إلى الحياة الزوجية فأعطى للرجل حق العودة اثناء العدّة دون عقد جديد ، وبعد العدّة بعقد جديد وجعل للرجل حق العودة بعد الطلاق الاول والثاني ، فاذا لم تنجح محاولات إعادة العلاقة الزوجية ، وتمّ انفصالها ، يجب على الوالدين مراعاة مشاعر الطفل ومنحه الحنان والحب ، ويجب عليهما توفير كل الظروف التي تساعده على الايمان بسلامة أخلاق والده أو والدته ، حيثُ حرّم الاِسلام البهتان والغيبة وكشف المساوىء ، وبهذا الاسلوب يستطيع الطفل تحمّل صدمة الطلاق ، امّا اذا لم يُتّبع هذا الاسلوب وحاول كلٌّ من الوالدين كشف مساوىء الآخر أمام الطفل ، فانّ الطفل سوف يبغض الحياة ويحتقر نفسه ، وتنعكس على عواطفه اتجاه والديه فهو يحبهّما
____________
(1) النساء 4 : 128 .
(2) النساء 4 : 35 .
( 25 )
ويبغضهما في آن واحد بعد اطلاعه على مساوئهما ، فيبقى يعيش في دوامة من القلق والاضطراب وتزداد همومه يوماً بعد يوم وتنعكس سلبياً على علاقاته الاجتماعية ، وعلاقاته الاسرية في المستقبل
الفصل الثاني
المرحلة الاُولى : مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل
حرص الاِسلام على العناية بالطفل ، والحفاظ على صحته البدنية والنفسية قبل ان يُولد بإعداد الاطار الذي يتحرك فيه ، وتهيئة العوامل اللازمة التي تقي الطفل من كثير من عوامل الضعف الجسدي والنفسي ، ابتداءً من انتقاء الزوج أو الزوجة ومروراً بالمحيط الاَول للطفل وهو رحم الام ، الذي يلعب دوراً كبيراً ومؤثراً على مستقبل الطفل وحركته في الحياة، وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :
أولاً : مرحلة ما قبل الاقتران
أثبت الواقع الاجتماعي والواقع العلمي بدراساته المستفيضة الاَثر الحاسم للوراثة والمحيط الاجتماعي في تكوين الطفل ونشوئه ، وانعكاسات الوراثة والمحيط عليه في جميع جوانبه الجسدية والنفسية(1) فأغلب الصفات تنتقل من الاَباء والامهات والاجداد ا الابناء ، كالذكاء والاضطراب السلوكي وانفصام الشخصية والامراض
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 45 ـ 57 (دار العلم للملايين 1985 م ط11) .
( 28 )
العقلية والانضباط الذاتي ، وصفات التسامح والمرونة ، فيكونون وسطاً مساعداً للانتقال أو يكون في الابناء الاستعداد للاتصاف بها ، إضافة إلى انعكاس العادات والتقاليد على الابناء ، نتيجة لتكرر الاعمال (1) ومن أكدّ الاِسلام على الزواج الانتقائي ، أي بانتقاء الزوجين من اسرة صالحة وبيئة صالحة .
1 ـ انتقاء الزوجة :
راعى الاِسلام في تعليماته لاختيار الزوجة الجانبين ، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين» (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «تخيّروا لنطفكم فان العِرقَ دسّاس» (3).
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد على اختيار الزوجة من الاَُسر التي تحمل الصفات النبيلة ، لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده ، وكانت سيرته قائمة على هذا الاساس ، فاختار خديجة عليها السلام فأنجبت له أفضل النساء فاطمة عليها السلام ، وتبعه في السيرة هذه أهل البيت عليهم السلام فاختاروا زوجاتهم من الاَُسر الكريمة وإلى جانب الانتقاء على أُسس الوراثة ، أكدّ الاسلام على انتقاء الزوجة من المحيط الاجتماعي الصالح الذي أكسبها الصلاح وحسن السلوك ، فحذّر من المحيط غير الصالح
____________
(1) علم النفس العام ، للدكتور انطون حمصي 1 : 94 ـ مطبعة ابن حبّان دمشق 1407 هـ .
(2) الكافي ، للكليني 5 : 332 | 2 باب اختيار الزوجة ـ دار التعارف 1401 هـ ط 3 .
(3) المحجة البيضاء ، للفيض الكاشاني 3 : 93 ، جامعة المدرسين قم ط2 .
( 29 )
الذي تعيشه ، فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إياكم وخضراء الدمن.. المرأة الحسناء في منبت السوء» (1).
وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من المرأة الزانية قال : «لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا» (2) والسبب في ذلك أنّها تخلق في ابنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح .
وحذّر الاِمام الباقر عليه السلام من الزواج من المرأة المجنونة خوفاً من انتقال الصفات منها إلى الطفل ، فسئل عن ذلك فقال : «لا ، ولكن ان كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها» (3).
وحذّر الاِمام علي عليه السلام من تزوّج الحمقاء لانتقال هذهِ الصفة إلى الطفل، ولعدم قدرتها على تربية الطفل تربية سويّة فقال : «إياكم وتزويج الحمقاء فانّ صحبتها بلاء وولدها ضياع» (4).
وأكدّت الروايات على ان يكون التدّين مقياساً لاختيار الزوجة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشجع على ذلك ، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «عليك بذات الدين تربت يداك» (5)
وقدّم الاِمام الصادق عليه السلام اختيار التدّين على المال والجمال فقال : «اذا
____________
(1) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 304 ـ منشورات الشريف الرضي1410 هـ ط2 .
(2) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 305 ـ منشورات الشريف الرضي 1410 هـ ط2 .
(3) وسائل الشيعة ، للحر العاملي 20 : 85 | 1 باب 34 ـ مؤسسة آل البيت قم 1412 هـ ط1 .
(4) الكافي 5 : 354 | 1 باب كراهية تزويج الحمقاء .
(5) الكافي 5 : 332 | باب فضل من تزوج ذات دين .
( 30 )
تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكّل إلى ذلك واذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال» (1).
فالمرأة المنحدرة من سلالة صالحة ومن أسرة صالحة ، وكان التدّين صفة ملازمة لها ، فانّ سير الحركة التربوية يتقدّم أشواطاً إلى الاِمام ، وتكون تربيتها للاطفال منسجمة مع القواعد التي وضعها الاسلام في شؤون التربية ، فيكون المنهج التربوي المتبع متفقاً عليه من قبل الزوجين، لا تناقض فيه ولا تضّاد ، وتكون الزوجة حريصة على إنجاح العملية التربوية وتعتبرها تكليفاً شرعياً قبل كل شيء ، هذا التكليف يجنبها عن أي ممارسة سلبية مؤثرة على النمو العاطفي والنفسي للاطفال.
2 ـ انتقاء الزوج :
للاَب الدور الاكبر في تنشئة الاطفال وإعدادهم نفسياً وروحياً ، ولذا أكدّ الاِسلام في أول المراحل على اختياره طبقاً للموازين الاسلامية التي يراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه وما يتصف به من صفات نبيلة وصالحة ، لانه القدوة الذي يقتدي به الاطفال وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم ، اضافة إلى اكتساب الزوجة (الام) بعض صفاته واخلاقه من خلال المعايشة المستمرة . وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اختيار الزوج الكفؤ وعرفّه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار» (2) . والكفؤ هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين وخُلق سامٍ .
____________
(1) الكافي 5 : 333 | 3 باب فضل من تزوج ذات دين .
(2) الكافي 5 : 347 | 1 باب الكفؤ .
( 31 )
وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من تزويج الرجل المريض نفسياً فقال : «تزّوجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم ، لان المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه» (1).
وجعل الاِسلام التدّين مقياساً في اختيار الزوج ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه» (2).
وحرّم الاِسلام كما هو مشهور من تزويج غير المسلم حفاظاً على سلامة الاطفال وسلامة العائلة من جميع جوانب السلامة ، في العقيدة وفي السلوك وفي الظواهر الروحية والنفسية لتأثر الزوجة والاطفال بمفاهيم الزوج وسلوكه في الحياة .
ونهى الاِسلام عن تزويج غير المتدّين والمنحرف في سلوكه عن المنهج الاسلامي في الحياة ، لتحصين العائلة والاطفال من الانحراف السلوكي والنفسي ، فنهى الاِمام الصادق عليه السلام عن تزويج الرجل المستعلن بالزنا حيثُ قال عليه السلام : «لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوجوا الرجل المستعلن بالزنا إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة» (3).
وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من تزويج شارب الخمر فقال : «من زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها» (4).
فالمنحرف يؤثر سلبياً على سلامة الاطفال السلوكية ، لانعكاس سلوكه
____________
(1) الكافي 5 : 348 | 1 باب مناكحة النصاب والشكاك .
(2) الكافي 5 : 347 | 2 ، 3 باب آخر منه .
(3) مكارم الاخلاق : 305 .
(4) وسائل الشيعة 20 : 79 . الكافي 5 : 347 | 1 باب 29 .
رد: الطفل في الاسلام
( 32 )
عليهم وعدم حرصه على تربيتهم ، اضافة إلى المشاكل التي يخلقها مع الزوجة التي تساعد على اشاعة الاضطراب والقلق النفسي في اجواء العائلة ، وجعل الحياة العائلية بعيدة عن الاطمئنان والاستقرار والهدوء الذي يحتاجه الاطفال في نموّهم الجسدي والنفسي والروحي .
وقد كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل البيت عليهم السلام قائمة على أساس اختيار الاكفاء لابنائهم وبناتهم ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يزوّج فاطمة لكبار الصحابة ، وكان جوابه لهم انه ينتظر بها نزول القضاء (1) ثم زوجها بأمر من الله تعالى إلى عليّ بن أبي طالب (2).
وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احدى المسلمات وهي الذلفاء المعروفة بانتسابها إلى أُسرة عريقة ، والمتصفة بالجمال الفائق من الاقتران بأحد المسلمين وهو جويبر الذي لا يملك مالاً ولا جمالاً إلاّ التدّين (3).
3 ـ العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل
بعد عملية الاختيار الزوج على أسس وموازين إسلامية نبيلة ، يستمر الاِسلام في التدرج مع الطفل خطوة خطوة ، ويضع لكلِّ خطوة واقعة في طريق تكوين الطفل ونشوئه أسساً وقواعد واقعية لينشأ نشأة سليمة ، وما على الزوجين إلاّ العمل على ضوئها .
قال سبحانه وتعالى : ( ومن آياته أن خلقَ لكم من انفسكم أزواجاً
____________
(1) مجمع الزوائد ، للهيثمي 9 : 206 ـ دار الكتاب العربي 1402 هـ ط3 .
(2) مجمع الزوائد 9 : 204 . المعجم الكبير للطبراني 22 : 408 . الصواعق المحرقة ، لابن حجر الهيتمي .
(3) الكافي 5 : 342 | 1 باب ان المؤمن كفؤ المؤمنة .
( 33 )
لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودّة ورحمة..) (1).
فجعل العلاقة بين الزوجين علاقة مودّة وحب ، وتبادل العواطف النبيلة والاحاسيس المرهفة ، ومن أجل إدامة هذه العلاقة دعا الاِسلام إلى ربط الزوجين بالقيم والموازين التي حدّدها المنهج الربّاني في الحياة ، ففي أول خطوات العلاقة والاتصال بين الزوج والزوجة وهي ليلة الزفاف ، أمر الاِسلام بالتقيد بالقيم الربّانية ، لكي لا تكون العلاقة علاقة بهيمية جسدية فقط ، وأول هذه القيم هي استحباب الصلاة ركعتين لكلِّ منهما ، وحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله وآله ، ثم الدعاء بإدامة الحب والودّ : (اللّهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف فانك تحب الحلال وتكره الحرام) (2).
والالتزام بذلك يخلق جواً من الاطمئنان والاستقرار والهدوء في أول خطوات اللقاء ، ولا يبقى لقلق الزوجة واضطرابها مجالاً ، فتكون ليلة الزفاف ليلة أنس وحب وودّ .
ويستمر الدعاء عند الخطوة الثانية وهي مرحلة المباشرة ، فيستحب أن يقول : (اللّهم ارزقني ولداً واجعله تقياً ذكياً ليس في خلقه زيادة ولا نقصان واجعل عاقبته إلى خير) ، وأفضل الذكر في أول المباشرة (بسم الله الرحمن الرحيم) (3).
____________
(1) الروم 30 : 21 .
(2) مكارم الاخلاق : 208 .
(3) مكارم الاخلاق : 209 .
( 34 )
ثانياً : مرحلة الحمل
1 ـ انعقاد الجنين :
من أجل سلامة الجنين الجسدية والنفسية وضع الاِسلام برنامجاً سهلاً يسيراً لا كلفة فيه ولا عسر ولا شدّة .
فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنع الزوجة في اسبوعها الاَول من (الاَلبان والخلّ والكزبرة والتفاح الحامض) ، لتأثير هذه المواد على تأخر الانجاب واضطرابه وعسر الولادة ، والاصابة ببعض الامراض (1)التي تؤثر سلبياً على الحمل وعلى الوليد .
كما حذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام من المباشرة في أوقات معينة ، وهذا التحذير لا يصل مرتبة الحرمة ، ولكن فيه كراهة ؛ لانعكاساته السلبية على سلامة الجنين وصحته الجسدية والنفسية ، ومن هذه الاوقات : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، وبعد الظهر مباشرة ، وفي أول الشهر ووسطه وآخره ، وفي الاوقات التي ينخسف فيها القمر ، وتنكسف فيها الشمس ، وفي أوقات الريح السوداء والحمراء والصفراء ، والاوقات التي تحدث فيها الزلازل ، وشجع صلى الله عليه وآله وسلم على غير هذه الاوقات ، فبعض الاوقات لها تأثير على الجانب العاطفي للطفل وخصوصاً الاوقات المخيفة ، فينشأ الطفل مضطرباً هيّاباً متردداً ، والاوقات الاخرى قد تؤدي إلى إصابة الطفل بالجذام والحمق
____________
(1) مكارم الاخلاق : 209 .
( 35 )
والجنون (1).
وهنالك بعض التوصيات المتعلقة في المباشرة .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تتكلم عند الجماع ، فانه ان قضى بينكما ولد لا يؤمن ان يكون أخرس ، ولا ينظرنَّ أحد في فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فان النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد» (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فان فعل ذلك فخرج الولد مجنوناً فلا يلومنَّ إلاّ نفسه»(3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تجامع امرأتك من قيام ، فان ذلك من فعل الحمير ، وان قضى بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش..» (4).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك ، فاني أخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثاً ، مؤنثاً ، مخبلاً» (5).
ويفهم من هذه الرواية الشريفة ان لا يتخيل الرجل امرأة أُخرى في اثناء المباشرة .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلاّ وأنت على وضوء ،
____________
(1) الكافي 5 : 498 | 1 باب الاوقات التي يكره فيها الباه . مكارم الاخلاق : 208 ـ 209 .
(2) مكارم الاخلاق : 209 .
(3) مكارم الاخلاق : 209 .
(4) مكارم الاخلاق : 210 .
(5) مكارم الاخلاق : 211 .
( 36 )
فانه ان قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب ، بخيل اليد»(1).
وفي كلِّ الاوقات يشجّع الاِسلام على ذكر الله تعالى قبل المباشرة والتسمية عندها ، اضافة إلى استخدام الاساليب المعمقة لروابط الحب والودّ والرباط المقدس ، كالتقبيل والعناق ورقة الكلمات وعذوبتها (2).
2 ـ المحيط الاَول للطفل :
رحم الاَم هو المحيط الاَول الذي ينشأ به الاِنسان ، ولهذا المحيط تأثيراته الايجابية والسلبية على الجنين لانه الاطار الذي يتحرك فيه ، ويعتبر الجنين جزءاً من الاَم ، تنعكس عليه جميع الظروف التي تعيشها الام ، وقد أثبتت الدراسات العلمية تأثير الاَم على نمو الجنين الجسدي والنفسي ، فالاضطراب والقلق والخوف والكبت وغير ذلك يترك أثره في اضطراب الوليد عاطفياً (3).
فالجنين يتأثر بالاَم ومواصفاتها النفسية وما يطرأ عليها في مرحلة الحمل من عوامل ايجابية أو سلبية ، وإنّ (الاضطرابات العصبية للاَم توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده ، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر ، ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الاَم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الافكار المقلقة ، والهمّ والغمّ ، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار) (4).
____________
(1) مكارم الاخلاق : 211 .
(2) مكارم الاخلاق : 212 .
(3) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 46 ـ 47 .
(4) الطفل بين الوراثة والتربية ، لمحمد تقي فلسفي 1 : 106 ـ دار التعارف 1381 هـ عن كتاب نحن والابناء 27 .
( 37 )
وشهور فترة الحمل تؤثر في الثبات العاطفي للطفل اِيجاباً أو سلباً(1).
وقد أكدّ الاِسلام على هذهِ الحقيقة قبل أن يكتشفها علماء النفس في يومنا هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الشقي من شقى في بطن أمّه ، والسعيد من سعد في بطن أمه» (2).
والمقصود من الشقاء والسعادة في بطن الام ، هو تلك الانعكاسات التي تطرأ على الجنين تأثراً بالحالة الصحية الجسدية والنفسية للاَم ، فتولِّد فيه استعداداً للشقاء أو للسعادة ، فبعض الامراض الجسدية تؤثر على الجنين فيولد مصاباً ببعضها وتلازمه الاصابة إلى الكبر فتكون مصدر الشقاء له ، أو يكون سالماً من الامراض فتكون السلامة ملازمة له ، وكذلك الحالة النفسية والعاطفية ، فالقلق أو الاطمئنان ، والاضطراب أو الاستقرار، والخوف وعدمه ، وغير ذلك يؤثر في الجنين ويبقى ملازماً له ما لم يتوفر له المحيط الاجتماعي المثالي لكي ينقذه من آثار الماضي أو يبعده عن السلامة في صحته الجسدية والنفسية ، وفيما يلي الاجراءات الوقائية التي اتخذها الاسلام لابعاد الجنين عن الظواهر السلبية المؤثرة في نموه الجسدي والنفسي :
أ ـ الاهتمام بغذاء الاَم :
من الحقائق الثابتة ان صحة الجنين الجسدية تتناسب طردياً مع صحة الام ، ومن العوامل المؤثرة في صحة الاَُم الغذاء ، ونحن نلاحظ ان المجاعة في بعض البلدان كان لها تأثير واضح في صحة الوليد ، فالضعف
____________
(1) مشاكل الآباء في تربية الابناء ، للدكتور سپوك : 263 ـ 1980 م ط3 .
(2) بحار الانوار ، للمجلسي 3 : 44 ـ مؤسسة الوفاء 1403 هـ ط2 .
( 38 )
الجسدي والامراض الجسدية والتشوهات في الخلقة ترجع أسبابها إلى المجاعة وسوء التغذية ، والعكس صحيح .
لذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام بالاهتمام بغذاء الحامل ، وخصوصاً الغذاء الذي له تأثير على الصفات النفسية والروحية للجنين .
السفرجل :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «كلوا السفرجل فانه يجلو البصر وينبت المودّة في القلب ، وأطعموه حبالاكم فانه يحسّن أولادكم» (1).
اللبان :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اطعموا نساءكم الحوامل اللبان ، فانّه يزيد في عقل الصبي» (2).
وقال الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام : «أطعموا حبالاكم اللبان ، فان يكن في بطنهنَّ غلام خرج ذكي القلب عالماً شجاعاً ، وان يكن جارية حسن خَلقها وخُلقها وعظمت عجيزتها وحظيت عند زوجها» (3).
التمر :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر ، فان ولدها يكون حليماً نقياً» (4).
____________
(1) مكارم الاخلاق : 172 .
(2) مكارم الاخلاق : 194 .
(3) مكارم الاخلاق : 194 .
(4) مكارم الاخلاق : 169 .
( 39 )
وقد وضع أهل البيت عليهم السلام جدولاً متكاملاً في أنواع الاغذية المفيدة في صحة الجسم ، كما ورد في كتاب الاطعمة والاشربة من الكافي ومكارم الاخلاق ، كالرمّان والتين ، والعنب ، والزبيب ، والبقول ، والسلق ، والفواكه الاخرى ، وكذلك اللحم والهريسة والخضروات .
إضافة إلى منعهم من الغذاء المضرّ على الصحة الجسدية والنفسية ، كالميتة والدم ولحم الخنزير والخمر ، وكل ماورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من الاَطعمة والاشربة المحرمة .
ب ـ الاهتمام بالصحة النفسية للحامل :
اختيار المنزل الواسع :
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «من السعادة سعة المنزل» (1)
وقال عليه السلام : «للمؤمن راحة في سعة المنزل» (2)
أثر سعة المنزل على سعادة الاِنسان من الحقائق الثابتة . والاِسلام يشجّع على ذلك ، فاذا كان المجتمع مجتمعاً اسلامياً يتبنى الاِسلام منهاجاً له في الحياة ، فسيكون للتكافل الاجتماعي دور في إشباع هذه الحاجة ، وفي غير ذلك ، وفي حالة عدم قدرة الرجل على شراء أو إيجار المنزل الواسع ، فيمكنه ان يطمئن المرأة الزوجة على العمل وبذل الجهد من أجل الحصول عليه ويؤملها بذلك ، أو تشجيعها على الصبر الجميل وما أعدّه الله تعالى لهما من الثواب والحسنات على ما يعانونه من فقر ،
____________
(1) مكارم الاخلاق 125 .
(2) مكارم الاخلاق : 131 .
رد: الطفل في الاسلام
( 40 )
فإن ذلك يجعلها مطمئنة ومرتاحة البال وإن كان المنزل ضيقاً .
توفير المستلزمات الضرورية للمرأة :
عن عبدالله بن عطا قال : (دخلت على أبي جعفر عليه السلام فرأيت في منزله نضداً ووسائد وانماطاً ومرافق ، فقلت ما هذا ؟ قال : «متاع المرأة» (1).
فالمستلزمات التي تحتاجها المرأة في المنزل ضرورية ، كالوسائد والمتّكآت ومفارش الصوف الملونة ، اضافة إلى الملابس الجميلة وبعض الاَثاث المنزلية تؤثر في راحتها وسعادتها ، فمن الضروري توفيرها لها حسب القدرة والامكانيات ، وفي حالة عدم القدرة عليها جميعاً أو على بعضها فيمكن للرجل إقناعها بما أعدّه الله تعالى لها من النعيم في الدار الآخرة ، إضافة إلى زرع الامل في نفسها بتحسين أوضاعها وإشباع حاجاتها .
حسن التعامل مع المرأة :
حسن التعامل مع المرأة وخصوصاً الحامل يجعلها تعيش حياة سعيدة مليئة بالارتياح والاطمئنان والاستقرار النفسي والروحي ، فلا يبقى للقلق والاضطراب النفسي موضعاً في قلبها وروحها .
قال الاِمام زين العابدين عليه السلام : «وأما حقّ رعيتك بملك النكاح ، فأنْ تعلم انّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب ان يحمد الله على صاحبه ، ويعلم ان ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، فإنّ لها حق الرحمة
____________
(1) مكارم الاخلاق : 131 .
( 41 )
والمؤانسة وموضع السكون اليها قضاء اللذة» (1).
وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها والرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة ، وتكريمها ووضعها بالموضع اللائق بها ، واعتبارها شريكة الحياة ، واشباع حاجاتها المادية والروحية ، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الاسلام ، وإشاعة جو المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة ، وإدخال الفرحة على قلبها ، والحفاظ على أسرارها الى غير ذلك من التعاليم التي أكدَّ عليها الاِسلام ، ومنها مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع انجازها ، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثر على نهجها الاِسلامي ، والتفاهم في حلّ المشكلات اليومية باسلوب لا يثير غضبها ، وتجنب كلّ ما يؤدي إلى الاضرار بصحتها النفسية كالغيرة في غير مواضعها ، والتعبيس في وجهها أو ضربها أو هجرها أو التقصير في حقوقها (2).
فإذا حسنت المعاملة معها حسنت حالتها النفسية والروحية وانعكست على الجنين .
____________
(1) تحف العقول ، للحرّاني : 188 ـ المطبعة الحيدرية النجف 1380 هـ ط5 .
(2) ارشاد القلوب : 175 ، مكارم الاخلاق 245 ، الكافي 5 : 511 ، المحجة البيضاء 3 : 19 .
( 42 )
( 43 )
الفصل الثالث
المرحلة الثانية : مرحلة ما بعد الولادة
وهي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة ، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالطفل ، لاَنّها الاساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل ، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي ، ولذلك ركّز المنهج الاسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة ، متمثلة بالقيام بالاعمال التالية :
أولاً : مراسيم الولادة :
تبدأ مراسيم الولادة منذ اليوم الاَول إلى اليوم السابع من الولادة للحفاظ على صحة الطفل الجسدية والنفسية معاً ، فأول عمل يقوم به الوالدان هو إسماع الطفل اسم الله تعالى ، فعن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ولد له مولود فليؤذن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى فانّها عصمة من الشيطان الرجيم»(1).
____________
(1) الكافي 6 : 24 | 6 باب ما يفعل بالمولود .
( 44 )
ولاَهمية الاَذان والاقامة في أُذن الطفل أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضمن وصايا عديدة : « يا علي إذا ولد لك غلام أو جارية ، فأذّن في اُذنه اليمنى وأقم في اليسرى فانّه لا يضرّه الشيطان ابداً» (1).
والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الارادة، وهذه الوصايا وان لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرين ، ولكنّها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكررة لمن طبقها في منهجه التربوي ، مع مراعاة الوصايا الاخرى في جميع مراحل الطفولة .
ويستحب تسمية الوليد بأحسن الاسماء ولا أحسن من اسم محمد وهو اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «لا يولد لنا ولد إلاّ سميّناه محمداً فاذا مضى لنا سبعة أيام فان شئنا غيّرنا وان شئنا تركنا» (2).
وأكدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذهِ التسمية بقوله : «من ولد له أربعة أولاد لم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني» (3).
وكان الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام يحثون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالاسماء التالية : (عبدالرحمن ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته محمد ، أحمد ، علي ، الحسن ، الحسين ، جعفر ، طالب ،
____________
(1) تحف العقول : 17 .
(2) الكافي 6 : 18 | 4 باب الاسماء والكنى .
(3) الكافي 6 : 19 | 6 باب الاسماء والكنى .
( 45 )
فاطمة)(1).
ولم يشجعوا على الاسماء التالية : (الحكم ، حكيم ، خالد ، مالك ، حارث) (2).
والاَسماء الحسنة تحصّن الطفل من السخرية والاستهزاء من قبل الاخرين ، فلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الاسماء المستهجنة .
ومن مراسيم الولادة العقيقة وهي ذبح شاة في المناسبة ، وحلق رأس الطفل كما جاء في قول الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «عقّ عنه واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق بوزن شعره فضة» (3).
والعقيقة التي هي مصداق للصدقة تمنع من البلاء وتقي الطفل من المخاطر ، ولعلّ فيها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم ان والديه قد اعتنوا به في ولادته ، وهي ذكرى حسنة عند من وصلته تلك العقيقة أو بعضها .
ومن مراسيم الولادة الختان ، قال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «اختنوا أولادكم لسبعة أيام فانه أطهر وأسرع لنبات اللحم...» (4).
____________
(1) الكافي 6 : 19 باب الاسماء والكنى .
(2) الكافي 6 : 21 باب الاسماء والكنى .
(3) الكافي 6 : 27 | 1 باب انه يعق يوم السابع للمولود .
(4) الكافي 6 : 34 | 1 باب التطهير .
( 46 )
ثانياً : التركيز على حليب الام
الحليب هو المصدر الاساسي والوحيد لتغذية الطفل في الاشهر الاولى من حياته ، وأفضل الحليب حليب الاَُم لاَنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل ، والام أفضل من تمنحه الحنان والدفىء العاطفي بدافع غريزة الامومة التي أودعها الله تعالى في المرأة ، حيثُ (تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أولى أيام الرضاع) (1).
وتتوثق أواصر المحبة بين الطفل وأمه عن طريق الرضاعة ، فيكون الطفل أقل توتراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً (2).
وجاءت روايات أهل البيت عليهم السلام ووصاياهم مؤكدّة على التركيز على حليب الاَم ، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه» (3).
فحليب الاَُمّ أفضل غذاء للطفل من الناحية العلمية اضافة إلى أنَّ عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالامان والطمأنينة والرعاية ، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلة حليب الام أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت ، أكدّ أهل البيت عليهم السلام على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير
____________
(1) الطفل بين الوراثة والتربية ، لمحمد تقي الفلسفي 2 : 82 عن كتاب عقدة الحقارة 9 .
(2) قاموس الطفل الطبي : 11 ـ 16 .
(3) الكافي 6 : 40 | 1 باب الرضاع .
رد: الطفل في الاسلام
( 47 )
المؤمنين عليه السلام : «انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشبُّ عليه» (1).
فالحليب ونوعية المرضعة يؤثر على الطفل من ناحية نموه الجسدي والنفسي . وقد أثبتت التجارب صحة تعاليم أهل البيت في هذا المجال .
وهنالك مواصفات عند المرضعة حبذها أهل البيت عليهم السلام في الاختيار .
قال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : «استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي» (2).
وقال : «عليكم بالوضاء من الظّؤرة فان اللبن يعدي» (3).
وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات ، فنهى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام عن الاسترضاع عند المجوسية ، فعن عبدالله بن هلال قال : سألته عن مظائرة المجوسي ، فقال : «لا ، ولكن أهل الكتاب» (4).
وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطاً بمنعهنّ من شرب الخمر : فقال عليه السلام : «اذا أرضعن لكم فامنعوهنّ من شرب الخمر» (5).
وعن علي بن جعفر عن الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال : سألته عن الرجل المسلم ، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر ؟ قال : «امنعوهنّ من شرب الخمر ، ما أرضعنّ لكم» (6).
____________
(1) الكافي 6 : 44 | 1 من يكره لبنه ومن لا يكره .
(2) الكافي 6 : 44 | 12 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
(3) الكافي 6 : 44 | 13 باب من يكره لبنه ومن لا يكره . الوضاءة : الحسن والنظافة .
(4) الكافي 6 : 42 | 2 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
(5) الكافي 6 : 42 | 3 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
(6) وسائل الشيعة 21 : 465 | 7 باب 76 من كتاب النكاح .
( 48 )
ونهى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام من الاسترضاع من المرأة الزانية والتي تكوّن لبنها بسبب الزنا فقال : «لا تسترضعها ولا ابنتها» (1).
وقال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ الي من لبن ولد الزنا» (2).
والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل ، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالاثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين ، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة ، وهذا القلق والاضطراب يؤثر في التوازن الانفعالي للطفل .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوقاية من لبن البغيّة والمجنونة فقال : «توقوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فان اللبن يعدي» (3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تسترضعوا الحمقاء فان الولد يشبّ عليه» (4)
وقال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : «إنّ علياً كان يقول : لا تسترضعوا الحمقاء، فان اللبن يغلب الطباع» (5).
ويؤكد علماء الطب على أن تكون الام مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة ثم تمس برفق وجنة الطفل ، ويجب ألا تحاول الام إرغامه على
____________
(1) الكافي 6 : 42 | 1 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
(2) الكافي 6 : 42 | 5 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
(3) مكارم الاخلاق : 223 .
(4) مكارم الاخلاق : 237 .
(5) مكارم الاخلاق : 237 .
( 49 )
توجيه رأسه نحو ثديها لاَن ذلك يربكه ويحيره(1).
ووضع أهل البيت عليهم السلام برنامجاً في اسلوب الرضاعة ومدتها ، وهو الرضاع من جهتين وإطالة مدتها إلى واحد وعشرين شهراً ، قال الاِمام جعفر الصادق لاَُمّ اسحاق بنت سليمان : «يا أمّ اسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً» (2).
وقال عليه السلام : «الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي» (3).
فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل ، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيثُ تحتضن الاَم طفلها وتضمه إلى صدرها ، فيشعر بالحنان المتواصل والدفىء العاطفي ، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان : (إنّ الطفل الذي ينعم بحنان أمه المتدفق خلال العام الاَول والثاني من عمره يشعر بالامان ، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرّف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة ، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الاخرين بسهولة ويندمج مع الاطفال في مثل عمره) (4). ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل تؤثر على نموه اللغوي ونموه العاطفي في المستقبل ، فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام تناغي الحسن عليه السلام وتقول :
أشبه أباك يا حسن واخلع عن الحق الرّسن
____________
(1) قاموس الطفل الطبي : 33 .
(2) الكافي 6 : 40 | 2 باب الرضاع .
(3) الكافي 6 : 40 | 3 باب الرضاع .
(4) قاموس الطفل الطبي : 257 .
( 50 )
واعبد إلهاً ذا منن ولا توالِ ذا الاِحن
وكانت تناغي الحسين عليه السلام :
أنت شبيهٌ بأبي لست شبيهاً بعلي
وأكدّ أهل البيت عليهم السلام كما تقدم على اقامة علاقات المودّة والحب بين الوالدين ، وتجنّب المشاكل التي تؤثر على الصحة النفسية لكليهما وللام على وجه الخصوص ، لانعكاس انفعالاتها المتشنجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة . وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت عليهم السلام بالاهتمام بغذاء الاَم المصدر ، الاساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمية والنوعية ، وكان التركيز على التمر في إطعام الاَم لتأثيره على الرضيع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب..» قيل : يا رسول الله فان لم يكن أوان الرطب ؟ قال : «سبع تمرات من تمر المدينة ، فان لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم» (2).
وأوصى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام بأكل أحد انواع التمر وهو البرني فقال : «اطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم» (3).
وفي رواية عنه عليه السلام : «اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهنّ تجمّلوا أولادكم» (4).
ووضع أهل البيت عليهم السلام لائحة بالمواد الغذائية المهمة في النمو
____________
(1) بحار الانوار 43 : 286 .
(2) الكافي 6 : 22 | 4 باب ما يستحب ان تطعم الحبلى .
(3) الكافي 6 : 22 | 5 ما يستحب ان تطعم الحبلى .
(4) مكام الاخلاق : 169 .
( 51 )
والصحة (1).
فخبز الشعير وقاية من الامراض ، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد العظم ويسهل الهضم ، وسويق العدس يسكّن هيجان الدم ويقلّل من حرارة الجسم ، واللحوم وخصوصاً لحم الدراج يقلل من الغضب ، والهريسة تنشط الجسم وتمنحه الحيوية ، والزيتون يطرد الرياح ، والعنب يقلل الغضب ، والسفرجل يقوّي القلب والخس يصفي الدم ، كما أكدوا على العسل والبيض واللبن وسائر انواع الفواكه . وتنتقل فوائد هذه المواد الغذائية من الاَم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكوّن منها .
وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الام ، فاذا تعذّر فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الامراض الجسدية والنفسية ، واذا تعذّر فتسترضع غير المؤمنة بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما يضرّ بصحة الطفل ، والاهتمام بالصحة النفسية للاَم والاهتمام بصحتها الجسدية ، واشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في انتاج الحليب النقي والغني بالمواد الغذائية الضرورية لينعكس ذلك ايجابياً على صحة الطفل النفسية والجسدية .
____________
(1) الكافي 6 : 305 وما بعدها .
رد: الطفل في الاسلام
الفصل الرابع
المرحلة الثالثة : مرحلة الطفولة المبكرة
تبدأ مرحلة الطفولة المبكرّة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو السابع من عمر الطفل ، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الاَبوين إبداء عناية خاصة في تربية الاطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي ، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي :
أولاً : تعليم الطفل معرفة الله تعالى
الطفل مجبول بفطرته على الايمان بالله تعالى ، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به ، وان تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود ، والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. مما سوف
( 54 )
يعطيه الاَمل في الحياة والاعتماد على الخالق ، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1).
والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسباً مع العمر العقلي للطفل ، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي ، وقد حدّد الاِمام محمد الباقر عليه السلام تسلسل المنهج قائلاً : «اذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له : قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرات ، ثم يترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له : قُلْ محمد رسول الله سبع مرات ، ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له : قُلْ سبع مرات صلى الله على محمد وآله ، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين ثم يقال له : أيهما يمينك وأيُّهما شمالك ؟ فاذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة ويقال له : اسجد ، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فاذا تم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك فاذا غسلهما قيل له صلِّ ثم يترك ، حتى يتم له تسع سنين، فاذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه وأمر بالصلاة وضرب عليها فاذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له ولوالديه انشاء الله» (2).
وقد أثبت علم النفس الحديث صحة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات ، يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الاشياء والعلاقات... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة وهذا يمكنه من صنع
____________
(1) قاموس الطفل الطبي : 294 .
(2) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 1 : 182 | 3 باب الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف للمطبوعات 1401 هـ .
( 55 )
جمل أولية وصحيحة) (1).
وتعميق الايمان بالله ضروري في تربية الطفل .
والطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيها الايمان بالله تعالى ، يقول الدكتور سپوك : (إنّ الاساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الاساس الذي يحب به الوالدان الله) .
ويقول : (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الابوين في كلِّ شيء فاذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفياً) (2) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً اِلى علاقات المحبة والمودّة والرقّة واللين فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام) (3).
فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى انه مانح الحب والرحمة له .
واذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالافضل ان نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته ، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك ، ونركز على انه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الاسلامية ، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم ، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره .
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور علي منصور 2 : 132 ـ 1407 هـ .
(2) مشاكل الاباء في تربية الابناء : 248 .
(3) مشاكل الاباء في تربية الابناء : 251 .
( 56 )
ثانياً : التركيز على حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ، وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن» (1).
في هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والاحاسيس عند الطفل ، من حب وبغض وانجذاب ونفور ، واندفاع وانكماش ، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه ، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية والمبادرة إلى تركيز حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحبّ أهل البيت عليهم السلام في خلجات نفسه ، والطريقة الافضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم ، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء ، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم ، مبغضاً لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين .
والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، متطلعاً على ما جاء فيه وخصوصاً الايات والسور التي يفهم الطفل معانيها ، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه ، وقدرته على الحفظ ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم ، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه .
____________
(1) كنز العمال 16 : 456 | 45409 .
( 57 )
ثالثاً : تربية الطفل على طاعة الوالدين
يلعب الوالدان الدور الاكبر في تربية الاطفال ، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أولاً وقبل كلّ شيء ، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل المستقبلية ، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانوياً في التربية.
والطفل اذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فانه لا يتقبل ما يصدر منهما من نصائح وارشادات وأوامر إصلاحية وتربوية ، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة ، فيكون متمرداً على جميع القيم وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع .
قال الاِمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام : «جرأة الولد على والده في صغره ، تدعو إلى العقوق في كبره» (1).
وقال الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : «... شرّ الابناء من دعاه التقصير إلى العقوق» (2).
وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك ؛ لاَنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية ، فيحتاج إلى جهد اضافي من قبل الوالدين ، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان ، يقول
____________
(1) تحف العقول : 368 .
(2) تاريخ اليعقوبي 2 : 320 .
( 58 )
الدكتور يسري عبدالمحسن : (أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة.. الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كلِّ افراد الاسرة) (1).
ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي اشباع حاجاته الاساسية وهي (الامن ، والمحبة ، والتقدير ، والحرية ، والحاجة إلى سلطة ضاغطة) (2).
ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي (الحاجة إلى توكيد الذات ، أو المكانة ، ان يعترف به وبمكانته ، وان ينتبه إليه.. والحاجة إلى الاَمان والحاجة إلى المحبة والحاجة إلى الاستقلال) (3).
فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قبل والديه ، فانه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه وأهم مصاديق الارضاء هو طاعتهما .
فالوالدان هما الاساس في تربية الطفل على الطاعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما» (4) واسلوب الاعانة كما حددّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالاحسان إليه ، والتألف له ، وتعليمه وتأديبه» (5).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله من أعان ولده على برّه ، وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله» (6).
____________
(1) قاموس الطفل الطبي : 328 .
(2) علم النفس ، لعبدالعزيز القوصي : 264 .
(3) علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 100 ـ 101 .
(4) مستدرك الوسائل 2 : 618 .
(5) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(6) عدة الداعي : 61 .
المرحلة الثالثة : مرحلة الطفولة المبكرة
تبدأ مرحلة الطفولة المبكرّة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو السابع من عمر الطفل ، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الاَبوين إبداء عناية خاصة في تربية الاطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي ، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي :
أولاً : تعليم الطفل معرفة الله تعالى
الطفل مجبول بفطرته على الايمان بالله تعالى ، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به ، وان تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود ، والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. مما سوف
( 54 )
يعطيه الاَمل في الحياة والاعتماد على الخالق ، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1).
والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسباً مع العمر العقلي للطفل ، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي ، وقد حدّد الاِمام محمد الباقر عليه السلام تسلسل المنهج قائلاً : «اذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له : قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرات ، ثم يترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له : قُلْ محمد رسول الله سبع مرات ، ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له : قُلْ سبع مرات صلى الله على محمد وآله ، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين ثم يقال له : أيهما يمينك وأيُّهما شمالك ؟ فاذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة ويقال له : اسجد ، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فاذا تم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك فاذا غسلهما قيل له صلِّ ثم يترك ، حتى يتم له تسع سنين، فاذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه وأمر بالصلاة وضرب عليها فاذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له ولوالديه انشاء الله» (2).
وقد أثبت علم النفس الحديث صحة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات ، يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الاشياء والعلاقات... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة وهذا يمكنه من صنع
____________
(1) قاموس الطفل الطبي : 294 .
(2) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 1 : 182 | 3 باب الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف للمطبوعات 1401 هـ .
( 55 )
جمل أولية وصحيحة) (1).
وتعميق الايمان بالله ضروري في تربية الطفل .
والطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيها الايمان بالله تعالى ، يقول الدكتور سپوك : (إنّ الاساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الاساس الذي يحب به الوالدان الله) .
ويقول : (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الابوين في كلِّ شيء فاذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفياً) (2) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً اِلى علاقات المحبة والمودّة والرقّة واللين فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام) (3).
فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى انه مانح الحب والرحمة له .
واذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالافضل ان نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته ، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك ، ونركز على انه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الاسلامية ، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم ، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره .
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور علي منصور 2 : 132 ـ 1407 هـ .
(2) مشاكل الاباء في تربية الابناء : 248 .
(3) مشاكل الاباء في تربية الابناء : 251 .
( 56 )
ثانياً : التركيز على حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ، وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن» (1).
في هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والاحاسيس عند الطفل ، من حب وبغض وانجذاب ونفور ، واندفاع وانكماش ، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه ، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية والمبادرة إلى تركيز حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحبّ أهل البيت عليهم السلام في خلجات نفسه ، والطريقة الافضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم ، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء ، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم ، مبغضاً لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين .
والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، متطلعاً على ما جاء فيه وخصوصاً الايات والسور التي يفهم الطفل معانيها ، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه ، وقدرته على الحفظ ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم ، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه .
____________
(1) كنز العمال 16 : 456 | 45409 .
( 57 )
ثالثاً : تربية الطفل على طاعة الوالدين
يلعب الوالدان الدور الاكبر في تربية الاطفال ، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أولاً وقبل كلّ شيء ، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل المستقبلية ، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانوياً في التربية.
والطفل اذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فانه لا يتقبل ما يصدر منهما من نصائح وارشادات وأوامر إصلاحية وتربوية ، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة ، فيكون متمرداً على جميع القيم وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع .
قال الاِمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام : «جرأة الولد على والده في صغره ، تدعو إلى العقوق في كبره» (1).
وقال الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : «... شرّ الابناء من دعاه التقصير إلى العقوق» (2).
وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك ؛ لاَنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية ، فيحتاج إلى جهد اضافي من قبل الوالدين ، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان ، يقول
____________
(1) تحف العقول : 368 .
(2) تاريخ اليعقوبي 2 : 320 .
( 58 )
الدكتور يسري عبدالمحسن : (أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة.. الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كلِّ افراد الاسرة) (1).
ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي اشباع حاجاته الاساسية وهي (الامن ، والمحبة ، والتقدير ، والحرية ، والحاجة إلى سلطة ضاغطة) (2).
ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي (الحاجة إلى توكيد الذات ، أو المكانة ، ان يعترف به وبمكانته ، وان ينتبه إليه.. والحاجة إلى الاَمان والحاجة إلى المحبة والحاجة إلى الاستقلال) (3).
فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قبل والديه ، فانه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه وأهم مصاديق الارضاء هو طاعتهما .
فالوالدان هما الاساس في تربية الطفل على الطاعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما» (4) واسلوب الاعانة كما حددّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالاحسان إليه ، والتألف له ، وتعليمه وتأديبه» (5).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله من أعان ولده على برّه ، وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله» (6).
____________
(1) قاموس الطفل الطبي : 328 .
(2) علم النفس ، لعبدالعزيز القوصي : 264 .
(3) علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 100 ـ 101 .
(4) مستدرك الوسائل 2 : 618 .
(5) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(6) عدة الداعي : 61 .
رد: الطفل في الاسلام
( 59 )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله من أعان ولده على برّه... يقبل ميسوره ، ويتجاوز عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به...» (1).
وحبّ الاطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما (2).
فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه ، فإنّ الطاعة لهما ستكون متحققة الوقوع ، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا الاوامر برفق ولين بصورة نصح وإرشاد فان الطفل سيستجيب لهما ، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية ، ولذا أكدّ علماء النفس والتربية على التقليل من التعنيف كما جاء في قول أنور الجندي : (يقتصد في التعنيف عند وقوع الذنب ، لانّ كثرة العقاب تهون عليه سماع الملامة وتخفّف وقع الكلام في نفسه) (3).
وإطاعة الاوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبة والتقدير أية غضاضة على حبه للاستقلال ، وبالمحبة التي يشعرها تتعمق في نفسه القابلية على تقليد سلوك من يحبّهم وهما الوالدين ، فينعكس سلوكهما عليه ، ويستجيب لهما ، فإنه اذا عومل كإنسان ناضج وله مكانة فانه يستريح إلى ذلك ويتصرّف بنضج وبصورة لا تسيء إلى والديه ، فيتمرّن على الطاعة لوالديه ، ومن ثم الطاعة لجميع القيم التي يتلقاها من والديه أو من المدرسة أو من المجتمع .
____________
(1) الكافي 6 : 50 | 6 بر الاولاد .
(2) علم الاجتماع ، لنقولا الحداد : 252 ـ دار الرائد 1982 م ط2 .
(3) التربية وبناء الاجيال : 167 .
( 60 )
رابعاً : الاِحسان إلى الطفل وتكريمه
الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى المحبّة والتقدير من قبل الوالدين وبحاجة إلى الاعتراف به وبمكانته في الاسرة وفي المجتمع ، وان تسلّط الاضواء عليه ، وكلّما أحسَّ بانّه محبوبٌ ، وأنّ والديه أو المجتمع يشعر بمكانته وذاته فانّه سينمو (متكيفاً تكيّفاً حسناً وكينونته راشداً صالحاً يتوقف على ما اذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً بالاطمئنان في البيت)(1).
والحبُّ والتقدير الذي يحسّ به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته ، فيكتمل نموه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي ، والطفل يقلّد من يحبه ، ويتقبّل التعليمات والاَوامر والنصائح ممّن يحبّه ، فيتعلم قواعد السلوك الصالحة من أبويه وتنعكس على سلوكه إذا كان يشعر بالمحبة والتقدير من قبلهما .
وقد وردت عدة روايات تؤكد على ضرورة محبة الطفل وتكريمه .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم» (2) وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله عبداً أعان ولده على بِرّه بالاِحسان إليه والتألف له وتعليمه وتأديبه» (3).
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط1 .
(2) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
( 61 )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة» (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أحبّوا الصبيان وارحموهم ، فاذا وعدتموهم فوفوا لهم ، فانّهم لا يرون إلاّ انكم ترزقونهم» (2).
ومن مصاديق محبة الطفل واشعاره بمكانته التشجيع له ومدحه على ما ينجزه من أعمال وإنْ كانت يسيرة والتجاوز عن بعض الهفوات ، وعدم تسفيه أقواله أو أعماله وعدم حمله على مالا يطيق كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «رحم الله من أعان ولده على برّه... يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به...» (3).
وتقبيل الطفل من أفضل الوسائل لاِشعاره بالحب والحنان ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أكثروا من قبلة أولادكم ، فان لكم بكلِّ قبلة درجة في الجنة»(4)س وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من قبّل ولده كان له حسنة ، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة...» (5).
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم» (6) ومن مصاديق إشعار الطفل بانه محبوب إسماعه كلمات الحبّ والودّ
____________
(1) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(2) مكام الاخلاق : 219 .
(3) الكافي 6 : 50 | 6 باب بر الاولاد .
(4) مكارم الاخلاق : 220 .
(5) عدّة الداعي : 79 .
(6) تحف العقول : 267 .
( 62 )
ففي روايةٍ (جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه ، وأخذ الآخر فضمّه إلى إبطه الآخر وقال : «هذان ريحانتاي من الدنيا») (1).
ومن أجل إشعار الطفل بمكانته الاجتماعية لتتعمق الثقة بنفسه كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلّم على الصغير والكبير كما جاء في الخبر إنّه : (مرّ على صبيان فسلّم عليهم) (2).
وتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الحسن والحسين تعاملاً خاصاً ، فقد (بايع الحسن والحسين وهما صبيّان) (3).
وإشعار الطفل بالحب والحنان من أهم العوامل التي تساعده على الطاعة والانقياد للوالدين (4).
والافضل أن يكون إشعار الطفل بانّه محبوب مرافقاً له في كلِّ الاوضاع والاحوال حتّى وإنْ أخطأ أو ارتكب ما يوجب التأنيب أو العقاب ، والافضل أن نجعل الطفل مميّزاً بين الحب له وعدم كراهيته في حالة خطئه أو ذنبه ، يقول الدكتور سپوك : (انّنا كآباء يجب أن لا نجعل الطفل يشعر في أي مرحلة من مراحل عمره بانّه منبوذ ولو حتى بمجرد نظرة عين ، انّ الطفل لا يستطيع ان يفرّق بين كراهية والديه لسلوكه وبين
____________
(1) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور 7 : 14 ـ دار الفكر 1405 هـ ط1 .
(2) مستدرك الوسائل 2 : 69 .
(3) تحف العقول : 337 .
(4) قاموس الطفل الطبي : 328 .
( 63 )
كراهيتهما له) (1).
ولكن بالتدريب وتكرار العمل يمكننا أن نقنع الطفل بأنّ العمل الخاطىء الذي يرتكبه مبغوضاً من قبل والديه ، أو من قبل المجتمع مع بقاء المحبوبية له ، ونحاول إقناعه بالاقلاع عن الاعمال الخاطئة وإشعاره بإنْ الحب والحنان سيصل إلى أعلى درجاته في هذه الحالة .
خامساً : التوازن بين اللين والشدّة
تكريم الطفل والاِحسان إليه وإشعاره بالحب والحنان وإشعاره بمكانته الاجتماعية وبانه مقبول عند والديه وعند المجتمع ، يجب أنْ لا يتعدى الحدود إلى درجة الافراط في كلِّ ذلك ، وأن لا تُتْرك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء ، فلابدّ من وضع منهجٍ متوازن في التصرّف معه من قبل الوالدين ، فلا يتساهلا معه إلى أقصى حدود التساهل ، ولا أن يعنّف على كلِّ شيء يرتكبه ، فلا بدّ أنْ يكون اللين وتكون الشدّة في حدودهما ، ويكون الاعتدال بينهما هو الحاكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام واطمئنان ، يميّز بين السلوك المحبوب والسلوك المنبوذ ، لان السنين الخمسة الاولى أو الستة من الحياة هي التي تكوّن نمط شخصيته .
وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط .
____________
(1) مشاكل الآباء : 141 .
( 64 )
قال الاِمام الباقر عليه السلام : «شرّ الآباء من دعاه البرّ إلى الاِفراط..» (1) وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية ، على الوالدين أنْ يُشعِرا الطفل بأضرار هذه المخالفة وإقناعه بالاقلاع عنها ، فإذا لم ينفع الاقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني ، والعقوبة العاطفية خيرٌ من العقوبة البدنية كما أجاب الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام حينما سُئِل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال : «لا تضربه واهجره... ولا تطل» (1).
وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط .
فالاِمام لا يدعو إلى اللين والتساهل مع الطفل في حالة تكرار الاخطاء ، كما لا يدعو إلى استمرار العقوبة العاطفية وهي الهجر ، وإنّما يدعو إلى الاعتدال والتوازن بين اللين والشدّة .
والاِفراط أو التفريط يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخلقية .
ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أنْ يحدث التوازن بين المدح والتأنيب ، فالمدح الزائد كالتأنيبْ الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل، ويجعله مضطرباً قلقاً ، فالطفل (الناشيء في ظل الرأفة الزائدة لا يطيق المقاومة أمام تقلبات الحياة ، ولا يستطيع الصراع معها) (2).
وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط .
ويتأخر النضوج العاطفي عند الطفل المدلل ، (وتطول فترة الطفولة
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 320
(2) بحار الانوار 23 : 114 .
(3) الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 180 عن كتاب نحن والابناء 39 .
( 65 )
لديه) (1) فيبقى محتاجاً لوالديه في كلِّ المواقف التي تواجهه وت هذه الحالة معه حتى في كبره ، فنجد في واقعنا الاجتماعي أطفالاً أو كباراً ينتظرون من المجتمع ان يلبي مطالبهم أو يؤيد آرائهم ، أو يمدحهم ويثني عليهم ، فهم لا يستطيعون مواجهة المشاكل التي تقف في طريق تلبية طموحاتهم ، ونفس الكلام يأتي في سلوك الطفل المنبوذ أو المتعرّض للاهانات أو التأنيب الزائد من قبل والديه ومحاسبته على كلِّ شيء يصدر منه ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «الافراط في الملامة يشبّ نيران اللجاج»(2).
ولذا نجد في المجتمع أنَّ الاَحداث المنحرفين المتصفين بصفات عدوانية اتجاه الآخرين كانوا معرضيّن للاهانات والعقوبات المستمرة .
وعلى الوالدين أنْ يضعوا للاطفال برنامجاً يوضّحون لهم المحبوب والمذموم من الاعمال ، ويكون المدح أو التأنيب منصبّاً على العمل المرتكب ، لكي نزرع في قلوبهم حبّ الاعمال الصالحة وبغض الاعمال غير الصالحة ، وأن تعمل على تقوية الضمير في نفس الطفل في هذهِ المرحلة حتى يكون صماماً له في المستقبل فنزرع في قلبه الخوف من ارتكاب العمل غير الصالح والشوق إلى العمل الصالح ، بدلاً من الخوف من العقوبة أو الشوق إلى المدح والاطراء ، وعلى الوالدين أن يجعلوا المدح أو التأنيب خالصاً من أجل تربية الاطفال ، وان لا يعكسوا أوضاعهم النفسية في التربية ، كمن يواجه مشكلة فيصّب غضبه على
____________
(1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 535 .
(2) تحف العقول : 84 .
رد: الطفل في الاسلام
( 66 )
الطفل دون أي مبرّر .
وفي هذا الصدد (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاَدب عند الغضب) (1) وهنالك بعض الحالات يجب على الوالدين الانتباه إليها لكي لا تأتي على عقل الطفل وعواطفه بآثار عكسية ، فمثلاً يقوم الطفل بكسر شيء ثمين فيصيبه الفرح لانّه يرى نفسه قد أقدم على شيء جميل بأن حوّل هذا الشيء إلى شيئين عن طريق عملية الكسر ، فهو يحتاج في نظره إلى مدح وثناء ، وهنا تأتي بدلاً من المدح العقوبة فيتفاجأ الطفل ، وتكون للعقوبة تأثيراتها النفسية عليه .
وفي حالات أُخرى يكون الطفل بحاجة إلى التأنيب أو الذّم أو الهجران أو العقوبة البدنية أحياناً كما يقول الدكتور سپوك : (إنّ الاطفال في معظم الاحوال يفرحون لاَنّ الوالد قد وضع حداً لوقاحتهم) (2).
والطفل في حالة مرضه بحاجة إلى الرعاية المتوازنة فلا إفراط ولا تفريط ، فلا اهتمام زائد ولا عدم اهتمام ، والتوازن أفضل ، وهو اشعاره بالاهتمام في حدوده المعقولة لانّ (طريقة المبالغة التي تتبعها الامهات عندما يصاب اطفالهنّ بالمرض تؤثر على نفسية الطفل في الكبر... يخلق منه طفلاً مكتئباً كثير الشكوى سريع الانفعال) (3).
ويجب مراعاة وحدة الاسلوب التربوي من قبل الوالدين ، والاتفاق
____________
(1) بحار الانوار 79 : 102 .
(2) مشاكل الآباء : 75 .
(3) قاموس الطفل الطبّي : 278 .
( 67 )
على منهج واحد من أجل أنْ يتعرّف الطفل على الصواب والخطأ في سلوكه ، فلو استخدم الاَب التأنيب مع الطفل لخطأ معين ، فعلى الاَُم ان لا تخالف الاب في ذلك ، وكذا الحال في المدح لاَنّ (الاضطرابات السلوكية والامراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للابوين... كتناقضات اسلوب المعاملة ، كالتذبذب بين التسامح والشدة... والتدليل والاهمال ، وتكون نتيجة هذه التطورات إما خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة والاحباط والوسواس من ناحية أو المغالاة في الاعتماد على الغير والسلوك المدلّل وضعف الشخصية من ناحية أُخرى) (1).
سادساً : العدالة بين الاطفال
الطفل الاَول في الاسرة يكون موضع حب وحنان وعناية من قبل والديه لاَنّه الطفل الاَول والطفل الوحيد ، فيمنح الاهتمام الزائد ، والرأفة الزائدة ، وتلبّى كثيراً من حاجاته المادية والنفسية ، فنجد الوالدين يسعيان إلى إرضائه بمختلف الوسائل ويوفرّون له ما يحتاجه من ملابس وألعاب وغير ذلك من الحاجات ، ويكون مصاحباً لوالديه في أغلب الاوقات سواء مع الاَُم أو مع الاَب أو مع كليهما وبعبارة أُخرى يلقى دلالاً واهتماماً استثنائياً ، ومثل هذا الطفل وبهذه العناية والاهتمام ، سيواجه مشكلة صعبة عليه في حالة ولادة الطفل الثاني ، وتبدأ مخاوفه من الطفل الثاني ، لانّه سيكون منافساً له في كلِّ شيء ، ينافسه في حب الوالدين ورعايتهم له ، وينافسه في منصبه باعتباره الطفل الوحيد سابقاً ، وينافسه في ألعابه ،
____________
(1) اضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة 1407 هـ ط1 .
( 68 )
وتبدأ بوادر الغيرة عليه منذ أول يوم الولادة ، إذ ينشغل الوالدان بالوضع الطارىء الجديد وسلامة الوالدة والطفل ، فاذا لم ينتبه الوالدان إلى هذه الظاهرة ، فان غيرة الطفل الاَول ستتحول بالتدريج إلى عداء وكراهية للطفل الجديد ، وينعكس هذا العداء على أوضاعه النفسية والعاطفية ، ويزداد كلمّا انصّب الاهتمام بالطفل الجديد وأُخرج الطفل الاول عن دائرة الاهتمام ، فيجب على الوالدين الالتفات إلى ذلك والوقاية من هذه الظاهرة الجديدة ، وابقاء الطفل الاول على التمتع بنفس الاهتمام والرعاية واشعاره بالحب والحنان ، وتحبيبه للطفل الثاني ، واقناعه بانه سيصبح أخاً أو أختاً له يسلّيه ويتعاون معه ، وانه ليس منافساً له في الحب والاهتمام ، ويجب عليهما تصديق هذا الاقناع في الواقع بأن تقوم الاَم باحتضانه وتقبيله ويقوم الاَب بتلبية حاجاته أو شراء ألعاب جديدة له ، إلى غير ذلك من وسائل الاهتمام والرعاية الواقعية ، والحل الامثل هو العدالة والمساواة بين الطفل الاول والثاني فانها وقاية وعلاج للغيرة والكراهية والعداء وتتأكد أهمية العدالة والمساواة كلمّا تقدم الطفلان في العمر ، إذ تنمو مشاعرهما وعواطفهما ونضوجهم العقلي واللغوي بالتدريج يجعلهما يفهمان معنى العدالة ومعنى المساواة ، ويشخّصان مصاديقها في الواقع العملي ، وقد وردت الروايات المتظافرة لتؤكد على إشاعة العدالة بين الاطفال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف» (1).
والعدالة بين الاطفال مطلقة وشاملة لكلِّ الجوانب الحياتية التي تحيط
____________
(1) مكارم الاخلاق : 220 .
( 69 )
بالاطفال في جانبها المادي والمعنوي ، أي في إشباع حاجاتهما الماديّة وحاجاتهما المعنوية للحب والتقدير والاهتمام جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أنه نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «فهلاّ ساويت بينهما») (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «اِنّ الله تعالى يحبّ أن تعدلوا بين أو لادكم حتى في القُبَل» (2).
وأكدّ صلى الله عليه وآله وسلم على العدالة في العطاء والهدية سواء في الاَكل والشرب والثياب والالعاب إلى غير ذلك كما جاء في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «ساووا بين أولادكم في العطيّة ، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلّتُ النساء» (3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللطف» (4).
والعدالة لا تعني عدم التفضيل بين الاطفال ، فبعض الاطفال يكونون أكثر جاذبية من بعض من قبل الوالدين ، فعن رفاعة الاسدي قال : (سألت أبا الحسن ـ موسى بن جعفر عليه السلام ـ عن الرجل يكون له بنون وأُمهم ليست بواحدة ، أيفضل أحدهم على الآخر ؟ قال عليه السلام : «نعم ، لا بأس به ، قد كان أبي عليه السلام يفضلّني على أخي عبدالله») (5) والتفضيل يجب أن يكون مستوراً لا يظهره أمامهما ويحتفظ به في
____________
(1) مكارم الاخلاق : 221 .
(2) كنز العمّال 16 : 445 | 45350 .
(3) كنز العمّال 16 : 444 | 45346 .
(4) كنز العمّال 16 : 444 | 45347 .
(5) مكارم الاخلاق : 221 .
( 70 )
مشاعره القلبية ، أمّا في الواقع فلا يعمل إلاّ بالعدالة والمساواة ، كما قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «قال والدي : والله لاَصانع بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأكثر له المحبّة ، وأكثر له الشكر ، وانّ الحق لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوته» (1) لاَن عدم العدالة له تأثيره السلبي على نفسية الا طفال تؤدي إلى زرع روح الكراهة والبغضاء بينهم وتؤدي بهم في النتيجة إلى العداء المستحكم ، واتخاذ الموقف غير السليم كما فعل اخوة يوسف به حينما ألقوه في البئر .
وقد كانت السيرة قائمة على أساس إشاعة العدالة بين الاطفال سواء كانوا أخوة أو أرحام ، فعن عبدالله بن عبّاس قال : (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى فخذه الايسر إبنه ابراهيم وعلى فخذه الايمن الحسين بن علي ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا) (2).
فإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين ابن بنته ، ومع كلِّ هذهِ الاختلافات في الروابط فانه صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرّق في المعاملة بينهما .
وفي رواية (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه ، فلما رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً فلمّا عاد عادا ، فلما انصرف أجلس هذا على فخذه الاَيمن وهذا على فخذه الاَيسر) (3).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين
____________
(1) مستدرك الوسائل 12 : 626 .
(2) بحار الانوار 43 : 261 .
(3) بحار الانوار 43 : 275 .
( 71 )
يمشيان ويعثران (فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه) (1).
ومن مصاديق العدالة والمساواة هو عدم إقامة المقارنة بين الاطفال ، في صفاتهم الجسمية والمعنوية والنفسية ، فلا يصح ان يقال فلان أجمل من فلان ، أو أذكى منه أو أكثر خُلقاً منه لانّها ستكون منبعاً للحقد ، لانّ المقارنة بين الاطفال تؤدي إلى (الغيرة من بعضهم وإلى التنافس) (2).
والمقارنة تؤدي إلى فقدان الثقة بين الاشقاء والعكس صحيح (عدم التفرقة في المعاملة هو أكبر دعامة لخلق جو من الثقة المتبادلة بينه وبين سائر أفراد العائلة) (3).
ونلاحظ عند كثير من الآباء مواقفَ غير مقصودة بأن يقول : ان ابني فلان يشبهني ، وفلان لا يشبهني ، فحتى هذه المقارنة تعمل عملها في الغيرة والتنافس ، والافضل اجتنابها .
ومن العدالة هو عدم التمييز بين الولد والبنت ، لانّ التميز يؤثر تأثيراً سلبياً على نفسية البنت ، وعلى زرع العداوة والحقد بين الاخت وأخيها ، وهذه ظاهرة شائعة في أغلب البلدان ، حيثُ يميل الابوين إلى الابن أكثر من ميلهما إلى البنت ، ويلبيّان مطاليب الولد أكثر من مطاليب البنت ، ولغرض التقليل من شأن هذهِ الظاهرة جاءت الروايات لتعطي للبنت عناية استثنائية وتمرّن الابوين عليها كما جاء عن ابن عباس عن رسول ً
____________
(1) بحار الانوار 43 : 284 .
(2) حديث إلى الامهات : 68 .
(3) قاموس الطفل الطبي : 274 .
( 72 )
الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج ، وليبدأ بالاناث قبل الذكور..» (1).
والبدء بالاناث لا يوّلد أي تأثير سلبي على الطفل الابن ، لانّه يراه أمرا طبيعياً فلابدّ من تقديم أحدهم ، وغالباً ما يسكت الطفل ولا يلتفت إلى التمييز إنْ حصل على عطاء والديه ، سواء كان العطاء أولاً أو ثانياً .
والعدالة بين الاطفال لا تعني ان لا نتخذ اسلوباً للتشجيع بان تخصص هدية إضافية لمن يعمل عملاً صالحاً ، فان ذلك ضروري لتشجيع الطفل على السلوك الصالح ، وقد ينفع في إقامة المنافسة المشروعة بين الاطفال لا تؤثر على نفسياتهم بصورة سلبية ، بل يجدونها أمراً مشروعاً وحقاً طبيعياً ، وعلى الوالدين التعامل بحذر في مثل هذه الحالة بالتعرّف على نفسية أطفالهم ، وابتكار الاساليب الناجحة في التشجيع المنسجمة مع حالاتهم النفسية التي لا تؤدي إلى الشعور بعدم العدالة .
ومهما تحققت العدالة والمساواة بين الاطفال فانّها لا تستطيع إنهاء بعض المظاهر السلبية كالشجار والصراع بين الاطفال ، وهي ظاهرة طبيعية تحدث بين الاطفال في كلِّ أو أغلب الاسر ، فتحدث حالات من النقاش الحاد أو الاشتباك بالايدي بين الاطفال ، ويتهم أحد الاطفال أخاه أو اخته بانه المقصر في حقه أو البادىء في العدوان عليه ، وفي مثل هذه الحالة على الوالدين ان يدرسا المشكلة دراسة موضوعية وان ينظرا إلى الشجار والصراع بانّه حالة طبيعية ، فاذا كان سهلاً وبسيطاً ومحدوداً ، فالافضل عدم التدخل في إنهائه ، وان يترك الاطفال يعالجون أمورهم بأنفسهم
____________
(1) مكارم الاخلاق : 221 .
رد: الطفل في الاسلام
( 73 )
لانهاء الشجار ، وليس صحيحاً ان يدخل الوالدان أو أحدهما كقاضي في الحكم بينهما ، لانّ الحكم لاَحد الاطفال دون الآخر لا ينسجم مع مبدأ تطبيق العدالة والمساواة مع الاطفال ، امّا اذا تكرر الشجار والصراع عدة مرّات أو كان مستمراً طول النهار ، أو كان قاسياً وخطراً على الاطفال ، يأتي دور الابوين في التدخل لانهائه ، باصدار الاوامر لكليهما بالتوقف السريع عن الاستمرار به ، أو إلفات نظرهم إلى موضوع آخر ، واشغالهم به، أو التدخل لابعاد أحدهم عن الآخر ، واذا تطلبّ الاَمر استخدام التأنيب أو العقوبة المعنوية فالافضل ان تكون موجهة لكليهما انسجاماً مع تطبيق العدالة بين الاطفال .
سابعاً : الحرية في اللعب
اللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلّص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الجدي الهادف ، وفيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين ، وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية ، ومن خلاله يكتسب الطفل المعرفة الدقيقة بخصائص الاشياء التي تحيط به ، فللعب فوائد متعددة للطفل وهو ضروري للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها ، فالطفل (يتعلم عن طريق اللعب عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس... والالعاب تضفي على نفسيته البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدرته على الخلق والابداع) (1).
ومن خلال اللعب يتحقق (النمو النفسي والعقلي والاجتماعي
____________
(1) قاموس الطفل الطبّي : 221 ـ 222 .
( 74 )
والانفعالي للطفل... ويتعلم الطفل من خلاله المعايير الاجتماعية ، وضبط الانفعالات والنظام والتعاون... ويشبع حاجات الطفل مثل حب التملك... ويشعر الطفل بالمتعة ويعيش طفولته) (1).
فاللعب حاجة ضرورية للطفل ، فلا يمكن أن نتصور أو نرى طفلاً لا يلعب ، وحتى الانبياء والصالحين فانهم مرّوا في مرحلة اللعب وان اختلفوا عن الآخرين في طريقة واسلوب اللعب ، ولذا جاءت الروايات لتؤكد على اشباع هذه الحاجة قال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «دع ابنك يلعب سبع سنين...» (2).
ووردت رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعبير آخر «الولد سيّد سبع سنين...» (3).
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام : «يرخى الصبي سبعاً...» (4) فالروايات تؤكد على ان مرحلة ما قبل الثامنة من العمر هي مرحلة اللعب ، وعلى الوالدين ان يمنحا الطفل الحرية في اللعب دون ضغط أو إكراه ، باستثناء الالعاب الخطرة التي يجب إبعادها عن الطفل أو ابعاده عنها .
والحرية في اللعب تعني عدم تدخل الوالدين في اختيار وقت اللعب
____________
(1) العلاج النفسي الجماعي للاطفال ، لكاميليا عبدالفتاح : 162 ـ مكتبة النهضة المصرية 1975 م .
(2) مكارم الاخلاق : 222 .
(3) مكارم الاخلاق : 222 .
(4) مكارم الاخلاق : 223 .
( 75 )
أو نوعه أو اسلوبه ، ما دام اللعب لا ينافي الاخلاق العامة ولا خطورة فيه على الطفل أو على الآخرين ، والطفل في هذه المرحلة لا يحبذ تدخل الوالدين في شؤونه ، ولا يحبّذ كثرة الاَوامر الصادرة اليه .
وأفضل اللعب عند الطفل هو اللعب الذي يختاره ، أو يصنعه بنفسه ، أو يكتشف بنفسه طريقة جديدة للعب ، أو طريقة خاصة لاستعمال اللعب ، ومن الافضل للطفل أن يقوم الوالدان بتوفير اللعبة التي يحتاجها الطفل ، وتكون منسجمة مع رغباته يقول الدكتور سپوك : (اننا يجب ان نترك للاطفال إدارة شؤون ألعابهم حتى يستطيعوا التعلم منها... لابد ان نترك له قيادة الامر بنفسه ، وان يتبع ما يقوله له خياله ، بهذا فقط تصبح اللعبة مفيدة ، انها يجب ان تكون معلّمة له ، ولابدّ ان يخضعها لافكاره ، وعندما يجد نفسه في حاجة إلى مساعدة أحد الوالدين لادارة الكمية من المشاكل الطارئة مع لعبته ، فلابدّ أن يساعده الوالدان) (1).
ويؤكد جميع علماء النفس والتربية على حرية الاطفال في اللعب (اذا حاول الاطفال رسم برنامج خاص لهم في أعمالهم فلا تمنعوهم من ذلك، لانّ مواصلة تطبيق خطّة مرسومة دون وقوف العوائق في طريق ذلك عامل فعّال في تكّون الشخصية عندهم) (2).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشجّع الحسن والحسين على المصارعة بينهما فانه صلى الله عليه وآله وسلم دخل ذات ليلة بيت فاطمة عليها السلام ومعه الحسن والحسين عليهما السلام فقال لهما :
____________
(1) مشاكل الآباء : 106 .
(2) الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 64 ، عن كتاب نحن والابناء 56 .
( 76 )
«قوما فاصطرعا...» (1).
وعن صفوان الجمال قال : (... اقبل أبو الحسن موسى ، وهو صغير ومعه عناق مكيّة ، وهو يقول لها : اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبدالله عليه السلام وضمّه إليه..) (2).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمنح الحرية الكاملة للحسن والحسين في التعامل معه ، فكان الحسن والحسين أحياناً (يركبان ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقولان : حَلْ حَلْ ، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم : نعم الجمل جملكما) (3) ومثل هذه العملية تتكرر في علاقة الطفل مع أبيه إذ يقوم الاطفال بالركوب على ظهر أحد الوالدين في الصلاة ، ولذا يجب على الوالدين عدم تعنيف الطفل على ذلك وترك الحرية له ، فانه سيتركها بمرور الزمن .
وقد يفهم من بعض الروايات إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسهّل مثل هذهِ العملية وان كانت على مرأى المجتمع ، فعن عبدالله بن الزبير قال : (انا أحدّثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم اليه الحسن بن عليّ ، رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو ظهره ، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ولقد رأيته يجيء وهو راكع ، فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر) (4).
____________
(1) بحار الانوار 103 : 189 .
(2) الكافي 1 : 311 | 15 باب 71 من كتاب الحجة .
(3) بحار الانوار 43 : 296 .
(4) مختصر تاريخ دمشق 7 : 10 .
( 77 )
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشارك الحسن والحسين في فعلهما، ومشاركته لا تعني التدخل في شؤونهما ، وانّما يشارك متصرفاً كانّه أحدهما (فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبرك للحسن والحسين ويخالف بين أيديهما وأرجلهما ، ويقول : «نعم الجمل جملكما») (1).
ومشاركة الوالدين أو أحدهما للاطفال في اللعب ضروري جداً وهي من (أهم العوامل لتنمية قدرات الطفل وأهمها ان يصبح مستقلاً وقويّ الشخصية) (2).
وأفضل طرق المشاركة في اللعب أن يتكلم الوالدان مع الاطفال بالكلمات والعبارات التي يفهمونها والمتناسبة مع مستواهم اللغوي والعقلي ، وبمعنى آخر أن يتصرّف وكأنّه طفل ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من كان عنده صبي فليتصابَّ له» (3).
وقد أكدّ علماء التربية هذه الحقيقة ، يقول موريس تي يش : (يجب أن تسلكوا مع أولادكم كأصدقاء ، أن تعملوا معهم ، أن تشاركوهم في اللعب... أن تتحدثوا معهم بعبارات الودّ والصداقة... إنّ الفرد يجب أن يعرف كيف يجعل نفسه بمستوى الاطفال ويتكلم بلغة يفهمونها) (4).
واللعب مع الاطفال يمنحهم الاحساس بالمكانة المرموقة ويُدخِل عليهم البهجة والسرور فيجب (على الكبار الخضوع لرغبة الصغار إذا
____________
(1) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(2) قاموس الطفل الطبي : 222 .
(3) من لا يحضره الفقيه 3 : 312 | 21 باب فضل الاولاد .
(3) الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 97 .
( 78 )
طلبوا منهم اللعب معهم) (4).
واللعب وسيلة من وسائل التربية والاعداد للعمل الجدي فهو (وسيلة لفهم نفسيات الاطفال ، والوقوف على استعداداتهم ، ووسيلة لتعليمهم وتربيتهم اجتماعياً وخلقياً) (5).
ويعتبر لعب الاطفال تعبيراً حقيقياً عن سلوكهم السوي أو المضطرب (فالطفل أثناء لعبه يعبر عن مشكلاته وصراعاته التي يعاني منها ، ويسقط ما بنفسه من انفعالات تجاه الكبار على لعبه) (1).
ومن هنا فعلى الوالدين مراقبة الاطفال في لعبهم دون أنْ يشعروا بالمراقبة ، فسيحصلون على معلومات متكاملة عن جميع الجوانب لدى الطفل ، في التفاعل الاجتماعي بينهم ، وملاحظة الاحاديث والانفعالات التي تصاحب اللعب ، وملاحظة اسلوب تعبير الطفل عن رغباته وحاجاته ومخاوفه ومشكلاته ، وخصوصاً في حالة التكرار المتزايد ، وملاحظة سلوك الاطفال من حيثُ اللين والعنف ، والاضطرابات العاطفية ، وملاحظة آرائه بوالديه ، وخصوصاً في حالة تمثيل الطفل لدور الاَب أو دور الاَم ، ومن خلال المراقبة والملاحظة يمكن التعرّف على نموه اللغوي والعقلي والعاطفي ، ويأتي دور الوالدين بعد المراقبة في وضع منهج متكامل للتوجيه والتربية ينسجم مع حالة الطفل العاطفية والنفسية والعقلية .
____________
(1) قاموس الطفل الطبي : 317 .
(2) علم النفس اسسه وتطبيقاته التربوية ، للدكتور عبدالعزيز القوصي : 239 ـ 1978 م ط8 .
(3) علم النفس العلاجي ، للدكتور اجلال سري : 152 ـ عالم الكتب 1990 ط1 .
( 79 )
والملاحظة والمراقبة غير المباشرة تجدي نفعاً أكثر من الملاحظة والمراقبة المباشرة عن طريق المشاركة في اللعب ، لاَنّ الطفل في هذهِ الحالة المباشرة يخفي كثيراً من عواطفه وآرائه وتصوراته خجلاً من والديه أو خوفاً منهم .
ثامناً : التربية الجنسية وإبعاد الطفل عن الاثارة
التربية الجنسية من أصعب وأعقد أنواع التربية ، وهي من الظواهر التي تسبب إحراجاً للوالدين ، وتتنوع طريقة التربية تبعاً للمنهج الذي يتبنّاه الوالدان وتبعاً للعادات والتقاليد الحاكمة على المجتمع ، وتبعاً لدرجة الادراك والوعي التي يحملها الوالدان ، ولذا نجد إفراطاً أو تفريطاً في كثير من أساليب التربية الجنسية ، والطفل سواء كان ذكراً أم انثى يبدأ بالتساؤل عن كثير من الامور المتعلقة بالجنس ، فيتساءل عن كيفية خلقه في بطن أُمّه ، واختصاص الاَُم بالحمل دون الاَب ، وكيفية الولادة ، ويتساءل عن عدم الحمل عند الطفلة الصغيرة أو المرأة غير المتزوجة ، ويتساءل عن الفرق بين الذكر والانثى وعن سببه ، اضافة إلى العديد من الاسئلة ، ومن العقل والحصانة أن يعتبر الوالدان أنّ هذهِ الاسئلة طبيعية ، فلا يظهروا مخاوفهم منها ، والافضل عدم منع الطفل من هذه الاسئلة لانّه سيبحث عن الاجابة من غير الوالدين فتسبب له اتعاباً وانزعاجات وقلقاً ان كانت إجابات غير شافية أو اجابات صريحة ، فعلى الوالدين ان يكونا على استعداد تام لمساعدة الطفل باجابات معقولة مريحة تشبع فضولهم وتقطع تساؤلاتهم بعد الاقناع والوثوق بها ، على أن تكون منسجمة مع فهم الطفل وادراكه ودرجة تقبله ، وعلى سبيل المثال ان سأل عن الحمل
رد: الطفل في الاسلام
( 80 )
فيكون الجواب (ان الله تعالى يضع الطفل في بطن امه) ، وان سأل على الاختلاف بين الجنسين يكون الجواب (أنتَ مثل والدك ، وأنتِ مثل والدتك) أو يقال له : (لقد خلق الله الاولاد مختلفين عن البنات) ، وان تكون الاجابة بشكل طبيعي بعيداً عن القلق والاضطراب بل بشكل هادىء لا يفهم الطفل من خلالها انّ سؤاله والجواب عنه غير طبيعي لاَنه يدفعه للبحث بنفسه عن الجواب .
وهنالك رغبات عند الاطفال يجب أنْ تُعالج بصورة هادئة ومرنة دون تزمّتٍ باستخدام التأنيب أو الضرب ، ففي المرحلة التي تقع بين السنة الثالثة والخامسة أو السادسة من العمر يميل الاطفال إلى (التلذذ بعرض أجسامهم من حين لآخر) (1).
وبعض الاطفال يعبثون باللعب بأعضائهم التناسلية ، فعلى الوالدين إبعادهم عن ذلك بالاسلوب الهادىء واشغالهم بشيء آخر ، وعليهم أن لا يتعرّوا أمام الاطفال ، فان معظم الاطباء النفسيين قررّوا من واقع خبراتهم وتجاربهم (ان عري الابوين وكشفهم لما يجب أن يستر ، أمر مزعج للطفل) ، ويعلّق الدكتور سپوك على ذلك قائلاً : (اقترح على كلِّ الآباء والامهات ، ان يراعوا ذلك ويستروا ما يجب أن يستر إلى الحد المعقول في وجود الطفل دون أن يحيطوا الاَمر بهالات الانزعاج العفوية التي تحدث في كلِّ اسرة) (2).
وأغلب الاطفال في مرحلة الطفولة المبكرة من العام الرابع حتى
____________
(1) مشاكل الآباء : 282 .
(2) مشاكل الآباء : 283 .
( 81 )
السادس تصبح عندهم (أعضاء التناسل منطقة مولدّة للذة) ثم تأتي بعدها مرحلة الكمون (1).
ولهذا حذّر أهل البيت عليهم السلام من إثارة الطفل الجنسية في هذه المرحلة ، وأفضل طريقة لابعادهم عن الاثارة الجنسية هو ابعاده عن رؤية المباشرة بين الوالد والوالدة ، فعن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي أمرأته ، وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونَفَسَهُما ما أفلح أبداً ان كان غلاماً كان زانياً ، أو جارية كانت زانية» (2).
وقال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته ، وفي البيت صبي فان ذلك ممّا يورث الزنا» (3).
والطفل في هذه المرحلة يحاكي سلوك الابوين ويقلدّهم (فيعمل ما يعمله أبواه) (4).
وبما ان (اللعبة المفضلة في تلك الاعمال هي لعبة العريس والعروسة)(5).
لذا فإنّ الاطفال سيمارسون في لعبهم ما شاهدوه من ممارسات جنسية من قبل الوالدين ، وقد يستمرّون عليها في مراحل العمر
____________
(1) علم النفس العلاجي : 106 .
(2) وسائل الشيعة 20 : 133 | 2 باب 67 .
(3) وسائل الشيعة 20 : 134 | 7 باب 67 .
(4) التربية وبناء الاجيال ، لانور الجندي : 166 ـ دار الكتاب بيروت 1975 م ط1 .
(5) مشاكل الآباء : 205 .
( 82 )
المتقدّمة.
فيجب على الوالدين التجنّب عن ذلك ، والتجنب عن مقدماته كالتقبيل وغيره ومن الخطأ الفاحش الذي يقوم به بعض الوالدين هو التحدث عن أمور الجنس أمام الاَطفال في بعض المناسبات ، فان ذلك يدفع الاَطفال إلى زيادة فضولهم ، وعلى الوالدين ان يحتاطوا في إجراء المباشرة حتى في حالة نوم الطفل خوفاً من استيقاظه فجأة ، فانّ ذلك يولد في أعماقه صدمة نفسية تبقى كامنة في اللاشعور .
وعلى الوالدين ان يراقبوا سلوك أبنائهم وطريقة ألعابهم ، وخصوصاً في أماكن اختلائهم بعضهم بالبعض الآخر .
ويجب على الوالدين وقاية الاطفال من الاِثارة الجنسية ، وهو التفريق بينهم في حالة المنام ، بان توضع فاصلة بينهم فلا ينامون تحت غطاء واحد بحيث يحتك جسم أحدهم بالآخر ، وقد وردت عدة روايات تؤكد هذه الوقاية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يفرّق بين الصبيان في المضاجع لست سنين» (1).
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين» (2).
والتفريق مطلق بين الذكور والذكور ، وبين الاناث والاناث ، وبين الذكور والاناث .
____________
(1) مكارم الاخلاق : 223 .
(2) مكارم الاخلاق : 223 .
( 83 )
وفي وقتنا الحاضر وبعد انتشار اجهزة السينما والتلفزيون والفديو تكون الحاجة شديدة إلى ابعاد الطفل عن الاثارة الجنسية ، ويجب على الوالدين في البلدان التي لا تتبنى الاِسلام منهجاً لها في الحياة ، وتعرض الافلام المثيرة ، ان يقوما بجهدٍ اضافي في مراقبة الاطفال ووقايتهم من النظر إلى هذه الاجهزة حذراً من مشاهدة الافلام غير المحتشمة ، وفي الخصوص في البلدان التي ترى ان أفضل اسلوب لتحرير الاطفال من الكبت المستقبلي هو عرض الافلام الجنسية ، وقد أثبت علماء النفس والتربية صحة النظرية الاِسلامية في ذلك فالدكتور سپوك الامريكي يقول : (ان النسبة المعتدلة من التحريم التي فرضت علينا جميعاً اثناء الطفولة والتي نقلناها نحن بدورنا إلى ابنائنا ، تلعب دوراً ايجابياً ، في تحرير عقل الطفل في اثناء سنوات الدراسة للتفرغ لاهتمامات غير ذاتية مثل الكتابة والقراءة والحساب) (1).
ولذا نراه ينتقد الممارسات الخاطئة في أمريكا وهو عري الرجال وعري النساء على الشواطىء الامريكية .
وخلاصة القول انّ على الوالدين ان يجيبوا على اسئلة الاطفال حول مسائل الجنس بهدوء لا تزمّت فيه ، وان يبعدوهم عن الاثارة الجنسية بمختلف الوانها واشكالها وخصوصاً في عصر السينما والتلفزيون والفديو.
____________
(1) مشاكل الآباء : 284 .
( 84 )
تاسعاً : تنمية العواطف
العواطف من أهم دوافع الاِنسان للعمل ، وتبدأ العواطف كما تقدم منذ الايام الاولى في مرحلة الرضاعة ثم تنمو بالتدريج حينما يتقدم الطفل في العمر ، وحينما يتسع محيطه الاجتماعي ، ويتأثر نمو العواطف وتغيّرها بالفكر الذي يؤمن به الطفل في حدود إدراكه العقلي ، فحينما يؤمن الطفل بانّ اداء العمل الفلاني يرضي والديه أو يرضي الله تعالى فانه يندفع لاَدائه، والعكس صحيح ، ويمكن تقسيم العواطف إلى أربعة أقسام : الفردية ، والعالية ، والاجتماعية ، والخلقية .
ونقصد بالعواطف الفردية هي العواطف التي تتعلق بذات الانسان كحب التملك وحب الاستقلال وحب التفوق على الاخرين ، وحب المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين له ، وهي العواطف التي تجلب له المنفعة الشخصية والذاتية .
والعواطف العالية هي العواطف التي تسمو بالطفل في حدود إدراكه العقلي إلى المثل الاَعلى فتحبّب إليه الارتباط والتعلّق بالمطلق وهو الله تعالى مصدر اللطف والانعام والرأفة والرحمة ، وتحبّب اليه الحقيقة والخير ، وليس فيها تحصيل المنفعة الشخصية والذاتية .
والعواطف الاجتماعية هي العواطف التي تدفعه إلى الارتباط بالآخرين ابتداءً بالوالدين والاخوة والاخوات والاقارب وانتهاءً بالمجتمع والانسانية جمعاء .
( 85 )
والعواطف الخلقية هي العواطف التي تتعلق بالممنوع وغير الممنوع من انواع السلوك ، كالتعلق بالصدق وترك الكذب ، وسائر الاخلاق الممدوحة والمذمومة .
وأفضل الطرق والوسائل لتنمية العواطف عند الطفل من قبل الوالدين، إشعاره بالحب عن طريق إحاطته بالحنان والرأفة وإشباع حاجاته المادية والروحيّة ، فاذا استشعر الطفل بذلك فانّه يرتبط ارتباطاً عاطفياً بمصدر الحب والحنان وهما الوالدان فتزداد ثقته بهما وتقليدهما، والاستجابة أو الاقتناع بكل ما يطرحانه عليه من أفكار ومفاهيم ومثل ، ويكون مستعداً للاستجابة إلى أوامرهم وتنفيذ ما يطلبانه منه ، فتصبح لهما القدرة على الهيمنة على عواطفه ، وتوجيهها توجيهاً حسناً ، ومتابعة خبراته ونشاطاته وخصوصاً أثناء اللعب ، فيتمّ لهما العمل على تنمية عواطفه وتهذيبها بالصورة المنسجمة مع المفاهيم والقيم الصالحة وخلق التوازن بين مختلف أنواع العواطف لديه ، وأهم العواطف التي يجب تنميتها هي العاطفة نحو الله تعالى ، فتنمو عنده مشاعر الحب والثقة بالله تعالى والتقديس له ، حينما يؤمن بان الله تعالى هو مصدر الانعام والرحمة والمغفرة ، وانه تعالى خلق النعيم الدائم في الجنة للصالحين والمطيعين ، ويجب على الوالدين تنمية عواطف الطفل اتجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الرسل والانبياء وأهل البيت عليهم السلام وأفضل طريقة في هذا المجال هي طريق السرد القصصي الهادف ، والذي يحقق فائدتين :
الاُولى : تعميق حبّهم في قلبه .
والثانية : محاولة الاقتداء بهم بعد التعلق بسلوكهم في الحياة .
( 86 )
فتنمو في داخله العواطف المختلفة كحب الاخلاص وحب الكرامة وحب الشجاعة والكرم والايثار وحب القيم والسلوك الصالح ، والابتعاد عن كلِّ ما ابتعدوا عنه ، وتنمو عواطف البغض والكره والنفور من الذين خالفوهم ووقفوا في مواجهتهم واجتناب سلوكهم في الحاضر أو في المستقبل .
ومن الاساليب الاخرى لتنمية العواطف هو الارشاد والتوجيه المستمرين ، حتى يفهم الطفل المسموح والممنوع من السلوك ، وكذلك التشجيع على الارتباط والتعلق بالقيم والاعمال الصالحة ، والتشجيع على ممارستها في الواقع ، فحينما يعطي شيئاً من ألعابه لطفل آخر يتم تشجيعه على ذلك بالكلام الحسن ، وتعويضه بإهداء لعبة أُخرى له ، وحينما يصدق في قوله ، أو يحترم الآخرين أو يرأف بالفقراء أو يساعد اخوانه أو والديه في أداء بعض الاعمال يشجّع على ذلك بالمدح والثناء والاطراء أمامه وأمام الاُسرة وأمام اقاربه وأصدقائه .
والتعامل مع الطفل كصديق يشجّعه على التعبير عن عواطفه ومشاعره المكبوتة وهذا التعبير مفيد جداً في تحقيق التوازن العاطفي ، وتهذيب العواطف غير المرضيّة .
ونحن نجد من خلال التجربة أنَّ الاسلوب القصصي من أفضل الاساليب في تنمية العواطف ، وخصوصاً الاسلوب المنسجم مع إدراكه وقدرته العقلية ، فيمكن أن نقصَّ عليه قصصاً عن الطيور والحيوانات تتضمن القيم الصالحة والقيم الطالحة التي يتخذها الطير الفلاني أو الحيوان الفلاني فتنمو عنده العواطف اتجاه العدل أو التعاون أو الايثار أو
رد: الطفل في الاسلام
( 87 )
القيم الاخلاقية الاخرى ، وتنمو عنده عاطفة حبّ المظلومين وبغض الظالمين .
والقصص عن الطيور والحيوانات مرغوبة ومحبّبة لدى أطفال هذه المرحلة ، فيستمعون اليها بشوق وتلهّف أكثر من القصص الواقعية ، وتتضمن أحداثاً كثيرة تتوقف على خيال الوالدين في السرد القصصي ، وتكون شاملة لاظهار جميع أنواع وأقسام العواطف .
عاشراً : الاهتمام بالطفل اليتيم
اليتيم بعد فقد والده أو والدته أو كليهما يشعر بالحرمان المطلق ، حرمان من إشباع حاجاته العاطفية والروحية ، وحرمان من إشباع حاجاته المادية كالحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس ، فتنتابه الهواجس والمخاوف ، ويخيّم عليه القلق والاضطراب ، فالشعور بالحرمان من العطف والحنان له تأثيراتها السلبية على كيان الطفل وعلى بناء الشخصية، ومن خلال متابعة الواقع الاجتماعي نجد ان أغلب الاَيتام الذين لم يجدوا العناية والاهتمام من قبل الآخرين كانوا مضطربي الشخصية تنتابهم العقد النفسية وسوء التوافق مع المجتمع الذي حرمهم من العناية والاهتمام ، لذا أوصى الاِسلام برعاية اليتيم رعاية خاصة لا تقل ان لم تَزِدْ على الرعاية الممنوحة للاطفال الآخرين ، فأكدَّ على اشباع جميع حاجاتهم المادية والروحية ، وكانت الآيات القرآنية المختصة برعاية الايتام أكثر من الآيات المختصة بعموم الاطفال .
وأول الحاجات التي أكدّ الاِسلام على اشباعها هي الحاجات المادية .
( 88 )
قال سبحانه وتعالى : ( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً..) (1).
(... أو اطعامٍ في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة ) (2).
(... وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين ) (3).
وجعل الله تعالى لليتيم حقاً في أموال المسلمين ( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فانَّ لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين...) (4).
وقال تعالى : ( قُل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين ) (5).
ونهى تعالى عن التصرّف باموال اليتيم إلاّ بالصورة الاحسن التي تجدي له نفعاً وربحاً ( ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ باللتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه ) (6).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من عال يتيماً حتى يستغني ، أوجب الله له بذلك الجنّة» (7).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من كفل يتيماً من المسلمين فأدخله إلى طعامه وشرابه ،
____________
(1) الاِنسان 76 : 8 .
(2) البلد 90 : 14 ـ 15 .
(3) البقرة 2 : 177 .
(4) الانفال 8 : 41 .
(5) البقرة 2 : 215 .
(6) الانعام 6 : 152 .
(7) تحف العقول : 198 .
( 89 )
أدخله الله الجنّة البتة ، إلاّ أن يعمل ذنباً لا يغفر» (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين ـ وهو يشير باصبعيه» (2) وراعى المنهج الاِسلامي اشباع الحاجات المعنوية لليتيم كالاحسان إليه والعدل معه .
قال سبحانه وتعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ الله وبالوالدين احساناً وذوي القربى واليتامى والمساكين... ) (3).
وقال تعالى : (... وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خيرُ بيتٍ من المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسن إليه ، وشرّ بيتٍ من المسلمين بيتٌ فيه يتيم يساء اليه» (5).
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مداراة اليتيم والرفق به وتكريمه فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «حثّ الله تعالى على برِّ اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم ، فمن صانهم صانه الله تعالى ، ومن أكرمهم أكرمه الله تعالى ، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به جعل الله تعالى له في الجنّة بكلِّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا وما فيها...» (6).
وشجّع الاِمام الصادق عليه السلام على التعامل مع اليتيم بحنان ورحمة فقال :
____________
(1) مستدرك الوسائل 1 : 148 .
(2) المحجة البيضاء 3 : 403 .
(3) البقرة 2 : 83 .
(4) النساء 4 : 127 .
(5) المحجة البيضاء 3 : 403 .
(6) المحجة البيضاء 3 : 403 .
( 90 )
«ما من عبد يمسح يَدَه على رأس يتيم ترحمّاً له إلاّ اعطاه الله تعالى بكلِّ شعرة نوراً يوم القيامة» (1).
ومن رعاية اليتيم معالجة المشاكل التي تواجهه والتي تسبب له الاَلم والقلق والاضطراب ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اذا بكى اليتيم اهتزّ العرش على بكائه فيقول الله تعالى : ياملائكتي اشهدوا عليّ أنَّ من أسكته واسترضاه أرضيته في يوم القيامة» (2).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : «اذا بكى اليتيمُ في الارض يقول الله من أبكى عبدي وأنا غيّبت أباه في التراب فوعزتي وجلالي انّ من أرضاه بشطر كلمة أدخلته الجنّة» (3).
ومن الوصايا بشؤون اليتيم إدخال الفرح على قلبه بإشباع حاجاته المادية أو الروحية من احترام وتقدير ومحبّة أو مدح وتشجيع إلى غير ذلك .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنَّ في الجنّة داراً يقال لها دار الفرح لايدخلها إلاّ من فرّح يتامى المؤمنين» (4).
ومن الاهتمام والعناية باليتيم هو القيام بتربيته تربية صالحة وإعداده لان يكون عنصراً صالحاً في المجتمع ، قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام : «ادّب
____________
(1) المحجة البيضاء 3 : 403 .
(2) مستدرك الوسائل 2 : 623 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 623 .
(4) كنز العمال 3 : 170 | 6008 .
( 91 )
اليتيم بما تؤدّب منه ولدك...» (1).
فاليتيم الذي يحصل على العناية والرعاية والحب والحنان يشعر بالراحة والطمأنينة ويعيش سوّياً في عواطفه وفي شخصيته ، امّا في حالة الحرمان فانّه لا يصبح سويّاً وقد يلتقطه بعض المنحرفين فيوجهه الوجهة غير الصالحة فيصبح عنصراً ضاراً في المجتمع .
____________
(1) الكافي 6 : 47 | 8 باب تأديب الولد .
رد: الطفل في الاسلام
الفصل الخامس
المرحلة الرابعة : مرحلة الصبا والفتوة
تبدأ هذه المرحلة من نهاية العام السابع إلى نهاية العام الرابع عشر من عمر الطفل ، وهي مرحلة إعداد الشخصية ليصبح الطفل راشداً ناضجاً وعضواً في المجتمع الكبير ، وفي بداية هذه المرحلة أو قبلها بعامٍ ينتهي بالتدريج تقليد الطفل للكبار ويبدأ بالاهتمام بما حوله ، وتكون امكانياته العقلية قادرة على التخيّل المجرد ، وقادرة على استيعاب المفاهيم المعنوية .
وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل بالتفكير في ذاته وينظر إلى نفسه انها كائن موجود مستقل ، له ارادة غير ارادة الكبار ، فيحاول أن (يتحدى وان يفعل ما يغيظ الاهل ليعلن انه كائن موجود مستقل) (1).
ويحاول التأكيد على استقلاليته بشتى الوسائل والمواقف والتي تكون غالباً مخالفة لما ألفه في المرحلة السابقة ، فيختار كل ما يخصّه أو يتعلّق به باسلوبه الخاص وبالطريقة التي يفهمها ، فيكون له ذوق خاص في اختيار ملابسه ، والرغبة في اكتساب المهارات العقلية والعلمية بمفرده ،
____________
(1) حديث إلى الامهات : 207 .
( 94 )
ويحاول إقامة علاقات اجتماعية مع بقية الاطفال بالطريقة التي يختارها .
وهذه المرحلة هي من أهم المراحل التي ينبغي للوالدين ابداء عناية تربوية اضافية بالطفل لانّها أول المراحل التي يدخل فيها الطفل في علاقات اجتماعية أوسع من قبل ، وهي مرحلة الدخول في المدرسة .
ومن العوامل المؤثرة في اعداد وبناء شخصية الطفل ، علاقاته مع والديه وباقي أفراد أُسرته ، هذه العلاقة بجميع تفاصيلها تؤدي إلى اتّصافه بصفات خاصة تصحبه حتى الكبر ، وللمدرسة ايضاً أثر عميق في شخصيته حيثُ يجد فيها اطفالاً من مختلف المستويات العلمية أكثر أو أقل منه ذكاءً أو أكثر أو أقل نشاطاً منه (فيباريهم أو يتغلب عليهم أو يخضع لهم فيؤثر ذلك في تكوين شخصيته) (1).
وهنالك عوامل أُخرى مؤثرة في بناء الشخصية وهي مواصفات الجسم من حيثُ الطول والقصر ومن ناحية الضخامة والضعف ، ومن ناحية الصحة والمرض .
ومن أهم العوامل الاَُخرى هو تأثير الافكار التي تعلمها الطفل في بناء شخصيته وفي هذه المرحلة تزداد حاجاته ، فيجب على الوالدين إشباعها ومنها (2).
الدوافع الحيوية كالحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك .
والحاجة إلى السلامة النفسية والعاطفية والتحرر من القلق .
____________
(1) علم النفس ، لجميل صليبا : 385 .
(2) علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 478 ـ 486 .
( 95 )
والحاجة إلى القبول من قبل المجتمع أثناء علاقته به .
والحاجة إلى الاِهتمام به وتقدير مكانته .
والحاجة إلى تعلم المهارات اللازمة للنجاح في الحياة الجديدة .
ونضيف إلى ذلك الحاجة إلى فلسفة وأفكار ومفاهيم ملائمة لمستواه العقلي ، وهذه المرحلة هي مرحلة الحاجة إلى التربية المكثّفة والمتابعة المكثّفة ، مع ملاحظة الحاجة إلى الاستقلال المتولدة عند الطفل .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الولد سيّد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين» (1).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «يرخى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً» (2).
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدّب سبعاً والزمه نفسك سبع سنين» (3).
فهذه المرحلة مرحلة تربوية شاقّة لرغبة الطفل في الاستقلال ، ولتوسع علاقاته خارج الاسرة ، فتحتاج إلى جهد متواصل في التربية والمراقبة في جميع ما يخصُّ الطفل ، في أفكاره وعواطفه وفي علاقاته ، وفي دراسته وتعلمّه ، وفي إشباع حاجاته المختلفة فهو بحاجة إلى التوجيه المستمر والارشاد والتعليم ، والمساعدة في رسم طريق الحياة وتحمّل ما يصدر
____________
(1) مكارم الاخلاق : 222 .
(2) مكارم الاخلاق : 223 .
(3) مكارم الاخلاق : 222 .
( 96 )
منه برحابة صدر وانفتاح مصحوباً بالحسم في كثير من الاحوال . وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :
أولاً : تكثيف التربية
التربية الصالحة وحسن الاَدب من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين ، وهي حق للطفل أوجبه الاِسلام على الوالدين ، والطفل في هذه المرحلة التي تسبق بلوغ سن الرشد بحاجة إلى تربيّة مكثّفة وجهد اضافي، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : «وأمّا حق ولدك... انك مسؤول عمّا وليته من حسن الاَدب والدلالة على ربّه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاَخذ له منه» (1).
ولحراجة المرحلة التي يمرُّ بها الطفل فانّ الوالدين بحاجة إلى الرعاية الالهية للقيام بمهام المسؤولية التربوية ، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : «اللهّم ومُنّ عليّ ببقاء ولدي... وربِّ لي صغيرهم... وأصِحّ لي ابدانهم وأديانهم واخلاقهم... واجعلهم ابراراً اتقياء بُصراء... وأعنّي على تربيتهم وتأديبهم وبرِّهم... واعذني وذريتي من الشيطان الرجيم» (2).
وقد أكدّت الروايات على المبادرة إلى التربية وحسن الاَدب .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم» (3)
____________
(1) تحف العقول : 189 .
(2) الصحيفة السجادية الجامعة : 128 ـ 129 مؤسسة الاِمام المهدي قم 1411 هـ ط1 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
( 97 )
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ للولد على الوالد حقاً ، وإنّ للوالد على الولد حقّاً ، فحقُّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلِّ شيء ، إلاّ في معصية الله سبحانه ، وحقُّ الولد على الوالد أن يحسِّن اسمه ، ويحسِّن أدبه ، ويعلمّه القرآن» (1).
والتربية في هذه المرحلة أكثر ضرورة من المراحل الاخرى ، لان فطرة الطفل في هذه المرحلة لا تزال سليمة ونقية تتقبّل ما يُلقى اليها من توجيهات وارشادات ونصائح قبل أن تتلوّث ويستحكم التلوث فيها ، فيجب على الوالدين استثمار الفرصة لاَداء المسؤولية التربوية .
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للاِمام الحسن عليه السلام : «... وانّما قلب الحدث كالاَرض الخالية ما أُلقي فيها من شيءٍ قبلته . فبادرتك بالاَدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبُّك ، لتستقبل بجدِّ رأيكَ من الاَمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته..» (2).
وقال عليه السلام : «علمّوا انفسكم وأهليكم الخير وادّبوهم» (3) والمنهج التربوي المراد تحكيمه في الواقع هو المنهج الاِسلامي الذي يدور حول العبودية والطاعة لله تعالى في كلِّ شؤون الحياة .
قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «اعملوا الخير وذكّروا به أهليكم وأدّبوهم على طاعة الله» (4).
____________
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح : 546 .
(2) نهج البلاغة : 393 .
(3) كنز العمال 2 : 539 | 4675 .
(4) مستدرك الوسائل 2 : 362 .
( 98 )
وقال عليه السلام : «تأمرهم بما أمر الله به وتنهاهم عمّا نهاهم الله عنه...» (1).
وهذا الحديث جامع للقواعد الكلية التي تقوم عليها أعمدة المنهج التربوي السليم في كلِّ جوانب الحياة الفردية والاجتماعية ، العاطفية والروحية ، فإذا أبدى الوالدان عناية فائقة في العمل على ضوء المنهج التربوي فانّ الطفل سيكون عضواً صالحاً في المجتمع .
وقد كان أهل البيت عليهم السلام قد أبدوا عناية خاصة بتربية أبنائهم في هذه المرحلة حتى أعدّوهم إعداداً متكاملاً فكانوا قمة ونموذجاً أعلى في كلِّ شيء ، فأمير المؤمنين عليه السلام تربّى في مرحلة الصبا في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان يُبعث ، فآمن في اللحظات الاَُولى لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخلص في ايمانه وطاعته لله ولرسوله ، وكان قمة في الشجاعة والاقدام وفي التضحية والفداء وفي الكرم والتواضع والصدق وفي كلِّ الفضائل الخلقية، وربّى عليه السلام بدوره أبناءه فكانوا على شاكلته في الارتقاء إلى القمة الشامخة في جميع المكارم والفضائل ، وهكذا كان بقية الاَئمة عليهم السلام .
وتزداد مسؤولية الوالدين في التربية والتأديب كلمّا ابتعد المجتمع عن الاِسلام أو كان مجتمعاً اسلامياً في الظاهر ولم يتبنَّ الاِسلام منهاجاً له في الواقع العملي لتأثير العادات والتقاليد والافكار والمناهج التربوية غير السليمة على تربية الطفل وخصوصاً أجهزة الاعلام كالراديو والتلفزيون والسينما وغيرها .
ويلحق بالتربية الروحية والنفسية والعاطفية ، شطرها الآخر وهو التربية
____________
(1) بحار الانوار 100 : 74 .
المرحلة الرابعة : مرحلة الصبا والفتوة
تبدأ هذه المرحلة من نهاية العام السابع إلى نهاية العام الرابع عشر من عمر الطفل ، وهي مرحلة إعداد الشخصية ليصبح الطفل راشداً ناضجاً وعضواً في المجتمع الكبير ، وفي بداية هذه المرحلة أو قبلها بعامٍ ينتهي بالتدريج تقليد الطفل للكبار ويبدأ بالاهتمام بما حوله ، وتكون امكانياته العقلية قادرة على التخيّل المجرد ، وقادرة على استيعاب المفاهيم المعنوية .
وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل بالتفكير في ذاته وينظر إلى نفسه انها كائن موجود مستقل ، له ارادة غير ارادة الكبار ، فيحاول أن (يتحدى وان يفعل ما يغيظ الاهل ليعلن انه كائن موجود مستقل) (1).
ويحاول التأكيد على استقلاليته بشتى الوسائل والمواقف والتي تكون غالباً مخالفة لما ألفه في المرحلة السابقة ، فيختار كل ما يخصّه أو يتعلّق به باسلوبه الخاص وبالطريقة التي يفهمها ، فيكون له ذوق خاص في اختيار ملابسه ، والرغبة في اكتساب المهارات العقلية والعلمية بمفرده ،
____________
(1) حديث إلى الامهات : 207 .
( 94 )
ويحاول إقامة علاقات اجتماعية مع بقية الاطفال بالطريقة التي يختارها .
وهذه المرحلة هي من أهم المراحل التي ينبغي للوالدين ابداء عناية تربوية اضافية بالطفل لانّها أول المراحل التي يدخل فيها الطفل في علاقات اجتماعية أوسع من قبل ، وهي مرحلة الدخول في المدرسة .
ومن العوامل المؤثرة في اعداد وبناء شخصية الطفل ، علاقاته مع والديه وباقي أفراد أُسرته ، هذه العلاقة بجميع تفاصيلها تؤدي إلى اتّصافه بصفات خاصة تصحبه حتى الكبر ، وللمدرسة ايضاً أثر عميق في شخصيته حيثُ يجد فيها اطفالاً من مختلف المستويات العلمية أكثر أو أقل منه ذكاءً أو أكثر أو أقل نشاطاً منه (فيباريهم أو يتغلب عليهم أو يخضع لهم فيؤثر ذلك في تكوين شخصيته) (1).
وهنالك عوامل أُخرى مؤثرة في بناء الشخصية وهي مواصفات الجسم من حيثُ الطول والقصر ومن ناحية الضخامة والضعف ، ومن ناحية الصحة والمرض .
ومن أهم العوامل الاَُخرى هو تأثير الافكار التي تعلمها الطفل في بناء شخصيته وفي هذه المرحلة تزداد حاجاته ، فيجب على الوالدين إشباعها ومنها (2).
الدوافع الحيوية كالحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك .
والحاجة إلى السلامة النفسية والعاطفية والتحرر من القلق .
____________
(1) علم النفس ، لجميل صليبا : 385 .
(2) علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 478 ـ 486 .
( 95 )
والحاجة إلى القبول من قبل المجتمع أثناء علاقته به .
والحاجة إلى الاِهتمام به وتقدير مكانته .
والحاجة إلى تعلم المهارات اللازمة للنجاح في الحياة الجديدة .
ونضيف إلى ذلك الحاجة إلى فلسفة وأفكار ومفاهيم ملائمة لمستواه العقلي ، وهذه المرحلة هي مرحلة الحاجة إلى التربية المكثّفة والمتابعة المكثّفة ، مع ملاحظة الحاجة إلى الاستقلال المتولدة عند الطفل .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الولد سيّد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين» (1).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «يرخى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً» (2).
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدّب سبعاً والزمه نفسك سبع سنين» (3).
فهذه المرحلة مرحلة تربوية شاقّة لرغبة الطفل في الاستقلال ، ولتوسع علاقاته خارج الاسرة ، فتحتاج إلى جهد متواصل في التربية والمراقبة في جميع ما يخصُّ الطفل ، في أفكاره وعواطفه وفي علاقاته ، وفي دراسته وتعلمّه ، وفي إشباع حاجاته المختلفة فهو بحاجة إلى التوجيه المستمر والارشاد والتعليم ، والمساعدة في رسم طريق الحياة وتحمّل ما يصدر
____________
(1) مكارم الاخلاق : 222 .
(2) مكارم الاخلاق : 223 .
(3) مكارم الاخلاق : 222 .
( 96 )
منه برحابة صدر وانفتاح مصحوباً بالحسم في كثير من الاحوال . وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :
أولاً : تكثيف التربية
التربية الصالحة وحسن الاَدب من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين ، وهي حق للطفل أوجبه الاِسلام على الوالدين ، والطفل في هذه المرحلة التي تسبق بلوغ سن الرشد بحاجة إلى تربيّة مكثّفة وجهد اضافي، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : «وأمّا حق ولدك... انك مسؤول عمّا وليته من حسن الاَدب والدلالة على ربّه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاَخذ له منه» (1).
ولحراجة المرحلة التي يمرُّ بها الطفل فانّ الوالدين بحاجة إلى الرعاية الالهية للقيام بمهام المسؤولية التربوية ، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : «اللهّم ومُنّ عليّ ببقاء ولدي... وربِّ لي صغيرهم... وأصِحّ لي ابدانهم وأديانهم واخلاقهم... واجعلهم ابراراً اتقياء بُصراء... وأعنّي على تربيتهم وتأديبهم وبرِّهم... واعذني وذريتي من الشيطان الرجيم» (2).
وقد أكدّت الروايات على المبادرة إلى التربية وحسن الاَدب .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم» (3)
____________
(1) تحف العقول : 189 .
(2) الصحيفة السجادية الجامعة : 128 ـ 129 مؤسسة الاِمام المهدي قم 1411 هـ ط1 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
( 97 )
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ للولد على الوالد حقاً ، وإنّ للوالد على الولد حقّاً ، فحقُّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلِّ شيء ، إلاّ في معصية الله سبحانه ، وحقُّ الولد على الوالد أن يحسِّن اسمه ، ويحسِّن أدبه ، ويعلمّه القرآن» (1).
والتربية في هذه المرحلة أكثر ضرورة من المراحل الاخرى ، لان فطرة الطفل في هذه المرحلة لا تزال سليمة ونقية تتقبّل ما يُلقى اليها من توجيهات وارشادات ونصائح قبل أن تتلوّث ويستحكم التلوث فيها ، فيجب على الوالدين استثمار الفرصة لاَداء المسؤولية التربوية .
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للاِمام الحسن عليه السلام : «... وانّما قلب الحدث كالاَرض الخالية ما أُلقي فيها من شيءٍ قبلته . فبادرتك بالاَدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبُّك ، لتستقبل بجدِّ رأيكَ من الاَمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته..» (2).
وقال عليه السلام : «علمّوا انفسكم وأهليكم الخير وادّبوهم» (3) والمنهج التربوي المراد تحكيمه في الواقع هو المنهج الاِسلامي الذي يدور حول العبودية والطاعة لله تعالى في كلِّ شؤون الحياة .
قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «اعملوا الخير وذكّروا به أهليكم وأدّبوهم على طاعة الله» (4).
____________
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح : 546 .
(2) نهج البلاغة : 393 .
(3) كنز العمال 2 : 539 | 4675 .
(4) مستدرك الوسائل 2 : 362 .
( 98 )
وقال عليه السلام : «تأمرهم بما أمر الله به وتنهاهم عمّا نهاهم الله عنه...» (1).
وهذا الحديث جامع للقواعد الكلية التي تقوم عليها أعمدة المنهج التربوي السليم في كلِّ جوانب الحياة الفردية والاجتماعية ، العاطفية والروحية ، فإذا أبدى الوالدان عناية فائقة في العمل على ضوء المنهج التربوي فانّ الطفل سيكون عضواً صالحاً في المجتمع .
وقد كان أهل البيت عليهم السلام قد أبدوا عناية خاصة بتربية أبنائهم في هذه المرحلة حتى أعدّوهم إعداداً متكاملاً فكانوا قمة ونموذجاً أعلى في كلِّ شيء ، فأمير المؤمنين عليه السلام تربّى في مرحلة الصبا في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان يُبعث ، فآمن في اللحظات الاَُولى لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخلص في ايمانه وطاعته لله ولرسوله ، وكان قمة في الشجاعة والاقدام وفي التضحية والفداء وفي الكرم والتواضع والصدق وفي كلِّ الفضائل الخلقية، وربّى عليه السلام بدوره أبناءه فكانوا على شاكلته في الارتقاء إلى القمة الشامخة في جميع المكارم والفضائل ، وهكذا كان بقية الاَئمة عليهم السلام .
وتزداد مسؤولية الوالدين في التربية والتأديب كلمّا ابتعد المجتمع عن الاِسلام أو كان مجتمعاً اسلامياً في الظاهر ولم يتبنَّ الاِسلام منهاجاً له في الواقع العملي لتأثير العادات والتقاليد والافكار والمناهج التربوية غير السليمة على تربية الطفل وخصوصاً أجهزة الاعلام كالراديو والتلفزيون والسينما وغيرها .
ويلحق بالتربية الروحية والنفسية والعاطفية ، شطرها الآخر وهو التربية
____________
(1) بحار الانوار 100 : 74 .
رد: الطفل في الاسلام
( 99 )
البدنية فهي ضرورية جداً للطفل للحفاظ على صحته البدنية واعداده للعمل البدني ، حيثُ حثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التربية البدنية قائلاً : «علمّوا أولادكم السباحة والرماية» (1).
وجعل الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام حمل الطفل وتدريبه على الامور الشاقة من المستحبّات فقال : «تستحب عرامة الصبي في صغره ليكون حليماً في كبره» (2).
والصحة البدنية لها تأثير واضح على الصحة النفسية كما هو مشهور عند علماء النفس والتربية (3).
ثانياً : المبادرة إلى التعليم
التعليم في هذه المرحلة ضروري للطفل ، فهي أفضل مرحلة للمبادرة إلى التعليم ، لنضوج القوى العقلية عند الطفل ، وللرغبة الذاتية لدى الطفل في (اكتساب المهارة العلمية) (4).
والطفل في هذه المرحلة لديه الاستعداد التام لحفظ كل ما يُلقى على مسامعه ، والتعليم في هذهِ المرحلة يساعد على رسوخ المعلومات في ذهنه وبقائها محفوظة في الذاكرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «مثل الذي يتعلّم في صغره كالنقش في الحجر» (5).
____________
(1) الكافي 6 : 47 | 4 باب تأديب الولد .
(2) الكافي 6 : 51 | 2 باب 37 من كتاب العقيقة .
(3) علم النفس ، لجميل صليبا : 383 .
(4) حديث إلى الامهات : 217 .
(5) كنز العمال 10 : 294 | 29336 .
( 100 )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «حفظ الغلام كالوسم على الحجر» (1)
ولضرورة تعليم الطفل أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوالدين به : «مروا أولادكم بطلب العلم» (2).
وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعليم الطفل باباً من ابواب الرحمة الالهية للاَب فقال : «رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالاحسان إليه ، والتألف له وتعليمه وتأديبه» (3).
والتعليم حق للطفل على والديه ، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : «...وأمّا حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه...» (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من حقِّ الولد على والده ثلاثة : يحسّن اسمه ويعلّمه الكتابة ، ويزوجّه اذا بلغ» ).(5).
والتعليم على القراءة والكتابة في عصرنا الراهن تقوم به المؤسسات التعليمية وخصوصاً المدرسة ، ولكنّ ذلك لا يعني انتفاء الحاجة إلى الوالدين في التعليم ، بل يجب التعاون بين المدرسة والوالدين في التعليم.
ويجب ان يكون التعليم غير مقتصر على القراءة والكتابة بل يكون
____________
(1) كنز العمال 10 : 238 | 29258 .
(2) كنز العمال 16 : 854 | 45953 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(4) تحف العقول : 194 .
(5) مكارم الاخلاق : 220 .
( 101 )
شاملاً لكلِّ جوانب العلم ، في مجالاته المختلفة كعلوم الطبيعة والعلوم الاِنسانية كالادب والتاريخ والفلسفة وغيرها ، اضافة إلى التركيز على الجوانب الروحية والعبادية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأكيده على تعليم القرآن : «... ومن علّمه القرآن دُعي بالابوين فكسيا حلّتين تضيء من نورهما وجوه أهل الجنة» (1).
وتعليم القرآن يكون شاملاً لجميع جوانبه ابتداءً بتعلّم القراءة الصحيحة وفق الضوابط اللغوية ثم التشجيع على الحفظ مع مراعاة المستوى العقلي للطفل ، والتعليم على التفسير الصحيح لبعض الآيات والسور التي يحتاجها الطفل في هذه المرحلة ، وخصوصاً ما يتعلّق بالجانب العقائدي والاخلاقي ، والجانب الفقهي المتعلّق بالاحكام الشرعية المختلفة من العبادات والمعاملات .
وفي هذه المرحلة يجب تعليم الطفل على كيفية العبادات ومقدماتها كالوضوء والصلاة ، قال الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : «... حتى يتّم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفّيك فاذا غسلهما قيل له صلِّ ، ثم يترك حتى يتم له تسع سنين فاذا تمّت له تسع سنين علّم الوضوء...» (2).
والطفل بحاجة إلى تعلّم الحديث لتحصينه من التأثر بالتيارات المنحرفة ، قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليه المرجئة» (3).
____________
(1) الكافي 6 : 49 | 1 باب بر الاولاد .
(2) من لا يحضره الفقيه 1 : 182 .
(3) الكافي 6 : 47 | 5 باب تأديب الولد .
( 102 )
وقال الاِمام الحسن عليه السلام موضحاً ما تعلّمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «علمّني جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمات أقولهّن في قنوت الوتر... اللهّم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليّت» (1).
ويجب على الوالدين تعليم الطفل على كلِّ ما ينفعه في حياته ففي الرواية التالية يعلم أمير المؤمنين عليه السلام ولده الحسن على الخطابة (قال علي ابن أبي طالب عليه السلام للحسن : «يا بنيّ قم فأخطب حتى اسمع كلامك ، قال : يا أبتاه كيف أخطب وأنا أنظر إلى وجهك استحيي منك» ؟ فجمع عليّ بن أبي طالب عليه السلام امهات أولاده ثم توارى عنه حيثُ يسمع كلامه...) (2).
ومن مصاديق التعليم تعليم الرمي والسباحة كما تقدّم ، ولاَهمية التعليم شجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعلّم والصبي والوالدين على حدٍ سواء فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ المعلّم إذا قال للصبيّ : بسم الله ، كتب الله له وللصبي ولوالديه برائة من النار» (3).
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يشجّع على تعليم الاطفال شعر أبي طالب عليه السلام ، فعن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يعجبه أن يروي شعر أبي طالب وأن يدوّن ، وقال : تعلّموه وعلمّوه أولادكم فانه كان على دين الله وفيه علم كثير» (4).
____________
(1) مختصر تاريخ دمشق 7 : 5 .
(2) بحار الانوار 43 : 351 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
(4) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
( 103 )
ثالثاً : تمرين الطفل على الطاعات
الطاعات وان كانت سهلة ويسيرة إلاّ انّها تحتاج إلى تمرين وتدريب ينسجم مع القدرة على الاَداء ، والطفل يحتاج إلى عناية خاصة في التمرين والتدريب على الطاعات من أجل ان تذلّل مشقتها عليه وأن يحدث الاَُنس بينه وبينها فتكون متفاعلة مع عواطفه وشعوره لكي تتحول إلى عادة ثابتة في حياته اليومية ، يقدم عليها بشوق واندفاع ذاتيين دون ضغط أو اكراه أو كلل أو ملل .
ويبدأ المنهج التربوي الاسلامي في وضع قواعد أساسية تتناسب مع أعمار الاطفال للتمرين على الطاعات مع مراعاة القدرة العقلية والبدنية للاطفال ، ففي التمرين على الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين واضربوهم على تركها اذا بلغوا تسعاً» (1).
وفي رواية : «مروا صبيانكم بالصلاة اذا بلغوا سبع سنين واضربوهم اذا كانوا أبناء تسع سنين» (2).
والمقصود من الضرب إمّا الضرب الحقيقي في حالة تمرّد الاطفال أو استخدام الشدّة النفسية ، فانها وان كان لها ضرر سلبي على الطفل ولكنّه ضرر وقتي سرعان ما ينتفي ، ولا يمكن اعتباره ضرراً بالقياس إلى المصلحة الاكبر وهو التمرين على الصلاة .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أدّب صغار بيتك بلسانك على الصلاة والطهور ، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً» (3).
____________
(1) مستدرك الوسائل 2 : 624 .
(2) بحار الانوار 101 : 98 .
(3) تنبيه الخواطر ، لورّام بن أبي فراس : 390 ـ دار التعارف بدون تاريخ .
( 104 )
والافضل أن يكون التمرين غير شاقٍ للطفل ، لانه يؤدي إلى النفور من الصلاة وخلق الحاجز النفسي بينه وبينها ، فعن الاِمام عليّ بن الحسين عليه السلام : (إنّه كان يأخذ من عنده الصبيان بأن يصلّوا الظهر والعصر في وقتٍ واحد والمغرب والعشاء في وقتٍ واحد ، فقيل له في ذلك ، فقال عليه السلام : «هو أخف عليهم وأجدر ان يسارعوا اليها ولا يضيّعوها ولا يناموا عنها ولا يشتغلوا» ، وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة ، ويقول : «اذا أطاقوا فلا تؤخرونها عن المكتوبة») (1).
فيجب على الوالدين مراعاة الاستعداد النفسي والبدني للطفل ، وعدم إرهاقه بما لا يطيق ، فيبدأ معه بالصلاة الواجبة دون المستحبّة ، فاذا تمرّن عليها وحدث الانس بينه وبينها فانّه على غيرها أقدر إن تقدّم به العمر .
ويبدأ التمرين على الصوم من العام السابع ويستمر بالتدريج كلما تقدّم العمر مع مراعاة الطاقة والقدرة البدنية والاستعداد النفسي له ، قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «إنّا نأمر صبياننا بالصيام اذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فان كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فاذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه فمروا صبيانكم اذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فاذا غلبهم العطش أفطروا» (2).
وعن سماعة قال : سألته عن الصبي متى يصوم ؟ قال الاِمام
____________
(1) مستدرك الوسائل 2 : 624 .
(2) الكافي 4 : 124 | 1 باب صوم الصبيان .
رد: الطفل في الاسلام
( 105 )
الصادق عليه السلام : «إذا قوى على الصيّام» (1)
فاذا تمرّن على الصيام في السنوات السابقة لسن التكليف فانه سيؤديه بأتم صوره ولا يجد في ذلك حرجاً .
عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام قال عليه السلام : «ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته» (2).
ويستحبّ تمرين الطفل على الحج فعن أحد الامامين الباقر أو الصادق عليهما السلام قال : «إذا حجّ الرجل بابنه وهو صغير فإنّه يأمره ان يلبّي ويفرض الحجَّ فان لم يحسن أن يلبي لبّى عنه ويطاف به ويصلّي عنه... يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ويتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب والطيّب فان قتل صيداً فعلى أبيه» (3).
وفي جواب للاِمام جعفر الصادق عليه السلام عن سؤالٍ حول الخوف على الصبي من البرد في حالة الاحرام قال : «ائتِ بهم العرج فيحرموا منها... فان خفت عليهم فائتِ بهم الجحفة» (4).
وقال عليه السلام : «انظروا من كان معكم من الصبيّان فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويرمى عنهم ومن لا يجد منهم هدياً فليصم عنه وليّه» . وكان الاِمام علي بن الحسين عليه السلام يضع
____________
(1) الكافي 4 : 125 | 3 باب صوم الصبيان .
(2) الكافي 4 : 125 | 2 باب صوم الصبيان .
(3) الكافي 4 : 303 | 1 باب حج الصبيان والمماليك .
(4) الكافي 4 : 304 | 3 باب حج الصبيان والمماليك .
( 106 )
السكين في يد الصبي ثمَّ يقبض على يديه الرّجل فيذبح» (1).
ويستحب تمرين الطفل على عمل الخير كالصدقة على الفقراء والمساكين ، قال الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : «مر الصبي فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وان قلّ ، فان كلِّ شيء يراد به الله وان قلّ بعد أن تصدق النيّة فيه عظيم...» (2).
وقال عليه السلام : «فمره أن يتصدّق ولو بالكسرة من الخبز» (3).
فتمرين الطفل على الصدقة من أفضل أساليب التربية على عدم الركون إلى الدنيا والتقليل من تأثير حب المال في نفس الطفل ، وهو تمرين له على التعاطف مع الفقراء والمساكين .
وتمرين الطفل في مرحلة الصبا على الطاعات والعبادات تجعله يداوم عليها في كبره ، وخير شاهد على ذلك سيرة أهل البيت عليهم السلام ، فالاِمام الحسن بن علي عليه السلام (مشى عشرين مرّة من المدينة للحجّ على رجليه) (4).
وطلب الاِمام الحسين بن علي عليه السلام من الجيش الاموي ان يمهلوه ليلة العاشر من المحرم للتفرّغ للعبادة هو وأصحابه (فلمّا أمسوا قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويتضرّعون ويدعون) (5).
____________
(1) الكافي 4 : 304 | 4 باب حج الصبيان والمماليك .
(2) الوسائل 9 : 376 | 1 باب 4 .
(3) الوسائل 9 : 376 | 2 باب 4 .
(4) مختصر تاريخ دمشق 7 : 23 .
(5) الكامل في التاريخ ، لابن الاثير 4 : 59 ـ دار صادر 1399 هـ .
( 107 )
ولكثرة عبادة الاِمام علي بن الحسين عليه السلام سميّ بزين العابدين (1).
(وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر) (2).
وكان اذا أتاه السائل يقول : «مرحباً بمن يحمل لي زادي إلى الاخرة»(3).
وكان بقيّة أهل البيت عليهم السلام قمة في الارتباط بالله تعالى والاخلاص في العبادة فقد تمرّنوا عليها في مقتبل العمر ، فكان بينهم وبينها أُنساً خاصاً وشوقاً للاداء .
فيجب على الوالدين تشجيع الطفل على التمرّن على العبادات والطاعات بالاسلوب الانجح ، بالاطراء والمديح أو باهداء الهدايا الماديّة والمعنوية له .
رابعاً : مراقبة الطفل
يحتاج الطفل في هذه المرحلة من أجل إنجاح العملية التربوية أن يقوم الوالدان بمراقبة الطفل سلوكياً وإرشاده إلى الاستقامة والصلاح ، وكذلك مراقبة أفكاره وتصوراته وعواطفه بالاسلوب الهادىء غير المثير له ، وان يتعامل الوالدان معه كاصدقاء لمساعدته في شق طريقه في الحياة .
ومراقبة سلوكه في المجتمع أكثر ضرورة منه في البيت ، فيختار له
____________
(1) مختصر تاريخ دمشق 17 : 234 .
(2) صفوة الصفوة ، لابن الجوزي 2 : 95 ـ دار المعرفة 1405 هـ ط3 .
(3) صفوة الصفوة ، لابن الجوزي 2 : 95 ـ دار المعرفة 1405 هـ ط3 .
( 108 )
الاصدقاء الصالحين ، ويمنع من مسايرة الاصدقاء غير الصالحين ، وتكون العقوبة احياناً ضرورية إنْ لم ينفع الارشاد والتوجيه ، ويجب تمرين الطفل على محاسبة نفسه ، وتقبّل المحاسبة من قبل الآخرين ، إضافة إلى ترسيخ مفهوم الرقابة الالهية في أعماقه لتكون رادعاً له من الانحراف في حالة غياب المراقبة من قبل والديه .
والمراقبة من حيثُ الاساليب والوسائل متروكة للوالدين ، كل حسب وعيه وتجربته في الحياة ، وهما بحاجة إلى التعاون في هذا المجال ، ومراقبة الوالدة للطفل ذكراً كان أم أُنثى أكثر ضرورة لانشغال الوالد غالباً بأعماله خارج المنزل .
ومن الضروري ان يشعر الطفل بانّه غير متروك من قبل والديه ، وإنهما يحرصان عليه ويراقبان سلوكه ، ويمكن للوالدين الاستعانة بغيرهما في المراقبة ، كالاعتماد على الاقارب والاصدقاء في المجالات الحياتية للطفل التي لايدخلها الوالدان ، كالمدرسة مثلاً وبعض تجمعات الاطفال ، والتعاون في هذا المجال مثمر جداً في تربية الطفل تربية صالحة ، وانقاذه من الانحراف الذي يمكن ان يطرأ عليه في حالة الغفلة والاهمال .
خامساً : الوقاية من الانحراف الجنسي
الانحراف الجنسي من أخطر أنواع الانحرافات التي تؤدي إلى تدمير المجتمع من جميع النواحي ، المادية والصحية والعاطفية والاخلاقية ، ولهذا أبدى الاِسلام عناية خاصة بالوقاية منه قبل الحدوث وعلاجه بعده، وتربية الاطفال على العفّة من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من حق الولد على والده أن يحسن اسمه
( 109 )
اذا ولد وأن يعلمّه الكتابة اذا كبر ، وان يعفّ فرجه اذا أدرك» (1).
والتربية على العفّة تستلزم الوقاية من الانحراف في مرحلة ما قبل البلوغ .
وأوّل بوادر الوقاية إبعاد الطفل عن الاثارة الجنسية ، وابعاده عن الاطلاع على صورتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبداً ، ان كان غلاماً كان زانياً أو جارية كانت زانية» (2).
ومن أساليب الوقاية التفريق بين الصبيان اثناء النوم ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «... وفرّقوا بينهم في المضاجع اذا كانوا ابناء عشر سنين» (3).
والتفريق بين الصبيان والنساء أكثر ضرورة ، قال الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : «يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع اذا بلغوا عشر سنين»(4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الصبي والصبي ، والصبي والصبيّة ، والصبية والصبية يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين» (5).
ونهى الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من تقريب الجارية من غير أرحامها اذا بلغت ست سنين فقال : «اذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها
____________
(1) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(2) وسائل الشيعة 20 : 133 | 2 باب 67 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 558 .
(4) مكارم الاخلاق : 223 .
(5) وسائل الشيعة 20 : 231 | 1 باب 128 .
( 110 )
على حجرك» (1).
ونهى عن تقبيل الصبية فقال : «إذا بلغت الجارية الحرّة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها» (2).
والمقصود هو عدم التقبيل من قبل الغرباء لا الاَب أو الاَم أو العم أو محارمها وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «... والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين» (3).
واذا حدث الانحراف الجنسي فيجب استخدام العقوبة للحدّ من تكرار الممارسة ، سئل الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في غلام صغير ابن عشر سنين زنى بامرأة ، قال : «يجلد الغلام دون الحدّ» (4).
ويجب في وقتنا المعاصر منع الصبي عن كلِّ ما يؤدي إلى اثارته من قصص وروايات وصور وما يعرض من أفلام منافية للعفّة ويجب مراقبة الصبيان في خلواتهم وفي علاقاتهم مع الآخرين ، للوقاية من الانحراف الجنسي .
سادساً : ربط الطفل بالقدوة الحسنة
الطفل في الاعوام المتأخرة من هذه المرحلة يحاول التشبه بالاشخاص الاَكثر حيوية والاَشد فاعلية في المجتمع ، ويطلق علماء النفس مفهوم المحاكاة للتعبير عن التشبه الفجائي السريع الذي ينتهي بانتهاء المؤثر ، فهو تشبه آني ويطلقون عبارة الاقتباس على التشبه
____________
(1) وسائل الشيعة 20 : 229 | 1 باب 127 .
(2) وسائل الشيعة 20 : 230 | 2 باب 127 .
(3) وسائل الشيعة 20 : 230 | 4 باب 127 .
(4) مكارم الاخلاق : 320 .
رد: الطفل في الاسلام
( 111 )
البطيء(1)الذي يستحكم في العقل والعاطفة ومن مصاديقه التقليد والاقتداء ، والنماذج العالية من الشخصية هي المؤثرة في التشبه ، فأهل الكرامة وأهل القدوة يكرمهم الشعب ويبجلهم وهم الذين (يقتدي بهم عامة الشعب) (2).
والطفل غالباً ما يتشبه بمن لهم سلطان روحي ونفسي على الناس ومنهم الملوك والحكام ، والفائزون والناجحون في الحياة ، وكلّ من له تأثير على الناس كالمعلم وعالم الدين .
ويرى بعض علماء النفس الحاجة إلى تصور المثل الاعلى لدى كل انسان (3)وهي حاجة ضرورية ، والمثل الاعلى في رأي هؤلاء العلماء يختلف باختلاف الناس ، ويتبدل بتبدل ظروفهم المادية والنفسية والاجتماعية ، ويعتبرون المثل الاعلى متجسداً في القيم المعنوية والاهداف المتوخاة في الحياة .
والمثل الاعلى بهذا المفهوم ضروري جداً لكلِّ انسان وخصوصاً الطفل في الاعوام المتأخرة من هذه المرحلة ، ولكنّ المثل الاعلى ان لم يتحول من المفهوم إلى المصداق وإلى من تتجسد فيه قيم هذا المثل الاعلى يبقى محدوداً في حدود التصورات ، فالطفل بحاجة إلى التشبه والاقتداء بما هو ملموس في الواقع الموضوعي ، وخير من يتجسد به المثل الاعلى هو النموذج الاعلى للشخصية الانسانية .
____________
(1) علم الاجتماع نقولا الحدّاد : 86 .
(2) علم الاجتماع : 140 .
(3) علم النفس جميل صليبا : 728 .
( 112 )
والاقتداء بالاسلاف (أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا) (1).
ومن هنا فالضرورة الحاكمة في الاقتداء هي الاقتداء بالسلف الصالح وهم الانبياء والاَئمة من أهل البيت ، والصالحين من الصحابة والتابعين ، والماضين من علماء الدين ، فهم قمم في الفضائل والمكارم والمواقف النبيلة ، وممّا يساعد على التشبّه والاقتداء بهم تأثيرهم الروحي على مختلف طبقات الناس الذين يكنّون لهم التبجيل والتقديس .
وحياة الصالحين مليئة بجميع القيم والمكارم التي يريد الانسان التمسك بها . والاقتداء هو الذي يجعل الطفل انساناً عظيماً تبعاً لمن يقتدي بهم ، واذا فقد الاقتداء جمدت جذوة الحياة وضعف الطموح وانحرف عن مساره للتعلق والاقتداء بالهامشيين من الاَشخاص العاديين .
فالواجب على الوالدين توجيه انظار الطفل وأفكاره وعواطفه ومواقفه نحو الشخصيات النموذجية ابتداءً من آدم وانتهاءً بالعظماء المعاصرين ، ولكلِّ نبي أو امام من أئمة الهدى تاريخ حافل بجميع المكارم والقيم والمواقف السائدة في الحياة .
والقدوة الصالحة لها تأثير ومواقف مشرّفة في كلِّ زاوية من زوايا الحياة، والاقتداء بها تنعكس آثاره على جميع جوانب شخصيّة الطفل العاطفية والعقلية والسلوكية ، فتندفع الشخصية للوصول إلى المقامات العالية التي وصلها الصالحون المقتدى بهم .
والحمدُ لله أولاً وآخراً
مواضيع مماثلة
» هل من حق الأم الكتابية حضانة الطفل ؟
» اثر المسجد في بناء شخصية الطفل
» ظهور والد الطفل الهارب ومحاولات لتسوية فاتورته
» الموسوعه الاسلاميه الشامله وكل مايخص الاسلام من ابحاث مكاتب كتب مواقع
» مداعبة مرتقبة بين "العجوز" و"الطفل"
» اثر المسجد في بناء شخصية الطفل
» ظهور والد الطفل الهارب ومحاولات لتسوية فاتورته
» الموسوعه الاسلاميه الشامله وكل مايخص الاسلام من ابحاث مكاتب كتب مواقع
» مداعبة مرتقبة بين "العجوز" و"الطفل"
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى