التضخم الحالي نعمة لا نقمة
صفحة 1 من اصل 1
التضخم الحالي نعمة لا نقمة
د. حمزة بن محمد السالم
مرت بلادنا بعقدين من الزمن لم تعرف خلالهما التضخم، ولكنها أيضاً لم تحقق نموا اقتصادياً حقيقياً. والواقع هو أننا كنا نعيش فترة انكماش بعد التضخم الذي حدث على أثر النمو الذي حصل بعد طفرة النفط في السبعينات و الثمانينات. فنحن الآن نعوض ذلك الجمود الاقتصادي بالإضافة إلى دخولنا في سباق تطوري وتنموي مع الآخرين.
اتفق علماء الاقتصاد على أن تضخما سنويا نسبته من 3% الى5% هو هدف مرغوب طالما أنه متوقع، وذلك لتحفيزه للاستثمار ولدفعه لعجلة النمو، وأما منطقة اليورو فاختارت نسبة 3% للتضخم المستهدف.
ولننظر من حولنا فنتأمل أحوال الدول التي تشهد نقلات تنموية حضارية من أمثال شنغهاي، بكين، سنغافورة، ماليزيا، دبي، قطر وغيرها كلها عانت ومازالت تعاني من تضخم مستمر. فلا يوجد تطور ونمو اقتصادي من دون تضخم (إلا في حالات نادرة لا تنطبق على الدول النامية). وذلك لسببين رئيسين، أولهما أن النمو و التطور يخلق مزاحمة على السلع الإنتاجية و الخدمية والمالية فتصبح شحيحة فترفع أسعارها لفترة زمنية معينة لا تلبث أن تنخفض بانخفاض الطلب عليها أو بزيادة الإنتاج الذي حفزه ودفعه ارتفاع الأسعار. و أما السبب الثاني فهو ارتفاع مستوى الازدهار المعيشي الذي سيستمر سببا لارتفاع أسعار السلع و الخدمات ذات الجودة العالية التي أوجدها الطلب عليها من قبل المستهلك الذي أرتفع دخله نتيجة للنمو الذي مرت وتمر به البلاد.
و لننظر من منظور آخر، و هو التضخم العالمي. فبالجملة، فإن هذا التضخم سببه ازدياد الطلب العالمي على السلع الأولية. وأهم عامل فيه هو ازدياد الطلب على النفط مما أدى إلى ارتفاع أسعاره ما يقارب 300%، ولنا نحن من هذه الزيادة نصيب الأسد فكانت لنا لا علينا. وأضف الى ذلك زيادة الانتاج البترولي ولم يقابل ذلك نسبة تضخم عالية مثل ما حدث لنا في السبعينات بعد طفرة النفط الأولى.
وإذا نظرنا نظرة محلية وجدنا أن التضخم قد أفقد بعضا من القيمة الشرائية للنقود. و ينبني على هذا أن دين الحكومة و ديون الأفراد أيضاً قد فقدت جزءاً من قيمتها الحقيقية. أي أن التضخم قد قدم تخفيضا حقيقيا لهذه القروض.
وكذلك أسعار الفوائد على القروض أصبحت أقل من نسبة التضخم (إذا التزمت البنوك بأتباع مؤسسة النقد). و بعبارة أخرى، أي قرض ذو فائدة تناقصية تقل عن 6% (وهو نسبة التضخم الحالية) هو في الواقع قرض خالٍ من الفوائد بل إنه يُسدد بأقل من قيمته.
وأما إذا نظرنا نظرة استثمارية، فإن ارتفاع الأسعار المحلية مقارنة بالأسعار العالمية هو حافز قوي للمستثمرين لاستثمار أموالهم محلياً و ذلك لارتفاع العائد الربحي مما يدفع عجلة النمو والتطور. وشاهد ذلك النهضة المعمارية في دبي.
وخلاصة القول، فإن التضخم الذي نعيشه الآن فيه خير عظيم و هو ضرورة لازمة للنمو و الازدهار و مسبباته قد نالنا من خيرها وسينالنا بإذن الله نتائجه الطيبة.
ولكن خير التضخم هذا لا يخلو من شر. و أي خير يخلو من شر ما عدا الإسلام؟ فالغيث خير وفيه ضرر. فكما أنه من الخطأ شرعا و عقلا و مروءة إهمال المتضررين من السيول فكذلك من الخطأ إهمال المتضررين من التضخم الحالي الجالب لهذا الخير الكثير.
ومن أهمهم وأحقهم أصحاب الدخول المحدودة. هولاء يجب أن يعوضوا عما فقدوه من القوة الشرائية لدخولهم ولا يتركون وحدهم يُحملون أعباء شر هذا التضخم بينما ينعم الكثير بخيره.
@ أستاذ الاقتصاد المالي
جامعة الأمير سلطان
مواضيع مماثلة
» ميريل لينش: النفط نعمة غيرت بلدان التعاون الخليجي
» من المسؤول عن التضخم؟
» مصر: توقع نمو قوي للاستثمارات والصادرات في العام الحالي
» التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
» تراجع التضخم في البحرين إلى 4.07%
» من المسؤول عن التضخم؟
» مصر: توقع نمو قوي للاستثمارات والصادرات في العام الحالي
» التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
» تراجع التضخم في البحرين إلى 4.07%
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى