إرجاء عمليات الصيانة المجدولة للمصانع البتروكيماوية والمصافي النفطية ينذر بنكبات محتملة مدمرة
صفحة 1 من اصل 1
إرجاء عمليات الصيانة المجدولة للمصانع البتروكيماوية والمصافي النفطية ينذر بنكبات محتملة مدمرة
إن أكبر النكبات المحتملة التي قد تعصف بالمصانع الضخمة عامة ولاسيما البتروكيماوية والمصافي النفطية وتزلزل أركانها لجوؤها أحياناً لتأجيل أعمال الصيانة الدورية المجدولة وذلك عندما يحدث شح طارئ لمنتجاتها في الأسواق العالمية أو لأي سبب ربحي آخر مثل تقليل التكاليف والنتائج في نهاية المطاف مدمرة جداً ولا تحمد عقباها كما حدث للكثير من الصناعات حول العالم التي تعرضت للعديد من الإنفجارات المروعة والحرائق المهلكة بسبب التهاون والتقصير الواضح بعدم التقيد بتنفيذ أعمال الصيانة وفق الجدول الزمني الموضوع مسبقاً. وكما هو معلوم بأن الصيانة الدورية الناجحة تمثل أهمية كبرى لاقتصاديات دول العالم قاطبة وهي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها ازدهار وتألق تلك الصناعات ومفتاح نجاح لعملياتها الإنتاجية ويصعد كفاءة أدائها بكل اعتمادية وموثوقية وهي صمام الأمان للعمليات الصناعية الآمنة التي تحافظ على سلامة العاملين والمنشآت وصحة البيئة على المدى القريب والبعيد.
وخلال الأسبوعين الماضيين تابعت "الرياض" إعلان بعض الصناعات البتروكيماوية في أقاليم مختلفة من العالم ومنها في الخليج العربي عن لجوئها واضطرارها لتأجيل أعمال الصيانة التي كانت مقررة خلال شهر يناير الحالي إلى الشهر التالي وذلك بسبب شح في وفورات أحد المنتجات البتروكيماوية نتيجة تعطل أحد أكبر المنتجين للمادة في العالم مما ساهم في تصعيد حجم الطلب لتندفع بعض الصناعات المتخصصة في هذا المنتج لإرجاء أعمال الصيانة من أجل إمداد السوق المتعطش بأسعار أكثر ارتفاعاً على حساب الصيانة، في الوقت الذي يفترض أن تمتلك تلك المصانع المخزون الكافي الذي يفي بتعهداتها وينمي مبيعاتها في الأوقات الطارئة.
وعلى النقيض من تلك الصناعات العالمية المتهاونة التي آثرت الربحية على إجراء الصيانة المجدولة فقد نجحت المصانع السعودية الضخمة في إجراء أعمال الصيانة دون تأجيل مع الإيفاء بتعهداتها وتعاقداتها التسويقية وذلك تمشياً مع خطط واستراتيجيات مصانعها التي ترتكز على قاعدة صلبة وراسخة في ميدان السلامة امتثالاً للتوجهات السديدة للقيادة الرشيدة لحكومة المملكة التي تهيب بضرورة التقيد بأعمال الصيانة وبأسس السلامة الشاملة ومعاييرها اللازمة المختلفة وخاصة في المنشآت الصناعية والتي أولتها الدولة جل العناية والاهتمام والحرص الكبير بدعم أصعدة السلامة فيها وتسخير كافة الإمكانات والسبل التي ترتقي بالأداء الآمن إلى أعلى المستويات.
ومن أبرز أمثلة للصناعات السعودية الضخمة التي لم ترجئ أعمال الصيانة الدورية المجدولة لوحداتها التصنيعية مجمع شركة شيفرون فليبس السعودية للبتروكيماويات العملاق الذي أتم أعمال صيانة ضخمة مجدولة مؤخراً بعد أن استغرقت 75يوماً حيث كللت كافة العمليات الضخمة المصاحبة لإنجاز الصيانة بالنجاح دون إحداث أي أضرار بيئية أو إصابات بشرية أو التعرض لأي مشاكل فنية في وحدات التصنيع التي تم إغلاقها تماما أثناء أعمال الصيانة والتي اشتملت على استكمال أعمال ربط مشروع التوسعة للمشروع الأول المتمثل في زيادة الطاقة الإنتاجية للبنزين إضافة إلى استكمال أعمال ربط المشروع الأول بالمشروع الثاني شركة الجبيل شيفرون فيلبيس تمهيداً لتشغيل أعمال التوسعة والمشروع الثاني والذي يشمل تشييد مصنع للستايرين بطاقة (715.000) طن ومصنع للبروبلين بطاقة (140.000) طن ومصنع للجازولين بطاقة (300.000) طن وبتكلفة إجمالية تبلغ (4.5) مليارات. وقد تمكنت الشركة من عقد اتفاقيات الارتباط مع إحدى الشركات العالمية الرائدة لشراء 40% من إنتاج المشروع الجديد من مادة الستايرين اعتباراً من تاريخ التشغيل ولمدة عشر سنوات.
وفي الوقت ذاته لم تتأثر وفورات الشركة المغذية للسوق المحلي والعالمي حيث تمكنت من الإيفاء بتعهداتها وتعاقداتها التسويقية بنسبة 45% محلياً بينما شكلت صادراتها للعالم نسبة 55% من إجمالي التسويق. وتمكنت الشركة عقب التقيد بإنجاز الصيانة من العمل بكامل طاقتها الإنتاجية التي تصاعدت إلى (1.373) مليون طن بنسبة زيادة بلغت 20% وتشمل عدداً من المنتجات العطرية النادرة بالمملكة منها السيكلوهكسين بطاقة 220ألف طن سنوياً والنفثا جازولين بطاقة 370ألف طن والبنزين العطري بطاقة 480ألف طن وبلغ حجم الاستثمار في هذه المشاريع الأولية لشيفرون (2.5) بليون ريال. وقد استفادت الشركة من ارتفاع مبيعاتها الذي صاحبه ارتفاع بمستوى الأسعار لمنتجاتها في الأسواق الدولية حيث تجاوزت أسعار البنزين عام 2007م 900دولار للطن ومع مطلع العام الميلادي الجديد 2008م بلغت 1000دولار للطن، فضلاً عن تصاعد أسعار السيكلوهكسين ألى أكثر من 1040دولاراً للطن.
ومثل هذه التطورات الإيجابية والإنجازات المشرفة لصناعاتنا الوطنية الفتية في أصعدة الصيانة والسلامة لم تتحقق لولاء الالتزام التام بمواعيد الصيانة وعدم الالتفاف لسياسة استغلال أوضاع السوق المتقلبة وتجاهل الصيانة. وهناك مثل آخر يجسد هذا الحس الوطني يتمثل في أحد أبرز مصافي النفط في العالم وأحدثها وهي مصفاة أرامكو السعودية شل (ساسرف) التي نجحت مؤخراً بإتمام أعمال صيانة ضخمة مجدولة لمصفاتها شملت مجمع وحدات التقطير الثانية والتي تضم وحدة التقطير ووحدة خفض اللزوجة ووحدة التكسير الحراري ووحدات أخرى مساندة، ووحدة التكسير الهيدروجيني والتي قد خضعت لأعمال صيانة دورية شاملة استمرت شهراً كاملاً توقفت خلاله العمليات الإنتاجية في هذين المجمعين وأنجزت أعمال الصيانة دون إصابات أو خسائر في المعدات والأرواح أو التسبب في أي أضرار بيئية حيث تم الإنجاز في الوقت المحدد وضمن الميزانية المقررة.
وأتت أعمال الصيانة التي تم إنجازها وذلك بعد أربع سنوات من تنفيذ الصيانة الدورية السابقة إضافة إلى أن بعض الوحدات الأخرى سوف يجرى لها صيانة دورية كل خمس سنوات وهذه تعد خطوات غير مسبوقة في تاريخ الصيانات الدورية السابقة في المصفاة. كما أتت هذه الصيانة الدورية بعد أن استطاعت وحدة التكسير الهيدروجيني أن تستمر في التشغيل والإنتاج دون توقف لأكثر من 600يوم بعد دورة الصيانة السابقة وهذا سجل في الاعتمادية والتشغيل المستمر غير مسبوق في تاريخ مصفاة ساسرف. كما يعتبر هذا السجل انجازا كبيرا على المستوى العالمي في مجال صناعة التكرير. ومن المخطط أن تتم زيادة الطاقة الإنتاجية لوحدة التكسير الهيدروجيني من 7300إلى 7500طن يوميا من المشتقات البيضاء عالية الجودة، وذلك بعد تحديث ورفع كفاءة عدد من الأجهزة والمعدات التي تحتويها وحدة التكسير الهيدروجيني.
واشتمل نطاق أعمال الصيانة القيام بأعمال تتضمن الفحص، الاستبدال، الإصلاح، التنظيف، الترميم، التبطين والتغليف والطلاء وغير ذلك. وشملت المعدات التي خضعت للصيانة، الأعمدة والأفران والمبادلات الحرارية والتبريد والمفاعلات والمواد الحفازة والأنابيب والاسطوانات والصمامات وأوعية ومعدات الضغط والمضخات والأعمال الكهربائية والأعمال الإنشائية، والآلات الدقيقة والأنظمة وغيرها. وتم إجراء تقييم لكافة إعمال الصيانة من قبل فريق مراجعة الجودة وذلك للتأكد من المحافظة على الجودة في جميع مراحل الصيانة.
وتشكل أعمال الصيانة للمصانع هاجس عالمياً على نطاق واسع حيث وضعت السلطات المختصة في دول العالم الصناعي في مطلع القرن العشرين معايير للسلامة لهدف حماية القوى العاملة من المخاطر المهنية الناتجة عن سوء الصيانة أو خلافها وبعد وقوع العديد من الحوادث الكبرى في مختلف أنحاء العالم مثل الانفجارات الذي حدث في منطقة فليكسبورو في بريطانيا وفي سيفزو في إيطاليا وفي منطقة بوبال الهندية وحادث مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا أصبح المجتمع الصناعي العالمي أكثر صرامة في وضع وتطبيق المعايير المتعلقة بإدارة السلامة وغيرها من المعايير ذات العلاقة ووضعت هذه الجهات سلسلة من الأنظمة والمعايير للحماية من المخاطر الصناعية منها إقرار مواصفة منظمة المقاييس العالمية (14001 ISO) لأنظمة إدارة البيئة والمواصفة الحالية للسلامة والصحة المهنية (18001 OHSAS)والتي لا يمكن منحها للمصانع التي لا تراعي أمور الصيانة ومواعيدها المجدولة إضافة إلى إقرار العديد من الجوائز العالمية ومنها جائزة السلامة المهنية المقدمة من الجمعية الملكية البريطانية للوقاية من الإصابات المهنية وجائزة (ROSPA) الذهبية وشهادة المجلس الوطني للسلامة الصناعية باليابان وشهادة الجودة العالمية (آيزو 9002) وغيرها الكثير.
ومن أمثلة الكوارث التي تعرضت لها بعض الصناعات كارثة مصنع الكابرولاكتام في منطقة فليكسبورو في بريطانيا عام 1974م والذي أدى إلى مقتل وإصابة 64شخصاً وقد تم اكتشاف شقوق في المفاعل رقم (5) قبل شهرين من حدوث الانفجار، وتقرر تركيب أنبوب مؤقت قطره (50) سنتيمترا في المفاعل للسماح باستمرار تشغيل المصنع أثناء عمليات الصيانة لكن هذا الإجراء لم يفلح وأدى إلى الكارثة.
وحدثت كارثة أخرى عام 1976م كارثة سيفزو في مصنع صغير لإنتاج الكيماويات يقع على بعد (25) كيلو مترا إلى الشمال من ميلان في منطقة لومباردي بإيطاليا وقد أدى ذلك إلى تعرض السكان إلى أعلى درجة من مخاطر الدايكسون وأدت هذه الحادثة أيضاً إلى بروز العديد من الدراسات وقواعد السلامة الصناعية مثل لوائح الإتحاد الأوروبي للسلامة الصناعية.
وفي عام 1984م حدث تسرب للغاز السام من أحد مصانع المبيدات التابع لشركة يونيون كاربايد في منطقة بوبال الهندية وقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حينها أن عدد الضحايا وصل مبدئياً إلى (2000) شخص إضافة إلى (15000) جراء الأمراض الناجمة من تسرب هذا الغاز ولكن منظمة الخضر المعنية بالبيئة قالت إن عدد القتلى وصل إلى (20.000) شخص وقد تم على الفور إعلان حادثة بوبال باعتبارها أسوا الكوارث الصناعية في العالم.
وفي عام 1986م حدث انفجار في معامل الطاقة النووية (تشيرنوبل) بالقرب من بريبيات في أوكرانيا وقد أعتبر أسوأ الكوارث في تاريخ الطاقة النووية وأدت إلى حدوث تلوث إشعاعي واسع على نطاق المنطقة الجغرافية المحيطة.
وتضطلع المصانع السعودية بمسؤولية الالتزام بالمعايير الخاصة بالسلامة وهذا ما يبرر تتويج الكثير منها أرفع الجوائز والشهادات التقديرية من الهيئات والمراكز المتخصصة على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية وذلك لتميزها في إنجاز أعمال الصيانة لمصانعها دون أي إصابات أو خسائر ببذل الجهود الحثيثة وبحرصها التام على تأمين مجمعاتها الصناعية الضخمة في مختلف أنحاء المملكة لتكون زاخرة بوسائل السلامة الفاعلة والدأب على حماية منشآت الوطن ومكتسباته الحضارية التي تكفل تفادي الخسائر والأرواح والممتلكات بما يهيئ مناخاً خصباً لنمو عملياتها الصناعية والتسويقية والتقنية وبما يثبت انعكاس أداء السلامة الجيد على ارتفاع معدلات الإنتاج حيث عندما يكون المصنع آمنا يكون الأداء أكثر فاعلية. وقد أتمت العديد من المصانع السعودية المختلفة مئات الملايين من ساعات العمل المتصلة دون أية إصابات مقعدة أو معطلة فيما تنعم كبريات شركاتها بانخفاض معدل الحوادث بشكل يضاهي الشركات العالمية الرائدة المتعددة الجنسيات وتسعى إلى تطبيق مبادئ إدارة إجراءات السلامة لتعزيز موثوقية المصانع ليجسد مساعيها لضرورة تطوير منظومة السلامة والصحة والبيئة ولاسيما في مواقع التصنيع والإنتاج بانتهاج أرقى الأسس العلمية المنظمة القائمة على التكنولوجيا الحديثة.
مواضيع مماثلة
» سينو بيك الصينية تنوي الاستحواذ على المزيد من الأصول النفطية
» الأردن .. تحرير أسعار المحروقات ينذر بكارثة
» شركة شل تعلن عدم تمكنها من تنفيذ عقودها النفطية في نيجيريا
» إطلاق "طوارئ الصيانة" للمنشآت والمركبات بأيدٍ وطني
» تراجع مبيعات المنتجات النفطية اليابانية 2.6 % في نوفمبر
» الأردن .. تحرير أسعار المحروقات ينذر بكارثة
» شركة شل تعلن عدم تمكنها من تنفيذ عقودها النفطية في نيجيريا
» إطلاق "طوارئ الصيانة" للمنشآت والمركبات بأيدٍ وطني
» تراجع مبيعات المنتجات النفطية اليابانية 2.6 % في نوفمبر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى