زيادة رواتب موظفي الحكومة بين الشح والعدل
صفحة 1 من اصل 1
زيادة رواتب موظفي الحكومة بين الشح والعدل
د. صالح السلطان
كتبت أكثر من مقالة في جريدة الرياض، عن زيادة رواتب موظفي الحكومة، وأهمها مقالة طويلة نشرت يوم السبت 1428/11/21، الموافق 2007/12/1، والتي استعرضت فيها عدة معايير واعتبارات لابد من مراعاتها عند التفكير بالزيادة.
غالبية أقوى طبقة عاملة (موظفي الحكومة)، تعودت على الخلط بين حقوق الموظف الحكومي بصفته أجيرا، وحقوقه بصفته مواطنا، وجر هذا التعود إلى تجاهل التفريق بين التعبيرين مواطنين وموظفين حكوميين، ولذا جاءت عامة الانتقادات لما كتبت بالدق على وتر معاناة المواطنين (وليس موظفي الحكومة) من الغلاء، كما لو أن التخفيف عن موظفي الحكومة من الغلاء يعني تخفيف معاناة بقية المواطنين بالمثل. وهذا خلط وفهم عجيب، يذكر بخلط كثير من موظفي الحكومة ومتقاعديها بين مسؤوليات الحكومة في مساعدة الناس لتملك مساكن، ومطالبتهم أن يعطيهم صندوق التقاعد تمويلا سكنيا ميسرا تيسيرا ملموسا، وهو ما لا تفعله كافة صناديق معاشات التقاعد في العالم.
تأملت كثيرا علام هذا التفكير والصنيع، فوجدت أقرب تعليل في قوله سبحانه "وأحضرت الأنفس الشح"، أي جبل الله النفوس على الشح. فلا يكاد الإنسان أن يفكر بحقوق غيره عندما يفكر بحقوقه.
هنا مزيد إيضاح حول الموضوع:
@ يقدر عدد السعوديين في سن العمل حاليا بنحو 12مليون مواطن (المصدر، وزارة العمل، استراتيجية التوظيف الجزء الثاني ص16)، نصفهم تقريبا خارج قوة العمل (المصدر السابق نفسه، ص18)، والأسباب عادة إما لأنهم طلبة أو متقاعدون مبكرا أو مكتفون أو عاجزون أو ربات بيوت، لا رغبة لهن في العمل. ويشكل ما يقارب النصف الآخر قوة العمل من السعوديين، ويدخل في هذا الرقم كافة العاملين السعوديين في الحكومة، وفي القطاع الخاص، والعاملون لحسابهم، ومن لا يرغبون العمل، والعاطلون (ويدخل في ذلك أيضا المحتاجات للعمل لو توفرت وظيفة مناسبة).
@ بلغ عدد العاملين السعوديين في الحكومة الخاضعين لنظام الخدمة المدنية 734ألفا تقريبا عام 1427(2006)، ولا يدخل في هذا العدد المعينون على بنود توظيف أخرى كالأجور والتوظيف المباشر (المصدر خطة التنمية الثامنة، وتقرير مؤسسة النقد السنوي (2007، ص 216). كما لا يدخل طبعا العسكريون بكافة قطاعاتهم. ومن ثم يقدر كافة عدد السعوديين العاملين في الحكومة عام 1428(2007) بأكثر من مليون، وبحد أقصى مليون ونصف.
@ بناء على ما سبق، يشكل العاملون السعوديون في الحكومة قرابة ربع قوة العمل الوطنية. وتتفاوت كثافتهم حسب مكان الإقامة، ففي مدينة الرياض حيث مقر الحكومة، يشكل موظفو الحكومة النسبة الأعلى، وفي المدن الأخرى والقرى والبادية تتناقص النسبة كثيرا.
@ يتبقى من قوة العمل الذين لا يعملون في الحكومة ما لا يقل عن أربعة ملايين. كم من هؤلاء الذين يعملون في الشركات والمؤسسات التي تدفع رواتب وعوائد أعلى من الحكومة؟ لا يزيد عن بضع مئات من الآلاف، ويتبقى أكثر من ثلاثة ملايين، أي أكثر من ضعف عدد العاملين في الحكومة، يعملون في منشآت لا تعطي دخولا عالية، أو أنهم عاطلون. ويؤكد تدني رواتب غالبية هذه المؤسسات الفقرتين التاليتين.
@ يزيد متوسط الأجر الشهري في الحكومة عن القطاع الخاص عدة مرات (المصدر تقرير مؤسسة النقد، 2007، ص 215-223).
@ سؤال مطروح للتصويت في موقع صندوق الموارد البشرية: ما المعوقات التي تواجهك للانخراط في سوق عمل القطاع الخاص؟ أهم نتائج التصويت: 45% بسبب انخفاض الأجور مقارنة برواتب القطاع العام، و35% بسبب عدم الأمان الوظيفي.
@ لم يرتفع دخل الحكومة بسبب اجتهاد موظفيها، أو تطور الاقتصاد المحلي، بل ارتفع بفضل الله لارتفاع أسعار النفط، نتيجة عوامل خارجية لا ناقة ولا جمل للاقتصاد المحلي فيها. والنفط ثروة عامة، الناس فيه شركاء، وإيراداته مال عام.
@ حقوق الموظف الحكومي كغيره من الأجراء، ينبغي أن تحكمها محددات أجور القوى العاملة في البلاد. ويستوي هو وغيره من المواطنين في الاعتبارات الأخرى. أي علينا ألا نخلط بين حقوق الموظف الحكومي بصفته موظفا، وحقوقه بصفته مواطنا. يجب الفصل بين هذين الأمرين فصلا واضحا لا لبس فيه.
@ النقاش لا علاقة له من قريب أو بعيد بمن وقعوا ضحية بعض قوانين وتنظيمات الخدمة المدنية الحكومية، أو وضعوا على درجات وظيفية أقل مما يستحقون. تسوية أوضاع هؤلاء لها أولوية.
@ يقول موظفو الحكومة المطالبون بالزيادة وما المانع من الجمع بين الحسنيين: الأولى زيادة رواتبنا، والثانية توظيف العاطلين، وزيادة دعم الضمان الاجتماعي، وجمعيات البر، وتخفيف الغلاء بشتى ما يمكن من الوسائل. قولهم هذا يدل على أنهم لم يفهموا أو لم يدركوا اعتبار العدالة المفقود (دون نسيان للاعتبارات الأخرى). حسنا، إذا كنتم مقتنعين بأن الحسنى الثانية تكفي المتضررين من الغلاء من غير موظفي الحكومة، فلماذا لا تقتنعون بكفايتها لكم؟ وإذا كنتم ترونها غير كافية لمعاناتكم وأسركم، فطرحكم غير عادل، حيث إن هناك الملايين غيركم ممن يعانون كما تعانون، ويرجون كما ترجون، ولهم أسر كما لكم أسر، ولستم أولى بالرعاية منهم، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. هذه قضية جوهرية، تجب مراعاتها وجوبا لا لبس فيه، عند التفكير بزيادة رواتب موظفي الحكومة.
وفي هذا أرجو أن يدلي علماؤنا الأفاضل برأيهم حول موضوع النقاش، حيث إن الشريعة مبنية على العدل، وجاءت لتحقيق مصالح العباد. ولكنا نريد منهم أن يطلعوا على ويتصورا جوانب الموضوع تصورا جيدا، قبل إبداء رأيهم. بل نحب أن نسمع منهم عن الأحكام الشرعية المتعلقة بنزاهة وعدالة ورشاد توزيع المال العام بصورة أعم. وبالله التوفيق،،،
تنبيه: مقالة 2007/12/1"قراءة هادئة وسط شائعات زيادة رواتب موظفي الحكومة"، تحوي جداول مهمة، ولكنها نشرت في موقع الجريدة بدون الجداول.
@ متخصص في الاقتصاد الكلي والمالية العامة بكالوريوس في الشريعة، دكتوراه في الاقتصاد
مواضيع مماثلة
» عمان ترفع رواتب موظفي الدولة وتخصص دعماً للطحين
» وزير العمل يشكر العثيم على زيادة رواتب السعوديين
» زيادة رواتب الموظفين في الاردن باثر رجعي وتاجيل عدد من القرارات
» مجموعة الطيار للسفر تزيد رواتب موظفيها
» شركات خاصة تزيد رواتب موظفيها بنسب تتراوح بين 10- 25%
» وزير العمل يشكر العثيم على زيادة رواتب السعوديين
» زيادة رواتب الموظفين في الاردن باثر رجعي وتاجيل عدد من القرارات
» مجموعة الطيار للسفر تزيد رواتب موظفيها
» شركات خاصة تزيد رواتب موظفيها بنسب تتراوح بين 10- 25%
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى