القضاء على البطالة
صفحة 1 من اصل 1
القضاء على البطالة
قال مختصون في الموارد البشرية إن الحلول التي يتم من خلالها معالجة البطالة تعتبر غير فعالة لكونها تركز على علاج الأعراض التي نتجت عن البطالة ولم تبحث علاجاً للمشكلة من جذورها، مؤكدين أنه مع مرور الزمن سيكبر حجم هذه المشكلة ويزداد خطرها.
وشددوا على ضرورة النظر إلى المشكلة بشكل شامل من منطلق المصلحة العليا للمجتمع بقطاعيه العام والخاص، كما أكدوا أنه يجب أن لا يكون في المملكة بطالة في الجيل الحالي، لكون المشكلة تكمن في وجود أعمال عديدة مطلوب أداؤها من مواطنين في معظم القطاعات الحكومية ليس لها وظائف معتمدة، فضلا عن عدم تنظيم وتصنيف وظائف القطاع الخاص لتحديد متطلبات كل وظيفة ووضوح العلاقة بين الموظف وصاحب العمل.
ويرى كثير من المسؤولين والمواطنين بأن البطالة أصبحت من المواضيع المستهلكة التي كثر الحديث حولها وعقدت لها الندوات واتخذت لمعالجتها العديد من القرارات من أعلى المستويات، وأمام حقيقة فشل معظم ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات لحل هذه المشكلة، أصاب الجميع الإحباط الشديد تجاهها والتي سيكبر حجمها ويزداد خطرها مع مرور الزمن.
فضلا عن الأهمية الكبرى لبحث أساس البطالة وكيفية نشأتها، وأسباب فشل الحلول التي تم اتخاذها لمعالجتها، والمحاولات التي بذلت لتوفير الفرص الوظيفية لأبناء هذا الوطن.
"الرياض" تشخص من خلال هذا الطرح أسباب فشل المشاريع التي تصدت للبطالة والحلول العلمية لتوطين الوظائف، إلى التفاصيل:
بداية يرى الكاتب الاقتصادي عبدالرحمن بن ناصر الخريف بأنه إذا أردنا معالجة مشكلة البطالة فإنه يجب علينا النظر إليها بشكل شامل من منطلق المصلحة العليا للمجتمع بقطاعيه العام والخاص، كما أنه يجب أن لا يكون في المملكة بطالة في الجيل الحالي، لكون المشكلة التي لدينا هي وجود أعمال عديدة مطلوب أداؤها من مواطنين في معظم القطاعات الحكومية ليس لها وظائف معتمدة، وكذلك مشكلة عدم تنظيم وتصنيف وظائف القطاع الخاص لتحديد متطلبات كل وظيفة ووضوح العلاقة بين الموظف وصاحب العمل.
وأوضح الخريف البطالة في المملكة مفتعلة وكان يجب أن لا توجد لو أنه تم التعامل معها بتجرد مع احتياجات المملكة وكيفية الوفاء بها، فالوظائف لأداء مهام أساسية متوفرة بالقطاعات الحكومية ولكن لا تستطيع تلك القطاعات تعيين المواطنين عليها والقيام بتلك المهام بسبب عدم توفر أرقام واعتمادات لتلك الوظائف بميزانياتها، كما أن حجم التخطيط والتشييد والتشغيل للبنية الأساسية ولأعمال الجهات الحكومية لا زال كما لو كان عدد سكان المملكة 5ملايين مواطن فقط، ولا يعني ذلك المطالبة بتوظيف المواطنين بهدف التوظيف فقط (البطالة المقنعة).
وأكد الخريف أن البطالة في المملكة ليست مشكلة أساسية، وإنما هي نتيجة لمشكلة كبرى تمثلت في الاستمرار لسنوات طويلة قاربت العشرين عاما أثناء انخفاض إيرادات الدولة في عدم اعتماد وظائف كافية لجهات حكومية تعليمية وصحية وأمنية وغيرها، بسبب الرغبة في عدم زيادة اعتمادات الرواتب بميزانية الدولة، على الرغم من النمو الكبير للمجتمع وتوسع خدمات مؤسساته والحاجة الفعلية لأداء أعمال لا تتوفر لها وظائف رسمية، ويعتبر ذلك هو السبب الرئيس للمعاناة التي يواجهها المواطنون عند تدني خدمات الأجهزة الحكومية وتأخر إنجاز المعاملات أو سوء خدمات الجهات التي تخضع لرقابتها بسبب نقص عدد موظفيها، إذ أن معظم الجهات الحكومية تعاني من نقص كبير في عدد العاملين بها وتواجه مأزقا في تغطية احتياجاتها من الوظائف، وقد تستعين بموظفين من القطاع الخاص لأداء بعض أعمالها، فالوظائف كان يجب أن تحدد وفقا للاحتياج الفعلي وبما يمكن الجهة من تقديم الخدمة بالمستوى المطلوب، إلا أن ما حدث هو إجبار الأجهزة الحكومية على التكيف مع العدد المعتمد لها حتى وإن ترتب على ذلك حرمان مواطنين مؤهلين من العمل ومعاناة مجتمع كامل من تدني خدمات قطاعاته.
وأضاف "لو نظرنا على سبيل المثال لوظيفة المعلم في وقتنا الحاضر التي تستقطب الآلاف من الخريجين لوجدنا أن فصول مدارسنا تتكدس بأبنائنا وأصبح من الطبيعي أن يتجاوز عدد الطلاب في الفصل الواحد ال 40وأحيانا 50طالبا في مراحل دراسية يحتاج فيها الطالب الى جهد كبير من المعلم، وهذا الوضع ترك أثرا سلبيا على أداء المعلم والتعليم بصفة عامة، في حين كان المفترض أن يتم أحداث وظائف تكفي لأداء مهمة التعليم كما ينبغي وتمكن من استيعاب الخريجين والخريجات لكون الوظائف التي أحدثت خلال السنوات الماضية لم تكن كافية، فالحاجة لا تزال ماسة لوظائف التعليم خاصة مع النمو الكبير للسكان، ونفس الأمر ينطبق على باقي الجهات الحكومية الأخرى"، مشيرا إلى أن الخلل في أداء تلك المهام ينتج عنه سلبيات كبيرة، وعلى سبيل المثال فإن عدد المراقبين لدى البلديات حاليا قليل جدا ولا يتناسب مع المحلات التجارية والمطاعم المتزايد عددها في كل مدينة وقرية، كما أن وجود العدد الكافي منهم سيعمل على رفع مستوى الأداء وزيادة الإيرادات بضبط المخالفات، أي أن إحداث الوظائف قد يؤدي الى زيادة الدخل للدولة ويضمن مستوى الخدمة المقدمة، فضلا عن أنه يجب التركيز على إعادة التأهيل والتدريب في بعض التخصصات.
ولفت الخريف إلى أنه يجب أن لا يتم إغفال أهمية تثبيت الموظفين العاملين على بند الأجور والوظائف المؤقتة والذي تعامل بعد سنوات طويلة مع واقع عايشته جهات عديدة كانت تسد احتياجاتها بالتعيين على تلك الوظائف وجزء كبير ممن يعمل في تلك الوظائف كان يعد من العاطلين بسبب اعتبار تلك الوظائف مؤقتة وفئاتها لا تتناسب مع مؤهلاتهم وبحثهم المستمر عن وظائف تناسبهم، وبالتالي فإن قرار التثبيت عالج مشكلة شريحة ذات تأهيل كانت مصنفة ضمن إحصاءات البطالة التي تبحث عن عمل مستقر ودائم.وبين الخريف أن المشكلة التي تواجهنا هي طريقة معالجتنا للبطالة، إذ أن طريقة القوة الجبرية في السعودة أوجدت طرقا ملتوية للتغلب عليها كان منها إدراج البعض لأسماء مواطنين صوريا ضمن موظفيهم لزيادة عدد السعوديين، كما أننا نتعامل مع الوظائف بالقطاع الخاص وكأن جميع العاملين بمنشآته سعوديين، فقد تم عرض العديد من الوظائف ذات طبيعة العمل المتدني والراتب القليل للمواطنين، ولم يتم النظر إلى باقي وظائف القطاع الخاص المشغولة بالأجانب ذات المستوى المقبول اجتماعيا وماليا والتي تتناسب مع مؤهلات طالبي العمل، فعلى سبيل المثال تتوفر وظائف المحاسب في جميع المحلات التجارية مثل قطع غيار السيارات والمعارض وأسواق الملابس والمطاعم وجميعها وظائف لا تحتاج لخبرات طويلة ولغات متعددة، وهي أكثر الوظائف التي يعمل بها الأجانب باستثناء عدد قليل من المواطنين، ولك أن تتخيل أيضا أن خريجي هندسة النفط لدينا لا يجدون وظائف في القطاع الحكومي والخاص.
كما أنه يجب التنبه في الجانب الآخر إلى التغير الذي حدث في رغبات المواطنين بنوعية الوظيفة وتبعيتها، فنظام التأمينات الاجتماعية الحالي وتبادل المنافع يشجع على العمل بالقطاع الخاص، بل إن البعض أصبح يفضل العمل به على القطاع الحكومي بفضل الرواتب والامتيازات الأخرى بالشركات الكبرى، إلا أن المشكلة تكمن في المنشآت المتوسطة والصغيرة، التي يحتاج وضعها إلى تحمل صندوق الموارد البشرية لجزء من الراتب لتشجيع المواطن لقبول العمل وكسب الخبرة، أي نتعامل بسياسة استقطاب المواطن للعمل بدلا من سياسة الضغط على الشركات والمؤسسات للسعودة والتي لم تنجح بسبب تجاوزات من الشركات ومسئوليها الأجانب أو بسبب عدم جدية قله من المواطنين في العمل، ولكن يبقى الأهم لوضع تنظيم موحد للعمل بالقطاع الخاص من خلال إيجاد جهاز مركزي للتوظيف بالقطاع الخاص، مضيفا "نحن بحاجة الى جهاز إداري يماثل وزارة الخدمة المدنية، بحيث يكون مستقلا ويتمتع بصلاحية واسعة على جميع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، ويقوم بمسح شامل لفرص العمل ولا يتم تعيين أو فصل أي موظف، سعودياً كان أو أجنبياً، أو تجديد عقده إلا بموافقته وباستخدام الرقم المدني، ويتم تحديد الرواتب والحقوق وفق العقود المصدقة منه لحفظ حقوق المواطن والمقيم وصاحب العمل"، مبينا أن ذلك سيحد من تلاعب إدارات الشركات وتجاوزاتها الخاصة بالسعودة، وكذلك سيحد من عدم التزام الموظف السعودي بالعمل لأن العقوبات والفصل ستقيد في سجله الوظيفي، ومن ثم يلتزم المواطن بالعمل لوجود نظام واضح يحكم العلاقة بين الموظف وصاحب العمل، ولكن يجب عدم التركيز في معالجة موضوع البطالة والقضاء عليها أو التقليل من نسبها من خلال وضع استراتيجيات للمستقبل فقط، بل يجب أن يسبق ذلك التعامل معها كأزمة يعاني منها الجيل الحالي وهو الأولى بسرعة إيجاد الحلول لها، إذ أن ترحيل المشكلة يزيد من تعقيداتها وصعوبة حلها.
إلى ذلك قال سلطان بن عبدالله العماش العضو المنتدب والمدير العام التنفيذي لشركة إنترسيرش السعودية والمدير العام التنفيذي ل ساسين للاستشارات، إن وصف البطالة في المملكة بأنها تتمثل في وجود مواطنين مؤهلين لا تتوفر لهم وظائف في القطاع الخاص ليس دقيقا، مبينا أن هناك نوعية من الوظائف والتي يشغلها وافدون لا تحتاج إلى شخص مؤهل، ولكن هناك تساؤل حول وصول المملكة إلى الحد الذي يجعلها توظف المواطن في وظائف من تلك النوعية، مضيفا "الإجابة من وجهة نظري يجب أن تكون لا، إذ أننا بالتأكيد نحتاج أن نؤهل الكثير من الشباب لكي يكونوا مناسبين لنوعيات جيدة من الوظائف والتي تتصف بالراتب الجيد والمسار الوظيفي المتطور وكذلك الوضع الاجتماعي المحترم لكي نقوم بإحلالهم فيها".
وعارض العماش عملية توظيف الشباب في أي وظيفة لمجرد الرغبة في إدخالهم لسوق العمل، مؤكدا أن المطلوب من عملية التوظيف هو تأسيس حياة كريمة للمواطن عن طريق استيعابهم في نوعية جيدة من الوظائف ذات المستقبل الوظيفي الطيب، إذ يوجد الكثير من الوظائف من هذا النوع والتي يشغلها غير المواطنين ويمكن استيعاب الكثير من الشباب بها.
وعزا العماش فشل قرارات السعودة وعدم نجاح حملات التوظيف بالقطاع الخاص إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أهمها تعامل المعنيين مع مشكلة البطالة بالتركيز على معالجة الأعراض دون الأسباب، والبطء في التحليل واتخاذ القرارات مما يجعل حلولهم غير فعالة، والسبب الثالث هو الافتقاد للمنهجية الشاملة في العمل، هذه أسباب رئيسية ويضاف إليها أسباب عديدة ثانوية، وإذا ما قمنا بالتعامل مع الأسباب الرئيسية ومعالجتها بالشكل المطلوب والشمولية اللازمة فإن الأسباب الثانوية مآلها إلى الزوال. وقال العماش أن التعامل الفعال مع أزمة البطالة يكون عن طريق تطبيق حلول جذرية ومختلفة من أبرزها أن يتم تكوين فريق عمل يتميز بالديناميكية والخبرة في مجال التعامل مع الأزمات، وعلى أن يكون اختيار الأشخاص لهذا الفريق مبنيا على أسس ومعايير عملية وليست شكلية، لافتا إلى أن أبرز ما يمكن عمله مبدئيا للتعامل مع هذه المشكلة هو جعل هذا الفريق يعمل بعقلية القطاع الخاص من ناحية الاستقلالية والمرونة والمسؤولية والصلاحية، وأن يكون الفيصل في اختيار عضو الفريق فكر الشخص وخبرته وإنجازاته وليس كما هو حاصل الآن من اختيار مبني على كم الألقاب العلمية التي يحملها الشخص وبراعته الخطابية، كما أن التعامل مع هذا الموضوع يحتاج إلى أشخاص قادرين على تحويل الكلام والخطط إلى أفعال ونتائج ملموسة.
وأكد العماش أن الفرق بين البطالة في المملكة والبطالة الموجودة في الدول الأخرى كبير جدا كون المملكة ودول الخليج تزخر بنسب عالية جدا من الوظائف التي يشغلها الوافدون، وهي تحمل تحديات وفرصاً في نفس الوقت، مبينا أن ذلك يمثل تحدياً كونها تحرم الكثير من المواطنين من حق مشروع في مجال عمل يزاحمه عليه الكثير من الوافدين كون أغلب الشباب غير مؤهل تماما وهذا الوضع يحمل من الفرص الكثير لأنه يحمل بين طياته حلا سهلا في متناول أيدينا نحو إحلالهم جميعا مقابل الاستغناء عن نسبة ضئيلة من الوافدين، لافتا إلى أن ذلك لن يحدث حتى القيام بوضع إستراتيجية عملية والسعي بكل قوة وفكر وعلم لتطبيقها. وأفاد العماش بأن الخلل ليس في الافتقار للكوادر البشرية المؤهلة والتي يبدو أنها ترغب في العمل بالقطاع الحكومي إذا ما أتيحت لها الفرصة، ولكن الخلل يكمن في جوانب أهم وأعقد من ذلك أهمها افتقاد غالبية هذه الجهات للعمل المنهجي، وبطء الإجراءات، وضعف الفعالية المؤسسية، والارتجالية في التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات، وتأصل المحسوبية، والاهتمام بالقشور دون الأصول، وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره. وبين العماش أنه لا يمكن تعميم مقولة أن العمالة الأجنبية أفضل من الوطنية أو العكس، كما أن هناك فروقاً شخصية تميز كل شخص عن الآخر سواء كان سعوديا أو أجنبيا، إذ أن مسألة التعميم تظلم فئة على حساب أخرى، كما أنه لو تم التسليم بأن هناك فرقاً واضحاً في الأداء لصالح الأجنبي فهو لكون أن قاعدة الاختيار تكون في العادة أوسع ولذلك تجد أن الخيار يقع على الأفضل منهم أما في حالة المواطن فلأن العرض من الكفاءات المواطنة أقل بكثير من الاحتياج الوظيفي، ما يفرض على مسؤولي القطاع الخاص التوجه إلى الأجنبي.
ولفت العماش إلى أن غالبية الأنظمة في المملكة تصب في صالح المواطن، كما أن القطاع الخاص خصب ومميز لمن ينشدون النجاح والتميز من الشباب، مضيفا "أكاد أجزم بأن مسؤولي الشركات مهتمون جدا باستقطاب الشباب السعودي ومنحهم الفرصة، ويبذل الكثير منهم الجهد اللازم في المحافظة عليهم في الشركة، أما من يظهر عليه عدم الجدية في العمل وتحمل المسؤولية من الشباب فالقطاع الخاص ليس معني بأن يحتفظ به وليس من واجب الحكومة حماية مثل هؤلاء كونهم غير جديرين بالمساعدة".
وأضاف العماش "أنا من المعارضين لسياسة الضغط غير المبرر على القطاع الخاص وكذلك القرارات التي تصب في خانة (تدليل الشباب)، وهي قرارات أريد بها خير وتم استغلالها بشكل غير مقبول بحيث أثرت سلبا على الشباب وجعلتهم لا يشعرون بحجم المسؤولية الملقاة عليهم، ولذلك أرى أنه من المهم إيجاد حلول وبدائل عملية للقطاع الخاص قبل سن القوانين".
وشددوا على ضرورة النظر إلى المشكلة بشكل شامل من منطلق المصلحة العليا للمجتمع بقطاعيه العام والخاص، كما أكدوا أنه يجب أن لا يكون في المملكة بطالة في الجيل الحالي، لكون المشكلة تكمن في وجود أعمال عديدة مطلوب أداؤها من مواطنين في معظم القطاعات الحكومية ليس لها وظائف معتمدة، فضلا عن عدم تنظيم وتصنيف وظائف القطاع الخاص لتحديد متطلبات كل وظيفة ووضوح العلاقة بين الموظف وصاحب العمل.
ويرى كثير من المسؤولين والمواطنين بأن البطالة أصبحت من المواضيع المستهلكة التي كثر الحديث حولها وعقدت لها الندوات واتخذت لمعالجتها العديد من القرارات من أعلى المستويات، وأمام حقيقة فشل معظم ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات لحل هذه المشكلة، أصاب الجميع الإحباط الشديد تجاهها والتي سيكبر حجمها ويزداد خطرها مع مرور الزمن.
فضلا عن الأهمية الكبرى لبحث أساس البطالة وكيفية نشأتها، وأسباب فشل الحلول التي تم اتخاذها لمعالجتها، والمحاولات التي بذلت لتوفير الفرص الوظيفية لأبناء هذا الوطن.
"الرياض" تشخص من خلال هذا الطرح أسباب فشل المشاريع التي تصدت للبطالة والحلول العلمية لتوطين الوظائف، إلى التفاصيل:
بداية يرى الكاتب الاقتصادي عبدالرحمن بن ناصر الخريف بأنه إذا أردنا معالجة مشكلة البطالة فإنه يجب علينا النظر إليها بشكل شامل من منطلق المصلحة العليا للمجتمع بقطاعيه العام والخاص، كما أنه يجب أن لا يكون في المملكة بطالة في الجيل الحالي، لكون المشكلة التي لدينا هي وجود أعمال عديدة مطلوب أداؤها من مواطنين في معظم القطاعات الحكومية ليس لها وظائف معتمدة، وكذلك مشكلة عدم تنظيم وتصنيف وظائف القطاع الخاص لتحديد متطلبات كل وظيفة ووضوح العلاقة بين الموظف وصاحب العمل.
وأوضح الخريف البطالة في المملكة مفتعلة وكان يجب أن لا توجد لو أنه تم التعامل معها بتجرد مع احتياجات المملكة وكيفية الوفاء بها، فالوظائف لأداء مهام أساسية متوفرة بالقطاعات الحكومية ولكن لا تستطيع تلك القطاعات تعيين المواطنين عليها والقيام بتلك المهام بسبب عدم توفر أرقام واعتمادات لتلك الوظائف بميزانياتها، كما أن حجم التخطيط والتشييد والتشغيل للبنية الأساسية ولأعمال الجهات الحكومية لا زال كما لو كان عدد سكان المملكة 5ملايين مواطن فقط، ولا يعني ذلك المطالبة بتوظيف المواطنين بهدف التوظيف فقط (البطالة المقنعة).
وأكد الخريف أن البطالة في المملكة ليست مشكلة أساسية، وإنما هي نتيجة لمشكلة كبرى تمثلت في الاستمرار لسنوات طويلة قاربت العشرين عاما أثناء انخفاض إيرادات الدولة في عدم اعتماد وظائف كافية لجهات حكومية تعليمية وصحية وأمنية وغيرها، بسبب الرغبة في عدم زيادة اعتمادات الرواتب بميزانية الدولة، على الرغم من النمو الكبير للمجتمع وتوسع خدمات مؤسساته والحاجة الفعلية لأداء أعمال لا تتوفر لها وظائف رسمية، ويعتبر ذلك هو السبب الرئيس للمعاناة التي يواجهها المواطنون عند تدني خدمات الأجهزة الحكومية وتأخر إنجاز المعاملات أو سوء خدمات الجهات التي تخضع لرقابتها بسبب نقص عدد موظفيها، إذ أن معظم الجهات الحكومية تعاني من نقص كبير في عدد العاملين بها وتواجه مأزقا في تغطية احتياجاتها من الوظائف، وقد تستعين بموظفين من القطاع الخاص لأداء بعض أعمالها، فالوظائف كان يجب أن تحدد وفقا للاحتياج الفعلي وبما يمكن الجهة من تقديم الخدمة بالمستوى المطلوب، إلا أن ما حدث هو إجبار الأجهزة الحكومية على التكيف مع العدد المعتمد لها حتى وإن ترتب على ذلك حرمان مواطنين مؤهلين من العمل ومعاناة مجتمع كامل من تدني خدمات قطاعاته.
وأضاف "لو نظرنا على سبيل المثال لوظيفة المعلم في وقتنا الحاضر التي تستقطب الآلاف من الخريجين لوجدنا أن فصول مدارسنا تتكدس بأبنائنا وأصبح من الطبيعي أن يتجاوز عدد الطلاب في الفصل الواحد ال 40وأحيانا 50طالبا في مراحل دراسية يحتاج فيها الطالب الى جهد كبير من المعلم، وهذا الوضع ترك أثرا سلبيا على أداء المعلم والتعليم بصفة عامة، في حين كان المفترض أن يتم أحداث وظائف تكفي لأداء مهمة التعليم كما ينبغي وتمكن من استيعاب الخريجين والخريجات لكون الوظائف التي أحدثت خلال السنوات الماضية لم تكن كافية، فالحاجة لا تزال ماسة لوظائف التعليم خاصة مع النمو الكبير للسكان، ونفس الأمر ينطبق على باقي الجهات الحكومية الأخرى"، مشيرا إلى أن الخلل في أداء تلك المهام ينتج عنه سلبيات كبيرة، وعلى سبيل المثال فإن عدد المراقبين لدى البلديات حاليا قليل جدا ولا يتناسب مع المحلات التجارية والمطاعم المتزايد عددها في كل مدينة وقرية، كما أن وجود العدد الكافي منهم سيعمل على رفع مستوى الأداء وزيادة الإيرادات بضبط المخالفات، أي أن إحداث الوظائف قد يؤدي الى زيادة الدخل للدولة ويضمن مستوى الخدمة المقدمة، فضلا عن أنه يجب التركيز على إعادة التأهيل والتدريب في بعض التخصصات.
ولفت الخريف إلى أنه يجب أن لا يتم إغفال أهمية تثبيت الموظفين العاملين على بند الأجور والوظائف المؤقتة والذي تعامل بعد سنوات طويلة مع واقع عايشته جهات عديدة كانت تسد احتياجاتها بالتعيين على تلك الوظائف وجزء كبير ممن يعمل في تلك الوظائف كان يعد من العاطلين بسبب اعتبار تلك الوظائف مؤقتة وفئاتها لا تتناسب مع مؤهلاتهم وبحثهم المستمر عن وظائف تناسبهم، وبالتالي فإن قرار التثبيت عالج مشكلة شريحة ذات تأهيل كانت مصنفة ضمن إحصاءات البطالة التي تبحث عن عمل مستقر ودائم.وبين الخريف أن المشكلة التي تواجهنا هي طريقة معالجتنا للبطالة، إذ أن طريقة القوة الجبرية في السعودة أوجدت طرقا ملتوية للتغلب عليها كان منها إدراج البعض لأسماء مواطنين صوريا ضمن موظفيهم لزيادة عدد السعوديين، كما أننا نتعامل مع الوظائف بالقطاع الخاص وكأن جميع العاملين بمنشآته سعوديين، فقد تم عرض العديد من الوظائف ذات طبيعة العمل المتدني والراتب القليل للمواطنين، ولم يتم النظر إلى باقي وظائف القطاع الخاص المشغولة بالأجانب ذات المستوى المقبول اجتماعيا وماليا والتي تتناسب مع مؤهلات طالبي العمل، فعلى سبيل المثال تتوفر وظائف المحاسب في جميع المحلات التجارية مثل قطع غيار السيارات والمعارض وأسواق الملابس والمطاعم وجميعها وظائف لا تحتاج لخبرات طويلة ولغات متعددة، وهي أكثر الوظائف التي يعمل بها الأجانب باستثناء عدد قليل من المواطنين، ولك أن تتخيل أيضا أن خريجي هندسة النفط لدينا لا يجدون وظائف في القطاع الحكومي والخاص.
كما أنه يجب التنبه في الجانب الآخر إلى التغير الذي حدث في رغبات المواطنين بنوعية الوظيفة وتبعيتها، فنظام التأمينات الاجتماعية الحالي وتبادل المنافع يشجع على العمل بالقطاع الخاص، بل إن البعض أصبح يفضل العمل به على القطاع الحكومي بفضل الرواتب والامتيازات الأخرى بالشركات الكبرى، إلا أن المشكلة تكمن في المنشآت المتوسطة والصغيرة، التي يحتاج وضعها إلى تحمل صندوق الموارد البشرية لجزء من الراتب لتشجيع المواطن لقبول العمل وكسب الخبرة، أي نتعامل بسياسة استقطاب المواطن للعمل بدلا من سياسة الضغط على الشركات والمؤسسات للسعودة والتي لم تنجح بسبب تجاوزات من الشركات ومسئوليها الأجانب أو بسبب عدم جدية قله من المواطنين في العمل، ولكن يبقى الأهم لوضع تنظيم موحد للعمل بالقطاع الخاص من خلال إيجاد جهاز مركزي للتوظيف بالقطاع الخاص، مضيفا "نحن بحاجة الى جهاز إداري يماثل وزارة الخدمة المدنية، بحيث يكون مستقلا ويتمتع بصلاحية واسعة على جميع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، ويقوم بمسح شامل لفرص العمل ولا يتم تعيين أو فصل أي موظف، سعودياً كان أو أجنبياً، أو تجديد عقده إلا بموافقته وباستخدام الرقم المدني، ويتم تحديد الرواتب والحقوق وفق العقود المصدقة منه لحفظ حقوق المواطن والمقيم وصاحب العمل"، مبينا أن ذلك سيحد من تلاعب إدارات الشركات وتجاوزاتها الخاصة بالسعودة، وكذلك سيحد من عدم التزام الموظف السعودي بالعمل لأن العقوبات والفصل ستقيد في سجله الوظيفي، ومن ثم يلتزم المواطن بالعمل لوجود نظام واضح يحكم العلاقة بين الموظف وصاحب العمل، ولكن يجب عدم التركيز في معالجة موضوع البطالة والقضاء عليها أو التقليل من نسبها من خلال وضع استراتيجيات للمستقبل فقط، بل يجب أن يسبق ذلك التعامل معها كأزمة يعاني منها الجيل الحالي وهو الأولى بسرعة إيجاد الحلول لها، إذ أن ترحيل المشكلة يزيد من تعقيداتها وصعوبة حلها.
إلى ذلك قال سلطان بن عبدالله العماش العضو المنتدب والمدير العام التنفيذي لشركة إنترسيرش السعودية والمدير العام التنفيذي ل ساسين للاستشارات، إن وصف البطالة في المملكة بأنها تتمثل في وجود مواطنين مؤهلين لا تتوفر لهم وظائف في القطاع الخاص ليس دقيقا، مبينا أن هناك نوعية من الوظائف والتي يشغلها وافدون لا تحتاج إلى شخص مؤهل، ولكن هناك تساؤل حول وصول المملكة إلى الحد الذي يجعلها توظف المواطن في وظائف من تلك النوعية، مضيفا "الإجابة من وجهة نظري يجب أن تكون لا، إذ أننا بالتأكيد نحتاج أن نؤهل الكثير من الشباب لكي يكونوا مناسبين لنوعيات جيدة من الوظائف والتي تتصف بالراتب الجيد والمسار الوظيفي المتطور وكذلك الوضع الاجتماعي المحترم لكي نقوم بإحلالهم فيها".
وعارض العماش عملية توظيف الشباب في أي وظيفة لمجرد الرغبة في إدخالهم لسوق العمل، مؤكدا أن المطلوب من عملية التوظيف هو تأسيس حياة كريمة للمواطن عن طريق استيعابهم في نوعية جيدة من الوظائف ذات المستقبل الوظيفي الطيب، إذ يوجد الكثير من الوظائف من هذا النوع والتي يشغلها غير المواطنين ويمكن استيعاب الكثير من الشباب بها.
وعزا العماش فشل قرارات السعودة وعدم نجاح حملات التوظيف بالقطاع الخاص إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أهمها تعامل المعنيين مع مشكلة البطالة بالتركيز على معالجة الأعراض دون الأسباب، والبطء في التحليل واتخاذ القرارات مما يجعل حلولهم غير فعالة، والسبب الثالث هو الافتقاد للمنهجية الشاملة في العمل، هذه أسباب رئيسية ويضاف إليها أسباب عديدة ثانوية، وإذا ما قمنا بالتعامل مع الأسباب الرئيسية ومعالجتها بالشكل المطلوب والشمولية اللازمة فإن الأسباب الثانوية مآلها إلى الزوال. وقال العماش أن التعامل الفعال مع أزمة البطالة يكون عن طريق تطبيق حلول جذرية ومختلفة من أبرزها أن يتم تكوين فريق عمل يتميز بالديناميكية والخبرة في مجال التعامل مع الأزمات، وعلى أن يكون اختيار الأشخاص لهذا الفريق مبنيا على أسس ومعايير عملية وليست شكلية، لافتا إلى أن أبرز ما يمكن عمله مبدئيا للتعامل مع هذه المشكلة هو جعل هذا الفريق يعمل بعقلية القطاع الخاص من ناحية الاستقلالية والمرونة والمسؤولية والصلاحية، وأن يكون الفيصل في اختيار عضو الفريق فكر الشخص وخبرته وإنجازاته وليس كما هو حاصل الآن من اختيار مبني على كم الألقاب العلمية التي يحملها الشخص وبراعته الخطابية، كما أن التعامل مع هذا الموضوع يحتاج إلى أشخاص قادرين على تحويل الكلام والخطط إلى أفعال ونتائج ملموسة.
وأكد العماش أن الفرق بين البطالة في المملكة والبطالة الموجودة في الدول الأخرى كبير جدا كون المملكة ودول الخليج تزخر بنسب عالية جدا من الوظائف التي يشغلها الوافدون، وهي تحمل تحديات وفرصاً في نفس الوقت، مبينا أن ذلك يمثل تحدياً كونها تحرم الكثير من المواطنين من حق مشروع في مجال عمل يزاحمه عليه الكثير من الوافدين كون أغلب الشباب غير مؤهل تماما وهذا الوضع يحمل من الفرص الكثير لأنه يحمل بين طياته حلا سهلا في متناول أيدينا نحو إحلالهم جميعا مقابل الاستغناء عن نسبة ضئيلة من الوافدين، لافتا إلى أن ذلك لن يحدث حتى القيام بوضع إستراتيجية عملية والسعي بكل قوة وفكر وعلم لتطبيقها. وأفاد العماش بأن الخلل ليس في الافتقار للكوادر البشرية المؤهلة والتي يبدو أنها ترغب في العمل بالقطاع الحكومي إذا ما أتيحت لها الفرصة، ولكن الخلل يكمن في جوانب أهم وأعقد من ذلك أهمها افتقاد غالبية هذه الجهات للعمل المنهجي، وبطء الإجراءات، وضعف الفعالية المؤسسية، والارتجالية في التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات، وتأصل المحسوبية، والاهتمام بالقشور دون الأصول، وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره. وبين العماش أنه لا يمكن تعميم مقولة أن العمالة الأجنبية أفضل من الوطنية أو العكس، كما أن هناك فروقاً شخصية تميز كل شخص عن الآخر سواء كان سعوديا أو أجنبيا، إذ أن مسألة التعميم تظلم فئة على حساب أخرى، كما أنه لو تم التسليم بأن هناك فرقاً واضحاً في الأداء لصالح الأجنبي فهو لكون أن قاعدة الاختيار تكون في العادة أوسع ولذلك تجد أن الخيار يقع على الأفضل منهم أما في حالة المواطن فلأن العرض من الكفاءات المواطنة أقل بكثير من الاحتياج الوظيفي، ما يفرض على مسؤولي القطاع الخاص التوجه إلى الأجنبي.
ولفت العماش إلى أن غالبية الأنظمة في المملكة تصب في صالح المواطن، كما أن القطاع الخاص خصب ومميز لمن ينشدون النجاح والتميز من الشباب، مضيفا "أكاد أجزم بأن مسؤولي الشركات مهتمون جدا باستقطاب الشباب السعودي ومنحهم الفرصة، ويبذل الكثير منهم الجهد اللازم في المحافظة عليهم في الشركة، أما من يظهر عليه عدم الجدية في العمل وتحمل المسؤولية من الشباب فالقطاع الخاص ليس معني بأن يحتفظ به وليس من واجب الحكومة حماية مثل هؤلاء كونهم غير جديرين بالمساعدة".
وأضاف العماش "أنا من المعارضين لسياسة الضغط غير المبرر على القطاع الخاص وكذلك القرارات التي تصب في خانة (تدليل الشباب)، وهي قرارات أريد بها خير وتم استغلالها بشكل غير مقبول بحيث أثرت سلبا على الشباب وجعلتهم لا يشعرون بحجم المسؤولية الملقاة عليهم، ولذلك أرى أنه من المهم إيجاد حلول وبدائل عملية للقطاع الخاص قبل سن القوانين".
مواضيع مماثلة
» لجنة وطنية تبحث تقليص حجم البطالة النسائية
» انخفاض البطالة في روسيا في عام 2007 بنسبة 10 بالمائة
» دور القضاء المستقل
» منظمة العمل العربي تتناول قضايا البطالة والهجرة في مؤتمرها الخامس والثلاثين
» لقمان: معدل البطالة العربية الأعلى عالمياً وعدد العاطلين أكثر من 17مليوناً
» انخفاض البطالة في روسيا في عام 2007 بنسبة 10 بالمائة
» دور القضاء المستقل
» منظمة العمل العربي تتناول قضايا البطالة والهجرة في مؤتمرها الخامس والثلاثين
» لقمان: معدل البطالة العربية الأعلى عالمياً وعدد العاطلين أكثر من 17مليوناً
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى