العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
صفحة 1 من اصل 1
العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
باقِـر الصرّاف
القسم الأول : الجزء الثاني
دفاتر الأزمة السياسية العراقية
والاِحتلال العسكري الأمريكي
العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية :
دفاتر الأزمة السياسية العراقية
والاِحتلال العسكري الأمريكي
القسم الثاني
# ـ باقر الصرّاف : العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
# ـ الطبعة الأولى ـ أوروبا ـ 20 / 8 / 2003
# ـ الطبعة الثانية ـ أوروبا ـ 20 / 1 / 2004
Bakir Al _ Sarrafـ#
Americanglobaliznation_ #
against
The state of Iraq
The notebooks of Iraqi political crisisـ #
And
American MilitaryOccupationـ #
# _ The secondPart #_ I st 1 edition /Europe20 . 8 . 2003
نقاش حول المفاهيم المستخدمة
في تقييم معنى العدوان على العراق
جواب على سؤال لموقع ((كتابات))
ملاحظة أولى :
المقالات الواردة أدناه في القسم الثاني من الجزء الأول لكتاب : العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية و المنشورة على موقع ((كتابات)) قد جاءت في إطار اِستفتاء ((محور كتابات الجديد)) والذي ورد مضمونه التالي :
((الأستاذ الفاضل / باقر الصراف المحترم
دعاؤنا لكم بالخير . . . وأمنياتنا لشخصكم بالتوفيق والنجاح . .
بعد عودة العراق إلى أهله في 9/نيسان 2003 تكشفت للعالم هول المأساة والمعاناة ، التي رزح تحتها (العراقيـون) على اِمتـداد أربعة عقود كاملـة ، اِكتوى بنارها العراق كله من أقصاه إلى أقصاه ! ! ! ، وسط صمت عالمي وعربي مريب ، ساهم في اِستمرار تلك المعاناة ، والمأساة ! . حتى اِتضـح بجلاء وتكشـفت للعالم بأسـره فضيحة القرن : (المقابر الجماعية ! ! ! ) التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء العراق ! ! . وأمام هول هذه الحقيقة المرة ، والجريمة المفزعة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء ! ، وقف النظام العربي الرسمي والشعبي ، صامتاً هذه المرة أيضاً ، سوى محاولات خجولة هنا وهناك ، لم ترتقِ إلى مستوى ضخامة الحدث والمأساة ! . ليس فهذا فحسب ، وإنما حدا ببعضهم ، عرباً رسميون ، كان أم شعبيون إلى تشكيك في صدقية هذه المقابر ، ونسبها إلى النظام المقبور ! ! ! ؟ ؟ ؟ .
المحـور (العراق في عهده ، مسـتقبله ، رفاهيته ، في ظل نظام عربي رسـمي ، عنوانه ـ الجامعة العربية ـ . . أم في ظل نظام إقليمي ـ خليجي ، يسهم ويعجِّل في اِستقرار العراق ، ويحقق الرفاهية لأبنائه ، اِعتماداً على طاقاته البشرية ، وثرواته الطبيعية ؟ ؟ )) .
يسرنا كثيراً اِستقبال مشاركتكم ، التي ستقدم رؤية عراقية ، تسهم في تشكيل مستقبل العراق ، وتحقيق الحرية والرفاهية لأبنائه ، في موعد أقصاه لغاية الأحد الموافق 13 تموز 2003 ، وتنشَر المواد في اليوم الذي يليه : الاِثنين المصادف 14 تموز 2003 السـاعة الثالثة بعد الظهر حسب توقيت غرينش .
نشكر اِستجابتكم سلفاً . اِحتراماً . .
الصراع بين الذات الوطنية والقوة الأجنبية
مَـنْ هو الذي يحدد الهدف الإستراتيجي في الصراع :
القوة العالمية الأقوى والأغنى أم الدولة المُعتدى عليها ؟ !
السيرورة نحو النظام الشرق أوسطي الذي
يحدد مضمونه في المنطقة : كيان الاِغتصاب الصهيوني
الرؤية السياسية رقم ـ 2 ـ
رسالة إلى مَـنْ نشر الكتاب
على سبيل المدخل لهذا الكتاب
يضم هذا الكتيب عدة مقالات حول الموقف السياسي الراهن للمناضلين العراقيين من كل الاِتجاهات الوطنية الذين ينبغي أنْ يكون مرشداً لهم {كما آمل}في الرأي الفكري والرؤية السياسية . . .
ـ كل الوطنيين العراقيين المؤمنين بالوطن العراقي ويريدون له التطور المتكامل لصالح ذاته المجتمعية وذاته السياسية والمدافعين عن حاضره وتاريخه الوطني. . .
ـ كل القوميين العرب المؤمنين بأمتهم العربية فعلاً ، الناشدين الاتحاد والتوحد على أرضية الإخلاص للتقدم المطرد المنشود . . .
ـ كل المتدينين المنصفين من كل الأديان السماوية . . . المؤمنين بالرؤية الحضارية العربية الإسلامية حقاً ، المنافحين عن العدالة الدائمة ، والداعين إلى المُثل القويمة المطلقة المبتعدين عن نشر الشرور في العالم بمدفعية القوة العسكرية والسياسية . . .
كونهم ينطلقون في الرصد والتحليل من رؤية القوة الحاسمة عالمياً لصياغة الوضع الدولي برمته على صعيد التطور التاريخي في المرحلة التاريخية العالمية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية ، والكتاب يبحث في اِنعكاسات الرؤية الأمريكية على الوضع العراقي على وجه التحديد .
في الكتيب تتكرر جملة : إنَّ الرؤية السياسية الأمريكية تشمل العالم كله ـ والفضاء أيضاً بالتأكيد ـ وهو ما يحتاجه المرء للتحديد السريع لماهية هذه الرؤية السياسية بغية إعطاء وجهة نظر محددة بصدد التطورات العالمية ، وهو ما نسعى إلى إنجازه تفصيلياً في وقت لاحق ، ولكن لا بد من القول بهذه المناسـبة وبالاِسـتناد إلى بحوث ندوة : العرب والعولمة . [1] . وتكثيفات السيد أسامة أمين الخولي على الصفحات من 7 ـ 13 على الوجه التالي . {وهنا نضطر إلى تلخيص هذه الظاهرة بشكلٍ سريع} وتلوينها ببعض الآراء بغية التدبر بمحتوياتها والتوصل إلى اِسـتنتاجات توافق رأي الوطنيين العراقيين أو هواهم . المهم عندنا هو فهم الظاهرة الفكرية والسياسية العالمية دون اِستخفاف أو تسرع ؛ وبالتالي تحديد موقف مسؤول ينطلق من ضمير سياسي وطني عراقي مخلص :
1 ـظاهرة العولمة هذه والتي نتلمس فعلها اليوم مثلما نشهد تجلياتها لم تكن مقطوعة الجذور . إننا إزاء عملية تاريخية اِستغرقت خمسة قرون . منذ بزوغ القوة البحرية الأوروبية في البرتغال وصلاً إلى فترة سقوط جدار برلين قبيل عام 1990 .
2 ـ إنّ الهدف ليس نقد الظاهرة . بل فهمها وتحليلها وبلورة ردود الفعل المثلى إزاءها . كونها تجمع التهديدات بنشر الحروب وشنِّ العدوان ، من ناحية ، والفرص العظيمة في التطور ، مما يفرض اِختيار طرق درء أخطارها ، أو الاِستفادة من مزاياها المتوفرة والممكنة أمام الشعوب والدول .
3 ـ إن ركيزة هذه الظاهرة هو الاِقتصاد . وأدواتها الفاعلة هي الشركات المتعدية القوميات . وهي كظاهرة تاريخية ليست أيديولوجيا جديدة . أو مذهباً سياسياً مبتكراً . أو معتقداً فكرياً حديثاً . ولكن لا بد من تتبع مظاهرها السياسية والعسكرية والثقافية والإعلامية .
4 ـ العولمة في الشمال والهيمنة في الجنوب ليستا ظاهرتين منفصلتين . إنهما عملية واحدة طبيعية ومتوائمة . والتناسق بين أجزاء المنظومة الدولية هو الأصل . فتح أسواق العالم لمنتجات الدولة الأمريكية المتعولمة وغيرها هو الأساس . وفي هذا السياق ينبغي علينا القول إنَّ اِحتلال العراق والهيمنة الأمريكية هي ظاهرة واحدة ، والمقارنة يجب أنْ تكون بين الدولتين : الأمريكية والعراقية ، وأية مقارنة أخرى تعد مخاتلة سياسية لا تليق بالمناضلين العراقيين ، أما رأي المرتزقة وأتباع رأي مَـنْ يدفع أكثر من راصفي الكلمات والمقالات ، فلا يهمنا رأيهم طالما لا تنبع أفكارهم من ذاتهم الوطنية العراقية والقومية العربية والحضارية الدينية الإسلامية على وجه التحديد بما فيها المسيحية .
5 ـ إنَّ الفاعل الأساس في العولمة هو أمريكا : كونها الأغنى والأقوى عالمياً التي تحاول إعادة إِنتاج نظام سلطوي وهيمنة جديد تحت شعارات مخاتلة وديموغاجية . قوام سيطرتها ونهجها القائم على : الاِستعلاء السياسي والعسكري بكل الأسلحة المتطورة .
6 ـ وإن التطورات التقانية العلمية التي تشمل الإلكترونيات الحديثة وتطبيقاتها المتلاحقة بسرعة مذهلة كل مجالات الحياة الأساسية ، خاصة في مجال الاِتصالات وفي مجال الإعلام والدعاية هي الخاصِّية الأساسية لنظام العولمة . كما إنَّ تطور ما بيد القوة المطلقة من وسائل تدمير شاملة للقوة البشرية التي ترفض الخضوع والاِِملاءات السياسية يتيح المجال للسـيطرة الغاشمة على كل البشر .
7 ـ في هذه العولمة أصبحت الثقافة وهي منتج اِجتماعي سلعة مثل أية سـلعة مادية تتدوال في سوق مفتوحة يسودها الأقوى تقانياً ، ثقافة الصورة هي الأساس في السيطرة والتسيد التي تتحكم بها وسائل الدعاية الهائل وتدفق المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة ، ولعل فرية أسلحة الدمار الشامل في العراق إحداها فهي أصبحت حقيقة عند أتباع الرؤية الأمريكية وما ترتب عليها من تسويغ ظالم ومخاتل لشَّـن الحرب العدوانية على العراق . الثقافات الوطنية تنهار في ظل عدم الممانعة الذاتية والمقاومة الواضحة ، وهي تنهار أمام الغزو السياسي الأمريكي : أو العسكري والدبلوماسي خدمة لذاك الهدف السياسي الخارج . وإخفاق الداخل في اِرتياد مصالحة وطنية حقيقية تستكمل وتغني وتثري وتستطيع تعبئة الجميع ضد الغزاة المُحتملين هي من النواقص والأمراض يجب علاجها وتجاوزها في أي مشروع سياسي وطني . الاِنفصام بين الواقع الثقافي والواقع الاِجتماعي يأخذ في التوسع والعمق ومهمة نظام الدولة معالجة أسـباب هذا الاِنفصام . واللجوء للشـعب وقواه السياسية الوطنية هو الخيار المتاح وطنياً والمفضل سياسياً .
8 ـ إنَّ الثقافة الوطنية والقومية والحضارية تتعرض اليوم للهجوم الأمريكي الكاسح ، الأمر الذي ينبغي معها تنمية العناصر الذاتية وتسليحها بالإِيجابيات الكامنة في المجتمع ؛ والممكن اِستثمارها وتحفيزها وتوظيفها في معركة المواجهة مع هذا الهجوم الذي يرفض الاِعتراف بالضعيف الخانع .
10 ـ الدولة التي يرِد معناها ـ كمفهوم ـ في العديد من مواقع الكتاب هي الأرقى في ميدان التطورات الفكرية السياسية الحديثة على مستوى العالم ، وهي نتاج النهضة التاريخية العالمية لضمان التكامل في بلدٍ ما : تكامل الثروات التي تحتويها الأرض من معدنية أو إنتاجية زراعية ، ويختزنه المجتمع على المستويات كلها ، وحماية هذا التكامل من غزو الأجنبي من خلال تأسيس الجيش الوطني . الدولة الطبيعية التي تتأسس على وجود تاريخي للمجتمع . الغزو والفتح وإبادة الجنس الآخر والتكم الأجنبي في تكون الدويلات هي من بنات أفكار الماضي . والتوافقات العالمية عبر القوانين الدولية قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها هي الناظمة للعلاقات بين أبناء البشر المًنتظمين في دول سياسية ذات سيادة .
إنَّ ما نشاهده من تطورات على صعيد تطور مفهوم الدولة وواقعها الفعلي هو في حقيقته السياسية : تحولات في وظيفتها وطرق أداء هذه الوظيفة لخدمة هيئات جديدة لتحقيق أغراض جديدة . إطلاق الفوضى في العالم باِعتبارها الوسـيلة التي تديم إمبراطورية العالمية المتغولة ، وفقاً لأحد الكتّاب : [د . سمير أمين] الذي ألّف كتاباً سماه ((إمبراطورية الفوضى)) هو التوصيف المناسب للظاهرة السياسية التي تلخصها وتكثفها ((العولمة)) في المرحلة التاريخية الراهنة من حيث اِنعكاساتها على أغلبية بلدان الجنوب . فكل الحروب والنزاعات العالمية ـ وكذلك المندلعة في مختلف البلدان ـ تقف خلفها أو تتسبب في اِندلاعها الولايات المتحدة أو إحدى شركاتها العملاقة أو الشركات المختلطة مع إحدى دول الشمال .
عودٌ على البدء نقول : ولكن الشره الأمريكي لطعم دولارات البترول دفع الأمريكيين لاِِرتكاب حماقات وجرائم من بينها غزو العراق عسكرياً واِحتلاله ، وإلغاء الدولة العراقية وحل الجيش وجعل الأمور الجوهرية كلها بيد مندوبها الأمريكي : بول بريمر . وترك الهوامش العرضية بيد الوجوه ((العراقية)) لتنفيذ مآربها الذاتية الضيقة . هذا ما يعالجه الكتيب التالي الذي نتقدم إلى ناشريه ومطالعيه بالشكر الجزيل ، راجين الاِستفادة منه . . . رجاءً مساوٍ لما نأمله ونتمناه.
[1] ـ راجع بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية الذي حرص كما يقول مديرها السيد الدكتور خير الدين حسيب على توفير أجواء : ((الحرية الكاملة للمشاركين في التعبير عن آرائهم ، وأنْ يشـعروا أنهم يستطيعون بكل حرية أنْ يفكروا في هذه الندوة بصوت عالٍ دون خشية من سوء فهم أو أحكام مسبقة ، وإنْ يتم في هذه الندوة حوار عميق وهاديء ومسؤول يحترم وجهات النظر الأخرى ولا يصادرها)) وقد أصدره المركز على شكل مجلد تربو صفحاته على الخمسمائة تناولت ظاهرة العولمة من أغلبية الوجوه . والمجلد المعني هو : العرب والعولمة ، الطبعة الثانية ، بيروت / لبنان ، كانون الثاني / ديسمبر 1998 .
باقِـر الصرّاف
القسم الأول : الجزء الثاني
دفاتر الأزمة السياسية العراقية
والاِحتلال العسكري الأمريكي
العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية :
دفاتر الأزمة السياسية العراقية
والاِحتلال العسكري الأمريكي
القسم الثاني
# ـ باقر الصرّاف : العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
# ـ الطبعة الأولى ـ أوروبا ـ 20 / 8 / 2003
# ـ الطبعة الثانية ـ أوروبا ـ 20 / 1 / 2004
Bakir Al _ Sarrafـ#
Americanglobaliznation_ #
against
The state of Iraq
The notebooks of Iraqi political crisisـ #
And
American MilitaryOccupationـ #
# _ The secondPart #_ I st 1 edition /Europe20 . 8 . 2003
نقاش حول المفاهيم المستخدمة
في تقييم معنى العدوان على العراق
جواب على سؤال لموقع ((كتابات))
ملاحظة أولى :
المقالات الواردة أدناه في القسم الثاني من الجزء الأول لكتاب : العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية و المنشورة على موقع ((كتابات)) قد جاءت في إطار اِستفتاء ((محور كتابات الجديد)) والذي ورد مضمونه التالي :
((الأستاذ الفاضل / باقر الصراف المحترم
دعاؤنا لكم بالخير . . . وأمنياتنا لشخصكم بالتوفيق والنجاح . .
بعد عودة العراق إلى أهله في 9/نيسان 2003 تكشفت للعالم هول المأساة والمعاناة ، التي رزح تحتها (العراقيـون) على اِمتـداد أربعة عقود كاملـة ، اِكتوى بنارها العراق كله من أقصاه إلى أقصاه ! ! ! ، وسط صمت عالمي وعربي مريب ، ساهم في اِستمرار تلك المعاناة ، والمأساة ! . حتى اِتضـح بجلاء وتكشـفت للعالم بأسـره فضيحة القرن : (المقابر الجماعية ! ! ! ) التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء العراق ! ! . وأمام هول هذه الحقيقة المرة ، والجريمة المفزعة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء ! ، وقف النظام العربي الرسمي والشعبي ، صامتاً هذه المرة أيضاً ، سوى محاولات خجولة هنا وهناك ، لم ترتقِ إلى مستوى ضخامة الحدث والمأساة ! . ليس فهذا فحسب ، وإنما حدا ببعضهم ، عرباً رسميون ، كان أم شعبيون إلى تشكيك في صدقية هذه المقابر ، ونسبها إلى النظام المقبور ! ! ! ؟ ؟ ؟ .
المحـور (العراق في عهده ، مسـتقبله ، رفاهيته ، في ظل نظام عربي رسـمي ، عنوانه ـ الجامعة العربية ـ . . أم في ظل نظام إقليمي ـ خليجي ، يسهم ويعجِّل في اِستقرار العراق ، ويحقق الرفاهية لأبنائه ، اِعتماداً على طاقاته البشرية ، وثرواته الطبيعية ؟ ؟ )) .
يسرنا كثيراً اِستقبال مشاركتكم ، التي ستقدم رؤية عراقية ، تسهم في تشكيل مستقبل العراق ، وتحقيق الحرية والرفاهية لأبنائه ، في موعد أقصاه لغاية الأحد الموافق 13 تموز 2003 ، وتنشَر المواد في اليوم الذي يليه : الاِثنين المصادف 14 تموز 2003 السـاعة الثالثة بعد الظهر حسب توقيت غرينش .
نشكر اِستجابتكم سلفاً . اِحتراماً . .
الصراع بين الذات الوطنية والقوة الأجنبية
مَـنْ هو الذي يحدد الهدف الإستراتيجي في الصراع :
القوة العالمية الأقوى والأغنى أم الدولة المُعتدى عليها ؟ !
السيرورة نحو النظام الشرق أوسطي الذي
يحدد مضمونه في المنطقة : كيان الاِغتصاب الصهيوني
الرؤية السياسية رقم ـ 2 ـ
رسالة إلى مَـنْ نشر الكتاب
على سبيل المدخل لهذا الكتاب
يضم هذا الكتيب عدة مقالات حول الموقف السياسي الراهن للمناضلين العراقيين من كل الاِتجاهات الوطنية الذين ينبغي أنْ يكون مرشداً لهم {كما آمل}في الرأي الفكري والرؤية السياسية . . .
ـ كل الوطنيين العراقيين المؤمنين بالوطن العراقي ويريدون له التطور المتكامل لصالح ذاته المجتمعية وذاته السياسية والمدافعين عن حاضره وتاريخه الوطني. . .
ـ كل القوميين العرب المؤمنين بأمتهم العربية فعلاً ، الناشدين الاتحاد والتوحد على أرضية الإخلاص للتقدم المطرد المنشود . . .
ـ كل المتدينين المنصفين من كل الأديان السماوية . . . المؤمنين بالرؤية الحضارية العربية الإسلامية حقاً ، المنافحين عن العدالة الدائمة ، والداعين إلى المُثل القويمة المطلقة المبتعدين عن نشر الشرور في العالم بمدفعية القوة العسكرية والسياسية . . .
كونهم ينطلقون في الرصد والتحليل من رؤية القوة الحاسمة عالمياً لصياغة الوضع الدولي برمته على صعيد التطور التاريخي في المرحلة التاريخية العالمية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية ، والكتاب يبحث في اِنعكاسات الرؤية الأمريكية على الوضع العراقي على وجه التحديد .
في الكتيب تتكرر جملة : إنَّ الرؤية السياسية الأمريكية تشمل العالم كله ـ والفضاء أيضاً بالتأكيد ـ وهو ما يحتاجه المرء للتحديد السريع لماهية هذه الرؤية السياسية بغية إعطاء وجهة نظر محددة بصدد التطورات العالمية ، وهو ما نسعى إلى إنجازه تفصيلياً في وقت لاحق ، ولكن لا بد من القول بهذه المناسـبة وبالاِسـتناد إلى بحوث ندوة : العرب والعولمة . [1] . وتكثيفات السيد أسامة أمين الخولي على الصفحات من 7 ـ 13 على الوجه التالي . {وهنا نضطر إلى تلخيص هذه الظاهرة بشكلٍ سريع} وتلوينها ببعض الآراء بغية التدبر بمحتوياتها والتوصل إلى اِسـتنتاجات توافق رأي الوطنيين العراقيين أو هواهم . المهم عندنا هو فهم الظاهرة الفكرية والسياسية العالمية دون اِستخفاف أو تسرع ؛ وبالتالي تحديد موقف مسؤول ينطلق من ضمير سياسي وطني عراقي مخلص :
1 ـظاهرة العولمة هذه والتي نتلمس فعلها اليوم مثلما نشهد تجلياتها لم تكن مقطوعة الجذور . إننا إزاء عملية تاريخية اِستغرقت خمسة قرون . منذ بزوغ القوة البحرية الأوروبية في البرتغال وصلاً إلى فترة سقوط جدار برلين قبيل عام 1990 .
2 ـ إنّ الهدف ليس نقد الظاهرة . بل فهمها وتحليلها وبلورة ردود الفعل المثلى إزاءها . كونها تجمع التهديدات بنشر الحروب وشنِّ العدوان ، من ناحية ، والفرص العظيمة في التطور ، مما يفرض اِختيار طرق درء أخطارها ، أو الاِستفادة من مزاياها المتوفرة والممكنة أمام الشعوب والدول .
3 ـ إن ركيزة هذه الظاهرة هو الاِقتصاد . وأدواتها الفاعلة هي الشركات المتعدية القوميات . وهي كظاهرة تاريخية ليست أيديولوجيا جديدة . أو مذهباً سياسياً مبتكراً . أو معتقداً فكرياً حديثاً . ولكن لا بد من تتبع مظاهرها السياسية والعسكرية والثقافية والإعلامية .
4 ـ العولمة في الشمال والهيمنة في الجنوب ليستا ظاهرتين منفصلتين . إنهما عملية واحدة طبيعية ومتوائمة . والتناسق بين أجزاء المنظومة الدولية هو الأصل . فتح أسواق العالم لمنتجات الدولة الأمريكية المتعولمة وغيرها هو الأساس . وفي هذا السياق ينبغي علينا القول إنَّ اِحتلال العراق والهيمنة الأمريكية هي ظاهرة واحدة ، والمقارنة يجب أنْ تكون بين الدولتين : الأمريكية والعراقية ، وأية مقارنة أخرى تعد مخاتلة سياسية لا تليق بالمناضلين العراقيين ، أما رأي المرتزقة وأتباع رأي مَـنْ يدفع أكثر من راصفي الكلمات والمقالات ، فلا يهمنا رأيهم طالما لا تنبع أفكارهم من ذاتهم الوطنية العراقية والقومية العربية والحضارية الدينية الإسلامية على وجه التحديد بما فيها المسيحية .
5 ـ إنَّ الفاعل الأساس في العولمة هو أمريكا : كونها الأغنى والأقوى عالمياً التي تحاول إعادة إِنتاج نظام سلطوي وهيمنة جديد تحت شعارات مخاتلة وديموغاجية . قوام سيطرتها ونهجها القائم على : الاِستعلاء السياسي والعسكري بكل الأسلحة المتطورة .
6 ـ وإن التطورات التقانية العلمية التي تشمل الإلكترونيات الحديثة وتطبيقاتها المتلاحقة بسرعة مذهلة كل مجالات الحياة الأساسية ، خاصة في مجال الاِتصالات وفي مجال الإعلام والدعاية هي الخاصِّية الأساسية لنظام العولمة . كما إنَّ تطور ما بيد القوة المطلقة من وسائل تدمير شاملة للقوة البشرية التي ترفض الخضوع والاِِملاءات السياسية يتيح المجال للسـيطرة الغاشمة على كل البشر .
7 ـ في هذه العولمة أصبحت الثقافة وهي منتج اِجتماعي سلعة مثل أية سـلعة مادية تتدوال في سوق مفتوحة يسودها الأقوى تقانياً ، ثقافة الصورة هي الأساس في السيطرة والتسيد التي تتحكم بها وسائل الدعاية الهائل وتدفق المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة ، ولعل فرية أسلحة الدمار الشامل في العراق إحداها فهي أصبحت حقيقة عند أتباع الرؤية الأمريكية وما ترتب عليها من تسويغ ظالم ومخاتل لشَّـن الحرب العدوانية على العراق . الثقافات الوطنية تنهار في ظل عدم الممانعة الذاتية والمقاومة الواضحة ، وهي تنهار أمام الغزو السياسي الأمريكي : أو العسكري والدبلوماسي خدمة لذاك الهدف السياسي الخارج . وإخفاق الداخل في اِرتياد مصالحة وطنية حقيقية تستكمل وتغني وتثري وتستطيع تعبئة الجميع ضد الغزاة المُحتملين هي من النواقص والأمراض يجب علاجها وتجاوزها في أي مشروع سياسي وطني . الاِنفصام بين الواقع الثقافي والواقع الاِجتماعي يأخذ في التوسع والعمق ومهمة نظام الدولة معالجة أسـباب هذا الاِنفصام . واللجوء للشـعب وقواه السياسية الوطنية هو الخيار المتاح وطنياً والمفضل سياسياً .
8 ـ إنَّ الثقافة الوطنية والقومية والحضارية تتعرض اليوم للهجوم الأمريكي الكاسح ، الأمر الذي ينبغي معها تنمية العناصر الذاتية وتسليحها بالإِيجابيات الكامنة في المجتمع ؛ والممكن اِستثمارها وتحفيزها وتوظيفها في معركة المواجهة مع هذا الهجوم الذي يرفض الاِعتراف بالضعيف الخانع .
10 ـ الدولة التي يرِد معناها ـ كمفهوم ـ في العديد من مواقع الكتاب هي الأرقى في ميدان التطورات الفكرية السياسية الحديثة على مستوى العالم ، وهي نتاج النهضة التاريخية العالمية لضمان التكامل في بلدٍ ما : تكامل الثروات التي تحتويها الأرض من معدنية أو إنتاجية زراعية ، ويختزنه المجتمع على المستويات كلها ، وحماية هذا التكامل من غزو الأجنبي من خلال تأسيس الجيش الوطني . الدولة الطبيعية التي تتأسس على وجود تاريخي للمجتمع . الغزو والفتح وإبادة الجنس الآخر والتكم الأجنبي في تكون الدويلات هي من بنات أفكار الماضي . والتوافقات العالمية عبر القوانين الدولية قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها هي الناظمة للعلاقات بين أبناء البشر المًنتظمين في دول سياسية ذات سيادة .
إنَّ ما نشاهده من تطورات على صعيد تطور مفهوم الدولة وواقعها الفعلي هو في حقيقته السياسية : تحولات في وظيفتها وطرق أداء هذه الوظيفة لخدمة هيئات جديدة لتحقيق أغراض جديدة . إطلاق الفوضى في العالم باِعتبارها الوسـيلة التي تديم إمبراطورية العالمية المتغولة ، وفقاً لأحد الكتّاب : [د . سمير أمين] الذي ألّف كتاباً سماه ((إمبراطورية الفوضى)) هو التوصيف المناسب للظاهرة السياسية التي تلخصها وتكثفها ((العولمة)) في المرحلة التاريخية الراهنة من حيث اِنعكاساتها على أغلبية بلدان الجنوب . فكل الحروب والنزاعات العالمية ـ وكذلك المندلعة في مختلف البلدان ـ تقف خلفها أو تتسبب في اِندلاعها الولايات المتحدة أو إحدى شركاتها العملاقة أو الشركات المختلطة مع إحدى دول الشمال .
عودٌ على البدء نقول : ولكن الشره الأمريكي لطعم دولارات البترول دفع الأمريكيين لاِِرتكاب حماقات وجرائم من بينها غزو العراق عسكرياً واِحتلاله ، وإلغاء الدولة العراقية وحل الجيش وجعل الأمور الجوهرية كلها بيد مندوبها الأمريكي : بول بريمر . وترك الهوامش العرضية بيد الوجوه ((العراقية)) لتنفيذ مآربها الذاتية الضيقة . هذا ما يعالجه الكتيب التالي الذي نتقدم إلى ناشريه ومطالعيه بالشكر الجزيل ، راجين الاِستفادة منه . . . رجاءً مساوٍ لما نأمله ونتمناه.
[1] ـ راجع بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية الذي حرص كما يقول مديرها السيد الدكتور خير الدين حسيب على توفير أجواء : ((الحرية الكاملة للمشاركين في التعبير عن آرائهم ، وأنْ يشـعروا أنهم يستطيعون بكل حرية أنْ يفكروا في هذه الندوة بصوت عالٍ دون خشية من سوء فهم أو أحكام مسبقة ، وإنْ يتم في هذه الندوة حوار عميق وهاديء ومسؤول يحترم وجهات النظر الأخرى ولا يصادرها)) وقد أصدره المركز على شكل مجلد تربو صفحاته على الخمسمائة تناولت ظاهرة العولمة من أغلبية الوجوه . والمجلد المعني هو : العرب والعولمة ، الطبعة الثانية ، بيروت / لبنان ، كانون الثاني / ديسمبر 1998 .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
المقدَّمَــةُ
في الكتابة السياسية وشروطها
{1}
الكتابة السياسية التحليلية والتاريخية حول العراق في الزمان المحدد ليست ترفاً فكرياً أو هواية عابرة ، إنها الكتابة التي تتسم بروح المسؤولية والحرص على مصداقيتها : أي التحليل السياسي الملموس للموقف السياسي الملموس . وأنْ التكتيك السياسي ليس التكتكة على الصاعد والماشي وخِفة الفهلوة والشطارة المتذاكية ، فدون وعي الظرف العالمي وملابساته الذي يتسيد فيه القطب الأمريكي دون منازع . ووعي الظرف التاريخي للعالم الراهن . لا يمكن تناول التطورات بروح جدِّية وهادفة .فالتكتيك غير التكتكة : إنه إِستراتيجية لمرحلة محددة ترتبط بالإستراتيجية العامة . والسـؤال الذي ينبغي طرحه ـ باديء ذي بدء ـ عند تناول أية مسألة ترتبط بالعراق ، يتعلق بالرؤية المستقبلية للوطن والمجتمع :
أي : ماذا نريد من الممارسات السياسية التي نقوم بها أو التي نقدم عليها ؟ . ما هي الأبعاد الفكرية التي توُصلنا إلى شاطيء الإرادة بأمان ؟ .
لذلك جاءت البرامج السياسية قائمة على المعلومة والرقم وفهم تطورات الواقع المحلي والعربي والإقليمي والعالمي : مختصراً فيما إذا كان صـاحب البرنامج في المعارضة ، وتفصيلياً في حالة إنَّ كان صاحبه في الحكم . لأنه ينشد التغيير السـياسـي ونقل المجتمع أو الشـعبـ الذي يتحكم به ـ من حالة أدنى إلى حالة أرقى وفق معتقداته السياسية.
في العمل السياسي والفكر السياسي هناك بديهية معروفة ، توجب أنْ يكون صاحب النص معروفاً للمتابعين بصفات ونعوت معينة ، أي أنْ لا يختفي ـ أو يتخفى ـ حول أسماء مبهمة في حالة ما إذا كان الظرف طبيعياً . أو يحمل اِسماً مبهما في نشرة سياسية معلومة الاِتجاه والمنهج والرؤية . فعدم الإعلان عن الشخص أو الاِسم يبيح لمن يريد الاِرتزاق من الكتابة السياسية تسـويد الأوراق لصالح مَـنْ يدفع أكثر . ومعلوم إنَّ مَنْ يدفع يسيِّر ويوجه ويرشد. فلسنا في موقع رصف النص الأدبي وتسطيره والذي تبين مضامينهُ مستوياتِه المنهجية أو الفكرية وعمقه المعرفي وغناه النقدي . إننا أمام نص سياسي يُكتب في سبيل قضية سياسية محددة ؛ والعمق الفكري والسياسي للمنظرِّين الأمريكيين : ككيسنجر وبريجينسكسي وغيرهما لا شك فيه ، ولكنهم مخلصون للرؤية الإمبريالية العالمية ، لذلك فهم مختلفون في الغاية والهدف والسبيل عن المنتمين إلى العالم الجنوبي المخلصين ، وكذلك عن القوميين العرب النزيهين المناضلين والملتزمين بمفاهيم الروح الحضارية العربية الإسلامية ، وهم بالتأكيد يختلفون عن ذوي الرؤية الوطنية العراقية المنافحين عن تاريخ العراق ومستقبل شعب العراق ، العاملين المجاهدين في سبيل الوطن بعيداً عن الرؤيـة الأجنبية التي تحددهـا المصالح العالمية أو الإقليمية المنفوطة ، المكافحين في سـبيل ذاتهـم الوطنية .
الكلمة المؤدبة والفكرة الناضجة الصادقة هي ما يتسق مع المفاهيم الحضارية الحقّة لأمتنا العربية ذات العمق الحضاري الديني ـ الإسلامي بالمعني الفكري الحضاري وليس النص الديني الإشتراعي ـ . . . الكلمة السياسية التحليلية المقرونة بالمعلومة العلمية ،تلك هي ما ينبغي السيادة لها في النص السياسي . ألسنا نريد إقناع الآخرين بوجهة نظرنا السـياسية والفكرية ، فكيف يمكن مخاطبتهم بألفاظ مقزِزة ؟ . ألا يدل ذلك على ضعف الحجة وركاكة المنطق وضحالة الفكر ؟ . وسيادة منطق غريزة الشجار بدلاً من التفيء بروحية الحوار وفهم أفكـار الآخر حتى لـو ـ ولا أقول إذا ـ كان ينطق بنصف الحقيقة ؟ . ألا يؤدي ذلك ، شئنا أم أبينا ، إلى جعلنا مهانين مذلين بدلاً من الاِعتزاز باِسمنا الحقيقي , وأيُّ معتز بذاته وهو يتجه صوب التسطيح واِجترار الحجج التي أكل الدهر عليها وشرب ، وبانَ خطلها ، جراء الواقع اليومي الراهن الملموس ؟.
ذلك هو الذي ينبغي التفكير العميق به ، أما الشرط الآخر للكتابة السياسية التي تبحث عن الحقيقة الصافية التي تبين مدى الإخلاص للوطن والشعب والفكر الوطني العراقي ، ورحم الله الشافعي الذي قال قبل عشرة قرون ونيف :
إنَّ رأيي صحيح يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصحيح .
{2}
تطرح قضية العدوان على العراق مهامَ عديدة ، وجديدة أيضاً ، على أبنائه الوطنيين المخلصين ، كون العراق دخل في مرحلة تاريخية جديدة ، مرحلة العدوان والغزو والسطو ، أي خضوع العراق للاِحتلال العسكري ، ويفترض بأبنائه التصدي لمهمات سياسية تختلف عما سبقها من مهمات تتعلق بالبناء الداخلي ، ومعالجة الإختلالات في بنيته العراقية على كل الصُعُد ، وحل أزمات سياسية يشهدها الوضع الداخلي في كيفية إدارة وضع الحكم السياسي ، والتي كانت تتحمل ـ أي مسألة الحل ـ السلطة السياسية السابقة القسط الأكبر من أوِزارها القائمة آنذاك ، بغية حل الأزمة على أرضية عراقية ، وبأيدي عراقية ، ورؤية وطنية عراقية .
لقد أعطت تلك الأزمة السياسية الداخلية ((ذرائع متبايـنة)) للبعض السياسي والديني العراقي كي يوغِـل في خيانة الاِعتماد على الأجنبـي المضـاد للوطـن العراقي ، المضاد لأبناء الوطن العربي والمناويء للرؤية الحضارية الإسـلامية الحقّة ، إذا ما أخذنا الرؤية التاريخية معياراً للتقويم ومقياساً للحكم ، وهو ما تناولناه بشكل تفصيلي في كتابنا الذي تابعنا فيه بالرصد والشرح والتحليل والنقد ، مفهوم الوعي الغربي حول منطقتنا العربية الإسلامية . [1] .
كانت رؤيتنا السياسية تعتمد الأخذ بخيار الاِعتماد على الذات للوصول إلى حل وطني للأزمة السياسية عبر الحوار الفكري والسياسي بين أطراف العمل السياسي الوطني ، بدلاً من الاِعتماد على العنصر الأجنبي ، الذي فضلَ البعضُ وسيلتها السهلة خلال فتراتها المتواترة . . .فضلَ الأموال الأجنبية : السحت الحرام لمواصلة ((الكفاح)) من خلال السراديب السرية ودهاليز المخابـرات الأجنبية وفنادق الخمس نجوم والدعاية التلسكوبية ـ بعد اِلتقاطها مجهرياً ـللوصول إلى غايته السـياسـية .
في أيـة حـال ، إنَّ تلك الرؤيتين كانتـا مـن بنات الظـرف الماضي ، وسيبين التاريخ السياسي دوافع كل حزب أو منظمة أو تجمع أو جبهة أو شخص . وما ناله كل طرف الذي كان يحمل وجهة نظر فكرية و سياسية محددة من أموال الدعم . وإنْ كان التوجه السياسي لكلا وجهتي الطرفين مكشوفة لمن يريد المتابعة الصادقةوالرصد الأمين . كان خيار المصالحة الوطنية العراقية خلال المرحلة السابقة ـ وهي عماد رؤيتنا السـياسـية آنذاكـ يتمحور على النصوص التالية ، في صيغة برنامجية واضحة تعبِّر عن مرحلة من مراحـل التطور السياسي العراقي :
1 إعلان ميثاق توافق وطني يحقق مصالحة وطنية شاملة .
2 إلغاء كافة القوانين والقرارات والأحكام الصادرة ضد أطراف وقوى وأفراد العمل الوطني . . . وإلغاء كل ما ترتب عليها .
3 تحقيق سـيادة القانون . وإشاعة الحريات الديموقراطية في حياة الفرد والمجتمع . وضمان حقوق الأفراد في إبداء الرأي والاِجتهاد . وضمان أمنهم وسلامتهم .
4 إنجاز مشروع سياسي يعتمد التعددية السياسية والتعددية الفكرية والثقافية .
5 تأمين الاِستقلال التام للقضاء ومؤسسات التعليم العالي .
6 تأمين حرية الصحافة وتأسيس النقابات والجمعيات والاِتحادات المهنية والثقافية .
7 إجراء اِنتخابات تشريعية عامَّة وحرة . واِنتخابات رئاسية .
8 وضع دستور دائم للبلاد تتم مناقشـته وإقراره من قبل نواب الشعب ، قبل عرضه للاِستفتاء الشعبي العام .
9 وضع سياسـات واِِتخاذ إجراءات عملية لبناء الثقة بين شرائح المجتمع وقواه السياسية . وردم كل الحفر والأخاديد ، التي صنعتها أخطاء وسلبيات الماضي . [2] .
وفي تحديد نظري لمفهوم ((التحالف الوطني العراقي)) أكدنا على المهمة التالية ،إنَّ : ((السبيل الممكن في طرح القضية الديموقراطية السياسـية بالواقع العراقي يقتضي وعي ما تقدم وعياً فكرياً وسياسياً : عميقاً وديناميكياً وفق الظرف المناسب والمكان المحدد . والإيمان الأقصى بهذا الوعي . والعمل من أجل ترجمة محتوياته الفكرية والسياسية . والوصول لكل ذلك{يسـتلزم التغيير العميق لذهنية الإنسان العربي حتى يصبح قابلاً لممارسة الديموقراطية ، فيتحول ولاؤه للفكرة والبرنامج والحزب [. . . ] بحيث تتقبل ذهنية العربي الاِنتقال السـلمي للسـلطة ، وسـريانها في المجتمع كعملية طبيعية تتم عبر التعدد الحزبي الطبيعي})) . [3] .
ومن المعلوم إننا أجزمنا مجدداً ـ كان تأكيدنا الأول عام 1993 ـ خلال المؤتمر الثاني للتحالف الوطني العراقي الذي اِنعقد بلندن في تاريخ 30/9 ــ 1/10 من عام 2000 على التالي :
((إنَّ هذه الأهداف غالية وعزيزة ونناضل من أجل إنجازها بكل عزم وقوة ، ولكن من المؤكد والراسخ عبر تاريخنا إنَّ هذه الأهداف والتطلعات الوطنية لا يمكن تحقيقها عبر الحراب الأجنبية والحصار الآثم . إنها عملية شاقة ومعقَّدة تتطلب توافر كل الجهود من جميع الأطراف الوطنية المعنية ، بما في ذلك السلطة التي تقع عليها المسؤولية الأولى . إنَّ التاريخ لم يحكم أبداً على أمة بالزوال أياً كان هول المحنَّة التي تمر بها طالما تقدر على اِستخلاص دروس هذه المحنة وتجميع ما بقي من قواها السليمة واِستنفارها للقضاء على أسبابها ، وبلادنا ستكون أقوى وأكثر عطاءً وأصلب وحدة عندما تزدهر فيها الحرية ويكون القانون هو الناظم للعلاقة بين الدولة والمجتمع)) . [4] .
فيما رأى الآخرون ، إِنَّ الحل الوحيـد يتم عبر الاِعتماد على العامـل الأمريكي ، فتلقوا أمواله وساروا خلفه ، يحدد لهم بوصلة تحركها وأفقها المرسوم على ضوء مصالحه الإسـتراتيجية ، وصولاً لاِحتلاله العسـكري الكلي للعراق . لقد سـاهمت قوى المؤتمر الوطني بقيادة أحمد جلبي ، ووفاق أياد علاوي ، ومنظمات طائفية عديدة وسياسية ، والحركة الكردية المسلحة ، التي لم تتوانَ عن قتل أشقائـ((ها)) من أنصار الإسلام الأكـراد في حلبجة وجوارها ، وقتلْ بعض قوى الحركة الكرديـة المَّسـلَّحة التي تمثل أكراد تركا من قوى {P K K}. . . ســاهمت مبـاشـــرة وبشــكل واعٍ ، أو موضــوعـيـاً . . . أي بصورة غير مباشرة ، في المســعى الأمريكي لتدمير العراق . لقد تبخرت ، مثلاً ، شـعارات حرية تقرير المصير الكردية ، والرؤية الفيدرالية ، وبات جمع السلاح ((الكردي)) وكل السلاح المعارض على رأس البرنامج الأمريكي المنتظر . مثلما توارى الحديث عن المعايير الإسلامية حول طابع الحكم التي تُحدِد المواقف السياسية .
مثلما بات النفط العراقي شأناً أمريكياً خاصاً . وأُنزلت التعويضات المالية المدفوعة لسلطة آل صباح إلى نسبة الخمسة بالمائة بعد أنْ كانت أرقامها تصل إلى 25%كما جرى إغفال الحديث عن ((الأسرى الكويتيين)) وفق نسَب ضجيج الدعاية السابقة . مثلما جرى تقديم مشروع رفع الحظر عن العراق بعد أنْ ألحق أضراراً بالبنية العراقية على كل الصعد : البشرية والاِجتماعية والاِقتصادية والتعليمية والخدمية وغيرها ، من جهة ، وتضمينه فقرة تؤكد على أبدية تنفيذ أمريكا المنفرد لمضمون القرار بما يتيح لها التحكم بثروات العراق ، كون إدارته ((قابلة للتمديد في حال الضرورة إلا إذا رأى مجلس الأمن عكس ذلك)) وفي حال توجَّه أحد ما لمجلس الأمن لتعديل بعض فقرات مضمون القرار الدولي ، فإِن الفيتو الأمريكي سـيكون جاهزاً للمنع إنْ لم يكن لصالحها ، من جهة أخرى.
ولم يقدم الأعداء أية كلمة موثقة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي كانت أحد أهم الذرائع المخاتلة للحرب الجائرة على العراق . . .مضمون المشروع المقَدَّم إلى مجلس الأمن ، هي إعطاء شـرعية التصرف : ((كارت بلانش)) بثروات العراق على ضوء المصلحة الأمريكية ، والتصرف الأمريكي ــ البريطاني المنفرد بشؤونه السياسية على مختلف الصُعُد . .
اليوم يخضـع العراق للاِحتلال العســكري الأمريكي ــ البريطاني ، وباتت السلطة الكلية بيد القوة الأجنبية المسيطرة على شؤون العراق كلها ، ينتج الأمريكيون في مجالات هذه الثروة الكمية التي يريدون منها ، ويعطلون العمل في ذلك الجانب الذي يهّم الشعب . يستجلبون ذلك ((الرمز السياسي أو الطائفي)) الذي يخدم توجههم ، ويفسحون الطريق لذلك المُعَمَّم أو الأفندي أو الذي اِرتدى العقال واليشـماغ لدخول العراق أو يعتمدون على معتمري الزي الكردي في حركتهم السياسية اليومية ، ومحاورته حول الشأن العراقي مباشرة أو عبر طرف ثالث ، دون معايير موضوعية إلا المنبثقة عن معايير خدمتهم الإستراتيجية . يطلقون يد الفوضى لتخريب المنجز التاريخي العراقي ، بغية تحويل الذاكرة العراقية إلى صفحة بيضاء يكتبون عليها ما يشاؤون وفق المنظور الصهيوني . ويقومون بصياغة البرامج التربوية والتدريسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي هي مجرد رأس جبل الجليد الغاطس في مياه الرؤية الفكرية والسـياسـية الأمريكية/الصهيونية المشتركة في الجوهر وحتى بالتفاصيل الإستراتيجية ، فيما أدخلوا أحد اليهود الصهاينة للمساهمة الفاعلة والنشيطة في لجنة صياغة الدستور ، لصيرورة العراق الديموقراطي مستقبلاً [!؟] . القوى السـياسـية العراقية تلك ((تتمتع بأعطيات)) المندوب الأمريكي العسـكري المتقاعد : جي غارنر أو بول بريمر المعنوية ، بحثاً عن حلٍ سياسيٍ لا يأتي أبداً لصالح شعبنا ووطننا ، عند مَـنْ خلق الأزمة وأدارها منذ البداية . إنها أزمـة سـياسـية عامة على كل الصُعُد ، ولن تقبل الحل السـياسـي أبداً من دون اِستقلال وطني وسيادة سياسية . ولن ترى حلاً سياسياً للأزمة العامة على أسس وطنية ما لم ترحل قوى الاِحتلال . ولن نرى أفقاً ديموقراطياً فعلياً إذا لم تنبثق حكومة شعبية وموحدة توافقية محددة البرامج السياسية يخدم توجهها الفكري والسياسي المجموع الوطني العراقي .
اليوم يحاول البعض ترديد المعزوفات الأمريكية ، ويكرر منظومة دعايته السـياسـية السـابقة ، في حين أنَّ هناك مسـتجدات على الأرض ، فكيف يمكن فهم ذلك ؟ .
الموقف السـياسـي المحدد يقتضي التوصيف السـياسـي للحالة المادية الشــاخصة ، إدراك كـل عناصرها الفاعلة أو التي تتأثر منه ، التحليل السياسي الملموس للموقف السياسي الملموس ، كما يفرضه الموقف السياسي والتحليل السياسي الرصين ، الهادف . وإذا كان الإعلام والدعاية الغربيتين تلعب دورهما في خدمة الرؤية الأمريكية ، لغايات سياسية ودعائية ، وكذلك مواقف مَـنْ يسير خلف رؤيتهما ــ نتبين ذلك من حجب إعلامي عن كل المعطيات الملموسة التي يشهدها العراق ، وتغييب المطالب الملموسة للمجتمع العراقي ــعبر التركيز على سقوط تماثيل صدام حسين ، واِكتشاف المقابر الجماعية التي هي جريمة سياسية وإِنسانية بشعة وفق كل المقاييس ، ومدانة أيضاً ، وعدم إطلاق القناة التلفزيونية العراقية لعملها ، منعاً للتساؤل الشعبي عن مجريات الوقائع اليومية .
إذا كان كل ذلك صحيح كل الصحة ، فإنَّ الأمرَ الأهم هو تبيان الحالة المعيشـية للمجتمع العـراقي الراهـنة . الوضـع الأمني المنفلت من عقاله في العراق . الجانب الاِقتصادي . الدراسة لأبنائه التي كانت سنتهم الدراسية قد شارفت على الاِنتهاء . اِنقطاع الكهرباء الدائم ، عدم تدفق المياه الصالحة للشرب للمواطنين ، إعطاء المقاولات للشركات الأمريكية , وتبيان وقائع السياسة النفطية ، جراء سياسة سلطة الاِحتلال وتخريبها . نعم معرفة وقائع الماضي مهمة للاِتعاظ بدروسه وليس للاِنتقام ، وكشف خباياه ضروري لخدمة المســتقبل عبر تجنب تكرار أخطائه وجرائمه . . .ولكن ـ كذلك ـ الأهم هو معرفة الراهـن ، والتدبُّر في ظروفه ، والتفكير في النتائج الراهنة . قراءة لوحة التطورات الراهنة قراءةً علمية اِجتماعية مخلصة للوطن العراقي . . . مخلصة للمجتمع العـراقي . . . مخـلصـة للدولـة العـراقـيـة الواحدة وفق المفاهيم العلمية للدولة . . . وليس لخدمة المحتل الأجنبي . الممارسة هي التي تبرهن وتدلل ، لا الأقوال . الأفعال الحقيقية هي التجلي للإخلاص ، لا التصـريحات الصحفية والبيانات الأيديولوجية .
لنأخذ مثالاً من تاريخنا العراقي القريب كي نتدبر في الواقع الراهن وللاِستدلال بأحداث الماضي على مجريات الحاضر . إنه المثال الذي نستمده من تطورات الحرب العراقية ـ الإيرانية وموقف القوى السياسية منها . لقد اِندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية في العقد الثمانيني من القرن المنصرم وفق رؤيتين متناقضتين : إحداهما تحمِّل أسباب اِندلاعها للطرف الآخر ، والأخرى ترى أسباب اِندلاعها تكمن في العنصر الذاتي .لقد توقفت تلك الحرب بتاريخ 8/8/1988 على ضوء قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المرقم598 . في ذلك التاريخ وفي اليوم نفسه كانت الولايات المتحدة توجِّه سؤالاً محدداً للجنرال نورمان شوارتزكوف الذي سيصبح القائد العسكري العام للعدوان الأمريكي الغربي على العراق في 17 / 1 عام 1991 والمسمى بعاصفة الصحراء ، عن الطرف الذي ينبغي مواجهته في المستقبل ، كان جوابه الواضح بعد أنْ تمَتزويده بوثائق السي آي أي؛ ووزارة الدفاع {البنتاغون} ؛ والأمن القومي الأمريكي : كما يذكر هو ذلك ، والذي توصل إليه في أواخر عام 1989 : هو العراق ، وجرى على ضوء ذلك : الإعداد لبرنامج العدوان المديد على الدولة العراقية من عدوان 1991 والحصار الشامل وغيره . . .التي اِنتهى بها المطاف الطويل العسـير منذ ذلك التاريخ إلى الاِحتلال العسـكري الأمريكي ــ البريطاني المباشـر في الربع الأول من عام 2003 أو بعيده بقليل .
اِندلعت الحرب العسكرية العراقية ـ الإيرانية ، وشهدت تطوراتها الصـعبة مختلف المراحل ، ما بين هزائم إيرانية واِنتصارات عراقية ، أو العكس . حتى اِنتهت إلى تجرع الامام روح الله الخميني رحمه الله السم ، وأوقفها مُرغماً ، دون أنْ تسـتطيع إيران تحقيق أياً من أهدافها السياسية عن طريق الحرب العسكرية ، التي تحددت حول إسقاط السلطة العراقية وإقامة نظام على الصورة الإيرانية . كان موقف القوى السياسية العراقية يتراوح بين تأييد هذا الطرف أو ذاك . ويقترح ذلك الحل أو هذا . اِلتحق البعض بالجانب الإيراني وفي خدمة رؤيته العسـكرية وجهده الحربي ، من قِبل تنظيمات ذات رؤية طائفية ، أو من قِبَل الطرف الكردي المسلَّح. كانت المواقف السياسية للقوى العراقية المختلفة تستخرج تحليلات ومواقف على ضوء تطورات الحرب طيلة تلك الفترة التي شهدت تأججاً مروعاً ،وصعوداً وهبوطاً متنوعاً . ولكنْ مع توقف مدافعها عن الصراخ المسعور ، خفَّ وإلى الأبد ذكرها التفصيلي ، وإذا أوردها البعض فإنها تأتي من باب الدعاية السياسية أو الاِستذكار السياسي ، وباتت وقائعها المكتوبة في مسـتودع الأرشـيف التاريخي ، يقوم على معاينتها المؤرخون والمتابعون المدققون والسياسيون المهتَّموُّن .
لماذا كانت صورة الكتابة السـياسـية على هذه الشـاكلة ؟ ! .
لأنَّ صفحة هذه الحرب تحولت من الرؤية السياسية الظرفية الذي كان يقتضيها تحديد الموقف السياسي إلى الرؤية السياسية التاريخية بعناصرها المختلفة وخلفياتها المتنوعة : الجغرافية والتاريخية ، زمانها ومكانها ، وما تتطلبه رؤيـة هذا الطرف أو ذاك على ضوء المصالح القومية لبلده وأمنه الوطني .
في الكتابة السياسية وشروطها
{1}
الكتابة السياسية التحليلية والتاريخية حول العراق في الزمان المحدد ليست ترفاً فكرياً أو هواية عابرة ، إنها الكتابة التي تتسم بروح المسؤولية والحرص على مصداقيتها : أي التحليل السياسي الملموس للموقف السياسي الملموس . وأنْ التكتيك السياسي ليس التكتكة على الصاعد والماشي وخِفة الفهلوة والشطارة المتذاكية ، فدون وعي الظرف العالمي وملابساته الذي يتسيد فيه القطب الأمريكي دون منازع . ووعي الظرف التاريخي للعالم الراهن . لا يمكن تناول التطورات بروح جدِّية وهادفة .فالتكتيك غير التكتكة : إنه إِستراتيجية لمرحلة محددة ترتبط بالإستراتيجية العامة . والسـؤال الذي ينبغي طرحه ـ باديء ذي بدء ـ عند تناول أية مسألة ترتبط بالعراق ، يتعلق بالرؤية المستقبلية للوطن والمجتمع :
أي : ماذا نريد من الممارسات السياسية التي نقوم بها أو التي نقدم عليها ؟ . ما هي الأبعاد الفكرية التي توُصلنا إلى شاطيء الإرادة بأمان ؟ .
لذلك جاءت البرامج السياسية قائمة على المعلومة والرقم وفهم تطورات الواقع المحلي والعربي والإقليمي والعالمي : مختصراً فيما إذا كان صـاحب البرنامج في المعارضة ، وتفصيلياً في حالة إنَّ كان صاحبه في الحكم . لأنه ينشد التغيير السـياسـي ونقل المجتمع أو الشـعبـ الذي يتحكم به ـ من حالة أدنى إلى حالة أرقى وفق معتقداته السياسية.
في العمل السياسي والفكر السياسي هناك بديهية معروفة ، توجب أنْ يكون صاحب النص معروفاً للمتابعين بصفات ونعوت معينة ، أي أنْ لا يختفي ـ أو يتخفى ـ حول أسماء مبهمة في حالة ما إذا كان الظرف طبيعياً . أو يحمل اِسماً مبهما في نشرة سياسية معلومة الاِتجاه والمنهج والرؤية . فعدم الإعلان عن الشخص أو الاِسم يبيح لمن يريد الاِرتزاق من الكتابة السياسية تسـويد الأوراق لصالح مَـنْ يدفع أكثر . ومعلوم إنَّ مَنْ يدفع يسيِّر ويوجه ويرشد. فلسنا في موقع رصف النص الأدبي وتسطيره والذي تبين مضامينهُ مستوياتِه المنهجية أو الفكرية وعمقه المعرفي وغناه النقدي . إننا أمام نص سياسي يُكتب في سبيل قضية سياسية محددة ؛ والعمق الفكري والسياسي للمنظرِّين الأمريكيين : ككيسنجر وبريجينسكسي وغيرهما لا شك فيه ، ولكنهم مخلصون للرؤية الإمبريالية العالمية ، لذلك فهم مختلفون في الغاية والهدف والسبيل عن المنتمين إلى العالم الجنوبي المخلصين ، وكذلك عن القوميين العرب النزيهين المناضلين والملتزمين بمفاهيم الروح الحضارية العربية الإسلامية ، وهم بالتأكيد يختلفون عن ذوي الرؤية الوطنية العراقية المنافحين عن تاريخ العراق ومستقبل شعب العراق ، العاملين المجاهدين في سبيل الوطن بعيداً عن الرؤيـة الأجنبية التي تحددهـا المصالح العالمية أو الإقليمية المنفوطة ، المكافحين في سـبيل ذاتهـم الوطنية .
الكلمة المؤدبة والفكرة الناضجة الصادقة هي ما يتسق مع المفاهيم الحضارية الحقّة لأمتنا العربية ذات العمق الحضاري الديني ـ الإسلامي بالمعني الفكري الحضاري وليس النص الديني الإشتراعي ـ . . . الكلمة السياسية التحليلية المقرونة بالمعلومة العلمية ،تلك هي ما ينبغي السيادة لها في النص السياسي . ألسنا نريد إقناع الآخرين بوجهة نظرنا السـياسية والفكرية ، فكيف يمكن مخاطبتهم بألفاظ مقزِزة ؟ . ألا يدل ذلك على ضعف الحجة وركاكة المنطق وضحالة الفكر ؟ . وسيادة منطق غريزة الشجار بدلاً من التفيء بروحية الحوار وفهم أفكـار الآخر حتى لـو ـ ولا أقول إذا ـ كان ينطق بنصف الحقيقة ؟ . ألا يؤدي ذلك ، شئنا أم أبينا ، إلى جعلنا مهانين مذلين بدلاً من الاِعتزاز باِسمنا الحقيقي , وأيُّ معتز بذاته وهو يتجه صوب التسطيح واِجترار الحجج التي أكل الدهر عليها وشرب ، وبانَ خطلها ، جراء الواقع اليومي الراهن الملموس ؟.
ذلك هو الذي ينبغي التفكير العميق به ، أما الشرط الآخر للكتابة السياسية التي تبحث عن الحقيقة الصافية التي تبين مدى الإخلاص للوطن والشعب والفكر الوطني العراقي ، ورحم الله الشافعي الذي قال قبل عشرة قرون ونيف :
إنَّ رأيي صحيح يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصحيح .
{2}
تطرح قضية العدوان على العراق مهامَ عديدة ، وجديدة أيضاً ، على أبنائه الوطنيين المخلصين ، كون العراق دخل في مرحلة تاريخية جديدة ، مرحلة العدوان والغزو والسطو ، أي خضوع العراق للاِحتلال العسكري ، ويفترض بأبنائه التصدي لمهمات سياسية تختلف عما سبقها من مهمات تتعلق بالبناء الداخلي ، ومعالجة الإختلالات في بنيته العراقية على كل الصُعُد ، وحل أزمات سياسية يشهدها الوضع الداخلي في كيفية إدارة وضع الحكم السياسي ، والتي كانت تتحمل ـ أي مسألة الحل ـ السلطة السياسية السابقة القسط الأكبر من أوِزارها القائمة آنذاك ، بغية حل الأزمة على أرضية عراقية ، وبأيدي عراقية ، ورؤية وطنية عراقية .
لقد أعطت تلك الأزمة السياسية الداخلية ((ذرائع متبايـنة)) للبعض السياسي والديني العراقي كي يوغِـل في خيانة الاِعتماد على الأجنبـي المضـاد للوطـن العراقي ، المضاد لأبناء الوطن العربي والمناويء للرؤية الحضارية الإسـلامية الحقّة ، إذا ما أخذنا الرؤية التاريخية معياراً للتقويم ومقياساً للحكم ، وهو ما تناولناه بشكل تفصيلي في كتابنا الذي تابعنا فيه بالرصد والشرح والتحليل والنقد ، مفهوم الوعي الغربي حول منطقتنا العربية الإسلامية . [1] .
كانت رؤيتنا السياسية تعتمد الأخذ بخيار الاِعتماد على الذات للوصول إلى حل وطني للأزمة السياسية عبر الحوار الفكري والسياسي بين أطراف العمل السياسي الوطني ، بدلاً من الاِعتماد على العنصر الأجنبي ، الذي فضلَ البعضُ وسيلتها السهلة خلال فتراتها المتواترة . . .فضلَ الأموال الأجنبية : السحت الحرام لمواصلة ((الكفاح)) من خلال السراديب السرية ودهاليز المخابـرات الأجنبية وفنادق الخمس نجوم والدعاية التلسكوبية ـ بعد اِلتقاطها مجهرياً ـللوصول إلى غايته السـياسـية .
في أيـة حـال ، إنَّ تلك الرؤيتين كانتـا مـن بنات الظـرف الماضي ، وسيبين التاريخ السياسي دوافع كل حزب أو منظمة أو تجمع أو جبهة أو شخص . وما ناله كل طرف الذي كان يحمل وجهة نظر فكرية و سياسية محددة من أموال الدعم . وإنْ كان التوجه السياسي لكلا وجهتي الطرفين مكشوفة لمن يريد المتابعة الصادقةوالرصد الأمين . كان خيار المصالحة الوطنية العراقية خلال المرحلة السابقة ـ وهي عماد رؤيتنا السـياسـية آنذاكـ يتمحور على النصوص التالية ، في صيغة برنامجية واضحة تعبِّر عن مرحلة من مراحـل التطور السياسي العراقي :
1 إعلان ميثاق توافق وطني يحقق مصالحة وطنية شاملة .
2 إلغاء كافة القوانين والقرارات والأحكام الصادرة ضد أطراف وقوى وأفراد العمل الوطني . . . وإلغاء كل ما ترتب عليها .
3 تحقيق سـيادة القانون . وإشاعة الحريات الديموقراطية في حياة الفرد والمجتمع . وضمان حقوق الأفراد في إبداء الرأي والاِجتهاد . وضمان أمنهم وسلامتهم .
4 إنجاز مشروع سياسي يعتمد التعددية السياسية والتعددية الفكرية والثقافية .
5 تأمين الاِستقلال التام للقضاء ومؤسسات التعليم العالي .
6 تأمين حرية الصحافة وتأسيس النقابات والجمعيات والاِتحادات المهنية والثقافية .
7 إجراء اِنتخابات تشريعية عامَّة وحرة . واِنتخابات رئاسية .
8 وضع دستور دائم للبلاد تتم مناقشـته وإقراره من قبل نواب الشعب ، قبل عرضه للاِستفتاء الشعبي العام .
9 وضع سياسـات واِِتخاذ إجراءات عملية لبناء الثقة بين شرائح المجتمع وقواه السياسية . وردم كل الحفر والأخاديد ، التي صنعتها أخطاء وسلبيات الماضي . [2] .
وفي تحديد نظري لمفهوم ((التحالف الوطني العراقي)) أكدنا على المهمة التالية ،إنَّ : ((السبيل الممكن في طرح القضية الديموقراطية السياسـية بالواقع العراقي يقتضي وعي ما تقدم وعياً فكرياً وسياسياً : عميقاً وديناميكياً وفق الظرف المناسب والمكان المحدد . والإيمان الأقصى بهذا الوعي . والعمل من أجل ترجمة محتوياته الفكرية والسياسية . والوصول لكل ذلك{يسـتلزم التغيير العميق لذهنية الإنسان العربي حتى يصبح قابلاً لممارسة الديموقراطية ، فيتحول ولاؤه للفكرة والبرنامج والحزب [. . . ] بحيث تتقبل ذهنية العربي الاِنتقال السـلمي للسـلطة ، وسـريانها في المجتمع كعملية طبيعية تتم عبر التعدد الحزبي الطبيعي})) . [3] .
ومن المعلوم إننا أجزمنا مجدداً ـ كان تأكيدنا الأول عام 1993 ـ خلال المؤتمر الثاني للتحالف الوطني العراقي الذي اِنعقد بلندن في تاريخ 30/9 ــ 1/10 من عام 2000 على التالي :
((إنَّ هذه الأهداف غالية وعزيزة ونناضل من أجل إنجازها بكل عزم وقوة ، ولكن من المؤكد والراسخ عبر تاريخنا إنَّ هذه الأهداف والتطلعات الوطنية لا يمكن تحقيقها عبر الحراب الأجنبية والحصار الآثم . إنها عملية شاقة ومعقَّدة تتطلب توافر كل الجهود من جميع الأطراف الوطنية المعنية ، بما في ذلك السلطة التي تقع عليها المسؤولية الأولى . إنَّ التاريخ لم يحكم أبداً على أمة بالزوال أياً كان هول المحنَّة التي تمر بها طالما تقدر على اِستخلاص دروس هذه المحنة وتجميع ما بقي من قواها السليمة واِستنفارها للقضاء على أسبابها ، وبلادنا ستكون أقوى وأكثر عطاءً وأصلب وحدة عندما تزدهر فيها الحرية ويكون القانون هو الناظم للعلاقة بين الدولة والمجتمع)) . [4] .
فيما رأى الآخرون ، إِنَّ الحل الوحيـد يتم عبر الاِعتماد على العامـل الأمريكي ، فتلقوا أمواله وساروا خلفه ، يحدد لهم بوصلة تحركها وأفقها المرسوم على ضوء مصالحه الإسـتراتيجية ، وصولاً لاِحتلاله العسـكري الكلي للعراق . لقد سـاهمت قوى المؤتمر الوطني بقيادة أحمد جلبي ، ووفاق أياد علاوي ، ومنظمات طائفية عديدة وسياسية ، والحركة الكردية المسلحة ، التي لم تتوانَ عن قتل أشقائـ((ها)) من أنصار الإسلام الأكـراد في حلبجة وجوارها ، وقتلْ بعض قوى الحركة الكرديـة المَّسـلَّحة التي تمثل أكراد تركا من قوى {P K K}. . . ســاهمت مبـاشـــرة وبشــكل واعٍ ، أو موضــوعـيـاً . . . أي بصورة غير مباشرة ، في المســعى الأمريكي لتدمير العراق . لقد تبخرت ، مثلاً ، شـعارات حرية تقرير المصير الكردية ، والرؤية الفيدرالية ، وبات جمع السلاح ((الكردي)) وكل السلاح المعارض على رأس البرنامج الأمريكي المنتظر . مثلما توارى الحديث عن المعايير الإسلامية حول طابع الحكم التي تُحدِد المواقف السياسية .
مثلما بات النفط العراقي شأناً أمريكياً خاصاً . وأُنزلت التعويضات المالية المدفوعة لسلطة آل صباح إلى نسبة الخمسة بالمائة بعد أنْ كانت أرقامها تصل إلى 25%كما جرى إغفال الحديث عن ((الأسرى الكويتيين)) وفق نسَب ضجيج الدعاية السابقة . مثلما جرى تقديم مشروع رفع الحظر عن العراق بعد أنْ ألحق أضراراً بالبنية العراقية على كل الصعد : البشرية والاِجتماعية والاِقتصادية والتعليمية والخدمية وغيرها ، من جهة ، وتضمينه فقرة تؤكد على أبدية تنفيذ أمريكا المنفرد لمضمون القرار بما يتيح لها التحكم بثروات العراق ، كون إدارته ((قابلة للتمديد في حال الضرورة إلا إذا رأى مجلس الأمن عكس ذلك)) وفي حال توجَّه أحد ما لمجلس الأمن لتعديل بعض فقرات مضمون القرار الدولي ، فإِن الفيتو الأمريكي سـيكون جاهزاً للمنع إنْ لم يكن لصالحها ، من جهة أخرى.
ولم يقدم الأعداء أية كلمة موثقة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي كانت أحد أهم الذرائع المخاتلة للحرب الجائرة على العراق . . .مضمون المشروع المقَدَّم إلى مجلس الأمن ، هي إعطاء شـرعية التصرف : ((كارت بلانش)) بثروات العراق على ضوء المصلحة الأمريكية ، والتصرف الأمريكي ــ البريطاني المنفرد بشؤونه السياسية على مختلف الصُعُد . .
اليوم يخضـع العراق للاِحتلال العســكري الأمريكي ــ البريطاني ، وباتت السلطة الكلية بيد القوة الأجنبية المسيطرة على شؤون العراق كلها ، ينتج الأمريكيون في مجالات هذه الثروة الكمية التي يريدون منها ، ويعطلون العمل في ذلك الجانب الذي يهّم الشعب . يستجلبون ذلك ((الرمز السياسي أو الطائفي)) الذي يخدم توجههم ، ويفسحون الطريق لذلك المُعَمَّم أو الأفندي أو الذي اِرتدى العقال واليشـماغ لدخول العراق أو يعتمدون على معتمري الزي الكردي في حركتهم السياسية اليومية ، ومحاورته حول الشأن العراقي مباشرة أو عبر طرف ثالث ، دون معايير موضوعية إلا المنبثقة عن معايير خدمتهم الإستراتيجية . يطلقون يد الفوضى لتخريب المنجز التاريخي العراقي ، بغية تحويل الذاكرة العراقية إلى صفحة بيضاء يكتبون عليها ما يشاؤون وفق المنظور الصهيوني . ويقومون بصياغة البرامج التربوية والتدريسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي هي مجرد رأس جبل الجليد الغاطس في مياه الرؤية الفكرية والسـياسـية الأمريكية/الصهيونية المشتركة في الجوهر وحتى بالتفاصيل الإستراتيجية ، فيما أدخلوا أحد اليهود الصهاينة للمساهمة الفاعلة والنشيطة في لجنة صياغة الدستور ، لصيرورة العراق الديموقراطي مستقبلاً [!؟] . القوى السـياسـية العراقية تلك ((تتمتع بأعطيات)) المندوب الأمريكي العسـكري المتقاعد : جي غارنر أو بول بريمر المعنوية ، بحثاً عن حلٍ سياسيٍ لا يأتي أبداً لصالح شعبنا ووطننا ، عند مَـنْ خلق الأزمة وأدارها منذ البداية . إنها أزمـة سـياسـية عامة على كل الصُعُد ، ولن تقبل الحل السـياسـي أبداً من دون اِستقلال وطني وسيادة سياسية . ولن ترى حلاً سياسياً للأزمة العامة على أسس وطنية ما لم ترحل قوى الاِحتلال . ولن نرى أفقاً ديموقراطياً فعلياً إذا لم تنبثق حكومة شعبية وموحدة توافقية محددة البرامج السياسية يخدم توجهها الفكري والسياسي المجموع الوطني العراقي .
اليوم يحاول البعض ترديد المعزوفات الأمريكية ، ويكرر منظومة دعايته السـياسـية السـابقة ، في حين أنَّ هناك مسـتجدات على الأرض ، فكيف يمكن فهم ذلك ؟ .
الموقف السـياسـي المحدد يقتضي التوصيف السـياسـي للحالة المادية الشــاخصة ، إدراك كـل عناصرها الفاعلة أو التي تتأثر منه ، التحليل السياسي الملموس للموقف السياسي الملموس ، كما يفرضه الموقف السياسي والتحليل السياسي الرصين ، الهادف . وإذا كان الإعلام والدعاية الغربيتين تلعب دورهما في خدمة الرؤية الأمريكية ، لغايات سياسية ودعائية ، وكذلك مواقف مَـنْ يسير خلف رؤيتهما ــ نتبين ذلك من حجب إعلامي عن كل المعطيات الملموسة التي يشهدها العراق ، وتغييب المطالب الملموسة للمجتمع العراقي ــعبر التركيز على سقوط تماثيل صدام حسين ، واِكتشاف المقابر الجماعية التي هي جريمة سياسية وإِنسانية بشعة وفق كل المقاييس ، ومدانة أيضاً ، وعدم إطلاق القناة التلفزيونية العراقية لعملها ، منعاً للتساؤل الشعبي عن مجريات الوقائع اليومية .
إذا كان كل ذلك صحيح كل الصحة ، فإنَّ الأمرَ الأهم هو تبيان الحالة المعيشـية للمجتمع العـراقي الراهـنة . الوضـع الأمني المنفلت من عقاله في العراق . الجانب الاِقتصادي . الدراسة لأبنائه التي كانت سنتهم الدراسية قد شارفت على الاِنتهاء . اِنقطاع الكهرباء الدائم ، عدم تدفق المياه الصالحة للشرب للمواطنين ، إعطاء المقاولات للشركات الأمريكية , وتبيان وقائع السياسة النفطية ، جراء سياسة سلطة الاِحتلال وتخريبها . نعم معرفة وقائع الماضي مهمة للاِتعاظ بدروسه وليس للاِنتقام ، وكشف خباياه ضروري لخدمة المســتقبل عبر تجنب تكرار أخطائه وجرائمه . . .ولكن ـ كذلك ـ الأهم هو معرفة الراهـن ، والتدبُّر في ظروفه ، والتفكير في النتائج الراهنة . قراءة لوحة التطورات الراهنة قراءةً علمية اِجتماعية مخلصة للوطن العراقي . . . مخلصة للمجتمع العـراقي . . . مخـلصـة للدولـة العـراقـيـة الواحدة وفق المفاهيم العلمية للدولة . . . وليس لخدمة المحتل الأجنبي . الممارسة هي التي تبرهن وتدلل ، لا الأقوال . الأفعال الحقيقية هي التجلي للإخلاص ، لا التصـريحات الصحفية والبيانات الأيديولوجية .
لنأخذ مثالاً من تاريخنا العراقي القريب كي نتدبر في الواقع الراهن وللاِستدلال بأحداث الماضي على مجريات الحاضر . إنه المثال الذي نستمده من تطورات الحرب العراقية ـ الإيرانية وموقف القوى السياسية منها . لقد اِندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية في العقد الثمانيني من القرن المنصرم وفق رؤيتين متناقضتين : إحداهما تحمِّل أسباب اِندلاعها للطرف الآخر ، والأخرى ترى أسباب اِندلاعها تكمن في العنصر الذاتي .لقد توقفت تلك الحرب بتاريخ 8/8/1988 على ضوء قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المرقم598 . في ذلك التاريخ وفي اليوم نفسه كانت الولايات المتحدة توجِّه سؤالاً محدداً للجنرال نورمان شوارتزكوف الذي سيصبح القائد العسكري العام للعدوان الأمريكي الغربي على العراق في 17 / 1 عام 1991 والمسمى بعاصفة الصحراء ، عن الطرف الذي ينبغي مواجهته في المستقبل ، كان جوابه الواضح بعد أنْ تمَتزويده بوثائق السي آي أي؛ ووزارة الدفاع {البنتاغون} ؛ والأمن القومي الأمريكي : كما يذكر هو ذلك ، والذي توصل إليه في أواخر عام 1989 : هو العراق ، وجرى على ضوء ذلك : الإعداد لبرنامج العدوان المديد على الدولة العراقية من عدوان 1991 والحصار الشامل وغيره . . .التي اِنتهى بها المطاف الطويل العسـير منذ ذلك التاريخ إلى الاِحتلال العسـكري الأمريكي ــ البريطاني المباشـر في الربع الأول من عام 2003 أو بعيده بقليل .
اِندلعت الحرب العسكرية العراقية ـ الإيرانية ، وشهدت تطوراتها الصـعبة مختلف المراحل ، ما بين هزائم إيرانية واِنتصارات عراقية ، أو العكس . حتى اِنتهت إلى تجرع الامام روح الله الخميني رحمه الله السم ، وأوقفها مُرغماً ، دون أنْ تسـتطيع إيران تحقيق أياً من أهدافها السياسية عن طريق الحرب العسكرية ، التي تحددت حول إسقاط السلطة العراقية وإقامة نظام على الصورة الإيرانية . كان موقف القوى السياسية العراقية يتراوح بين تأييد هذا الطرف أو ذاك . ويقترح ذلك الحل أو هذا . اِلتحق البعض بالجانب الإيراني وفي خدمة رؤيته العسـكرية وجهده الحربي ، من قِبل تنظيمات ذات رؤية طائفية ، أو من قِبَل الطرف الكردي المسلَّح. كانت المواقف السياسية للقوى العراقية المختلفة تستخرج تحليلات ومواقف على ضوء تطورات الحرب طيلة تلك الفترة التي شهدت تأججاً مروعاً ،وصعوداً وهبوطاً متنوعاً . ولكنْ مع توقف مدافعها عن الصراخ المسعور ، خفَّ وإلى الأبد ذكرها التفصيلي ، وإذا أوردها البعض فإنها تأتي من باب الدعاية السياسية أو الاِستذكار السياسي ، وباتت وقائعها المكتوبة في مسـتودع الأرشـيف التاريخي ، يقوم على معاينتها المؤرخون والمتابعون المدققون والسياسيون المهتَّموُّن .
لماذا كانت صورة الكتابة السـياسـية على هذه الشـاكلة ؟ ! .
لأنَّ صفحة هذه الحرب تحولت من الرؤية السياسية الظرفية الذي كان يقتضيها تحديد الموقف السياسي إلى الرؤية السياسية التاريخية بعناصرها المختلفة وخلفياتها المتنوعة : الجغرافية والتاريخية ، زمانها ومكانها ، وما تتطلبه رؤيـة هذا الطرف أو ذاك على ضوء المصالح القومية لبلده وأمنه الوطني .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
لذا رأينا الشــعارات السـياسـية عند أطراف المعارضة : الداخلية أو الخارجية ، المستقلة عن الأجنبي أو المرتبطة التابعة له . . . رأينا هذه الشعارات تتغير حول أبعاد هذه الحرب ، وتتطور أشكالها ومضامينها على ضوء اِحتدام المعارك ومعادلاتها السياسية ،تنتقل تدريجياًمن شعار إسقاط النظام وتوقف الحرب إلى شعار إيقاف إطلاق النار وإسقاط النظام ، أو إجراء صلح ديموقراطي بين الطرفين المتحاربين ، وكانت الحمِّيـَةُ عند أصحاب هذين الشـعارين تتصاعد حيناً أو تخُّف ، وتختفي ـ أو تتوارى ـ أحياناً أخر .
اليوم إذا نظرنا إلى هذه الحرب نظرة تاريخيـة موضوعية لطابع الصـراع بين الدولتين : الإيرانية والعراقيـة ، العنيف أو غير العنيف ، لرأينا إنَّ إيران ما زالت تحقق أهدافها السياسية الإستراتيجية على حساب العراق ، منذ اِتفاقية أرضروم الأولى في عام 1823 واِتفاقية أرضروم الثانية عام 1847 ومروراً 1913 و1925 و1937 وأزمات 1961 و1967 ــ 1968 ، وصولاً لاِتفاقية 6 / آذار عام 1975 ، وما تزال تتطلع للمزيد ، وتبين للقاريء المنصف المدقق . إنَّ عنصر المبادأة السياسية كان بيد الإيرانيين دائماً ، مباشرةً عبر الاِعتماد على القوة العسكرية الإيرانية ، أو بشكل غير مباشر من خلال الاِستعانة بأصدقائـ((ـها)) في الداخل العراقي . [5] .
اليوم يواجه العراق تحدياً مماثلاً . والاِنتقال من مرحلة الأزمة السياسية الداخلية العراقية إلى مرحلة الأزمة السياسية العامة المفروضة بقوة الاِحتلال العسكري الأجنبي ، التي لها طابعها التحليلي ومقترحات حلها التي تختلف جذرياً عما سبقها . الأزمة السياسية العامة لا تقبل الحلول السياسية الوسط . ولكن على المستوى الكتابي : النظري والسياسـي ينبغي التوقف عند الوضع الراهن ، العيني المرئي المحسوس الملموس ، تحديد الموقف السـياسـي منه ؛ وتقديم الرؤية التحليلية حـوله ؛ الفرز واضح ما بين الموقف الوطني العراقي والموقف الأجنبي المسـتعمر والعسـكري ، أولاً ؛ القومي العربي بأبعاده الممتدة من المشرق العربي إلى المحيط الأطلسي والغربي الخارجي الذي اِستهدفه تاريخياً منذ القرن التاسع عشر وكلَّلهُ باِتفاقية سايكس ــ بيكو ووعد بلفور ، ثانياً ؛ الحضاري الشرقي المسلم والصليبي الصـهيوني المتحد ضـده مـن خلال مـبـدأ صــراع الحضــارات وفـق نظــرية صـامو ئيل هانتنتغتون ، ونهاية التاريخ وفق فوكو ياما ، والعولمة الأمريكية المنفردة، ثالثاً . [6].
الحاضر الذي يحياه العراقيون يتطلب وقفة صريحة واضحة بعيداً عن المخاتلات السياسـية والألاعيب الدعائية . لن يتغطى الموقف السياسي الحقيقي بالتذرع : إننا قلنا وحذرنا وتظاهرنا ، وبغربال القمع السياسي الصدامي الذي لا يُخفى على أحد ، إذ أنَّ الوطن العراقي يخضع للاِحتلال العسكري المباشر . والعولمة الأمريكية لها أجندتها على كل الصُعًد . فالتحليل السـياسـي المحسوس . . . الملموس ،للموقف السياسي الملموس يقول : إنَّ القوات الأمريكية ــ البريطانية تجثم بكل بشاعاتها وأسلحتها المتطورة على الأرض العراقية . ومجتمعنا العراقي في قبضة الغول العسكري الأجنبي . ويستأسد بول بريمر بقراراته الجائرة حتى على السياسيين العراقيين الحاكمين . والأزمة الأمنية والاِقتصادية والخدماتية واضحة . ويشير منحى تصاعدها إلى المستقبل المظلم للدولة العراقية بما فيها الأرض والمجتمع والمؤسسات الناظمة لعملهما .
لا تتطلب رؤيتنا السياسية وتحليلنا للأزمة أيةَ فذلكات كلامية للهروب من الحاضر بالتوقف عند الماضي . تحديد الموقف السـياسـي من الاِحتلال العسكري الأجنبي هو الشـرط الأول الذي يوضح معيار وطنية أي تنظيم وحقيقة الموقف السياسي ، والممارسة العملية التي تقتضي الإعداد والبناء والتهيؤ لهذا الموقف السياسي ، هي معايير الحكم ومقياس التقويم ، فماذا نحن ـ كوطنيين عراقيين ـ فاعلون ؟ ! .
16 / 6 / 2003
المراجع والهوامش
1 ـ راجع كتابنا المعنون : العراق بين الرؤية الغربية وممارسـات المعارضة العراقية {في ضـرورات وعي الوعي الغربي} . منشــورات نداء الوطن : جريدة التيار الوطني . . . منبر الرؤية الوطنية . الطبعة الثانية الموسعة . أوائل العام 2001 . بعد أنْ صدرت طبعتها الأولى في أيلول عام1992 .
2 ــ راجع العدد التوثيقي من جريدة((نداء الوطن)) حول وقائع ذلك المؤتمر والمرقم بالسـادس . المؤرخ في شباط عام 2001.
3 ــ راجع كتابنا المعنـون : العـراق : كيف ننظـر إليه ؟ ، ماذا ننتظـر منه ؟ . منشــورات نـداء الوطن ، منبر الرؤية الوطني ، صوت التيار الوطني . الطبعة الثانية : المزيدة والموسعة .أواسط العام 2002 .
4 ــ راجع جريدة((نداء الوطن)) التوثيقي ، العدد المذكور أعلاه .
5 ــ راجع الكتب التالية بصدد تلك الجوانب : تاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داوود باشا إلى نهاية حكم مدحت باشا ، تأليف د . الدكتور عبد العزيز سليمان نوار ، إصدار دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1387 ــ 1968 ، ص 327 ــ347 . العلاقات العراقية الإيرانية خلال خمسـة قرون ، تأليف سـعد الأنصاري ، إصدار دار الهدى ــ لبنان ، 1987. خصوصــاً المراحل التاريخية فيه . راجع كتابنا المعنون الأمة العربية : ماضياً . . . حاضراً ، المواقف السياسية على ضوء مستقبل أجزائها . منشورات جريدة ((نداء الوطن)) منبر الرؤية الوطنية . . . صوت التيار الوطني . الطبعة الثانية : مزيدة ومنقحة . أواسط شباط عام 2002 . وغيرها من الكتب التي لها علاقة بالخلافات بين البلدين المتجاورين .
6 ــ صـدام الحضـارات . تأليف عدد من الكتّاب ، من بينهم صـاموئيل هانتنغتون ، وجين كيركباترك ، حسن الترابي ، ومحجوب عمر . إصدار شؤون الأوسط ، مركز الدراسات الاِستراتيجية والبحوث والتوثيق . بيروت ـ لبنان. عام 1995 .
7 ـ سـيلي دراستنا هذه التي تعَّد رداً على كلِّ المتطاولين باِسـم الكتابة السياسية والفكرية دون اِستيعاب دروس التجربة التاريخية . . .دروس تجربتنا الوطنية العراقية والقومية العربية وكل تجارب العالم غير الشمالي : الأوروبي الرأسمالي ، [نشرنا الدراسة المنوه عنها في الجزء الخامس من هذا الكتاب] دراسة خاصة حول تصرف بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية الذي كشف عن مبلغ المساعدات المالية التي قدمتها أمريكا لبعض العراقيين ، وقد كنا أنجزناها بالمناسبة تلك ، ولم تتوفر المناسبة لنشرها آنذاك ، بغية التعلم من تجربة البعض الذين اِرتأوا الاِعتماد على العنصر الأجنبي في التغيير .
ملاحظة :
لقد اِعتمدنا هذه المقالة كمقدمة للقسم الثاني : الحالي من كتابنا : العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية الذي يوضح وجهة نظرنا الكاملة حول المستقبل العراقي في ظل الصراعات العالمية التي يرسم محددتها القطب العالمي الجديد : الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العالمي كله ، وتتميز منطقتنا عن هذا العالم بوجود كيان الاِغتصاب الصهيوني الذي يعد الشريك الرئيس للرؤية الأيديولوجية في تحديد التوجهات السياسية المستقبلية للمنطقة العربية . ملاحظة اِقتضتها الضرورة . أما الإشارة لقضية الرشاوى الأمريكية التي نشرناها لاحقاً فلا تدخل في نطاق هذه المقدمة .
اليوم إذا نظرنا إلى هذه الحرب نظرة تاريخيـة موضوعية لطابع الصـراع بين الدولتين : الإيرانية والعراقيـة ، العنيف أو غير العنيف ، لرأينا إنَّ إيران ما زالت تحقق أهدافها السياسية الإستراتيجية على حساب العراق ، منذ اِتفاقية أرضروم الأولى في عام 1823 واِتفاقية أرضروم الثانية عام 1847 ومروراً 1913 و1925 و1937 وأزمات 1961 و1967 ــ 1968 ، وصولاً لاِتفاقية 6 / آذار عام 1975 ، وما تزال تتطلع للمزيد ، وتبين للقاريء المنصف المدقق . إنَّ عنصر المبادأة السياسية كان بيد الإيرانيين دائماً ، مباشرةً عبر الاِعتماد على القوة العسكرية الإيرانية ، أو بشكل غير مباشر من خلال الاِستعانة بأصدقائـ((ـها)) في الداخل العراقي . [5] .
اليوم يواجه العراق تحدياً مماثلاً . والاِنتقال من مرحلة الأزمة السياسية الداخلية العراقية إلى مرحلة الأزمة السياسية العامة المفروضة بقوة الاِحتلال العسكري الأجنبي ، التي لها طابعها التحليلي ومقترحات حلها التي تختلف جذرياً عما سبقها . الأزمة السياسية العامة لا تقبل الحلول السياسية الوسط . ولكن على المستوى الكتابي : النظري والسياسـي ينبغي التوقف عند الوضع الراهن ، العيني المرئي المحسوس الملموس ، تحديد الموقف السـياسـي منه ؛ وتقديم الرؤية التحليلية حـوله ؛ الفرز واضح ما بين الموقف الوطني العراقي والموقف الأجنبي المسـتعمر والعسـكري ، أولاً ؛ القومي العربي بأبعاده الممتدة من المشرق العربي إلى المحيط الأطلسي والغربي الخارجي الذي اِستهدفه تاريخياً منذ القرن التاسع عشر وكلَّلهُ باِتفاقية سايكس ــ بيكو ووعد بلفور ، ثانياً ؛ الحضاري الشرقي المسلم والصليبي الصـهيوني المتحد ضـده مـن خلال مـبـدأ صــراع الحضــارات وفـق نظــرية صـامو ئيل هانتنتغتون ، ونهاية التاريخ وفق فوكو ياما ، والعولمة الأمريكية المنفردة، ثالثاً . [6].
الحاضر الذي يحياه العراقيون يتطلب وقفة صريحة واضحة بعيداً عن المخاتلات السياسـية والألاعيب الدعائية . لن يتغطى الموقف السياسي الحقيقي بالتذرع : إننا قلنا وحذرنا وتظاهرنا ، وبغربال القمع السياسي الصدامي الذي لا يُخفى على أحد ، إذ أنَّ الوطن العراقي يخضع للاِحتلال العسكري المباشر . والعولمة الأمريكية لها أجندتها على كل الصُعًد . فالتحليل السـياسـي المحسوس . . . الملموس ،للموقف السياسي الملموس يقول : إنَّ القوات الأمريكية ــ البريطانية تجثم بكل بشاعاتها وأسلحتها المتطورة على الأرض العراقية . ومجتمعنا العراقي في قبضة الغول العسكري الأجنبي . ويستأسد بول بريمر بقراراته الجائرة حتى على السياسيين العراقيين الحاكمين . والأزمة الأمنية والاِقتصادية والخدماتية واضحة . ويشير منحى تصاعدها إلى المستقبل المظلم للدولة العراقية بما فيها الأرض والمجتمع والمؤسسات الناظمة لعملهما .
لا تتطلب رؤيتنا السياسية وتحليلنا للأزمة أيةَ فذلكات كلامية للهروب من الحاضر بالتوقف عند الماضي . تحديد الموقف السـياسـي من الاِحتلال العسكري الأجنبي هو الشـرط الأول الذي يوضح معيار وطنية أي تنظيم وحقيقة الموقف السياسي ، والممارسة العملية التي تقتضي الإعداد والبناء والتهيؤ لهذا الموقف السياسي ، هي معايير الحكم ومقياس التقويم ، فماذا نحن ـ كوطنيين عراقيين ـ فاعلون ؟ ! .
16 / 6 / 2003
المراجع والهوامش
1 ـ راجع كتابنا المعنون : العراق بين الرؤية الغربية وممارسـات المعارضة العراقية {في ضـرورات وعي الوعي الغربي} . منشــورات نداء الوطن : جريدة التيار الوطني . . . منبر الرؤية الوطنية . الطبعة الثانية الموسعة . أوائل العام 2001 . بعد أنْ صدرت طبعتها الأولى في أيلول عام1992 .
2 ــ راجع العدد التوثيقي من جريدة((نداء الوطن)) حول وقائع ذلك المؤتمر والمرقم بالسـادس . المؤرخ في شباط عام 2001.
3 ــ راجع كتابنا المعنـون : العـراق : كيف ننظـر إليه ؟ ، ماذا ننتظـر منه ؟ . منشــورات نـداء الوطن ، منبر الرؤية الوطني ، صوت التيار الوطني . الطبعة الثانية : المزيدة والموسعة .أواسط العام 2002 .
4 ــ راجع جريدة((نداء الوطن)) التوثيقي ، العدد المذكور أعلاه .
5 ــ راجع الكتب التالية بصدد تلك الجوانب : تاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داوود باشا إلى نهاية حكم مدحت باشا ، تأليف د . الدكتور عبد العزيز سليمان نوار ، إصدار دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1387 ــ 1968 ، ص 327 ــ347 . العلاقات العراقية الإيرانية خلال خمسـة قرون ، تأليف سـعد الأنصاري ، إصدار دار الهدى ــ لبنان ، 1987. خصوصــاً المراحل التاريخية فيه . راجع كتابنا المعنون الأمة العربية : ماضياً . . . حاضراً ، المواقف السياسية على ضوء مستقبل أجزائها . منشورات جريدة ((نداء الوطن)) منبر الرؤية الوطنية . . . صوت التيار الوطني . الطبعة الثانية : مزيدة ومنقحة . أواسط شباط عام 2002 . وغيرها من الكتب التي لها علاقة بالخلافات بين البلدين المتجاورين .
6 ــ صـدام الحضـارات . تأليف عدد من الكتّاب ، من بينهم صـاموئيل هانتنغتون ، وجين كيركباترك ، حسن الترابي ، ومحجوب عمر . إصدار شؤون الأوسط ، مركز الدراسات الاِستراتيجية والبحوث والتوثيق . بيروت ـ لبنان. عام 1995 .
7 ـ سـيلي دراستنا هذه التي تعَّد رداً على كلِّ المتطاولين باِسـم الكتابة السياسية والفكرية دون اِستيعاب دروس التجربة التاريخية . . .دروس تجربتنا الوطنية العراقية والقومية العربية وكل تجارب العالم غير الشمالي : الأوروبي الرأسمالي ، [نشرنا الدراسة المنوه عنها في الجزء الخامس من هذا الكتاب] دراسة خاصة حول تصرف بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية الذي كشف عن مبلغ المساعدات المالية التي قدمتها أمريكا لبعض العراقيين ، وقد كنا أنجزناها بالمناسبة تلك ، ولم تتوفر المناسبة لنشرها آنذاك ، بغية التعلم من تجربة البعض الذين اِرتأوا الاِعتماد على العنصر الأجنبي في التغيير .
ملاحظة :
لقد اِعتمدنا هذه المقالة كمقدمة للقسم الثاني : الحالي من كتابنا : العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية الذي يوضح وجهة نظرنا الكاملة حول المستقبل العراقي في ظل الصراعات العالمية التي يرسم محددتها القطب العالمي الجديد : الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العالمي كله ، وتتميز منطقتنا عن هذا العالم بوجود كيان الاِغتصاب الصهيوني الذي يعد الشريك الرئيس للرؤية الأيديولوجية في تحديد التوجهات السياسية المستقبلية للمنطقة العربية . ملاحظة اِقتضتها الضرورة . أما الإشارة لقضية الرشاوى الأمريكية التي نشرناها لاحقاً فلا تدخل في نطاق هذه المقدمة .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
العراق المستقبلي في رؤية البعض العراقي
السادة في موقع ((كتابات)) المحترمون :
أشكركم على دعوتكم الرقيقة للمساهمة في إعطاء وجهة نظر سياسية محددة تجاه التطورات المحتملة في ((العراق المقبل)) التي وصـلني التكليف للكتابة عنها في إطـار ((محور كتابات الجديد)) . وقد رأيتُ ـ فيما رأيت ـ إنَّ السادة المشرفين قد حددوا نمط المساهمة الفكرية على أساس ((عودة العراق إلى أهله)) وبالتالي بدء مرحلة ((جديدة)) من ((عهده)) المستقبلي الذي سيحقق له ((الحرية والرفاهية لأبنائه : [دون تحديد لمفهوم الرفاهية الذي يرتبط بالقاعدة الإِنتاجية كما أرى])) بالاِعتماد على ((طاقاته البشرية ، وثرواته الطبيعية)) . وهو ما لا أتفق وإِيّاه .
أما كلام التقويم التاريخي الذي حملته الرسالة الموجهة لي ، والذي تضمَّن مشاعر ((الفرح الغامر بالاِحتلال)) باِعتباره أعاد ((العراق إلى أهله)) والتعميم المساوي بين الموقفين الرسمي والشعبي العربيين تجاه الوضع في العراق ، لا سيما حول المقابر الجماعية ، وطوال أربعة عقود ((اِكتوى بنارها كله من أقصاه إلى أقصاه ! ! ! وسـط صمت عالمي وعربي مريب ، سـاهم في اِسـتمرار تلك المعاناة ، والمأساة ! )) . . .
أما تلك الرؤية التقويمية الخاصة بكم ، فقد دفعتني للتساؤل الجاد والعميق عما إذا كان الذين صاغوا تلك العبارات وسجلوا تلك الإستنتاجات يدركون ما هو حاصل للعراق الحالي ؟أم لا ، أي غابت عنهم النظرة التاريخية ! من جهة أولى . وما هي المعاني التي تنطوي عليه مفاهيم الإِمبراطورية الأمريكية في عصر قطبيتها الواحدة ، ودور رأسمال الشركات الخاص التي تهيمن عليها ، والمحددات الربحية للجالسين أمام شاشات أجهزة الكومبيوتر لتكوين القرارات السـياسـية والعسكريةوبالتالي : إصدارها وتسويقها . من جهة ثانية .
عليَ القول قبل تناول الموضوع بشيء من الاِستفاضة ، إنَّ هناك اِختلافاً كبيراً ساد في بعض المراحل بين الموقفين الشعبيين تجاه الحرب بين العراق وإيران والعدوان الأمريكي ضد العراق ، فقد كان التضامن الشعبي العربي ـ مثلاً ـ مع المعارضة العراقية خلال السنوات الأولى من الحرب العراقية ـ الإيرانية واضحاً . ولم يتغير الموقف الشعبي العربي إلاّ بعد أنْ أسفرَ القادة الإيرانيون بعد تحريرهم لأرضهم الوطنية عن تصوراتهم السياسية لإقامة نظام مشابه لأيديولوجية سلطتهم الطائفية القائمة في إيران وفرضها على العراق ، فاِبتعدَ الموقف الشعبي العربي عن النظرة الإيرانية التي عبرَّت عنها السلطة القائمة فيها ، ولكنه لم يقترب من النظرة العراقية التي مثلها البعض العراقي : السـلطة السياسية . وكانت المعارضة العراقية في تلك الفترة تلقى الدعم العربي ـ المادي والمعنوي ـ من سوريا وليبيا وغالبية فصائل الثورة الفلسطينية ، وشهدت كل أحزابهم ومنظماتهم الدعم غير المسـبوق من لدن الفصائل العربية كلها إلاّ ما ندر . كانت السلطة العراقية معزولةً عزلةً شعبيةً واضحةً في تلك الفترة .
ولكن الأمور التضامنية مع الحركة الوطنية العراقية المعارضة ، على المستوى العربي ، تغيرت تغييراً جذرياً مع دخول العامل الأمريكي العدواني على الوضع السياسي في العراق ، هذا العامل الذي له شواهد مريرة في الذاكرة القومية العربية والحضارية الإِسـلامية ، وأبدى المجموع القومي العربي ـ عبر منظماته وجماهيره ـاِحتقاراً معلناً وواسعاً للذين يرتشون الدولارات من الإدارة الأمريكية وأجهزة الـ((C I A)) ويعملون على ضوء تعليماتها ويرددون أكاذيبها حول أسلحة الدمار الشامل ، مثلاً . ولا أعتقد إنَّ إنسـاناً عراقياً صادقاً مع نفسه ، مناضلاً حقّاً ومسـتقيماً جاداً ، يطرح رؤية نظرية حقيقية : فكرية وسياسية لصالح شعبه ، يحترم المرتشين ـ ناهيك عن الخونة لوطنهم وشـعبهم ـ أياً كانت صفاتهم ونعوت مواقعهم القيادية وتاريخهم الشخصي ، مرتشون يتعاونون مع الجهات التي ألحقت ضرراً واسعاً بالشعب العراقي وألحقت الموت بأطفاله وشيوخه ونسائه ، والدمار ببنيته التحتية كلها . أيَ أنْ يستسيغ مناضل مستقيم ضحى طوال حياته تقديم الاِحترام لـ((أحد العراقيين أو البعض منهم)) ممنْ يتاجر بالقيم التي ضحى من أجلها المكافحون الأحياء منهم أو الشهداء الأماجـد ؟ .
كانت الجماهير العربية وقواها المناضلة ومفكروها المخلصون يدركون جيداً إنَّ السياسة هي تجسيد لعلاقات موضوعية بين الأطراف المتصارعة كلها ويستطيع الأقوى اِستثمارها كلِّياً لصالح توجهاته الإِسـتراتيجية . وعواطف الضحايا الأبرياء لن تحدد مواصفات الأقوى ورغباته الربحية وأهدافه السـياسـية ، ومصالح مؤسساته وشركاته العملاقة . عليَ إبداء هذه الملاحظة قبل تناول ما هو مطلوب درءاً لكل تصور غير صحيح ـ وفق ما أرى ـ عن التساوي بين الموقفين الشعبي والرسمي العربيين تجاه ((مأساة العراق ومعاناته)) .
# ـ وإذا شئنا المزيد من التحديد حول هذه المسألة لقلنا مثلاً إنَّ العراق قد شهد ثلاث حالات من موجات التدفق البشري إلى الخارج وكانت تواريخها في عام 1979 عندما اِنفرط عقد الجبهة الوطنية التقدمية في العراق ، التي كان يشارك فيها الحزب الشيوعي العراقي ، وجرَّت الاِختلافات بين الحزبين الشريكين في الجبهة : حزب البعث العربي الاِشتراكي والحزب الشيوعي العراقي إلى طريقٍ غير سوي في التعامل بين الجهتين حول مجمل التطورات والتصورات وكان في غالبيتها المطلقة طابعا الجسم الواعي أو الحزبي أو المثقف ، ولكن تلك الموجة التي خرجت من العراق اِستقبلها القوميون العرب من شتى الاِنتماءات الفكرية الوطنية والقومية التقدمية ، وكان من بين أبرزهم أغلب فصائل الثورة الفلسطينية وسوريا وليبيا وتعاطفت معهم شتى الأحزاب التقدمية العربية بهذه النسبة أو تلك ، وكان للفصائل القومية التقدمية : المسترشدة بالماركسية اللينينية ، كما قيمتها الحركة الشيوعية السائرة في فلك موسكو آنذاك : القسط الأوفر في ذلك الاِستقبال.
# ـ أما الموجة الثانية من التدفق البشري العراقي نحو الخارج فقد ترافقت مع الحرب العراقية ـ الإيرانية التي مرت تطوراتها بمراحل مختلفة ، كل مرحلة تحتاج إلى تقويم تاريخي ، من جهة ، مثلما تحتاج إلى تقويم تاريخي على ضوء توقفها الرسمي في 8 / 8 / 1998 كونها تحولت من المسألة السياسية إلى المسألة التاريخية ، وشكل تجنب الاِنغماس في الحرب بين البلدين الجارين السبب الرئيس لها والهروب من الخدمة في الجيش العراقي ، وقد اِستقبل تلك الموجة السوريون والليبيون والفلسطينيون ، وحتى الذين ذهبوا إلى إيران ناضل أغلبهم [من غير المسيس طائفياً] في المجيء إلى سوريا كي يعيشوا بعيداً عما يختلف عنهم بالعامل القومي العربي ، ويأتوا للعيش بين ظهراني أشقائهم الذين لم يسألوا أحداً منهم عن الجواز العراقي الرسمي أو ((الفيزا)) وخلافها .
# ـ أما موجة التدفق البشري للعراقيين فقد أعقبت العدوان الأمريكي الغربي والرجعي العربي والمسلم في 17 / 1 / 1991 فقد اِستقبلها العرب من أغلب البلدان العربية بما فيها الذين أقاموا بمعسكر رفحة السعودي : الدولة التي هيأت الأرض وبعض الأموال في شن العدوان العسكري الأمريكي ، وشكلت غالباً منفذاً لهم للجوء السياسي أو الإنساني للدول الأوروبية ، وفي تقديري إنَّ أسباب العدوان العسكري والحصار الأمريكي الجائر هي التي كانت كامنة وراء هذه الموجة التي اِستغل الأمريكيون كأجهزة مخابراتية حاجاتهم المادية لركوب موجتها لترتيب الدعاية السياسية ضد الدولة العراقية .
ولا يعني ذلك إنَّ بعض الأسباب تدفق الموجات تكمن في طابع مختلف عند بعض أسباب تلك الموجات لدى البعض الآخر ، فقد تكون أسباب اللجوء عند بعض ضحايا 1979 غير سياسية ، فيما تكون الأسباب لدى ضحايا الهروب من الموت في ظل اِندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية سياسية عند البعض ، وكان الاِختلاط في الأسباب الموجبة عند أفراد الموجة الثالثة واضحة ، ولكننا ـ هنا ـ نتحدث بشكل عام .
في أية حال أنَّ الأحزاب التي تشارك في حكم التبعية لأمريكة ، والمحكومة عند المندوب الأمريكي بول بريمر كان أغلبها متحكماً بالعراقيين في سوريا : البوابة الرئيسية للعراقيين من خلال تأسيس مقراتهم الحزبية التي جعلوا منها سفارات رسمية ((لتسهيل مهمة العراقيين)) : لا سيما أحزاب جلال الطالباني ومسعود البرزاني وحميد البياتي ومجلس باقر الحكيم وفروع حزب الدعوة المنقسم على نفسه ، ولا ننسى حزب البعث العراقي/السوري الدائم التواجد في سوريا والنافذ فيها . في السفر من خلال توفير ((برقيات الخروج)) عبر دوائر الأمن المدنية والعسكرية التي صار بعض ضباطها أغنياء بفضل رشوة الأحزاب السياسية والأفراد العراقيين ، والحديث في هذا المجال قد يطول إذا حاولنا تتبع توصيفاته .
ولكن مع ذلك نشهد اليوم اِتهامات متنوعة للعرب ـ هكذا بالعام والمطلق ـ حول عدم تضامنهم مع الشعب العراقي ، ووقوفهم التضامني مع صدام حسين ونظامه أو مع سلطته ، فهل يندرج ذلك مع الأمانة التاريخية والإِنصاف السياسي والروحية الفكرية الصادقة المستقيمة ؟ ! .
من جهتي لا أتفق مع هذا التقييم المتفائل بالمستقبل العراقي ، وأرى إنَّ الترويج حول ذلك ((المستقبل الحالم)) هو عملٌ ـ في أحسـن حالاته ـ من قبيل نشر الأوهام الضارة جداً ، وللتشويش على بلورة وعي نقدي تاريخي مبادر ، يصطفي الجوهري من الظواهر والأساسي من التطورات ، ويحاول مخلصاً جادَّاً صادقاً تلمس آفاق المسـتقبل لصالح الشعب العراقي ، بغض النظر عن آلام الماضي القاتم ، منطلقاً في رسم تصوراته المستقبلية من ضمير وطني وقومي وإنساني .
فالاِحتلال الأجنبي هو اِحتلال في أي مكان وكل زمان ، وووجِـه بالمقاومة المسلحة وغير المسلحة دائماً مهما طالت فترة المراوحة . فالأمريكيون الغزاة لم يأتـوا لغزو واِحتلال العراق إلاّ في سـبيل مصالحهم الإستراتيجية ، ولخدمة حليفهم الأساسـي في المنطقة العربية : كيان الاِغتصاب الصهيوني . لتلك الأسباب جيشّوا حركة العالم السياسية الرسمية ضد دولتنا العراقية . وحشـدُّوا الآلة العسكرية المتطورة ضد شعبنا . طالما اِسـتطاعوا الوصول إلى هدفهم السياسي ، بغض النظر عن الوسائل المستخدمة : كاذبها وصادقها ، مداهنها وعنيفها ، عن طريق تقديم الرشاوى أو جرَّاء الولاء المقصود أو الموضوعي .
ولم ينطـوِ تحركهم السياسي ونشاطهم الدعائي وعملهم العسكري الذي تمحور على الإعداد للسطو والغزو والاِحتلال على أية نزعة إنسانية أسهمت في خلاصنا من الديكتاتورية السياسية لصالح شعب مظلوم ، فتلك نظرة سياسية سـاذجة وفق ما أرى ، تتصور إنَّ الجيش الأمريكي ـ البريطاني هو جيش للرحمة والرأفة وأداء القيم الإنسانية ، بينما تقول وثائقهم بالذات إنَّ المهمة الأساسية له هو إبادة الخصم . فأول ما يتعلمه العسكري في الجيوش الغربية إنه اِمتهنَّ القتل ، والتقنية العسكرية للإبادة الجَماعية هم الذي اِكتشفوها وهم الذين اِستخدموها أيضاً . وقنبلتا هيروشيما ونكازاكي النوويتان ـ مثلاً ـ تشهدان على ذلك في اليابان . والمثال الفيتنامي الذي قدَّم شعبها التضحية البالغة ثلاثة ملايين إنسان جراء القصف من الجو غالباً . . . مثال مضاف أيضاً على نزعة الشر الأمريكية .
أما الحديث عن المقابر الجماعية التي تكشف للعالم ((هول المأساة والمعاناة باِسم فضيحة القرن والجريمة المفزعة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء)) ـ كما جاء في رسالة التكليف ـ والتي قال عنها غارنر إنَّ الرقم النهائي لأرقامها قد يبلغ عدده المليون إنسان ، وتحدث السـيد هادي المدرسي ممثل ما يُسمى بمنظمة العمل الإسلامي عشية رحلته للعراق في قناة ((سحر)) الإِيرانية عن وصول عددها الأربعة ملايين ضحية ، وغيرهما الكثير ، فهي جزء من مأساة عامة شهدها وطننا العراقي طوال الخمسين عاماً الماضية ، منذ ثورة 14 تموز 1958 ، ينبغي قراءتها على ضوء الحقائق التالية ، إذا أردنا خدمة مسـتقبلنا العراقي ، مجتمعنا العراقي ، والنضال من أجل وحدتهما في إطار مؤسسة تخدم المجموع الوطني العراقي ، وعلى ضوء الجواب الملموس على الأسئلة التالية :
1 ـ لماذا تفاقم القمع كلما صارت الأحزاب أكثر ((شـعبية)) على مسـتوى التنظيم ،أي إنها اِكتنـزت عدداً هائلاً من الأفراد المهتَّمين بالشؤون العامة واِكتسبت فيضاً جماهيرياً واسعاً؟ . ففي عام 1958 ـ 1959 اِنتشرت خلايا الحزب الشيوعي العراقي في أغلب الساحات العراقية ، فسادَت عمليات الاِضطهاد والملاحقة والسجن والسحل والإِعدام .وعندما أنشأ حزب البعث العربي الاِشتراكي في عام 1963 الحرسَ القوميَ تعممت السجون والتعذيب والقمع والقتل . وعندما ضعفت السلطة في عهد الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف اِنتشر التقاتل بين الأحزاب العراقية بعضها ضد البعض الآخر : عربييها وكردييها، من ناحية .
وشهد بعض العشائر العراقية ـ كذلك ـ التقاتل والإِجتياحات ، من ناحية أخرى . وبرزت في عهد الأخوين ظاهرة الشقاوات والخاوّات والسـلب والنهب، من ناحية ثالثة . وتسيدَ منتسبو بعض المدن على كل المجتمع العراقي ، من ناحية رابعة . وعندما جاء حزب البعث إلى السلطة ، مرة ثانية ، واِسـتمر في الحكم 35 عاماً وحزَّب الناس العراقيين كلهم ، وعبر قسـر أغلبهم ، وكذلك كلَ مَـنْ يقع تحت قبضة حكمهم المباشـر ، اِنتشـر الموت إِعداماً وتعذيباً بحق أبناء المجتمع ، خامساً وأخيراً..
أنفتقد للوعي السـياسـي التاريخي حول ما هو مطلوب على المستويين الحياتي والسياسي للعراق في مسألة إدارة الوضع السياسي الداخلي ؟ ! .
2 ـ مفهوم ((الحرب الأهلية)) ومدى تسـبُّبه في نشر الموت بين أبناء المجتمع والدمار للمنجز العراقي المادي وتعويقه للممكن على صعيد التنمية المادية والاِجتماعية ، لقد تجسَّد ((المفهوم)) في الواقع العراقي عبر ((الثورة)) الكردية التي كانت تقيم بعض قياداتها علاقات سياسية في خدمة الأجنبي : الإيراني الشـاهنشاهي والإسرائيلي الصهيوني ، خلال المرحلة المؤرخة بين 1961 ـ 1975 . و((اِنتفاضة)) عام 1991 التي نشهد فصولاً مأساوية وكارثية على صعيد بعض نتائجها في الوقت الراهن : المقابر الجماعية . وإذا كانت بعض ((أحزاب المعارضة العراقية ومنظماتها)) رأت في الاِنتقام وسيلتها لاِسترداد ((حقوقها)) من كل العراقيين المضادين لـ((رؤيتها السياسية)) . فإنَّ الواجب المناط بالمسـؤولين الحكوميين كان يقتضي التصرف وفق مسؤولية السلطة المادية والمعنوية المسيطرة على الدولة . . . كان على السـلطة الرسمية إنشاء المحاكم القانونية النزيهة للمحاسبة ، وإصدار الأحكام القانونية وفق التهم العينية الثابتة ، لا الإعدام العشوائي والتستر على الجرائم.
مَنْ الذي نفَّذ أحكام الإعدام الجماعي ؟ ، أليست المؤسسات الأمنية و((الأتباع)) الذين أُعطيت صلاحيات الإعدام لهم ؟ أليس هؤلاء هم عراقيون أيضاً ؟ . فكم من الضحايا البريئة ذهبت جراء الصراعات السـياسـية غير الموضوعية ، التي تصُّر على اِجتثاث ((أعدائها)) من الجذور ؟ وكم من الضحايا ((نتطلع)) لبلوغ أرقامها ؟ في حالة غياب الوعي الفكري والسياسي عن شروط الحياة وأهميتها وضروراتها لدى الحاكمين والمحكومين وبقاء الإِيمان الأيديولوجي وحده هو مَـنْ يحدد المواقف السياسية .
3 ـ ما هو الحل لهذه المعضلة ؟أيكمن الحل بالاِنتقام ((من أُختها على يد أختها)) كما يذهب المثل العراقـي إلى ذلك : والمتداول في المجتمع العراقي ؟ أم يصـبِح القانون والمحاكم هما سـيدا الموقف ؟ ومَنْ يطبق القانون ويعقد المحاكم ؟ . لا بد من توافقات وطنية حول الحل السـياسـي الذي يرضي المجموع ويرتضيه ، وليس الذي يقرره الجميع بالتأكيد ، فإرضاء الأخيرين غاية لا تدرك . وحتى المحتلون ـ الذين هم غير شرعيين أبداً وفق كل المعايير السياسية الموضوعية ، ما عدا معايير مجلس الأمن الأمريكي التي تسوق إرادته الولايات المتحدة الأمريكية ـ وضعوا نُظم قانونية ملزِمة للمُحتَليِّن على مَـنْ يحرِض على العنف والمقاومة ، وإنْ كان لجيوش المحتلين قوانينهم الخاصة في العنف والقتل والسجن .
يتحمل الواعون من أبناء المجتمع : سواء أكانوا مجتهدين وعلماء منهم ، أو مفكرين في الأحزاب العراقية ، مهمة التصدي لتحمل أعباء الحل المُقترَح والتبشير بنهج معين قائم على الإدراك المعرفي والضرورة الوطنية بهدف اِجتياز وعورة هذه المرحلة الحرجة على مستوى الذات الاِجتماعية العراقية.
4 ـ لابد من سـيادة عقلية التسـامح والعفو عند المقدرة والتسـامي على الأحزان والعض على الجُرح . . . عقلية ((الكاظمين الغيظ والعافِّين عن الناس)) . . . عقلية اِذهبوا فأنتم الطلقاء المحمدية ، الذي أُرسل {ص}رحمة للناس وهدى للكائنات . إنَّ نكء الجراح من قبل العراقيين المخلصين ـ لا الأمريكيين ومرتزقتهم الذين يلوكون الكلمات الدعائية للأمريكيين/البريطانيين ولا يتحدثون عن العراق الراهن ـ يزيد الأحقاد ويوجه العمل نحو الأنا التي يتألم الجميع منها ويرفضـها بالأقوال والكلام . . . وهذه القيم التي تنتظـم الحل المطلوب ـ من وجهة نظري ـ لمستقبل وطني عراقي في كل خطواتها العملية ، تنسجم مع الحرص على المُثُل الحضارية التي اِنتظمت مسار تاريخ شعبنا منذ خمسة عشر قرناً .
هل يعني ذلك ترك المجرمين طلقاء ومن دون حساب أو عقاب ؟ كلا ، ولكن لا بد من المحاسبة القانونية ، وإطلاق المحاكم رأيها تجاه البعض . ولا بد من إفساح المجال للمجموع ((المُتهَم)) لكي يدلوا برأيهم ويدافعوا عن أنفسهم . والاِغتيالات العشوائية ترفضها جميع القيم الحضارية الحديثة والدينية ، ناهيك عن قوى مجتمعنا العراقي ، من جهة ، وحتى نميز المضطَهَدين عن المُضطَهِّدِين في الرؤية النظرية والممارسة والعمل ، من جهة أخرى . لا بد من التعويضات العادلة التي تسُدُ أثمان بعض الحيف الذي لحق بالمواطنين .
العراق كيف نراه في الحاضر ؟ .
السادة في موقع ((كتابات)) المحترمون :
أشكركم على دعوتكم الرقيقة للمساهمة في إعطاء وجهة نظر سياسية محددة تجاه التطورات المحتملة في ((العراق المقبل)) التي وصـلني التكليف للكتابة عنها في إطـار ((محور كتابات الجديد)) . وقد رأيتُ ـ فيما رأيت ـ إنَّ السادة المشرفين قد حددوا نمط المساهمة الفكرية على أساس ((عودة العراق إلى أهله)) وبالتالي بدء مرحلة ((جديدة)) من ((عهده)) المستقبلي الذي سيحقق له ((الحرية والرفاهية لأبنائه : [دون تحديد لمفهوم الرفاهية الذي يرتبط بالقاعدة الإِنتاجية كما أرى])) بالاِعتماد على ((طاقاته البشرية ، وثرواته الطبيعية)) . وهو ما لا أتفق وإِيّاه .
أما كلام التقويم التاريخي الذي حملته الرسالة الموجهة لي ، والذي تضمَّن مشاعر ((الفرح الغامر بالاِحتلال)) باِعتباره أعاد ((العراق إلى أهله)) والتعميم المساوي بين الموقفين الرسمي والشعبي العربيين تجاه الوضع في العراق ، لا سيما حول المقابر الجماعية ، وطوال أربعة عقود ((اِكتوى بنارها كله من أقصاه إلى أقصاه ! ! ! وسـط صمت عالمي وعربي مريب ، سـاهم في اِسـتمرار تلك المعاناة ، والمأساة ! )) . . .
أما تلك الرؤية التقويمية الخاصة بكم ، فقد دفعتني للتساؤل الجاد والعميق عما إذا كان الذين صاغوا تلك العبارات وسجلوا تلك الإستنتاجات يدركون ما هو حاصل للعراق الحالي ؟أم لا ، أي غابت عنهم النظرة التاريخية ! من جهة أولى . وما هي المعاني التي تنطوي عليه مفاهيم الإِمبراطورية الأمريكية في عصر قطبيتها الواحدة ، ودور رأسمال الشركات الخاص التي تهيمن عليها ، والمحددات الربحية للجالسين أمام شاشات أجهزة الكومبيوتر لتكوين القرارات السـياسـية والعسكريةوبالتالي : إصدارها وتسويقها . من جهة ثانية .
عليَ القول قبل تناول الموضوع بشيء من الاِستفاضة ، إنَّ هناك اِختلافاً كبيراً ساد في بعض المراحل بين الموقفين الشعبيين تجاه الحرب بين العراق وإيران والعدوان الأمريكي ضد العراق ، فقد كان التضامن الشعبي العربي ـ مثلاً ـ مع المعارضة العراقية خلال السنوات الأولى من الحرب العراقية ـ الإيرانية واضحاً . ولم يتغير الموقف الشعبي العربي إلاّ بعد أنْ أسفرَ القادة الإيرانيون بعد تحريرهم لأرضهم الوطنية عن تصوراتهم السياسية لإقامة نظام مشابه لأيديولوجية سلطتهم الطائفية القائمة في إيران وفرضها على العراق ، فاِبتعدَ الموقف الشعبي العربي عن النظرة الإيرانية التي عبرَّت عنها السلطة القائمة فيها ، ولكنه لم يقترب من النظرة العراقية التي مثلها البعض العراقي : السـلطة السياسية . وكانت المعارضة العراقية في تلك الفترة تلقى الدعم العربي ـ المادي والمعنوي ـ من سوريا وليبيا وغالبية فصائل الثورة الفلسطينية ، وشهدت كل أحزابهم ومنظماتهم الدعم غير المسـبوق من لدن الفصائل العربية كلها إلاّ ما ندر . كانت السلطة العراقية معزولةً عزلةً شعبيةً واضحةً في تلك الفترة .
ولكن الأمور التضامنية مع الحركة الوطنية العراقية المعارضة ، على المستوى العربي ، تغيرت تغييراً جذرياً مع دخول العامل الأمريكي العدواني على الوضع السياسي في العراق ، هذا العامل الذي له شواهد مريرة في الذاكرة القومية العربية والحضارية الإِسـلامية ، وأبدى المجموع القومي العربي ـ عبر منظماته وجماهيره ـاِحتقاراً معلناً وواسعاً للذين يرتشون الدولارات من الإدارة الأمريكية وأجهزة الـ((C I A)) ويعملون على ضوء تعليماتها ويرددون أكاذيبها حول أسلحة الدمار الشامل ، مثلاً . ولا أعتقد إنَّ إنسـاناً عراقياً صادقاً مع نفسه ، مناضلاً حقّاً ومسـتقيماً جاداً ، يطرح رؤية نظرية حقيقية : فكرية وسياسية لصالح شعبه ، يحترم المرتشين ـ ناهيك عن الخونة لوطنهم وشـعبهم ـ أياً كانت صفاتهم ونعوت مواقعهم القيادية وتاريخهم الشخصي ، مرتشون يتعاونون مع الجهات التي ألحقت ضرراً واسعاً بالشعب العراقي وألحقت الموت بأطفاله وشيوخه ونسائه ، والدمار ببنيته التحتية كلها . أيَ أنْ يستسيغ مناضل مستقيم ضحى طوال حياته تقديم الاِحترام لـ((أحد العراقيين أو البعض منهم)) ممنْ يتاجر بالقيم التي ضحى من أجلها المكافحون الأحياء منهم أو الشهداء الأماجـد ؟ .
كانت الجماهير العربية وقواها المناضلة ومفكروها المخلصون يدركون جيداً إنَّ السياسة هي تجسيد لعلاقات موضوعية بين الأطراف المتصارعة كلها ويستطيع الأقوى اِستثمارها كلِّياً لصالح توجهاته الإِسـتراتيجية . وعواطف الضحايا الأبرياء لن تحدد مواصفات الأقوى ورغباته الربحية وأهدافه السـياسـية ، ومصالح مؤسساته وشركاته العملاقة . عليَ إبداء هذه الملاحظة قبل تناول ما هو مطلوب درءاً لكل تصور غير صحيح ـ وفق ما أرى ـ عن التساوي بين الموقفين الشعبي والرسمي العربيين تجاه ((مأساة العراق ومعاناته)) .
# ـ وإذا شئنا المزيد من التحديد حول هذه المسألة لقلنا مثلاً إنَّ العراق قد شهد ثلاث حالات من موجات التدفق البشري إلى الخارج وكانت تواريخها في عام 1979 عندما اِنفرط عقد الجبهة الوطنية التقدمية في العراق ، التي كان يشارك فيها الحزب الشيوعي العراقي ، وجرَّت الاِختلافات بين الحزبين الشريكين في الجبهة : حزب البعث العربي الاِشتراكي والحزب الشيوعي العراقي إلى طريقٍ غير سوي في التعامل بين الجهتين حول مجمل التطورات والتصورات وكان في غالبيتها المطلقة طابعا الجسم الواعي أو الحزبي أو المثقف ، ولكن تلك الموجة التي خرجت من العراق اِستقبلها القوميون العرب من شتى الاِنتماءات الفكرية الوطنية والقومية التقدمية ، وكان من بين أبرزهم أغلب فصائل الثورة الفلسطينية وسوريا وليبيا وتعاطفت معهم شتى الأحزاب التقدمية العربية بهذه النسبة أو تلك ، وكان للفصائل القومية التقدمية : المسترشدة بالماركسية اللينينية ، كما قيمتها الحركة الشيوعية السائرة في فلك موسكو آنذاك : القسط الأوفر في ذلك الاِستقبال.
# ـ أما الموجة الثانية من التدفق البشري العراقي نحو الخارج فقد ترافقت مع الحرب العراقية ـ الإيرانية التي مرت تطوراتها بمراحل مختلفة ، كل مرحلة تحتاج إلى تقويم تاريخي ، من جهة ، مثلما تحتاج إلى تقويم تاريخي على ضوء توقفها الرسمي في 8 / 8 / 1998 كونها تحولت من المسألة السياسية إلى المسألة التاريخية ، وشكل تجنب الاِنغماس في الحرب بين البلدين الجارين السبب الرئيس لها والهروب من الخدمة في الجيش العراقي ، وقد اِستقبل تلك الموجة السوريون والليبيون والفلسطينيون ، وحتى الذين ذهبوا إلى إيران ناضل أغلبهم [من غير المسيس طائفياً] في المجيء إلى سوريا كي يعيشوا بعيداً عما يختلف عنهم بالعامل القومي العربي ، ويأتوا للعيش بين ظهراني أشقائهم الذين لم يسألوا أحداً منهم عن الجواز العراقي الرسمي أو ((الفيزا)) وخلافها .
# ـ أما موجة التدفق البشري للعراقيين فقد أعقبت العدوان الأمريكي الغربي والرجعي العربي والمسلم في 17 / 1 / 1991 فقد اِستقبلها العرب من أغلب البلدان العربية بما فيها الذين أقاموا بمعسكر رفحة السعودي : الدولة التي هيأت الأرض وبعض الأموال في شن العدوان العسكري الأمريكي ، وشكلت غالباً منفذاً لهم للجوء السياسي أو الإنساني للدول الأوروبية ، وفي تقديري إنَّ أسباب العدوان العسكري والحصار الأمريكي الجائر هي التي كانت كامنة وراء هذه الموجة التي اِستغل الأمريكيون كأجهزة مخابراتية حاجاتهم المادية لركوب موجتها لترتيب الدعاية السياسية ضد الدولة العراقية .
ولا يعني ذلك إنَّ بعض الأسباب تدفق الموجات تكمن في طابع مختلف عند بعض أسباب تلك الموجات لدى البعض الآخر ، فقد تكون أسباب اللجوء عند بعض ضحايا 1979 غير سياسية ، فيما تكون الأسباب لدى ضحايا الهروب من الموت في ظل اِندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية سياسية عند البعض ، وكان الاِختلاط في الأسباب الموجبة عند أفراد الموجة الثالثة واضحة ، ولكننا ـ هنا ـ نتحدث بشكل عام .
في أية حال أنَّ الأحزاب التي تشارك في حكم التبعية لأمريكة ، والمحكومة عند المندوب الأمريكي بول بريمر كان أغلبها متحكماً بالعراقيين في سوريا : البوابة الرئيسية للعراقيين من خلال تأسيس مقراتهم الحزبية التي جعلوا منها سفارات رسمية ((لتسهيل مهمة العراقيين)) : لا سيما أحزاب جلال الطالباني ومسعود البرزاني وحميد البياتي ومجلس باقر الحكيم وفروع حزب الدعوة المنقسم على نفسه ، ولا ننسى حزب البعث العراقي/السوري الدائم التواجد في سوريا والنافذ فيها . في السفر من خلال توفير ((برقيات الخروج)) عبر دوائر الأمن المدنية والعسكرية التي صار بعض ضباطها أغنياء بفضل رشوة الأحزاب السياسية والأفراد العراقيين ، والحديث في هذا المجال قد يطول إذا حاولنا تتبع توصيفاته .
ولكن مع ذلك نشهد اليوم اِتهامات متنوعة للعرب ـ هكذا بالعام والمطلق ـ حول عدم تضامنهم مع الشعب العراقي ، ووقوفهم التضامني مع صدام حسين ونظامه أو مع سلطته ، فهل يندرج ذلك مع الأمانة التاريخية والإِنصاف السياسي والروحية الفكرية الصادقة المستقيمة ؟ ! .
من جهتي لا أتفق مع هذا التقييم المتفائل بالمستقبل العراقي ، وأرى إنَّ الترويج حول ذلك ((المستقبل الحالم)) هو عملٌ ـ في أحسـن حالاته ـ من قبيل نشر الأوهام الضارة جداً ، وللتشويش على بلورة وعي نقدي تاريخي مبادر ، يصطفي الجوهري من الظواهر والأساسي من التطورات ، ويحاول مخلصاً جادَّاً صادقاً تلمس آفاق المسـتقبل لصالح الشعب العراقي ، بغض النظر عن آلام الماضي القاتم ، منطلقاً في رسم تصوراته المستقبلية من ضمير وطني وقومي وإنساني .
فالاِحتلال الأجنبي هو اِحتلال في أي مكان وكل زمان ، وووجِـه بالمقاومة المسلحة وغير المسلحة دائماً مهما طالت فترة المراوحة . فالأمريكيون الغزاة لم يأتـوا لغزو واِحتلال العراق إلاّ في سـبيل مصالحهم الإستراتيجية ، ولخدمة حليفهم الأساسـي في المنطقة العربية : كيان الاِغتصاب الصهيوني . لتلك الأسباب جيشّوا حركة العالم السياسية الرسمية ضد دولتنا العراقية . وحشـدُّوا الآلة العسكرية المتطورة ضد شعبنا . طالما اِسـتطاعوا الوصول إلى هدفهم السياسي ، بغض النظر عن الوسائل المستخدمة : كاذبها وصادقها ، مداهنها وعنيفها ، عن طريق تقديم الرشاوى أو جرَّاء الولاء المقصود أو الموضوعي .
ولم ينطـوِ تحركهم السياسي ونشاطهم الدعائي وعملهم العسكري الذي تمحور على الإعداد للسطو والغزو والاِحتلال على أية نزعة إنسانية أسهمت في خلاصنا من الديكتاتورية السياسية لصالح شعب مظلوم ، فتلك نظرة سياسية سـاذجة وفق ما أرى ، تتصور إنَّ الجيش الأمريكي ـ البريطاني هو جيش للرحمة والرأفة وأداء القيم الإنسانية ، بينما تقول وثائقهم بالذات إنَّ المهمة الأساسية له هو إبادة الخصم . فأول ما يتعلمه العسكري في الجيوش الغربية إنه اِمتهنَّ القتل ، والتقنية العسكرية للإبادة الجَماعية هم الذي اِكتشفوها وهم الذين اِستخدموها أيضاً . وقنبلتا هيروشيما ونكازاكي النوويتان ـ مثلاً ـ تشهدان على ذلك في اليابان . والمثال الفيتنامي الذي قدَّم شعبها التضحية البالغة ثلاثة ملايين إنسان جراء القصف من الجو غالباً . . . مثال مضاف أيضاً على نزعة الشر الأمريكية .
أما الحديث عن المقابر الجماعية التي تكشف للعالم ((هول المأساة والمعاناة باِسم فضيحة القرن والجريمة المفزعة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء)) ـ كما جاء في رسالة التكليف ـ والتي قال عنها غارنر إنَّ الرقم النهائي لأرقامها قد يبلغ عدده المليون إنسان ، وتحدث السـيد هادي المدرسي ممثل ما يُسمى بمنظمة العمل الإسلامي عشية رحلته للعراق في قناة ((سحر)) الإِيرانية عن وصول عددها الأربعة ملايين ضحية ، وغيرهما الكثير ، فهي جزء من مأساة عامة شهدها وطننا العراقي طوال الخمسين عاماً الماضية ، منذ ثورة 14 تموز 1958 ، ينبغي قراءتها على ضوء الحقائق التالية ، إذا أردنا خدمة مسـتقبلنا العراقي ، مجتمعنا العراقي ، والنضال من أجل وحدتهما في إطار مؤسسة تخدم المجموع الوطني العراقي ، وعلى ضوء الجواب الملموس على الأسئلة التالية :
1 ـ لماذا تفاقم القمع كلما صارت الأحزاب أكثر ((شـعبية)) على مسـتوى التنظيم ،أي إنها اِكتنـزت عدداً هائلاً من الأفراد المهتَّمين بالشؤون العامة واِكتسبت فيضاً جماهيرياً واسعاً؟ . ففي عام 1958 ـ 1959 اِنتشرت خلايا الحزب الشيوعي العراقي في أغلب الساحات العراقية ، فسادَت عمليات الاِضطهاد والملاحقة والسجن والسحل والإِعدام .وعندما أنشأ حزب البعث العربي الاِشتراكي في عام 1963 الحرسَ القوميَ تعممت السجون والتعذيب والقمع والقتل . وعندما ضعفت السلطة في عهد الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف اِنتشر التقاتل بين الأحزاب العراقية بعضها ضد البعض الآخر : عربييها وكردييها، من ناحية .
وشهد بعض العشائر العراقية ـ كذلك ـ التقاتل والإِجتياحات ، من ناحية أخرى . وبرزت في عهد الأخوين ظاهرة الشقاوات والخاوّات والسـلب والنهب، من ناحية ثالثة . وتسيدَ منتسبو بعض المدن على كل المجتمع العراقي ، من ناحية رابعة . وعندما جاء حزب البعث إلى السلطة ، مرة ثانية ، واِسـتمر في الحكم 35 عاماً وحزَّب الناس العراقيين كلهم ، وعبر قسـر أغلبهم ، وكذلك كلَ مَـنْ يقع تحت قبضة حكمهم المباشـر ، اِنتشـر الموت إِعداماً وتعذيباً بحق أبناء المجتمع ، خامساً وأخيراً..
أنفتقد للوعي السـياسـي التاريخي حول ما هو مطلوب على المستويين الحياتي والسياسي للعراق في مسألة إدارة الوضع السياسي الداخلي ؟ ! .
2 ـ مفهوم ((الحرب الأهلية)) ومدى تسـبُّبه في نشر الموت بين أبناء المجتمع والدمار للمنجز العراقي المادي وتعويقه للممكن على صعيد التنمية المادية والاِجتماعية ، لقد تجسَّد ((المفهوم)) في الواقع العراقي عبر ((الثورة)) الكردية التي كانت تقيم بعض قياداتها علاقات سياسية في خدمة الأجنبي : الإيراني الشـاهنشاهي والإسرائيلي الصهيوني ، خلال المرحلة المؤرخة بين 1961 ـ 1975 . و((اِنتفاضة)) عام 1991 التي نشهد فصولاً مأساوية وكارثية على صعيد بعض نتائجها في الوقت الراهن : المقابر الجماعية . وإذا كانت بعض ((أحزاب المعارضة العراقية ومنظماتها)) رأت في الاِنتقام وسيلتها لاِسترداد ((حقوقها)) من كل العراقيين المضادين لـ((رؤيتها السياسية)) . فإنَّ الواجب المناط بالمسـؤولين الحكوميين كان يقتضي التصرف وفق مسؤولية السلطة المادية والمعنوية المسيطرة على الدولة . . . كان على السـلطة الرسمية إنشاء المحاكم القانونية النزيهة للمحاسبة ، وإصدار الأحكام القانونية وفق التهم العينية الثابتة ، لا الإعدام العشوائي والتستر على الجرائم.
مَنْ الذي نفَّذ أحكام الإعدام الجماعي ؟ ، أليست المؤسسات الأمنية و((الأتباع)) الذين أُعطيت صلاحيات الإعدام لهم ؟ أليس هؤلاء هم عراقيون أيضاً ؟ . فكم من الضحايا البريئة ذهبت جراء الصراعات السـياسـية غير الموضوعية ، التي تصُّر على اِجتثاث ((أعدائها)) من الجذور ؟ وكم من الضحايا ((نتطلع)) لبلوغ أرقامها ؟ في حالة غياب الوعي الفكري والسياسي عن شروط الحياة وأهميتها وضروراتها لدى الحاكمين والمحكومين وبقاء الإِيمان الأيديولوجي وحده هو مَـنْ يحدد المواقف السياسية .
3 ـ ما هو الحل لهذه المعضلة ؟أيكمن الحل بالاِنتقام ((من أُختها على يد أختها)) كما يذهب المثل العراقـي إلى ذلك : والمتداول في المجتمع العراقي ؟ أم يصـبِح القانون والمحاكم هما سـيدا الموقف ؟ ومَنْ يطبق القانون ويعقد المحاكم ؟ . لا بد من توافقات وطنية حول الحل السـياسـي الذي يرضي المجموع ويرتضيه ، وليس الذي يقرره الجميع بالتأكيد ، فإرضاء الأخيرين غاية لا تدرك . وحتى المحتلون ـ الذين هم غير شرعيين أبداً وفق كل المعايير السياسية الموضوعية ، ما عدا معايير مجلس الأمن الأمريكي التي تسوق إرادته الولايات المتحدة الأمريكية ـ وضعوا نُظم قانونية ملزِمة للمُحتَليِّن على مَـنْ يحرِض على العنف والمقاومة ، وإنْ كان لجيوش المحتلين قوانينهم الخاصة في العنف والقتل والسجن .
يتحمل الواعون من أبناء المجتمع : سواء أكانوا مجتهدين وعلماء منهم ، أو مفكرين في الأحزاب العراقية ، مهمة التصدي لتحمل أعباء الحل المُقترَح والتبشير بنهج معين قائم على الإدراك المعرفي والضرورة الوطنية بهدف اِجتياز وعورة هذه المرحلة الحرجة على مستوى الذات الاِجتماعية العراقية.
4 ـ لابد من سـيادة عقلية التسـامح والعفو عند المقدرة والتسـامي على الأحزان والعض على الجُرح . . . عقلية ((الكاظمين الغيظ والعافِّين عن الناس)) . . . عقلية اِذهبوا فأنتم الطلقاء المحمدية ، الذي أُرسل {ص}رحمة للناس وهدى للكائنات . إنَّ نكء الجراح من قبل العراقيين المخلصين ـ لا الأمريكيين ومرتزقتهم الذين يلوكون الكلمات الدعائية للأمريكيين/البريطانيين ولا يتحدثون عن العراق الراهن ـ يزيد الأحقاد ويوجه العمل نحو الأنا التي يتألم الجميع منها ويرفضـها بالأقوال والكلام . . . وهذه القيم التي تنتظـم الحل المطلوب ـ من وجهة نظري ـ لمستقبل وطني عراقي في كل خطواتها العملية ، تنسجم مع الحرص على المُثُل الحضارية التي اِنتظمت مسار تاريخ شعبنا منذ خمسة عشر قرناً .
هل يعني ذلك ترك المجرمين طلقاء ومن دون حساب أو عقاب ؟ كلا ، ولكن لا بد من المحاسبة القانونية ، وإطلاق المحاكم رأيها تجاه البعض . ولا بد من إفساح المجال للمجموع ((المُتهَم)) لكي يدلوا برأيهم ويدافعوا عن أنفسهم . والاِغتيالات العشوائية ترفضها جميع القيم الحضارية الحديثة والدينية ، ناهيك عن قوى مجتمعنا العراقي ، من جهة ، وحتى نميز المضطَهَدين عن المُضطَهِّدِين في الرؤية النظرية والممارسة والعمل ، من جهة أخرى . لا بد من التعويضات العادلة التي تسُدُ أثمان بعض الحيف الذي لحق بالمواطنين .
العراق كيف نراه في الحاضر ؟ .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
العراق كيف نراه في الحاضر ؟ .
ما الذي يتوافق عليه أبناؤه ؟
والآن إلى المساهمة في المحور الذي طرحه موقع ((كتابات)) حول المستقبل العراقي المنشـود ، وقبل باديء ذي بدء ، يهمني القول : إني رأيت المهمة الراهنة والآنية ، تنطوي على توصـيف دقيق للواقع ، قبل تحديد رؤية فكرية وسياسية موضوعية تواكب المرحلة وتلائمها ، وقبل ـ كذلك ـ طرح أية حلول منشودة ، حيث سجلنا في المسـاهمة المنشـورة بتاريخ 16/6/2003إنَّ مرحلة جديدة يشهدها العراق {وهي التي أدرجناها في هذا الكتاب باِعتبارها مقدمة القسم الأول من الكتاب} فلابد من التحليل السـياسي الملموس للموقف السياسي الملموس . . . قبل كل ذلك قلنا التالي::
((اليوم يخضع العراق للاِحتلال العسكري الأمريكي ـ البريطاني ، وباتت السلطة الكلية بيد القوة الأجنبية المسـيطرة على شؤون العراق كلها ، ينتج الأمريكيون في مجالات الثروة المكتنَـزة في الأرض أو تلك في بقية المواقع :الكميةَ التي يريدون منها ، ويعطلون العمل في ذلك الجانب الذي يهّم الشعب ، يستجلبون ذلك ((الرمز السياسي أو الطائفي)) الذي يخدم توجههم ، ويفسحون الطريق لذلك المعَمَّم أو الأفندي أو الذي اِرتدى العقال واليشـماغ لدخول العراق ، ومحاورته حول الشأن العراقي مباشرة أو عبر طرف ذلك ، دون معايير موضوعية إلا معايير خدمتهم .
يطلقون يد الفوضى لتخريب المنجز التاريخي العراقي ، بغية تحويل الذاكرة العراقية إلى صفحة بيضاء يكتب عليها ما يشاؤون وفق المنظور الصهيوني . ويقومون بصياغة البرامج التربوية والتدريسية [. . .] التي هي مجرد رأس الجليد الغاطس في الرؤية الأمريكية)) ((الموقف السياسي المحدد يقتضي التوصيف السياسي ، أولاً وقبل أي شيء)) و ((معرفة الراهن ، والتدبر في ظروفه ، والتفكير في النتائج الراهنة . قراءة لوحة التطورات الراهنة قراءة علمية اِجتماعية مخلصة للوطن العراقي . . . مخلصة للمجتمع العراقي . . . مخلصة للدولة العراقية ـ كما حددتها المفاهيم العلمية للدولة ـ وليس لخدمة المحتل الأجنبي)) قراءة علمية اِجتماعية ملموسة ، هي المهمة الأساسية أمام المفكرين المبادرين ،وليس القراءة النابعة عن قراءة أيديولوجية مقطوعة الجذور عن البعدين الزماني والمكاني .
لتوصيف العراق الراهن ماذا يمكننا القول ؟ ، لكي نعرف الحاضر الذي يعَّد حاضنة المستقبل ، ونتساءل هنا : هل الحاضنة الموضوعية للمحتلين هي التي ستنجب ((دولة الرفاهية)) و((الاِستقرار)) لأبناء العراق ؟ .
# ـ العراق محتل بالقوة العسكرية الأمريكية ـ البريطانية ، بعد حصارٍ دامٍ ومديد اِستمر 12 عاماً ، على كل الصُعد : السياسية والاِقتصادية والاِجتماعية والعلمية والغذائية والدوائية ، وتخللتها حروبٌ ثلاثةٌ بعضها حربٌ عُظمى غير مسبوقة في التاريخ أبداً . كانت الحرب الأولى في عام 1991 قد اِسـتخدم الأمريكيون فيها اليورانيوم المنضَّب ، ودمروا كل البنية التحتية والخدمية للدولة العراقية ، وألحقوا بالمجتمع العراقي أضراراً فادحة عصية على التصور . بلغت أعداد الضـحايا الناجمة عن حروب الحصار والقصف قرابة المليوني مواطن عراقي . والحرب الأخيرة اِستخدم الأمريكيون عشرات الألوف من القنابل المحرمة دولياً بما فيها الاِنفلاقية المخصصة لتقطيع أجساد البشر وإعطابها أو قتلها ، [ أين الطفل العراقي الذي قُطِّعت ساعداه وأُحرق بطنه وصدره ؟ ، ذلك الطفل ذو الاِثني عشر ربيعاً الذي غيبوه بذريعـة معالجته في الكويت باِعتباره شـاهداً حيّاً على بشـاعة الجريمة المُرتكبة بحق كل العراقيين ؟! !]واِسـتخدام القنابل غير المسـتعملة سابقاً التي تحيل البشر إلى مجرد هياكل عظمية فقط داخل تحصيناتهم الآلية العسكرية أو تذويبهم مع آلياتهم أو تبخيرهم دون المرور بالحالة السائلة عبر ظاهرة التسامي بفعل الحرارة العالية ، وإلحاق موت جماعي غير مميز بحق المدافعين عن أرضهم . . . الذائدين عن وطنهم ، والمقاومين للعدوانيين الغزاة ، فضلاً عن كونها ستنشر أمراضاً قد نشهدها لاحقاً .
إنَّ منع المواطنين العراقيين والصحفيين العرب والأجانب من الاِقتراب من المطار لمدة تزيد عن الشهر ينبئ عن ذلك الاِستخدام . إنَّ التغطية على هذه الجريمة البشعة هو إضفاء نزعة إنسانية على أكلة لحوم البشر من العسكريين الأمريكيين والبريطانيين المتوحشين .
# ـ الاِعتراف الصريح من قبل الأمريكيين والبريطانيين بأنَّ وجود قواتهم الغازية للعراق هي قوات محتلة ، يبين الكثير من طبيعة هذا العدوان والغزو والاِحتلال والسطو ، والغاية التي من أجلها شُـنَّ العدوان العسكري المباشر على وطن الرافدين ، وذلك في العشرين من آذار في هذا العام : 2003 . وكان قرار 1483 الصادر عن مجلس الأمن جماعياً ((المسوغ الشرعي)) لهذا الاِحتلال . واِجتماع الأعرَاب في الرياض هو لقراء الفاتحة على العراق المستقل ـ كما قلنا سـابقاً ـ . وشكل رضى الأعرَاب عن تمثيل بول بريمر للعراق الشطب الكلي على السيادة السياسية للعراق ، وإلغاء تمثيل أبنائه لهُ ، بغض النظر عن مواصفاتهم الأيديولوجية ـ كما قلنا سابقاً أيضاً ـ.
# ـ من ضرورات التضليل الإِعلامي ـ الدعائي الأمريكي كان كيل الوعود المخاتلة للعراقيين ، وسـوَّقت بعض الأحزاب العراقية هذه الوعود المضللة . كان تأسـيس الحكومة العراقية كوعـد مطاط لقوات الاِحتلال في البدء ، وتأسيس الحكومة ينطوي على أحد عناصر الدولة ، والدولة العراقية ألغاها المحتلون الأمريكيون . ومن ثم تكررت وعود تأسـيس المجلس الاِستشاري العراقي ولكن من دون ترجمة عملية ، وإقامة المجلس الحاكم العراقي من دون صلاحيات أو بصلاحيات مقننة ، وفق المشيئة الأمريكية . وهكذا يستمر التضليل والمخاتلة . وكان كل ذلك نظرياً وعلى أساس الوعود المخملية . فيما تمَّ تأسيس المجالس البلدية لإِدارة المحافظات ، وهو أسـلوب مستمر في الممارسة وهو شكل الحكم القادم بالتأكيد . أما الحقائق الصادقة فتقول ـ وعلى لسان أرفع مسؤوليه ـ إنَّ الاِحتلال الأمريكي ـ البريطاني قد يستمر إلى عشر سنوات في حده الأقصى وسنتين في حده الأدنى ، ومن دون تحديد زمني دقيق لبقاء القوات الاِستعمارية/العولمية المحتلة في العراق ، إذا لم تنبثق إرادة قتالية جماعية عراقية تترجم شعار : العراق باقٍ والاِحتلال إلى زوال.
# ـ أما على الصعيد العملي فقد أُلغيَ الجيش وهو نصل الدولة وعمادها ، بدلاً من إصلاحه إذا كانوا صادقين في عملهم لرفاهية العراق . وتأسيس شرطة تحافظ على أمن القوات الغازية ، ولكنها شرطة ((سيامية)) فيما يتعلق بأمن المواطنين العراقيين الحياتي . وذلك يذكِّـرِنا بالبرنامج الاِستعماري البريطاني الذي جـرى تطبيقه بعيد الحرب العالمية الثانية وفي أعقاب الاِحتلال البريطاني للعراق عام 1941 ، عندما أُنزلت أعداد الجيش العراقي إلى الثلث فضلاً عن إلحاق الخلل بنوعيته ومُنعت عنه أية أسلحة وفق قياسات ذلك الزمن ، وزيدت أعداد الشرطة الرسمية والسرية إلى ثلاثة أضعاف [تعرضنا إلى ذلك بالتفصيل في الجزء الثاني من كتابنا المعنون حوار على ضوء المباديء والتاريخ بين الرؤية الوطنية ومدَّعي الموقف الوطني ، الذي بحث في ((نشوء الدولة والصراع ضد البريطانيين))ص 135 ـ 188 والصادر في أوائل عام 2002] .
وتم حل وزارة الإعلام ورمي العاملين فيها في مستنقع البطالة ، بدلاً من توجيهها الوجهة التي تخدم المجموع الوطني ، كما زعموا في معزوفاتهم الدعائية التضليلية . أما المنتسـبون لسلك وزارة الخارجية العراقية {ذلك التجسيد الوظيفي لمركز الدولة السياسي الذي يمثل العلاقات السياسية للدولة ـ أية دولة ـ لدى خارج العراق} فقد أصبح حضورهم في ترجمة القرار الوطني العراقي وتمثيل العراق سياسياً في خبر كان إلا فيما ندر .
# ـ ماذا تعني تلك الإِجراءات التي تطرقنا لها في الفقرة السابقة ، إنَّ الجواب العلمي والعملي يقول إنها إجراءات غاشمة ظالمة اِستهدفت شـطب أربعة أخماس القرن العشرين : من إنجازات التطور السياسي العراقي على صعيد تأسيس الدولة العراقية التي أنشأ مداميكها الأساسية أبطال ثورة العشـرين الوطنية التحررية جراء تضحيات ألوف الشهداء والجرحى والمناضلين . واِستمرت التضحية الشعبية من أجل دولة عادلة تتسع لمجموع المواطنين وليس لإلغائها لصالح القوات الأجنبية المعتدية الغازية المحتلة .
# ـ لا بد من فهم أعمق لمعنى ومضمون الحرب الذي حدده كلاوتز فيتز على أنها ((مجرد اِستمرار للسياسة بوسائل أخرى ، فالحرب ، إذن ، ليس مجرد عمل سياسي ، بل هي كذلك أداة سياسية حقيقية ، هي اِستمرار للتعامل السياسي ، هي تنفيذ للسياسة بوسائل أخرى)) وتطبيق ذلك المفهوم الذي تكررت دروسه التاريخية في عشرات المواقع والمناطق ، وبرهنت على صحة تلك الدروس عشرات التجارب العيانية الملموسة ، على الحرب الأمريكية ضد العراق . خصوصاً وإِنَّ الكاتب الألماني العالمي العالِـم قد أكد على الدرس الختامي لكل حرب ، كهدف سياسي ، هو ((العمل لإرغام الخصم على تحقيق رغبة)) المنتصر .
وكذلك من الضروري جداً إدراك المفهوم العلمي السياسي للدولة ـ بغض النظر عن عواطفنا تجاه هذه الظاهرة السياسية القانونية التي لم يفرز التطور الاِجتماعي أفضل منها حتى الوقت الراهن ـالتي هي التجسيد الفعلي للسلطة الموحِدة في المجتمع. . . ذلك المفهوم الذي يعني ((أسـاسـاً علاقات القوة المبنية على إصدار الأوامر والنواهي)) وجميع الدول لا بد أنْ تشمل العناصر التالية :
((أ ـ شبكة متمايزة من المؤسسات والكوادر كالحكومة {السلطة التنفيذية} . والبرلمان {السلطة التشريعية إنْ وجد} . القضاء {السلطة القضائية} . أجهزة الحكم المحلي . أدوات القهر والعنف {الجيش والشرطة} . . . إلخ .
ب ـ مركز السلطة بحيث تشِّع العلاقات السياسية منه إلى خارجه .
ج ـ منطقة محددة أو إقليم يمارس فيه هذا المركز سلطته .
د ـ ويمارس كذلك اِحتكاراً على إِشتراع القوانين الملزمة وسـنَّها ، ويستند إلى اِحتكار اِستعمال وسائل العنف المادي {مبدأ السـيادة})) .[راجع الدولة التسلطية في المشـرق العربي ، للكاتب الدكتور خلدون حسن النقيب ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت/لبنان ، أيار / مايو 1991 ، ص22] .
ما الذي يتوافق عليه أبناؤه ؟
والآن إلى المساهمة في المحور الذي طرحه موقع ((كتابات)) حول المستقبل العراقي المنشـود ، وقبل باديء ذي بدء ، يهمني القول : إني رأيت المهمة الراهنة والآنية ، تنطوي على توصـيف دقيق للواقع ، قبل تحديد رؤية فكرية وسياسية موضوعية تواكب المرحلة وتلائمها ، وقبل ـ كذلك ـ طرح أية حلول منشودة ، حيث سجلنا في المسـاهمة المنشـورة بتاريخ 16/6/2003إنَّ مرحلة جديدة يشهدها العراق {وهي التي أدرجناها في هذا الكتاب باِعتبارها مقدمة القسم الأول من الكتاب} فلابد من التحليل السـياسي الملموس للموقف السياسي الملموس . . . قبل كل ذلك قلنا التالي::
((اليوم يخضع العراق للاِحتلال العسكري الأمريكي ـ البريطاني ، وباتت السلطة الكلية بيد القوة الأجنبية المسـيطرة على شؤون العراق كلها ، ينتج الأمريكيون في مجالات الثروة المكتنَـزة في الأرض أو تلك في بقية المواقع :الكميةَ التي يريدون منها ، ويعطلون العمل في ذلك الجانب الذي يهّم الشعب ، يستجلبون ذلك ((الرمز السياسي أو الطائفي)) الذي يخدم توجههم ، ويفسحون الطريق لذلك المعَمَّم أو الأفندي أو الذي اِرتدى العقال واليشـماغ لدخول العراق ، ومحاورته حول الشأن العراقي مباشرة أو عبر طرف ذلك ، دون معايير موضوعية إلا معايير خدمتهم .
يطلقون يد الفوضى لتخريب المنجز التاريخي العراقي ، بغية تحويل الذاكرة العراقية إلى صفحة بيضاء يكتب عليها ما يشاؤون وفق المنظور الصهيوني . ويقومون بصياغة البرامج التربوية والتدريسية [. . .] التي هي مجرد رأس الجليد الغاطس في الرؤية الأمريكية)) ((الموقف السياسي المحدد يقتضي التوصيف السياسي ، أولاً وقبل أي شيء)) و ((معرفة الراهن ، والتدبر في ظروفه ، والتفكير في النتائج الراهنة . قراءة لوحة التطورات الراهنة قراءة علمية اِجتماعية مخلصة للوطن العراقي . . . مخلصة للمجتمع العراقي . . . مخلصة للدولة العراقية ـ كما حددتها المفاهيم العلمية للدولة ـ وليس لخدمة المحتل الأجنبي)) قراءة علمية اِجتماعية ملموسة ، هي المهمة الأساسية أمام المفكرين المبادرين ،وليس القراءة النابعة عن قراءة أيديولوجية مقطوعة الجذور عن البعدين الزماني والمكاني .
لتوصيف العراق الراهن ماذا يمكننا القول ؟ ، لكي نعرف الحاضر الذي يعَّد حاضنة المستقبل ، ونتساءل هنا : هل الحاضنة الموضوعية للمحتلين هي التي ستنجب ((دولة الرفاهية)) و((الاِستقرار)) لأبناء العراق ؟ .
# ـ العراق محتل بالقوة العسكرية الأمريكية ـ البريطانية ، بعد حصارٍ دامٍ ومديد اِستمر 12 عاماً ، على كل الصُعد : السياسية والاِقتصادية والاِجتماعية والعلمية والغذائية والدوائية ، وتخللتها حروبٌ ثلاثةٌ بعضها حربٌ عُظمى غير مسبوقة في التاريخ أبداً . كانت الحرب الأولى في عام 1991 قد اِسـتخدم الأمريكيون فيها اليورانيوم المنضَّب ، ودمروا كل البنية التحتية والخدمية للدولة العراقية ، وألحقوا بالمجتمع العراقي أضراراً فادحة عصية على التصور . بلغت أعداد الضـحايا الناجمة عن حروب الحصار والقصف قرابة المليوني مواطن عراقي . والحرب الأخيرة اِستخدم الأمريكيون عشرات الألوف من القنابل المحرمة دولياً بما فيها الاِنفلاقية المخصصة لتقطيع أجساد البشر وإعطابها أو قتلها ، [ أين الطفل العراقي الذي قُطِّعت ساعداه وأُحرق بطنه وصدره ؟ ، ذلك الطفل ذو الاِثني عشر ربيعاً الذي غيبوه بذريعـة معالجته في الكويت باِعتباره شـاهداً حيّاً على بشـاعة الجريمة المُرتكبة بحق كل العراقيين ؟! !]واِسـتخدام القنابل غير المسـتعملة سابقاً التي تحيل البشر إلى مجرد هياكل عظمية فقط داخل تحصيناتهم الآلية العسكرية أو تذويبهم مع آلياتهم أو تبخيرهم دون المرور بالحالة السائلة عبر ظاهرة التسامي بفعل الحرارة العالية ، وإلحاق موت جماعي غير مميز بحق المدافعين عن أرضهم . . . الذائدين عن وطنهم ، والمقاومين للعدوانيين الغزاة ، فضلاً عن كونها ستنشر أمراضاً قد نشهدها لاحقاً .
إنَّ منع المواطنين العراقيين والصحفيين العرب والأجانب من الاِقتراب من المطار لمدة تزيد عن الشهر ينبئ عن ذلك الاِستخدام . إنَّ التغطية على هذه الجريمة البشعة هو إضفاء نزعة إنسانية على أكلة لحوم البشر من العسكريين الأمريكيين والبريطانيين المتوحشين .
# ـ الاِعتراف الصريح من قبل الأمريكيين والبريطانيين بأنَّ وجود قواتهم الغازية للعراق هي قوات محتلة ، يبين الكثير من طبيعة هذا العدوان والغزو والاِحتلال والسطو ، والغاية التي من أجلها شُـنَّ العدوان العسكري المباشر على وطن الرافدين ، وذلك في العشرين من آذار في هذا العام : 2003 . وكان قرار 1483 الصادر عن مجلس الأمن جماعياً ((المسوغ الشرعي)) لهذا الاِحتلال . واِجتماع الأعرَاب في الرياض هو لقراء الفاتحة على العراق المستقل ـ كما قلنا سـابقاً ـ . وشكل رضى الأعرَاب عن تمثيل بول بريمر للعراق الشطب الكلي على السيادة السياسية للعراق ، وإلغاء تمثيل أبنائه لهُ ، بغض النظر عن مواصفاتهم الأيديولوجية ـ كما قلنا سابقاً أيضاً ـ.
# ـ من ضرورات التضليل الإِعلامي ـ الدعائي الأمريكي كان كيل الوعود المخاتلة للعراقيين ، وسـوَّقت بعض الأحزاب العراقية هذه الوعود المضللة . كان تأسـيس الحكومة العراقية كوعـد مطاط لقوات الاِحتلال في البدء ، وتأسيس الحكومة ينطوي على أحد عناصر الدولة ، والدولة العراقية ألغاها المحتلون الأمريكيون . ومن ثم تكررت وعود تأسـيس المجلس الاِستشاري العراقي ولكن من دون ترجمة عملية ، وإقامة المجلس الحاكم العراقي من دون صلاحيات أو بصلاحيات مقننة ، وفق المشيئة الأمريكية . وهكذا يستمر التضليل والمخاتلة . وكان كل ذلك نظرياً وعلى أساس الوعود المخملية . فيما تمَّ تأسيس المجالس البلدية لإِدارة المحافظات ، وهو أسـلوب مستمر في الممارسة وهو شكل الحكم القادم بالتأكيد . أما الحقائق الصادقة فتقول ـ وعلى لسان أرفع مسؤوليه ـ إنَّ الاِحتلال الأمريكي ـ البريطاني قد يستمر إلى عشر سنوات في حده الأقصى وسنتين في حده الأدنى ، ومن دون تحديد زمني دقيق لبقاء القوات الاِستعمارية/العولمية المحتلة في العراق ، إذا لم تنبثق إرادة قتالية جماعية عراقية تترجم شعار : العراق باقٍ والاِحتلال إلى زوال.
# ـ أما على الصعيد العملي فقد أُلغيَ الجيش وهو نصل الدولة وعمادها ، بدلاً من إصلاحه إذا كانوا صادقين في عملهم لرفاهية العراق . وتأسيس شرطة تحافظ على أمن القوات الغازية ، ولكنها شرطة ((سيامية)) فيما يتعلق بأمن المواطنين العراقيين الحياتي . وذلك يذكِّـرِنا بالبرنامج الاِستعماري البريطاني الذي جـرى تطبيقه بعيد الحرب العالمية الثانية وفي أعقاب الاِحتلال البريطاني للعراق عام 1941 ، عندما أُنزلت أعداد الجيش العراقي إلى الثلث فضلاً عن إلحاق الخلل بنوعيته ومُنعت عنه أية أسلحة وفق قياسات ذلك الزمن ، وزيدت أعداد الشرطة الرسمية والسرية إلى ثلاثة أضعاف [تعرضنا إلى ذلك بالتفصيل في الجزء الثاني من كتابنا المعنون حوار على ضوء المباديء والتاريخ بين الرؤية الوطنية ومدَّعي الموقف الوطني ، الذي بحث في ((نشوء الدولة والصراع ضد البريطانيين))ص 135 ـ 188 والصادر في أوائل عام 2002] .
وتم حل وزارة الإعلام ورمي العاملين فيها في مستنقع البطالة ، بدلاً من توجيهها الوجهة التي تخدم المجموع الوطني ، كما زعموا في معزوفاتهم الدعائية التضليلية . أما المنتسـبون لسلك وزارة الخارجية العراقية {ذلك التجسيد الوظيفي لمركز الدولة السياسي الذي يمثل العلاقات السياسية للدولة ـ أية دولة ـ لدى خارج العراق} فقد أصبح حضورهم في ترجمة القرار الوطني العراقي وتمثيل العراق سياسياً في خبر كان إلا فيما ندر .
# ـ ماذا تعني تلك الإِجراءات التي تطرقنا لها في الفقرة السابقة ، إنَّ الجواب العلمي والعملي يقول إنها إجراءات غاشمة ظالمة اِستهدفت شـطب أربعة أخماس القرن العشرين : من إنجازات التطور السياسي العراقي على صعيد تأسيس الدولة العراقية التي أنشأ مداميكها الأساسية أبطال ثورة العشـرين الوطنية التحررية جراء تضحيات ألوف الشهداء والجرحى والمناضلين . واِستمرت التضحية الشعبية من أجل دولة عادلة تتسع لمجموع المواطنين وليس لإلغائها لصالح القوات الأجنبية المعتدية الغازية المحتلة .
# ـ لا بد من فهم أعمق لمعنى ومضمون الحرب الذي حدده كلاوتز فيتز على أنها ((مجرد اِستمرار للسياسة بوسائل أخرى ، فالحرب ، إذن ، ليس مجرد عمل سياسي ، بل هي كذلك أداة سياسية حقيقية ، هي اِستمرار للتعامل السياسي ، هي تنفيذ للسياسة بوسائل أخرى)) وتطبيق ذلك المفهوم الذي تكررت دروسه التاريخية في عشرات المواقع والمناطق ، وبرهنت على صحة تلك الدروس عشرات التجارب العيانية الملموسة ، على الحرب الأمريكية ضد العراق . خصوصاً وإِنَّ الكاتب الألماني العالمي العالِـم قد أكد على الدرس الختامي لكل حرب ، كهدف سياسي ، هو ((العمل لإرغام الخصم على تحقيق رغبة)) المنتصر .
وكذلك من الضروري جداً إدراك المفهوم العلمي السياسي للدولة ـ بغض النظر عن عواطفنا تجاه هذه الظاهرة السياسية القانونية التي لم يفرز التطور الاِجتماعي أفضل منها حتى الوقت الراهن ـالتي هي التجسيد الفعلي للسلطة الموحِدة في المجتمع. . . ذلك المفهوم الذي يعني ((أسـاسـاً علاقات القوة المبنية على إصدار الأوامر والنواهي)) وجميع الدول لا بد أنْ تشمل العناصر التالية :
((أ ـ شبكة متمايزة من المؤسسات والكوادر كالحكومة {السلطة التنفيذية} . والبرلمان {السلطة التشريعية إنْ وجد} . القضاء {السلطة القضائية} . أجهزة الحكم المحلي . أدوات القهر والعنف {الجيش والشرطة} . . . إلخ .
ب ـ مركز السلطة بحيث تشِّع العلاقات السياسية منه إلى خارجه .
ج ـ منطقة محددة أو إقليم يمارس فيه هذا المركز سلطته .
د ـ ويمارس كذلك اِحتكاراً على إِشتراع القوانين الملزمة وسـنَّها ، ويستند إلى اِحتكار اِستعمال وسائل العنف المادي {مبدأ السـيادة})) .[راجع الدولة التسلطية في المشـرق العربي ، للكاتب الدكتور خلدون حسن النقيب ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت/لبنان ، أيار / مايو 1991 ، ص22] .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
لم تقم السـلطات المحتلَّة بأي عملٍ من شأنه خدمة العراق ، ولصالح شعبه على وجه التحديد ، وخدمة مستقبله ، فالبريطانيون اِستقلوا بالجنوب وبدؤوا بممارسة سلطتهم السياسية المطلقة . والأمريكيون مارسوا السلطة في الوسط بشكل منفرد وكلي . وتركوا أتباعهم يسيِّرُون الشمال العراقي بحكم نابع من طموحات ذوي الرأسين الذين غابت عن بالهم العملي وصراخهم المستمر حول مقولات الفيدرالية والتوحيد الكردستاني وحمل الهموم السياسية للأشقاء في تركيا وإيران وسوريا . ولم تصْلِح الدولةُ الأولى في العالم على صعيد التطور التقني الأجهزةَ الإِعلامية العراقية الموحِدة للوطن والمجتمع وفق أية أسـس كانت . كما لم تصْلِح أجهزة الاِتصالات الهاتفية في أي منطقة عراقية . ولكنها حرصت على تصدير البترول إلى الأسواق الأجنبية . والترويج لهاتف ((الثريا)) وأجوره المرتفعة الثمن . ومنحت ((الأسعار المجزية)) لشركات المقاولات الأمريكية خصوصاً . الحاكم الأمريكي بول بريمر بات يتدخل في كل شأنٍّ عراقي صغير أو كبير ، فهو يتصرف بدءاً من الشؤون الرياضة وحتى أوضاع كردستان ويتباحث مع قادتها ، ويزور محافظة النجف ويلتقي علمائها أو لا يلتقي بهم . . . مثلما دنَّس صحن النجف الأشرف بأقدامه الصليبية الصهيونية وزاره بفكره المستوحى من عقلية ((المحافظون الجدد والمسيحيون المتصهيونون)) وهي أيديولوجية الإدارة الأمريكية الحالية. ويجتمع بقادة الأحزاب السياسية العراقية الرئيسة ويساهم في صياغة رؤيتهم السياسية الأساسية ، ويفرض الرؤية الأمريكية عليهم ، وهو ((الجنرال المتخصص بمكافحة ما يُسمى بالإرهاب)) الذي سيجلب ((الحرية والديموقراطية والرفاهية)) [ ! !] الموعودة للعراقيين على سبيل المخادعة والمخاتلة والرياء . ومع ذلك فهناك مَنْ ينتظر دولة الرفاهية والتطور . فهل كانت الحرب العدوانية والغزو لصالح العراق ، فلندقق بطبيعة العدوان وقادته والاِستراتيجية الأمريكية : القوة العالمية المتفردة التي تريد فرض رؤيتها السياسية على كل العالم وليس في العراق فقط ؟ . [ننشرها هنا ضمن مساهمتنا في هذه الدراسة ، وتلك الدراسة قد نُشرت في بعد القسـم الأول المرقم بـ{1} التي كتبناها في الشهر الرابع من هذا العام ، كمقدمة لكتاب يبحث في العدوان المفروض على العراق ] .
# ـ أين هي الطاقة البشرية التي كانت تعمل في إصلاح ما تدمره آلة العدوان الأمريكي بين فترة وأخرى ؟ . أين هم العلماء العراقيون الذين صرفت الدولة العراقية عليهم مليارات الدولارات ؟ , أين هو البرنامج العلمي الذي سُلمت وثائقه للأمم المتحدة و((تسلبطت)) عليه الولايات المتحدة من دون أي اِعتبار للقوانين الدولية ؟ . [وكلاهما كلَّف الدولة قرابة التسعين مليار دولار] . أين هي الثروة البشرية الواعية التي تعد عماد أي تطـور في أي دولة والتي بلغ عددها الألوف ؟. فقد كان لدى العراق ، مثلاً ، وفي ميدان معهد البحوث النووية ((سبع دوائر للبحوث هي : المفاعل ، الفيزياء ، الكيمياء ، الهندسة وعلم القياس بالآلات ، علم الأحياء ، الجيولوجيا ، فيزياء الصحة ، وذلك بالإِضافة إلى دائرتي إنتاج نظائر الأشعة والحاسب الألكتروني)) يعمل في أقسامها مئات العلماء العراقيين . وأين العاملون في مراكز البحوث الخاصـة : بالنفط ؛ والبناء ؛ والموارد الطبيعية ؛ والنخيل والتمور ؛ والبيلوجية ؛ والزراعية ؛ الذين بلغت أعدادهم الألوف . [راجع كتاب العلم والسياسة العلمية في الوطن العربي ، اِنطوان زحلان ، مركز دراسـات الوحـدة العربيـة ، بيروت/لبنان 1979 ، ص 88 ـ 89 ] . . .أين هذه المواقع والمراكز في زمـن الاِحتلال الأمريكي ـ البريطاني . لماذا حورب العلماء العاملون بها ، ولماذا جرى تخريب أغلب أقسامها ، بذريعة التخصص في إِنتاج أسلحة الدمار الشامل والعمل في أقسامها ؟ ! .
# ـ الدولة العراقية التي سلبها الاِحتلال كان ينبغي أنْ تدخل في إِطـار خدمة المجموع العراقي ، كما يقول الفقيد الفقيه القانوني السيد حسين جميل : ((الدولة مؤسسة تخـدم كل المواطنين على حَدٍّ سواء ، لا يدخل في حساب تأدية الخدمات النظر إلى أي اِختلاف بين المواطنين وفئاتهم من أيِّ نوعٍ كان الاِختلاف)) ولكن ما لا يُدرك كله على الوجه الأمثل ، هل يُتجاهـل الذي تحقق منـه جراء صـيرورته المظهر الرئيس في العمل الاِجتماعي العراقي ؟ ! .
هل فكَّـرَ السادة الذين يراهنون على الثروة البشرية : في الدراسة المجانية للمراحل الاِبتدائية وحتى المراحل الجامعية وأقسامها العُليا ؛ وبعثات الدراسة الأجنبية ؛ والتي ستتحول الجامعة ـ مثلاً ـ على يد المحتلين إلى اِتجاه خصخصة الدراسة حتماً .
وهل فكَّرَ السـادة في إيصال المياه الصالحة للشـرب والطاقة الكهربائية لأغلبية القرى العراقية ، ناهيك عن كل المدن ؟ . هل فكَّـرَ السادة في مشاريع المياه الاِروائية والنهر الثالث لغسل التربة المالحة والسـدود الكثيرة ومنشـآت ((إباء)) الزراعية ، وحظائر التربية الحيوانية ، وغير ذلك الكثير ؟ .
هل فكَّـرَ السادة في تبليط الشوارع الدولية العريضة التي تضاهي أوتسترادات اليابان ونيويورك ، كما لاحظ أحد الصحفيين اللبنانيين ؟ . هل فكَّـرَ السادة في الأجور المنخفضة للكهرباء والماء والمواصلات ، وزهْد أسـعار الكتب والمطبوعات ؟ .
هل فكَّر السادة في المنظومة الصحية المجّانية أو شبه المجّانية التي كانت تُقدَّم للشعب العراقي التي توسعت في سـبعينيات القرن الماضي بشـكلٍ لافت ؟ .
أليست الدولة العراقية كانت دولة خدمات ـ بهذه الدرجة أو تلك ـ . فهل سيعيد الاِحتلال الأمريكي ـ البريطاني إنتـاج المثيل الأفضل عنها من تلك الخدمات ، وإذا كانت الإِجابة عن ذلك التساؤل بالإيجاب علينا الاِستفسار :فماذا سـيربح ((السادة المحتلون)) إذن ؟ .
وإذا كان ذلك منافياً ـ بناءً على ما تقدم من توصيف ـ للواقع المعاش فإنَّ كل ((الأحلام السياسية : أو أضغاث الأحلام في حقيقتها ـ التي سطَّرها السائلون في موقع ((كتابات)) حول ((مستقبل دولة الرفاهية)) ستكون من قبيل نشر الأوهام الضَّـارة ، كما قلنا . علماً إنَّ مفهوم الرفاهية يختلف من مكان إلى آخر ، فالرفاهية في الدول الغربية المتطورة ، تستند إلى قاعدة إنتاجية متينة ومتكاملة على كل الصُعد ، فيما يعني مفهوم الرفاهية لدى أنظمة الخليج العربي النمط الاِستهلاكي البحت السـائد لدى مجتمعاتها: الأكل والذهاب إلى التفريغ . . . أي تحويل البشر الخليجيين المرفهين ذوي الأعداد القليلة إلى مجرد أجهزة هضمية . ويقتصر اِهتمام قادتها السياسيين على ((الطموح الفكري)) المتمركز حول تلبية رغبات ما بين فخذيهم ، من ناحية ، واِسترضاء الأسياد في واشنطن بدلاً من شقاء عقولهم في الهموم الوطنية والقومية ، من ناحية أخرى .
قد يتساءل أحدٌ عن النفط وإنتاجه في الخليج ، فعلاوة على القول بأنَّ تلك الأنظمة والساسة المسيطرين عليها مجرد ((حرَّاس)) معتمَدون للآبار النفطية ، فإنَّ كل الإنتاج هو إنتاج ريعي فقط ، ولا يترك أي أثر ملموس على الفرد الخليجي المنتج ، إذا كان هناك أفرادٌ منتجين . بينما العراق يمتلك قاعدة إنتاجية على صعيدي الصناعة والزراعة والإِنتاج وغيرها ، بما فيها المعرفة التي هي قوَّة كما تعَـرَّف . وما نفتقده ـ كنا وما نزال ـ الديموقراطية السياسية والمشاركة في القرار السياسي ، على مستوى الفرد والشـعب ، وهي مناط الهدف الكفاحي للمجموع الوطني العراقي المخلص في الماضي والحاضر والمستقبل.
12/7/2003
# ـ أين هي الطاقة البشرية التي كانت تعمل في إصلاح ما تدمره آلة العدوان الأمريكي بين فترة وأخرى ؟ . أين هم العلماء العراقيون الذين صرفت الدولة العراقية عليهم مليارات الدولارات ؟ , أين هو البرنامج العلمي الذي سُلمت وثائقه للأمم المتحدة و((تسلبطت)) عليه الولايات المتحدة من دون أي اِعتبار للقوانين الدولية ؟ . [وكلاهما كلَّف الدولة قرابة التسعين مليار دولار] . أين هي الثروة البشرية الواعية التي تعد عماد أي تطـور في أي دولة والتي بلغ عددها الألوف ؟. فقد كان لدى العراق ، مثلاً ، وفي ميدان معهد البحوث النووية ((سبع دوائر للبحوث هي : المفاعل ، الفيزياء ، الكيمياء ، الهندسة وعلم القياس بالآلات ، علم الأحياء ، الجيولوجيا ، فيزياء الصحة ، وذلك بالإِضافة إلى دائرتي إنتاج نظائر الأشعة والحاسب الألكتروني)) يعمل في أقسامها مئات العلماء العراقيين . وأين العاملون في مراكز البحوث الخاصـة : بالنفط ؛ والبناء ؛ والموارد الطبيعية ؛ والنخيل والتمور ؛ والبيلوجية ؛ والزراعية ؛ الذين بلغت أعدادهم الألوف . [راجع كتاب العلم والسياسة العلمية في الوطن العربي ، اِنطوان زحلان ، مركز دراسـات الوحـدة العربيـة ، بيروت/لبنان 1979 ، ص 88 ـ 89 ] . . .أين هذه المواقع والمراكز في زمـن الاِحتلال الأمريكي ـ البريطاني . لماذا حورب العلماء العاملون بها ، ولماذا جرى تخريب أغلب أقسامها ، بذريعة التخصص في إِنتاج أسلحة الدمار الشامل والعمل في أقسامها ؟ ! .
# ـ الدولة العراقية التي سلبها الاِحتلال كان ينبغي أنْ تدخل في إِطـار خدمة المجموع العراقي ، كما يقول الفقيد الفقيه القانوني السيد حسين جميل : ((الدولة مؤسسة تخـدم كل المواطنين على حَدٍّ سواء ، لا يدخل في حساب تأدية الخدمات النظر إلى أي اِختلاف بين المواطنين وفئاتهم من أيِّ نوعٍ كان الاِختلاف)) ولكن ما لا يُدرك كله على الوجه الأمثل ، هل يُتجاهـل الذي تحقق منـه جراء صـيرورته المظهر الرئيس في العمل الاِجتماعي العراقي ؟ ! .
هل فكَّـرَ السادة الذين يراهنون على الثروة البشرية : في الدراسة المجانية للمراحل الاِبتدائية وحتى المراحل الجامعية وأقسامها العُليا ؛ وبعثات الدراسة الأجنبية ؛ والتي ستتحول الجامعة ـ مثلاً ـ على يد المحتلين إلى اِتجاه خصخصة الدراسة حتماً .
وهل فكَّرَ السـادة في إيصال المياه الصالحة للشـرب والطاقة الكهربائية لأغلبية القرى العراقية ، ناهيك عن كل المدن ؟ . هل فكَّـرَ السادة في مشاريع المياه الاِروائية والنهر الثالث لغسل التربة المالحة والسـدود الكثيرة ومنشـآت ((إباء)) الزراعية ، وحظائر التربية الحيوانية ، وغير ذلك الكثير ؟ .
هل فكَّـرَ السادة في تبليط الشوارع الدولية العريضة التي تضاهي أوتسترادات اليابان ونيويورك ، كما لاحظ أحد الصحفيين اللبنانيين ؟ . هل فكَّـرَ السادة في الأجور المنخفضة للكهرباء والماء والمواصلات ، وزهْد أسـعار الكتب والمطبوعات ؟ .
هل فكَّر السادة في المنظومة الصحية المجّانية أو شبه المجّانية التي كانت تُقدَّم للشعب العراقي التي توسعت في سـبعينيات القرن الماضي بشـكلٍ لافت ؟ .
أليست الدولة العراقية كانت دولة خدمات ـ بهذه الدرجة أو تلك ـ . فهل سيعيد الاِحتلال الأمريكي ـ البريطاني إنتـاج المثيل الأفضل عنها من تلك الخدمات ، وإذا كانت الإِجابة عن ذلك التساؤل بالإيجاب علينا الاِستفسار :فماذا سـيربح ((السادة المحتلون)) إذن ؟ .
وإذا كان ذلك منافياً ـ بناءً على ما تقدم من توصيف ـ للواقع المعاش فإنَّ كل ((الأحلام السياسية : أو أضغاث الأحلام في حقيقتها ـ التي سطَّرها السائلون في موقع ((كتابات)) حول ((مستقبل دولة الرفاهية)) ستكون من قبيل نشر الأوهام الضَّـارة ، كما قلنا . علماً إنَّ مفهوم الرفاهية يختلف من مكان إلى آخر ، فالرفاهية في الدول الغربية المتطورة ، تستند إلى قاعدة إنتاجية متينة ومتكاملة على كل الصُعد ، فيما يعني مفهوم الرفاهية لدى أنظمة الخليج العربي النمط الاِستهلاكي البحت السـائد لدى مجتمعاتها: الأكل والذهاب إلى التفريغ . . . أي تحويل البشر الخليجيين المرفهين ذوي الأعداد القليلة إلى مجرد أجهزة هضمية . ويقتصر اِهتمام قادتها السياسيين على ((الطموح الفكري)) المتمركز حول تلبية رغبات ما بين فخذيهم ، من ناحية ، واِسترضاء الأسياد في واشنطن بدلاً من شقاء عقولهم في الهموم الوطنية والقومية ، من ناحية أخرى .
قد يتساءل أحدٌ عن النفط وإنتاجه في الخليج ، فعلاوة على القول بأنَّ تلك الأنظمة والساسة المسيطرين عليها مجرد ((حرَّاس)) معتمَدون للآبار النفطية ، فإنَّ كل الإنتاج هو إنتاج ريعي فقط ، ولا يترك أي أثر ملموس على الفرد الخليجي المنتج ، إذا كان هناك أفرادٌ منتجين . بينما العراق يمتلك قاعدة إنتاجية على صعيدي الصناعة والزراعة والإِنتاج وغيرها ، بما فيها المعرفة التي هي قوَّة كما تعَـرَّف . وما نفتقده ـ كنا وما نزال ـ الديموقراطية السياسية والمشاركة في القرار السياسي ، على مستوى الفرد والشـعب ، وهي مناط الهدف الكفاحي للمجموع الوطني العراقي المخلص في الماضي والحاضر والمستقبل.
12/7/2003
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
الملاحظات الضرورية
ملاحظة رقم واحد
# ـ نشرنا الدراسة المعنونة : ((الغزو والعدوان سمة أساسية للسياسة الأمريكية في مرحلة عولمتها المتفردة بالوضع العالمي)) ضمن تلك المساهمة الراهنة التي اِنطوت على الإِجابة على سؤال موقع ((كتابات)) المحترم، ومن المعلوم إنَّ تلك الدراسة كنا قد كتبناها في شهر نيسان من هذا العام ، ويمكن مراجعتها في القسم الأول من هذا الكتاب التي جاءت مقدمة له .
ملاحظة رقم اِثنين
# ـ المسـاهمة في تقديم وجهة النظر ينطلق من اِعتبار أنَّ العراق غير مخير راهناً في ظل الوضع الجديد ، لذا فإنَّ المفاضلة بين نظام مبني على الاِنتماء للجامعـة العربية أو النظام الخليجي هو مجرد وهم وقع فيه البعض عن حسـن نية ، ناجم بالأساس عن اِجتهاد اِنبَنت معلوماته على الدعاية السياسية الغربية : الأمريكية على وجه التحديد . وأظن إنَّ النظام الشرق الأوسطي هو الإِمكانية المفتوحة أمام العراق ، ذلك النظام الذي يتسيده كيان الاِغتصاب الصهيوني ، راجع مساهمتنا التي نشرناها تالياً ؛ في هذا الكتاب ؛ لاِستكمال هذا الجواب على محور كتابات والمعنونة : بين الموضوعية والذاتية : السياسة تكمن في التشخيص والاِستنتاج . . . الرؤية العالمية في التحليل هي المنطلق .
ملاحظة رقم ثلاثة
# ـ نُشرت هذه المساهمة في موقع ((كتابات)) يوم 15/7/2003 ، والرمز الأليكتروني للموقع هو : www.kitabat.com .
بين الموضوعية والذاتية :
السياسة تكمن في التشخيص والاِستنتاج . . .
الرؤية العالمية في التحليل هـي المنطلق . . .
{1}
يتصور البعض المهتَّم في شؤون العراق أَنه إذا أراد شيئاً ما ـ على مستوى الطموح والتطلعات والأماني ـ فإنه سيتمكَّن من تحقيق نتائجه السياسية حتماً ، بغض الطرف عن الظروف الموضوعية المحيطة بالوطن أو التي يمرُّ بها ، لذلك فهو يتمنى أن يعيش في عزلة تامَّة عن الوطـن العربي : ((لا هذا ولا ذاك)) أو يختار ذلك النظام الإِقليمي أو هذا : كأنْ يفاضل بين الاِنضمام للنظام السياسي الخليجي المصنوع أو المحمي غربياً/أمريكياً ، أو المحكوم بمحددات الجامعة العربية السياسية العاجزة والمشـلولة كليا خلال المرحلة الحالية على ضوء السياسات الجوهرية وفقاً لمنطق ميثاقها ، أو الاِنكفاء على التكوين العراقي لإِنتاج تجربة سياسية خاصة سـتكون نموذجاً يُحتذى حتماً في المنطقة العربية . ومع ما في ذلك من تفكير لا إرادي بالوضع العربي ، إلا أنه يغيِّب نوعاً محدداً من الوضع السـياسـي العربي . . . النوع الذي يفكّـر بالمستقبل العربي الذي يعتمد على ذاته البشرية والعامل في سبيل ذاته القومية ، ويشدُّ أمانيه ـ بدلاً من ذلك ـ إلى مفاهيم ترتبط والقوى المحافظة التي تسود في بعض الأنظمة العربية التي لن تجد سوى الرؤية الأمريكية والسطوة الأمريكية الملاذ والخلاص لسلطتها من الغرق المحيط بها .
وعلى الصعيد الوطني العراقي يشطح الخيال الذاتي الجامح بالبعض ((المفكِّر)) بغية الضرب بالقبضتين على رأس كل مَـنْ يفكِّر بشكلٍ مغاير عن هذا البعض ، فذلك وطني عراقي مخلص لوطنه ومناويء للقوة الكونية لكنه يحاول ((إنكار)) الواقع السياسي العالمي ، كما يزعمون ، ومعادٍ للسياسات الغربية الأجنبية على طول الخط السياسـي . . . ذلك الأجنبي الذي يحاول تمرير مخططاته ورؤيته السياسية عبر مخاتلات الدعاية المتكررة على الطريقة الغوبلزية : اِكذب . . . اِكذب . . . اِكذب حتى يصدُّقك الآخرون .والثاني قومي عربي جلب الكوارث السياسية على العراق خلال خمسين عاماً ، أي منذ ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي طُرِدَ في أعقابها الاِستعمار البريطاني . والآخر ماركسي علمي لم تنبت تجربتُه أية خصِّيصةَ فكرية وطنية عراقية . والآخر حضاري إسلامي لا ينطلق من تصورات تعتمد على الرؤية الفكرية الغربية . . . إسلامي يناضل في سـبيل تصورات فكرية مجردة أو يرتبط بنزوع فكري يحاول من خلاله إعادة الماضي الذهبي للأمة .
أو جلد هؤلاء المفكرين كلهم الذين تكونت كينونتهم من خليط مؤَسَس على هذه الرؤى أو تلك : بسيف نقده الخشبي . لا يدرك هذا البعض جيداً أنَّ هذا الكل المخلص هـو الرافض للاِقتراب من حافة الطاعة السياسية لأمريكا , وكون هؤلاء الرافضين لرؤية هذا المفكِّر ذي الخيال الجامح هم الأقدر على المساومة ـ من موقع سيادة بعضهم على السلطة ـ بما يتعلق بفلسطين والنفط والمستقبل العربي ، ولكنهم يأنفون عن تجريب هذا الطريق المضاد للمصالح التاريخية للوطن العربي . وهكذا يحارب الحالمون السياسيون طواحين الهواء من أجل إِجتراح معجزات معلَّقة في الهواء ، كما نعتقد .
ينطلق أولئك الذين يتصورون أنَّ المستقبل مرهون بإِرادتهم الذاتية عبر تغييب عاملي المكان والزمان عن تفكيرهم السياسي وتصوراتهم الفكرية ، ونعني بالمكان هو الدولة العراقية في اللحظة التاريخية الراهنة التي تعَّـد أبرز سمات واقعها الراهن الاِحتلال العسكري والسياسي الكامل لها من قبل قوة كونية أجنبية ، تحاول تفكيك أوضاعه السياسية على الصعيد الوطني ، وإِعادة تركيبه على ضوء فهم هذه القوة الكونية مصالحها الإستراتيجية . . . أي تكييف العراق كلياً لخدمة رؤيتها السياسية الأمريكية العالمية . من هنا جاءت بعض الاِعتراضات العربية الرسمية والإقليمية والدولية ، لأنها تدرك من خلال معلومات عينية ملموسة وتصورات سياسية محسـوسـة ، أبعاد الصراع الإِستراتيجي في المنطقة وعلى المنطقة والتي تتجلى نتائجه على صعيد الوطن العراقي والشعب العراقي والدولة العراقية .
لقد تعرضنا لبعض خطوطها الأساسية على المستوى الداخلي في المساهمة المنشورة على موقع ((كتابات)) يوم 15 تموز عام2003 . الأمر الذي نعدُّ هذه المساهمة الفكرية التي تتعلق بطبيعة النظام الإِقليمي المرسوم للمنطقة سياسياًهي العنصر الحيوي والمركزي المكمِّل لتركيبة الرؤية الفكرية والسياسية التي نؤمن بها على ضوء الحاضر السياسي الملموس .
أما مفهوم الزمان فيدُّل على ((ترتيب وقت الأحداث المتتالية)) من حيث تبوء القوة الأعظم على الكون كله ، وكونه أيضاً نوع من ((العلاقات الشاملة والأساسية للمنظومات)) الكلية الكامنة في الأساسيات الموضوعية للأحداث السياسية ، أي الخارجة عن الوعي الذاتي المرتبط بالإرادة الذاتية الفردية ، نظراً لأنَّ هذا المفهوم لا ينفصل عن المكان الذي يتعرض للتأثير في الفترة المحدَّدَة . وكلا المفهومين ظاهرتان موضوعيتان . ولا يمكن التأثير على مجريات المكان الحدثية بصورة فجائية ، بل تنجم عن تراكم أفعال كمية لتتحول بفعل الدفع البشري الجماعي إلى ظواهر سياسية نوعية : سلباً أو إيجاباً ، ولتشكل بالتالي إحدى معالم الحاضر والمستقبل .
وفي الوقت الحاضر تشـكِّل القطبية العالمية الحلقة المركزية الأقوى في الكون ، وهي التي تتحكم في التطورات السياسية العالمية كلها ، تحدِد اِتجاه بوصلة حركتها وتكوين منجز صيرورتها . سياسة الإدارة التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية في الزمان الراهن هي التي تمثل الحلقة المركزية الراهنة ، وهي التي تمتلك تصورات سـياسـية ملموسة عن كل عملية سياسية جوهرية في العالم ، وترصد طابع الحركة لكل القوى المناوئة لها بذرائع البحث عن الإرهاب والإرهابيين ، أو المحايدة عنها ـ أو بالأحرى تحاول ـ أو الموافقة لها : الطائعة الذليلة عن طيب خاطر ، كما هو البعض الرسـمي العربي الذي مدَّ خطم أنفه لكي يربطه الأمريكيون بحبال التبعية المجدولة بقوة رؤيتها السـياسـية ، من ناحية ، أو المرغمة على الطاعة المستخذية الذليلة التي تبرِّر اِنبطاحها المشين بعدم القُدرة ذاتياً ، وكذلك عدم وجود أية إمكانية لدى شـعوبها لمقاومتهابغية تبرير موقفها الخانع الراكع ، من ناحية أخرى .
ولكن ما هي التصورات الفكرية لهذا القطب العالمي الأمريكي ، ما هي برامجه السياسية لكل المناطق ، ما هي وسائله المستخدمة ؟ لا شك إنَّ الجواب عن تلك التساؤلات يستغرق الصفحات الطويلة التي تتعلق بالحاضر العربي والعراقي . وإذا اِنتقلنا من العام العالمي الذي يقتضي النظرة المدققة في رؤية هذا القطب ، إلى الخاص الإقليمي العربي حول ماهية المستقبل المخصص للمنطقة العربية ، والتي سيلعب الموقع العراقي المدى الجغرافي لمكان تحرك القطب المستقبلي على أرضية التطلع لاِسـتكمال إلحاق المنطقة العربية بالموقع المطلوب وفق الرؤية الأمريكية عبر المكان العراقي . . . نتساءل ما هي التصورات الفكرية للإدارة الأمريكية الراهنة عن المنطقة العربية ؟ .
إذا لم تواجَه سـياسـته المرسـومة للمنطقة العربية بالمقاومة الشعبية الواضحة : مُسلَّحة وغير مُسلَّحة .
إذن لابد ـ باديء ذي بدء ـ من إلقاء نظرة موضوعية مكثفة ، ولكنها وافية بالقدر الذي نستطيع ومتوفر لنا ، على التصورات الفكرية والسياسية لعالم أمريكا الإستراتيجية ـ القطبية الإستراتيجية ـ التي اِتسمت بالديناميكية والتطور والتلاؤم على ضوء المستجدات العالمية . لقد جرى تنفيذ متطلبات هذه التطورات وشروطها على ضوء الإمكانيات المتوفرة ، فالولايات المتحدة الأمريكية هي الأغنى والأقوى في عالم اليوم ، ويكفينا القول إنَّ موازنتها العسكرية قد قاربت اليوم أربعمائة مليار دولار ، هي أرقام فلكية لاشك في ذلك ولن يبلغ كل العالم الآخر : المتقدم فيها والمتخلف منها إلى مبلغها على مسـتوى اِنفرادها. وهي تستحوذ على أغلب الكفاءات العلمية البارزة والمطلوبة ، الأمر الذي أكدت الوقائع معها : على أنَّ مَـنْ يسعى خلفها راهناً هـو متخـلـف عنها بمراحل عديدة في ميادين التطور المعرفي والتقني . والمعرفة هي قوَّة في نهاية المطاف .
وأحداث الحادي عشر من أيلول 2001 هي اللحظة الزمنية التي اِقتنصتها الإدارة الأمريكية الراهنة بغية فرض رؤيتها السياسية الكلية على الآخرين ، من ناحية . أما رؤيتها الأساسية فقد تحدَّدَت منذ اِنتهاء القطبية المنافسة أو المسـاومة من الحضور السـياسـي العالمي : الاِتحاد السوفييتي ، من ناحية ثانية . وتوجيه الضربة القاصمة لأحد بلدان العالم الثالث : العراق في عام 1991 ، من ناحية ثالثة . تلك الأحداث هي المنعطفات السياسية الكبرى في التاريخ المعاصر .
ملاحظة رقم واحد
# ـ نشرنا الدراسة المعنونة : ((الغزو والعدوان سمة أساسية للسياسة الأمريكية في مرحلة عولمتها المتفردة بالوضع العالمي)) ضمن تلك المساهمة الراهنة التي اِنطوت على الإِجابة على سؤال موقع ((كتابات)) المحترم، ومن المعلوم إنَّ تلك الدراسة كنا قد كتبناها في شهر نيسان من هذا العام ، ويمكن مراجعتها في القسم الأول من هذا الكتاب التي جاءت مقدمة له .
ملاحظة رقم اِثنين
# ـ المسـاهمة في تقديم وجهة النظر ينطلق من اِعتبار أنَّ العراق غير مخير راهناً في ظل الوضع الجديد ، لذا فإنَّ المفاضلة بين نظام مبني على الاِنتماء للجامعـة العربية أو النظام الخليجي هو مجرد وهم وقع فيه البعض عن حسـن نية ، ناجم بالأساس عن اِجتهاد اِنبَنت معلوماته على الدعاية السياسية الغربية : الأمريكية على وجه التحديد . وأظن إنَّ النظام الشرق الأوسطي هو الإِمكانية المفتوحة أمام العراق ، ذلك النظام الذي يتسيده كيان الاِغتصاب الصهيوني ، راجع مساهمتنا التي نشرناها تالياً ؛ في هذا الكتاب ؛ لاِستكمال هذا الجواب على محور كتابات والمعنونة : بين الموضوعية والذاتية : السياسة تكمن في التشخيص والاِستنتاج . . . الرؤية العالمية في التحليل هي المنطلق .
ملاحظة رقم ثلاثة
# ـ نُشرت هذه المساهمة في موقع ((كتابات)) يوم 15/7/2003 ، والرمز الأليكتروني للموقع هو : www.kitabat.com .
بين الموضوعية والذاتية :
السياسة تكمن في التشخيص والاِستنتاج . . .
الرؤية العالمية في التحليل هـي المنطلق . . .
{1}
يتصور البعض المهتَّم في شؤون العراق أَنه إذا أراد شيئاً ما ـ على مستوى الطموح والتطلعات والأماني ـ فإنه سيتمكَّن من تحقيق نتائجه السياسية حتماً ، بغض الطرف عن الظروف الموضوعية المحيطة بالوطن أو التي يمرُّ بها ، لذلك فهو يتمنى أن يعيش في عزلة تامَّة عن الوطـن العربي : ((لا هذا ولا ذاك)) أو يختار ذلك النظام الإِقليمي أو هذا : كأنْ يفاضل بين الاِنضمام للنظام السياسي الخليجي المصنوع أو المحمي غربياً/أمريكياً ، أو المحكوم بمحددات الجامعة العربية السياسية العاجزة والمشـلولة كليا خلال المرحلة الحالية على ضوء السياسات الجوهرية وفقاً لمنطق ميثاقها ، أو الاِنكفاء على التكوين العراقي لإِنتاج تجربة سياسية خاصة سـتكون نموذجاً يُحتذى حتماً في المنطقة العربية . ومع ما في ذلك من تفكير لا إرادي بالوضع العربي ، إلا أنه يغيِّب نوعاً محدداً من الوضع السـياسـي العربي . . . النوع الذي يفكّـر بالمستقبل العربي الذي يعتمد على ذاته البشرية والعامل في سبيل ذاته القومية ، ويشدُّ أمانيه ـ بدلاً من ذلك ـ إلى مفاهيم ترتبط والقوى المحافظة التي تسود في بعض الأنظمة العربية التي لن تجد سوى الرؤية الأمريكية والسطوة الأمريكية الملاذ والخلاص لسلطتها من الغرق المحيط بها .
وعلى الصعيد الوطني العراقي يشطح الخيال الذاتي الجامح بالبعض ((المفكِّر)) بغية الضرب بالقبضتين على رأس كل مَـنْ يفكِّر بشكلٍ مغاير عن هذا البعض ، فذلك وطني عراقي مخلص لوطنه ومناويء للقوة الكونية لكنه يحاول ((إنكار)) الواقع السياسي العالمي ، كما يزعمون ، ومعادٍ للسياسات الغربية الأجنبية على طول الخط السياسـي . . . ذلك الأجنبي الذي يحاول تمرير مخططاته ورؤيته السياسية عبر مخاتلات الدعاية المتكررة على الطريقة الغوبلزية : اِكذب . . . اِكذب . . . اِكذب حتى يصدُّقك الآخرون .والثاني قومي عربي جلب الكوارث السياسية على العراق خلال خمسين عاماً ، أي منذ ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي طُرِدَ في أعقابها الاِستعمار البريطاني . والآخر ماركسي علمي لم تنبت تجربتُه أية خصِّيصةَ فكرية وطنية عراقية . والآخر حضاري إسلامي لا ينطلق من تصورات تعتمد على الرؤية الفكرية الغربية . . . إسلامي يناضل في سـبيل تصورات فكرية مجردة أو يرتبط بنزوع فكري يحاول من خلاله إعادة الماضي الذهبي للأمة .
أو جلد هؤلاء المفكرين كلهم الذين تكونت كينونتهم من خليط مؤَسَس على هذه الرؤى أو تلك : بسيف نقده الخشبي . لا يدرك هذا البعض جيداً أنَّ هذا الكل المخلص هـو الرافض للاِقتراب من حافة الطاعة السياسية لأمريكا , وكون هؤلاء الرافضين لرؤية هذا المفكِّر ذي الخيال الجامح هم الأقدر على المساومة ـ من موقع سيادة بعضهم على السلطة ـ بما يتعلق بفلسطين والنفط والمستقبل العربي ، ولكنهم يأنفون عن تجريب هذا الطريق المضاد للمصالح التاريخية للوطن العربي . وهكذا يحارب الحالمون السياسيون طواحين الهواء من أجل إِجتراح معجزات معلَّقة في الهواء ، كما نعتقد .
ينطلق أولئك الذين يتصورون أنَّ المستقبل مرهون بإِرادتهم الذاتية عبر تغييب عاملي المكان والزمان عن تفكيرهم السياسي وتصوراتهم الفكرية ، ونعني بالمكان هو الدولة العراقية في اللحظة التاريخية الراهنة التي تعَّـد أبرز سمات واقعها الراهن الاِحتلال العسكري والسياسي الكامل لها من قبل قوة كونية أجنبية ، تحاول تفكيك أوضاعه السياسية على الصعيد الوطني ، وإِعادة تركيبه على ضوء فهم هذه القوة الكونية مصالحها الإستراتيجية . . . أي تكييف العراق كلياً لخدمة رؤيتها السياسية الأمريكية العالمية . من هنا جاءت بعض الاِعتراضات العربية الرسمية والإقليمية والدولية ، لأنها تدرك من خلال معلومات عينية ملموسة وتصورات سياسية محسـوسـة ، أبعاد الصراع الإِستراتيجي في المنطقة وعلى المنطقة والتي تتجلى نتائجه على صعيد الوطن العراقي والشعب العراقي والدولة العراقية .
لقد تعرضنا لبعض خطوطها الأساسية على المستوى الداخلي في المساهمة المنشورة على موقع ((كتابات)) يوم 15 تموز عام2003 . الأمر الذي نعدُّ هذه المساهمة الفكرية التي تتعلق بطبيعة النظام الإِقليمي المرسوم للمنطقة سياسياًهي العنصر الحيوي والمركزي المكمِّل لتركيبة الرؤية الفكرية والسياسية التي نؤمن بها على ضوء الحاضر السياسي الملموس .
أما مفهوم الزمان فيدُّل على ((ترتيب وقت الأحداث المتتالية)) من حيث تبوء القوة الأعظم على الكون كله ، وكونه أيضاً نوع من ((العلاقات الشاملة والأساسية للمنظومات)) الكلية الكامنة في الأساسيات الموضوعية للأحداث السياسية ، أي الخارجة عن الوعي الذاتي المرتبط بالإرادة الذاتية الفردية ، نظراً لأنَّ هذا المفهوم لا ينفصل عن المكان الذي يتعرض للتأثير في الفترة المحدَّدَة . وكلا المفهومين ظاهرتان موضوعيتان . ولا يمكن التأثير على مجريات المكان الحدثية بصورة فجائية ، بل تنجم عن تراكم أفعال كمية لتتحول بفعل الدفع البشري الجماعي إلى ظواهر سياسية نوعية : سلباً أو إيجاباً ، ولتشكل بالتالي إحدى معالم الحاضر والمستقبل .
وفي الوقت الحاضر تشـكِّل القطبية العالمية الحلقة المركزية الأقوى في الكون ، وهي التي تتحكم في التطورات السياسية العالمية كلها ، تحدِد اِتجاه بوصلة حركتها وتكوين منجز صيرورتها . سياسة الإدارة التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية في الزمان الراهن هي التي تمثل الحلقة المركزية الراهنة ، وهي التي تمتلك تصورات سـياسـية ملموسة عن كل عملية سياسية جوهرية في العالم ، وترصد طابع الحركة لكل القوى المناوئة لها بذرائع البحث عن الإرهاب والإرهابيين ، أو المحايدة عنها ـ أو بالأحرى تحاول ـ أو الموافقة لها : الطائعة الذليلة عن طيب خاطر ، كما هو البعض الرسـمي العربي الذي مدَّ خطم أنفه لكي يربطه الأمريكيون بحبال التبعية المجدولة بقوة رؤيتها السـياسـية ، من ناحية ، أو المرغمة على الطاعة المستخذية الذليلة التي تبرِّر اِنبطاحها المشين بعدم القُدرة ذاتياً ، وكذلك عدم وجود أية إمكانية لدى شـعوبها لمقاومتهابغية تبرير موقفها الخانع الراكع ، من ناحية أخرى .
ولكن ما هي التصورات الفكرية لهذا القطب العالمي الأمريكي ، ما هي برامجه السياسية لكل المناطق ، ما هي وسائله المستخدمة ؟ لا شك إنَّ الجواب عن تلك التساؤلات يستغرق الصفحات الطويلة التي تتعلق بالحاضر العربي والعراقي . وإذا اِنتقلنا من العام العالمي الذي يقتضي النظرة المدققة في رؤية هذا القطب ، إلى الخاص الإقليمي العربي حول ماهية المستقبل المخصص للمنطقة العربية ، والتي سيلعب الموقع العراقي المدى الجغرافي لمكان تحرك القطب المستقبلي على أرضية التطلع لاِسـتكمال إلحاق المنطقة العربية بالموقع المطلوب وفق الرؤية الأمريكية عبر المكان العراقي . . . نتساءل ما هي التصورات الفكرية للإدارة الأمريكية الراهنة عن المنطقة العربية ؟ .
إذا لم تواجَه سـياسـته المرسـومة للمنطقة العربية بالمقاومة الشعبية الواضحة : مُسلَّحة وغير مُسلَّحة .
إذن لابد ـ باديء ذي بدء ـ من إلقاء نظرة موضوعية مكثفة ، ولكنها وافية بالقدر الذي نستطيع ومتوفر لنا ، على التصورات الفكرية والسياسية لعالم أمريكا الإستراتيجية ـ القطبية الإستراتيجية ـ التي اِتسمت بالديناميكية والتطور والتلاؤم على ضوء المستجدات العالمية . لقد جرى تنفيذ متطلبات هذه التطورات وشروطها على ضوء الإمكانيات المتوفرة ، فالولايات المتحدة الأمريكية هي الأغنى والأقوى في عالم اليوم ، ويكفينا القول إنَّ موازنتها العسكرية قد قاربت اليوم أربعمائة مليار دولار ، هي أرقام فلكية لاشك في ذلك ولن يبلغ كل العالم الآخر : المتقدم فيها والمتخلف منها إلى مبلغها على مسـتوى اِنفرادها. وهي تستحوذ على أغلب الكفاءات العلمية البارزة والمطلوبة ، الأمر الذي أكدت الوقائع معها : على أنَّ مَـنْ يسعى خلفها راهناً هـو متخـلـف عنها بمراحل عديدة في ميادين التطور المعرفي والتقني . والمعرفة هي قوَّة في نهاية المطاف .
وأحداث الحادي عشر من أيلول 2001 هي اللحظة الزمنية التي اِقتنصتها الإدارة الأمريكية الراهنة بغية فرض رؤيتها السياسية الكلية على الآخرين ، من ناحية . أما رؤيتها الأساسية فقد تحدَّدَت منذ اِنتهاء القطبية المنافسة أو المسـاومة من الحضور السـياسـي العالمي : الاِتحاد السوفييتي ، من ناحية ثانية . وتوجيه الضربة القاصمة لأحد بلدان العالم الثالث : العراق في عام 1991 ، من ناحية ثالثة . تلك الأحداث هي المنعطفات السياسية الكبرى في التاريخ المعاصر .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
{2}
لاشك إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى الأمـة العربية من خلال حكّامها الحاضرين : المسلوبي الإِرادة السياسية والمطواعين لإدارتها في رسم المصائر التاريخية للبلدان . هؤلاء الحكّام المتسلطون على الشعوب والأوطان القطرية يشعرون إنهم ورثة الله على الأرض وخالدون عبر أبنائهم إلى ما شاءت لهم خواطرهم ، بالرغم من أحاديثهم حول مداولة الأملاك ، ومن خلال المثال القرآني المتداول في كل مكان عربي : ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) لكي ((لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)) . والحقيقة التاريخية القائلة : إنه لو دامت لغيرك لما وصلت إليك .
تتعامل أمريكا مع هؤلاء الحكام بالواقع المحسوس عندها . . . ذلك الواقع الذي تشهده الأحداث العربية اليومية على المستوى السياسي ، ينبع المثال المعَبِّر عن ذلك الواقع من خلال تقاليد ((الخيمة والسـوق)) الذي صيرته أمريكا فلسلفة كاملة للتعامل السياسي مع هؤلاء الحكام ، تقول الرؤية الأمريكية بلغة عملية واضحة جرى تطبيقها في العديد من المواقع القطرية ، قبل سَـوْق الحكّام العرب بعصا أوامر الإدارة الأمريكية السـياسـية والقوة المتغطرسة . . . تقول إنَّ الذي يتحكم بقرارات المنطقة يبلغ عددهم عدد الحكَّام العرب ، وتلك المقولة الفكرية اِبتدعها أو إجترحها أحد الصهاينة اليهود : ريتشارد هاس الذي هو أحد المفكِّرين للمحافظين الجدد {كما يرجِّح السيد هيكل} وطبقها هنري كيسنجر وغيره في العديد من المناطق العربية . [1] .
{((تقليد)) ((الخيمة)) وفيها شيخ يتوسَّط مجلساً يحيط به ، وإنْ كانت السلطة عنده وحده ، وعندما تدخل عليه فسوف تجد من حوله كثيرين يدخلون ويخرجون ـ ويهمسون في إذنه ، ويهزُّون رؤوسهم . وقد ترى أحدهم يتوجَّه أمامك إلى رجُل آخر في الخيمة لينقل إليه شيئاً وهو يشوِّح بإحدى يديه ، كل تلك مؤثرات شـكلية وصوتية . ركِّز نظرك على الشيخ وأمدحه وبالغ في مدحه ، وبمقدار ما تعطيه مما عندك ـ فسوف يعطيك ما عنده ! .
و((تقليد)) ((السوق)) ـ والتفاوض فيه ليس علماً وإنما هو ((فنُّ المساومة)) يمارسه أصحابه بـ((مزاج)) و((اِستمتاع)) وهم في العادة يبدؤون أية صفقة بسعر مبالَغ فيه ، وحين تراجعهم تعلو أصواتهم ليقسموا لك أنهم لم يبالغوا ، على أنهم من أجل خاطرك سوف يتهاودون ، لكنها كلمتهم الأخيرة سوف يقولونها وأنت حُرٌّ . وحين تسمعها وتؤكِّد لهم أنها ما زالت أعلى مما أنت مستعِّدٌ لدفعه سوف يعودون لك مرة أخرى حالفين {وبالطلاق ربما} أنَّ ذلك خارج قدرتهم لأنَّ قبولهم به خسارة مُحَقَّقة . لا تصدق كلامهم ، وتمسك بما تظنه معقولاً وصمِّم عليه ، وسوف تجدهم يتنازلون أمامك خطوة بعد خطوة ، {ولو بدت الخطى متثاقلة !} وعليك وحدك أنْ تُقدِّر بإحساسك ـ دون دليل يساعدك ـ إذا كانوا قد وصلوا إلى القاع الظاهر ـ قاع لم تره من أول نظرة أو من النظرة الثانية !))} . [2] .
الوطن العربي وتعبيراته في القضية القومية التحررية ـ في البدء ـ كان الشـيء الذي يقبل المساومة لديهم ، ومن ثم لاحقاً ، كان الوطن القطري وتعبيراته القضية الوطنية الحقيقية هو المادة التي تقبل المساومة ، وكلاهما اِستأسد عليه الحكَّام الذين ورثوا السلطة أو المُلْك بالمصادفة ، أو الذي نجمت عن الدعم الأجنبي. المهم بالنسبة إليهم : أنَّ الكرسي الذي يجلس عليه الحاكم أو الملك يبقى مصوناً أبدَ الدهر . أما ما هو رأي ((الرعية)) : الشـعب في القطر المعني ـ وفي الوطن العربي كذلك ـ أو التاريخ العربي ، فلا أهمية لكل ذلك طالما أَنَّ العمل المؤثّر في المجتمع غائب عن الفعل السياسي المضاد لهم وللأسياد المعتمدِّين عليهم .
ومما يؤهل قيادة الإِدارة الأمريكية لخوض التجربة في الوطن العربي المستباح بأنظمة حكم يعتقد سادتها وحكّامها بأبدية خلودهم في مناصبهم ، حقيقة ما أفرزته التجربة العملية في الأعوام الأخيرة ؛ فقد أقدمت أمريكا القطب الواحد على التعامل مع الحكام العرب بما هو أدنى من ((تقليد الخيمة والسوق)) أي سوقهم بعصا القوة الكونية الأعظم المُسَّـلحة والأكثر نفوذا في اِمتلاك رؤوس الأموال ، والأبعد تأثيراً في ميادين الدعاية والإعلام والمهيمن على حركة التداول في الأسـواق كلها .
((وعندما تتجَّرَد قوَّة السلاح من كوابح المباديء والقيم والثقافة ـ مع غياب كافة أنواع الشرعية ـ فإنَّ السلاح يطيح {بكل العلاقات السياسية} ـ بدون مقدِّمات ، وبغير ضوابط ـ وبالتالي تكون الكلمة الأولى في أي لقاء هي تصويب المسدس ، والكلمة الأخيرة هي الضغط على الزناد ، وكذلك تتحول القوة في حدِّ ذاتها إلى مصدر للمشروعية ، وبها وليس بغيرها يتحوَّل ((الاِغتصاب)) إلى ((حيازة)) وتتحوَّل ((الحيازة)) إلى ((ملكية)) تسُّـن لنفسها قوانين جديدة تتعامل بها الأوضاع المستجدَّة في تنظيم علاقات الغلبة والسيطرة)) . [3] .
والتفكير بمجريات ما حدث في العراق من عدوان وسطو وتملك وتنصيب ((مجلس الحكم)) و((سَـنِّ القوانين)) وعقد الاِتفاقيات واِستجلاب القوات المختلفة الجنسـية لقتل العراقيين الوطنيين وحماية الغُزاة المحتلين ، وإعطاء المقاولات المجزية ، وحل المؤسـسـات الرسمية كالجيش والإِعلام وغيرهما ، هي مجرد لعناوين مكَثَّفة : لمبدأ قانون القوة الكونية الطائشة التي هي الحق وفق المنظور الأمريكي الذي يتسيده ديك تشيني وكوندا ليزا رايس والمسيحيون المتصهيونون والمحافظون الجدد وأيديولوجيتهم الواضحة . . . إنَّ التفكير بكل مجريات ذلك يدلنا على الحقائق العملية للرؤية الإستراتيجية الأمريكية .
أما أبرز عناوين القوة الأميركية ، وخصائصها التكوينية فهي :
1 ـ مخابرات لم يعرف العالم مثيلاً لوسائلها ومواردها ، وهي تتكفل بالأعداء عبر العمل العسكري : كما الحاصل في العراق ويوغسلافيا ، أو من خلال الضغط السياسي والاِقتصادي وتصعيد الحرب الأهلية مثلما شهدته ليبريا مؤخراً .كما تتكفل بالأصدقاء المضادين لرؤيتها : باِستخدام الوسائل التقنية العلمية الحديثة والأعداد البشرية ذات الكفاءة في كل الميادين التي تتطلبهـا مهماتها. الأنظمة المناوئة للرؤية الأمريكية في العالم الجنوبي مَثَلَها مثَل أسواق لندن وباريس وبرلين ، فأسرار الشركات أهم من أسرار الحكومات في هذه العواصم .
2 ـ تطوير الأسلحة المتقدمة لاِستخدامها على الأعداء والمنافسين . في حال وجود مقاومة من أي نوع كان . من قبيل ما ذكرته صحيفة ((الديلي تلغراف)) بعددها الصادر في 28 أيلول 2002 حول تصنيع أمريكا القنبلة الإلكترونية التي لن توقع ضحايا بين المدنيين وفقاً لزعم الإستراتيجيين الأمريكيين ، لأنها موجهة فقط للمواقع التي تحتوي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية : ((أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تبيَّنَ معها إنها أحد أكاذيب الدعاية الغربية عن العراق)) . . .التي هي قنبلة تصدر عنها بعد تفجيرها أمواجاً ذات ترددٍ عالٍ ، معطِّلة بذلك شبكات الاِتصال وأجهزة المراقبة وكل الأجهزة الإلكترونية والكهربائية ، وتبيد بالتالي كل الحياة في المواقع المُستهدفة . في ما ذكر مراسل تلك الصحيفة إنَّ العراق هو الذي سيكون موقع اِختبار تجربة السلاح ، ونعتقد إن مواصفات العدوان على الجيش العراقي في المطار هو العينة النموذجية التي خضَـعَت للتطبيق الميداني لنوعية ذلك ((التطوير)) . وفي ذلك تتبدى الرؤية ((الإنسانية)) الأمريكية المُسبقة في اِتخاذ قرار الإبادة المجرم . . . الوعي العلمي والسياسي المسبق في اِنتقاء الوسائل المؤدية لتطبيق ذلك القرار الذي يهتم بضرورات تحقيق المصالح الأمريكية .
3 ـ السيطرة على المسالك البحرية في العالم عن طريق شـبكة معقدة تتولى حماية الموارد البحرية ، وتأمين الأجواء ، عبر ((قوات حليفة)) من بريطانية كما يبدو ، أو قواعد عسكرية أمريكية مجاورة للمناطق التي قد تلتهب فيها المعارك ، ومنتشرة في المناطق التي لها أهمية مركزية في سلسة المصالح الأمريكية . والقواعد العسكرية في قطر والكويت والرياض وتركيا هي المثال الشاخص في العدوان المحتمل ، والذي اِتخذَ أبعاده السياسية العملية الملموسة فوق الساحة العراقية عسكرياً : لغزو العراق والسطو على كل الخيرات فيه : من نفط وغيره ، والتحكم بكل قراراته السياسية الجوهرية .
4 ـ إيجاد مريدين ببغاويين للفلسفة الأمريكية عبر الإقناع الفكري والسياسي أو تقديم الرشوة المالية للنابغين والنابهين والمثقفين ، بغية تقديم الرؤية السياسية الأمريكية بلونٍ زاهٍ ووعودٍ خلاّبة ، فإذا ((تصرف الناس على مثالك في حياتهم ، واِستعملوا مفرداتك في خطابهم ، إذن قبلوا رسالتك طواعية)) . وهذا ما أنجزته الرشاوى المالية على الساحة العراقية عن طريق ((المساعدات)) المالية الكثيرة للأحزاب والمنظمات والشخصيات المكوِنة لجسم ((المعارضة)) السياسي ، التي تحدثت عن المائة مليون دولار لـ((تحرير)) العراق وفق الرؤية الأمريكية ، وتصريحات الناطق باِسم وزارة الخارجية الأمريكية حول ((رشوة)) بعض الشخصيات العراقية والمنظمات المهنية أو الفكرية أو السياسية من تلك التي لا تنتمي لمؤتمر الجلبي ، والتي تعرضنا لها في المساهمة التي نشَّرت على موقع ((كتابات)) المحترم يوم 18/6/2003 وبعنوان : ((العدو يفضح أنصاره !! ـ اللهم لا شماتة)) . والثمن الرخيص لمثقفي الكلمة الصاخبة في عراق اليوم الذين غيبوا أية شرعية وطنية أو قومية أو حضارية إسلامية عن رؤيتهم ، واِبتعدوا عن أي اِحترام لمفهومي المكان والزمان في التحليل والتقرير والاِستنتاج عند مباشرة الكتابة السـياسـية ، هو الشـاهد الملموس على نشـاط هؤلاء ((المفكرين/المقلدين)) المرددين الببغاويين . [4] .
وموضع التأثير المكاني هو الوطن العربي بكل ما يمور في أرضه من ثروات إستراتيجية كالنفط والغاز والمعادن الأخرى فضلاً عن الأسواق الواسعة ، وتموج فوق سطحه من مغانم يمكن السيطرة عليها عبر المقاولات والاِستثمار المباشر ، التي تسيل لمفرداتها الكلية لُعاب المصالح الأمريكية التي يتحكم بقراراتها السـياسـية جمهوريو الإدارة الأمريكية . . . إنَّ أهم سمات الوطن العربي وصفاته هو صيرورته : ((رجل الشرق المريض)) في الزمن الراهن ، وإنَّ هناك من ممثلي السلطة المهيمنين عليه ، مَـنْ يتطلع للنجاة من مصيره بمفرده القطري بعيداً عن المقصلة الأمريكية ، وذلك بالقطع تقدير خاطيء ((لأنَّ القوة الدولية التي تستطيع أنْ ترث هي الولايات المتحدة ، كما أنَّ القوَّة الإقليمية التي تستطيع بعدها هي إسرائيل ، وغير ذلك سراب يحسبه الرائي ماء)) . [5] .
وإنَّ حكَّـام الوطن العربي على اِختلاف شخوصهم ووفقاً لدرجات اِنحدارهم المخجل منتهكون حتى درك الحضيض الأسفل ، وإرادتهم السياسية غائبة كلياً عن أي فعلٍ لصالح الوطن العربي . وجرُّوا معهم الأمة العربية نحو هاوية لا قرار فيها إلا قرار التجزؤ والشـرذمة والتفتت ، ((بحيث كادت أنْ تسـلِب من الأمة فرصة اِستعادة توازن ، والمقاومة ، والوقوف من جديد)) بغية العمل المستقبلي لصالح الوطن العربي والشعب العربي . [6] .
والفكر السياسي العربي الرسمي بدوره ((أصابه فيروس خطير شمل الإرادة والضمير أوصلهما للوهن حد الهلوسة)) بحيث تهيَّأ للمسؤولين فيه ((إنَّ شفاءهم حاضرٌ بغير إرادتهم ، وإنه بصرف النظر عن الشواهد والتجارب والمشـاعر فإنَّ ((الواقعية السياسية)) وهي ((التشخيص)) المعتَمَد الآن في العالم العربي ، تضع الولايات المتحدة وحدها أمل الشفاء ، وإنَّ الولايات المتحدة حتى وإنْ ما ظهر منها ما تجزع له العقول والقلوب فإنَّ ذلك الظـاهر هو مما يجب اِحتماله كما تُحتمَل مرارة طعم الدواء ، فتلك ضرورة العلاج)) . [7] .
أما الوسيلة العملية التي يراها المخلصون لتجاوز هذا المصير المأساوي هي اِنتهاج سياسة وطنية وقومية لصالح الموقف السياسي العربي الحضاري المستقبلي بمجموعه الكلي . والقطرية المحصورة بهموم الحاكم المتسلط لن تنجي الوطن العربي من هذا المصير ، مثلها مثل النظام السياسي الخليجي أو النظام السياسي الإقليمي في إطار جامعة عربية . والأنظمة العربية التي تتبوأهـا السلطات القمعية في الواقع السياسـي العالمي في لحظة القطبية الكونية مجرد محصلة لجمع أصفار الأوضاع القطرية . والغد القريب سيبين للمجموع القطري والقومي والديني الإنساني حقائق الواقع .
إنَّ الإمكانية العملية المفتوحة أمام المجموع الوطني المخلص ، يتضمن ضرورة اِتباع سـياسـة عملية تنطلق من إدراك حقيقي للتطورات وأبعاد الواقع الملموسة : قوامها الاِستيعاب العميق للظروف الموضوعية للواقع العربي الراهن والتدقيق الأعمق بكل الاِتجاهات المحيطة بهذا الواقع على الصعيد العالمي ، والإِخلاص الوطني والقومي العربي على المستوى السياسي ، وإنَّ ((الممكن والمتاح معلَّق بسياسة طويلة النفس ، تقدِر على المثابرة ، وعلى الصبر ، وتهيئ نفسها لكل الأجواء دون أنْ تفقد اِتجاههـا مع أي ريـح ، أو تترك هدفهـا يضيع من مدى بصرها بعد أول منحنى في الطريق !)) . [8] .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
3}
ما هي الرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة في إِطار سعيها لتحقيق مصالحها على طريق الاِنتقال من السيطرة بالقوة العسكرية على الموقع : العراق . إلى إطار السـيطرة الكلية على المنطقـة : منطقة الشـرق الأوسط وفق التسمية الأمريكية . . . أي السيطرة على المناطق بعد اِحتلال بعض المواقع ؟ .
((نشر الأوهام عمل ضار)) كما رددنا ذلك القول سابقاً ، لذلك فإنَّ أي حديث عن ((العراق الديموقراطي)) ـ ناهيك عن الرخاء المتوقع قدومه ـ اليوم من خلال اِجتزائه عن تأثير العامل العالمي الأمريكي المحتل عليه سـيعَّد ضرباً من الأوهام ، سـبق وأَنْ ردده الرئيس المصري السابق : الرئيس المعدوم أنور السادات الذي سـعى لحتفه بظلفه ، حول الرخاء المنتظر والزبد الوفير واللقمة الهانئة التي سيجلبها لمصر ((السلام)) مع كيان الاِغتصاب الصهيوني الذي نعيش بعض نتائجه السياسية المريرة . مثلما عاشه لبنان قبلنا في عام 1982 . والتي أصبحت اِِستحواذا على كل مصر بعد ((تسلمه)) أرض صحراء سيناء ؛ أي مقايضته كل الوطن بأجزاء من الوطن ؛ وشكم الإرادة السياسية لدى السلطة الحاكمة فيها على كل الصُعد الوطنية المصرية الجذرية والقومية العربية المتحررة والحضارية الإِسلامية الملتزمة بمصلحة الشعوب الإِسلامية الحقيقية ، على أرضية اِلتزام هذه السلطة بشروط أولويات معاهدة كامب ديفيد السياسية مغيب علاقاته الإستراتيجية الطبيعية مع المواقع العربية المختلفة القطرية .
لم يتحدث التاريخ مطلقاً عن ديمقراطية سياسية مجلوبة بقوة اِحتلال عسكري . والذين يستشهدون بالأمثلة الأوروبية الراهنة حول مآل بعض التجارب الديموقراطية يتناسـون ـ أو يغيبون عمداً ـ الاِحتلال النازي ونظامه الكلي الشمولي هو المسبِّب الأساس لما آلت إليه أوضاع أوروبا . ويتناسون كذلك المقاومة الشعبية الأوروبية ضد ذلك الاِحتلال العسكري . ويتعامون عن حقيقة الرؤية الفكرية والسياسية الغربية المشتركة بين الولايات المتحدة وبلدان أوروبا المتطورة تجاه العالم الجنوبي . ويتغافلون عن حقيقة الصراع بين الرؤية الاِشـتراكية والرأسمالية التي اِدعى تجسيدهما النظامان الروسي والأمريكي في العالم ، التي كان فيها قادة الحزب الشيوعي بالاِتحاد السـوفييتي يعتقدون إنًّ تطور ((المنظومة الاِشتراكية يعود إلى القوانين الموضوعية للتطور الاِجتماعي ، وتتركز السلطة بأيدي الشعوب الاِشتراكية ، وتلعب الطبقة العاملة الدور الأساس)) في كل التطورات العالمية . وهذه الطبقة التي تمتلك أُسلوب الإنتاج الأكثر رقياً في التاريخ ، وهي التي تقف في مركز العصر الاِنتقالي . وترسُّـخْ وحدة المنظومة هي بوابة النصر التاريخي على الإِمبريالية العالمية التي تقودها أمريكا إلخ . . .
لكن هذه النظرة السياسية الأيديولوجية التي كانت إحدى السمات الخاصة لتفكير الحزب الشيوعي الروسي ونسخه المماثلة له في كل المنظومة ، تبدَّت مع سقوط الاِتحاد السوفييتي واٍنهيار المنظومة الاِشـتراكية . . . تبدَّت قاصـرة على مسـتوى التاريخ الفعلي للبشـر في الحقبة التاريخية المعاصرة ، مثلما تجلَّت عقليتها الذاتية الإرادوية في عناصرها القيادية ، بدلاً من التحليل الملموس للموقف السياسي العالمي الملموس .
القادة السياسيون للإدارة الأمريكية مع ((نظرتهم الأيديولوجية التي اِبتدعها المحافظون الجدد)) حول دور الولايات المتحدة العالمي في مرحلة ((نهاية التاريخ)) كما يتصورون . برهنوا على ((أنهم كانوا واعين كل الوعي)) بطبيعة الظرف العالمي الراهن ، مثلما كانت القوة العسكرية هي العامل المركزي والأداة الأساسية لكل التغييرات القادمة التي شهدها وسيشهدها العالم ، فالحرب هي تنفيذ للسياسة بوسائل أخرى ، كما تقدم ، وهي فوق ذلك: إنَّ قيادة إدارة الولايات المتحدة ((تملك تصوراً سياسياً لهيمنة أمريكا العالمية الشاملة)) . ويحتل الوطن العربي في موقع هذه الرؤية الأمريكية المرتكز الأساس في الأبعاد العملية للسياسـة الأمريكية بسـبب ثرواتها الكامنة : النفط خصوصاً ، وبسبب اِحتمالات التحرك ضد أتباعها السياسيين . وقد برهن الاِحتلال الكلي للعراق على أنَّ ((الولايات المتحدة مستعدة للجوء إلى وسـائل الحسـم العسكري التام)) لكل الوطن العربي إذا ما حاول المقاومة أو الاِعتراض . [9] .
{4}
((النظام)) الشرق أوسطي هو المرسوم أمريكياً للمنطقة ، وهي صيغة سياسية تعتمد على ((حقيقة)) دولية راهنة تتمحور حول دوران أَجْرَام المنطقة العربية السياسية على محور مركز الهيمنة الأمريكية القطبية العالمية على كل التكوين العالمي المختلِف التكوين والمتنوع المشارب ، لكنه الخاضع لمركزية ((السوق)) الكونية وقوانينها ومنظماتها . أما المنطلق الأمريكي الأساس لطبيعة هذه الرؤية فهي البعد المكاني للمنطقة العربية ، باِعتبارها جغرافية يجب أنْ يتسع تكوينها الحضاري : العربي ـ الإسـلامي للعامل المصنوع المزروع قسراً في المنطقة : كيان الاِغتصاب الصهيوني ، على حساب الرؤية المركزية لمفهوم الأمة العربية التي تدور حول مقولات تستمد عناصرها المركزية من التاريخ والثقافة ـ وتجلياتهما ـ المنغرستين في المنطقة منذ 15 قرناً مضت .
في هذا ((النظام)) : الشرق أوسطي تلعب القطبية الأمريكية الدور القيادي في التخطيط والتنفيذ ، ويشكل الوجود السياسي لمقولاتها العنصر الضامن والأساس لتطبيق مفردات رؤيتها ، وكارنر أو بريمر أو جيمس بيكر هم عنوان حضور هذا الوجود ، ويشكلون تجسيدَ هذا الوجود وينفذون وقائع تلك الرؤية ، لنطالع مجريات السياسة العملية التي شهدها العراق خلال الفترة الماضية ، التي تعرضنا لملامح من تجلياتها فيما سـلف من مقالات منشورة على موقع ((كتابات)) المحترم ، بغية التأكد من أنَّ كل الخطوات التنفيذية المركزية جاءت منسجمة مع الرؤية الأمريكية ، وبشكل أساسي وجوهري . وتحمَّل ((المجلس الحاكم المُعين)) كل الموبقات المكشوفة لتلك السياسة الناجمة عن الاِحتلال . وكل ممارسات الاِحتلال ـ المكشوفة وغير المكشوفة ـ هي موبقات سياسية باِمتياز.
أما ((الطرف الآخر)) الذي سيلعب دور ((التِرس)) الذي يدير عجلة هذا ((النظام)) الشرق أوسطي في المنطقة العربية هو كيان الاِغتصاب الصهيوني : إسرائيل الذي رأى قادته في النسيج العربي الإسلامي المكون للمنطقة وممانعته التاريخية وتفكير قادته المخلصين ، هي الناجمة فقط عن تصرف وسلوك الأدوات الحاكمة سياسياً في ((عصرٍ جديد لا يطيق المتخلفين ولا يغفر للجهلة)) كما حدد معاييرها شمعون بيريز : الشـخصية الصهيونية المعروفة بقفازها الحريري لتمرير همجية السـياسـة الإجرامية الإسرائيلية . . . حدد معاييرها بـ((مجالات هذا الدور)) الأساسية : ومرتكزاته ((الاِقتصادية ونظام الحكم وتوزيع الثروة والبيئة والسكان والتسلح في دول المنطقة)) . ونطاق اِهتمامات هذا الكيان حول الأشواط العملية لهذا ((التعاون في مختلف المجالات)) التي يتقدمها ضرورة تشكيل هيئات تضم : ((مجلس يضـم وزراء زراعة دول المنطقـة)) وتعتمد على ((حاسـوب تعليمي)) و((صندوق كبير)) . [10] . وغير ذلك من متطلبات لإرسـاء ذلك ((النظام)) وترسـيخه في الوطن العربي . وتلك هي مفردات إستراتيجية ستبرز في المنطقة العربية الواحدة بعد الأخرى في حال اِنعدام المقاومة .
ومفهوم الحرب ينبع من التصور السياسي الكلي للرؤية الإستراتيجية لكيان الاِغتصاب أيضاً ، وإمعان النظر في التصورات الإسرائيلية تدعونا للتفكير في ماهية الأهداف السياسية الإستراتيجية الصهيونية التي هي أوسع من الرؤية اليهودية الدينيـة . المشـترك هو النابـع عن الرؤية الأمريكية التي يتحكم بها قواد منظمة المســيحيين المتصهينين . . . المحافظون الجدد ، والرؤية الإسرائيلية التي يتحكم بها غلاة الصهاينة . مثلما هو حال مكونات الصهيونية البشرية ففيها اليهودي والمسيحي والمسـلم وبوش وديك تشيني ليس أقل صهيونية من عتاة اليهود الشارونيين والذين يسيرون خلفهما من المسلمين أدوات لتنفيذ الرؤية الصهيونية . ولا شك إنَّ ما حدث في العراق هو خطوة أساسية على صيرورة هذا ((النظام)) هو المظهر الرئيس في الوضع العربي كله ، وتغدو المفاضلة بين النظام الخليجي أو العربي وفق محددات الجامعة العربية هو من قبيل ((نشر الأوهام الضارة)) .
((إلغاء المناهج التعليمية والتربوية)) في العراق . و((تتفيه الرؤى الحضارية لعموم منطق المنطقة)) . و((ملاحقة العلماء)) العراقيين . والقضاء على البرنامج العلمي العراقي . وإلغاء (((التفكير بمفهوم المستقبل)) لصالح العراق . وجعل العراق المجزأ المفتت هو الإمكانية العملية الوحيدة المفتوحة على المستقبل ، سواء أكانت مُعلنة أو غير معلنة . ووأد كل محاولة لـ((رصد الاِستباق الممكن)) من أجل العراقيين والعرب والمسلمين . واِحتمال إلغاء قرار قانون تأميم النفط عام 1972 لصالح الشركات الأمريكية . وخصخَصَّة ملكيات الشركات الحكومية العراقية بذرائع مختلفة ومتعددة ، هي الخطوط الأساسية للرؤية الأمريكية التي تحاول زرع الجدب الفكري والقضاء على الطموح السـياسـي في عقول ونفوس العراقيين ، بغية إلغاء حضور إرادتهم في القرار المسـتقبلي للعراق في إطار الوضع المحيط به .
وهي التي ستفسح المجال ـ في حال اِنعدام المقاومة الشعبية العراقية لا سمح الله ـ لسياسة التواكل العراقية التي اِبتدأت صفحتها الخائبة على يد القوى السياسية العراقية ((المعارضة)) التي راهنت على العامل الأمريكي بإحداث الاِنقلاب السياسي في طابع السلطة وسيلةً وغايةً لتجَلِّي تأثيراتها في الواقع السياسي العراقي ، والتي لن تنتهي إلاّ بصيرورة مفردات البرنامج الأمريكي ـ الإسرائيلي الخطوط ((الفكرية)) والسياسية العريضة لدعايات بعض مثقفي المرحلة الذين غيبوا أية مرجعية تاريخية عن وعيهم السياسي ، وأحلو بدلاً من اِعتماد عقلية التحليل الملموس للموقف السياسي الملموس ، أمانيهم المخمليةَ في رؤية الواقع العراقي المأساوي الراهن .
وهذه الاِستنتاجات هي صياغات لوعي فكري نابع من وقائع تاريخ المنطقة وسيرورتها في لظى الصراع بين الذات القومية العربية الإسلامية ، من ناحية ، وبين الرؤية الغربية منذ صعود نمط نظامها الاِقتصادي البورجوازي ـ الرأسمالي ، وشيوع نظرتها الاِستعمارية في كل العالم ، إنْ لم نقل منذ بداية الحروب الصليبية المعروفة ضد أمتنا العربية ، من ناحية أُخرى . ولكن ما هو مرسوم أمريكياً للعراق في نطاق ذلك ((النظام)) . ؟ .
ما هي الرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة في إِطار سعيها لتحقيق مصالحها على طريق الاِنتقال من السيطرة بالقوة العسكرية على الموقع : العراق . إلى إطار السـيطرة الكلية على المنطقـة : منطقة الشـرق الأوسط وفق التسمية الأمريكية . . . أي السيطرة على المناطق بعد اِحتلال بعض المواقع ؟ .
((نشر الأوهام عمل ضار)) كما رددنا ذلك القول سابقاً ، لذلك فإنَّ أي حديث عن ((العراق الديموقراطي)) ـ ناهيك عن الرخاء المتوقع قدومه ـ اليوم من خلال اِجتزائه عن تأثير العامل العالمي الأمريكي المحتل عليه سـيعَّد ضرباً من الأوهام ، سـبق وأَنْ ردده الرئيس المصري السابق : الرئيس المعدوم أنور السادات الذي سـعى لحتفه بظلفه ، حول الرخاء المنتظر والزبد الوفير واللقمة الهانئة التي سيجلبها لمصر ((السلام)) مع كيان الاِغتصاب الصهيوني الذي نعيش بعض نتائجه السياسية المريرة . مثلما عاشه لبنان قبلنا في عام 1982 . والتي أصبحت اِِستحواذا على كل مصر بعد ((تسلمه)) أرض صحراء سيناء ؛ أي مقايضته كل الوطن بأجزاء من الوطن ؛ وشكم الإرادة السياسية لدى السلطة الحاكمة فيها على كل الصُعد الوطنية المصرية الجذرية والقومية العربية المتحررة والحضارية الإِسلامية الملتزمة بمصلحة الشعوب الإِسلامية الحقيقية ، على أرضية اِلتزام هذه السلطة بشروط أولويات معاهدة كامب ديفيد السياسية مغيب علاقاته الإستراتيجية الطبيعية مع المواقع العربية المختلفة القطرية .
لم يتحدث التاريخ مطلقاً عن ديمقراطية سياسية مجلوبة بقوة اِحتلال عسكري . والذين يستشهدون بالأمثلة الأوروبية الراهنة حول مآل بعض التجارب الديموقراطية يتناسـون ـ أو يغيبون عمداً ـ الاِحتلال النازي ونظامه الكلي الشمولي هو المسبِّب الأساس لما آلت إليه أوضاع أوروبا . ويتناسون كذلك المقاومة الشعبية الأوروبية ضد ذلك الاِحتلال العسكري . ويتعامون عن حقيقة الرؤية الفكرية والسياسية الغربية المشتركة بين الولايات المتحدة وبلدان أوروبا المتطورة تجاه العالم الجنوبي . ويتغافلون عن حقيقة الصراع بين الرؤية الاِشـتراكية والرأسمالية التي اِدعى تجسيدهما النظامان الروسي والأمريكي في العالم ، التي كان فيها قادة الحزب الشيوعي بالاِتحاد السـوفييتي يعتقدون إنًّ تطور ((المنظومة الاِشتراكية يعود إلى القوانين الموضوعية للتطور الاِجتماعي ، وتتركز السلطة بأيدي الشعوب الاِشتراكية ، وتلعب الطبقة العاملة الدور الأساس)) في كل التطورات العالمية . وهذه الطبقة التي تمتلك أُسلوب الإنتاج الأكثر رقياً في التاريخ ، وهي التي تقف في مركز العصر الاِنتقالي . وترسُّـخْ وحدة المنظومة هي بوابة النصر التاريخي على الإِمبريالية العالمية التي تقودها أمريكا إلخ . . .
لكن هذه النظرة السياسية الأيديولوجية التي كانت إحدى السمات الخاصة لتفكير الحزب الشيوعي الروسي ونسخه المماثلة له في كل المنظومة ، تبدَّت مع سقوط الاِتحاد السوفييتي واٍنهيار المنظومة الاِشـتراكية . . . تبدَّت قاصـرة على مسـتوى التاريخ الفعلي للبشـر في الحقبة التاريخية المعاصرة ، مثلما تجلَّت عقليتها الذاتية الإرادوية في عناصرها القيادية ، بدلاً من التحليل الملموس للموقف السياسي العالمي الملموس .
القادة السياسيون للإدارة الأمريكية مع ((نظرتهم الأيديولوجية التي اِبتدعها المحافظون الجدد)) حول دور الولايات المتحدة العالمي في مرحلة ((نهاية التاريخ)) كما يتصورون . برهنوا على ((أنهم كانوا واعين كل الوعي)) بطبيعة الظرف العالمي الراهن ، مثلما كانت القوة العسكرية هي العامل المركزي والأداة الأساسية لكل التغييرات القادمة التي شهدها وسيشهدها العالم ، فالحرب هي تنفيذ للسياسة بوسائل أخرى ، كما تقدم ، وهي فوق ذلك: إنَّ قيادة إدارة الولايات المتحدة ((تملك تصوراً سياسياً لهيمنة أمريكا العالمية الشاملة)) . ويحتل الوطن العربي في موقع هذه الرؤية الأمريكية المرتكز الأساس في الأبعاد العملية للسياسـة الأمريكية بسـبب ثرواتها الكامنة : النفط خصوصاً ، وبسبب اِحتمالات التحرك ضد أتباعها السياسيين . وقد برهن الاِحتلال الكلي للعراق على أنَّ ((الولايات المتحدة مستعدة للجوء إلى وسـائل الحسـم العسكري التام)) لكل الوطن العربي إذا ما حاول المقاومة أو الاِعتراض . [9] .
{4}
((النظام)) الشرق أوسطي هو المرسوم أمريكياً للمنطقة ، وهي صيغة سياسية تعتمد على ((حقيقة)) دولية راهنة تتمحور حول دوران أَجْرَام المنطقة العربية السياسية على محور مركز الهيمنة الأمريكية القطبية العالمية على كل التكوين العالمي المختلِف التكوين والمتنوع المشارب ، لكنه الخاضع لمركزية ((السوق)) الكونية وقوانينها ومنظماتها . أما المنطلق الأمريكي الأساس لطبيعة هذه الرؤية فهي البعد المكاني للمنطقة العربية ، باِعتبارها جغرافية يجب أنْ يتسع تكوينها الحضاري : العربي ـ الإسـلامي للعامل المصنوع المزروع قسراً في المنطقة : كيان الاِغتصاب الصهيوني ، على حساب الرؤية المركزية لمفهوم الأمة العربية التي تدور حول مقولات تستمد عناصرها المركزية من التاريخ والثقافة ـ وتجلياتهما ـ المنغرستين في المنطقة منذ 15 قرناً مضت .
في هذا ((النظام)) : الشرق أوسطي تلعب القطبية الأمريكية الدور القيادي في التخطيط والتنفيذ ، ويشكل الوجود السياسي لمقولاتها العنصر الضامن والأساس لتطبيق مفردات رؤيتها ، وكارنر أو بريمر أو جيمس بيكر هم عنوان حضور هذا الوجود ، ويشكلون تجسيدَ هذا الوجود وينفذون وقائع تلك الرؤية ، لنطالع مجريات السياسة العملية التي شهدها العراق خلال الفترة الماضية ، التي تعرضنا لملامح من تجلياتها فيما سـلف من مقالات منشورة على موقع ((كتابات)) المحترم ، بغية التأكد من أنَّ كل الخطوات التنفيذية المركزية جاءت منسجمة مع الرؤية الأمريكية ، وبشكل أساسي وجوهري . وتحمَّل ((المجلس الحاكم المُعين)) كل الموبقات المكشوفة لتلك السياسة الناجمة عن الاِحتلال . وكل ممارسات الاِحتلال ـ المكشوفة وغير المكشوفة ـ هي موبقات سياسية باِمتياز.
أما ((الطرف الآخر)) الذي سيلعب دور ((التِرس)) الذي يدير عجلة هذا ((النظام)) الشرق أوسطي في المنطقة العربية هو كيان الاِغتصاب الصهيوني : إسرائيل الذي رأى قادته في النسيج العربي الإسلامي المكون للمنطقة وممانعته التاريخية وتفكير قادته المخلصين ، هي الناجمة فقط عن تصرف وسلوك الأدوات الحاكمة سياسياً في ((عصرٍ جديد لا يطيق المتخلفين ولا يغفر للجهلة)) كما حدد معاييرها شمعون بيريز : الشـخصية الصهيونية المعروفة بقفازها الحريري لتمرير همجية السـياسـة الإجرامية الإسرائيلية . . . حدد معاييرها بـ((مجالات هذا الدور)) الأساسية : ومرتكزاته ((الاِقتصادية ونظام الحكم وتوزيع الثروة والبيئة والسكان والتسلح في دول المنطقة)) . ونطاق اِهتمامات هذا الكيان حول الأشواط العملية لهذا ((التعاون في مختلف المجالات)) التي يتقدمها ضرورة تشكيل هيئات تضم : ((مجلس يضـم وزراء زراعة دول المنطقـة)) وتعتمد على ((حاسـوب تعليمي)) و((صندوق كبير)) . [10] . وغير ذلك من متطلبات لإرسـاء ذلك ((النظام)) وترسـيخه في الوطن العربي . وتلك هي مفردات إستراتيجية ستبرز في المنطقة العربية الواحدة بعد الأخرى في حال اِنعدام المقاومة .
ومفهوم الحرب ينبع من التصور السياسي الكلي للرؤية الإستراتيجية لكيان الاِغتصاب أيضاً ، وإمعان النظر في التصورات الإسرائيلية تدعونا للتفكير في ماهية الأهداف السياسية الإستراتيجية الصهيونية التي هي أوسع من الرؤية اليهودية الدينيـة . المشـترك هو النابـع عن الرؤية الأمريكية التي يتحكم بها قواد منظمة المســيحيين المتصهينين . . . المحافظون الجدد ، والرؤية الإسرائيلية التي يتحكم بها غلاة الصهاينة . مثلما هو حال مكونات الصهيونية البشرية ففيها اليهودي والمسيحي والمسـلم وبوش وديك تشيني ليس أقل صهيونية من عتاة اليهود الشارونيين والذين يسيرون خلفهما من المسلمين أدوات لتنفيذ الرؤية الصهيونية . ولا شك إنَّ ما حدث في العراق هو خطوة أساسية على صيرورة هذا ((النظام)) هو المظهر الرئيس في الوضع العربي كله ، وتغدو المفاضلة بين النظام الخليجي أو العربي وفق محددات الجامعة العربية هو من قبيل ((نشر الأوهام الضارة)) .
((إلغاء المناهج التعليمية والتربوية)) في العراق . و((تتفيه الرؤى الحضارية لعموم منطق المنطقة)) . و((ملاحقة العلماء)) العراقيين . والقضاء على البرنامج العلمي العراقي . وإلغاء (((التفكير بمفهوم المستقبل)) لصالح العراق . وجعل العراق المجزأ المفتت هو الإمكانية العملية الوحيدة المفتوحة على المستقبل ، سواء أكانت مُعلنة أو غير معلنة . ووأد كل محاولة لـ((رصد الاِستباق الممكن)) من أجل العراقيين والعرب والمسلمين . واِحتمال إلغاء قرار قانون تأميم النفط عام 1972 لصالح الشركات الأمريكية . وخصخَصَّة ملكيات الشركات الحكومية العراقية بذرائع مختلفة ومتعددة ، هي الخطوط الأساسية للرؤية الأمريكية التي تحاول زرع الجدب الفكري والقضاء على الطموح السـياسـي في عقول ونفوس العراقيين ، بغية إلغاء حضور إرادتهم في القرار المسـتقبلي للعراق في إطار الوضع المحيط به .
وهي التي ستفسح المجال ـ في حال اِنعدام المقاومة الشعبية العراقية لا سمح الله ـ لسياسة التواكل العراقية التي اِبتدأت صفحتها الخائبة على يد القوى السياسية العراقية ((المعارضة)) التي راهنت على العامل الأمريكي بإحداث الاِنقلاب السياسي في طابع السلطة وسيلةً وغايةً لتجَلِّي تأثيراتها في الواقع السياسي العراقي ، والتي لن تنتهي إلاّ بصيرورة مفردات البرنامج الأمريكي ـ الإسرائيلي الخطوط ((الفكرية)) والسياسية العريضة لدعايات بعض مثقفي المرحلة الذين غيبوا أية مرجعية تاريخية عن وعيهم السياسي ، وأحلو بدلاً من اِعتماد عقلية التحليل الملموس للموقف السياسي الملموس ، أمانيهم المخمليةَ في رؤية الواقع العراقي المأساوي الراهن .
وهذه الاِستنتاجات هي صياغات لوعي فكري نابع من وقائع تاريخ المنطقة وسيرورتها في لظى الصراع بين الذات القومية العربية الإسلامية ، من ناحية ، وبين الرؤية الغربية منذ صعود نمط نظامها الاِقتصادي البورجوازي ـ الرأسمالي ، وشيوع نظرتها الاِستعمارية في كل العالم ، إنْ لم نقل منذ بداية الحروب الصليبية المعروفة ضد أمتنا العربية ، من ناحية أُخرى . ولكن ما هو مرسوم أمريكياً للعراق في نطاق ذلك ((النظام)) . ؟ .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
{5}
خصصَّت الرؤية الشرق أوسطية للعراق ضرورات اِنتمائه للنمط الاِستهلاكي الخليجي ، وإبعاد العراق عن عمقه الطبيعي والحيوي : المشرق العربي لصالح العمل على إلحاقه بمنظومة أمنية مغايرة لطبيعة المنطقة ، وفصل القضية الفلسطينية عن القضية العراقية اللتين تنتميان إلى تكوين قومي وحضاري واحد ومتشابه في كل النقاط الجوهرية . ربما تكون البلدان غير العربية الفضاء السياسي والاِقتصادي الضروري له . ذلك المستقبل المُتصَوَر هي الفرصة التي تتيح لقطب المنطقة المحتمل : كيان الاِغتصاب الصهيوني للعب الدور الإسـتراتيجي المأمول منه . إنَّ تلك المعادلة تعمل على وأد أية إمكانية لتلاقي سوري عراقي ، مثلاً ، على طريق ضرورات إيجاد تكتل عربي يواجه كيان الاِغتصاب الصهيوني ومشاريعه وأحلامه الإمبراطورية .
لقد جاء الاِحتلال الأمريكي للعراق في أحد جوانبه الرئيسة لمنع الاِستجابة إلى أحد الشروط الأساسية لولادة هذا النظام القومي العربي البديل : الذي قد يستطيع العمل لذاته الوطنية والقومية والاِنفلات من قبضة الشراك الدولية .
إن البحث سيتواصل إلى ما نهاية إذا ما تطرقنا إلى كل المعايير التي تدلِّل على ذلك الاِتجاه الذي تطبقه الإدارة البوشية/الجمهورية المنفوطة للولايات المتحدة عبر التعاون الإستراتيجي مع كيان الاِغتصاب الصهيوني . والتمسك بمصباح ديوجين لإنارة دروب المستقبل العراقي تقتضي تسليط الأضواء على معيارين تاريخيين وسياسيين أساسيين : هما القوة العسكرية العراقية ، أولاً ، والتطور التقني الذي شهده العراق ، ثانياً ، وكلاهما كان الهدف المركزي لنشاط العدو الأمريكي المحتل ونشـاط كيان الاِغتصاب الصهيوني . وإنَّ حل الجيش بدلاً من إصلاح توجهاته السياسية ـ إذا كانت أحاديث الدعاية السياسية الأمريكية أحاديثَ عفوية ـهو مؤشر أساس لصيرورة هذا ((النظام)) السياسي الشرق أوسطي المظهر الرئيس في مجمل التطورات السياسية القادمة ، كما أنَّ القصف الإسـرائيلي للمفاعل النووي العراقي في عام 1981 هو مؤشِّر آخر على المسعى المضاد للعراق ، وكلا الاِسـتخلاصين ـ مثلاً ـ اِنتظم مسار اِستهداف نهضة الوطن العربي الحديثة خلال القرنين الفائتين ، في عام 1840 و1941 و1967 و1991 و2003 في كل من مصر والعراق ، ويرتبطان بالنظام الشـرق أوسـطي التي تتطلع أمريكا والكيان لبنائه بصورة مشتركة بهدف محاصرة المستقبل .
# ـ إنَّ وقائع الاِحتلال الغربي العسكري : الأمريكي ـ البريطاني للعراق قد برهنت مرةً أُخرى {ولمرات متكررة أيضاً} إنَّ العدوان على الدولة العراقية بكل أبعادها الهمجية المباشـرة وغير المباشرة ، وبكل عسفها المجرم الآثم وخطواتها السياسية المتتابعة ، وبشكل مرئي ومباشر وملموس ، بأنَّ الرؤية السياسية الصهيونية والرأسمالية الإمبريالية في مرحلة عولمتها الأمريكية خصوصاً تتماهى كلِّـياً في القضايا الرئيسـة والأساسية التي تواجه أمتنا العربية ، تتجلى الأبعاد الإسـتراتيجية والعملية عندهما في مواجهة الأهداف السياسية المشتركة لدى هذه المنطقة العربية ، وترتكز على وحدة المصالح الجوهرية بينهما والتي من شأنها إعاقة نهوض هذه المنطقة لصالح ذاتها الوطنية والقومية والحضارية ، ((فتدمير وتحطيم وإجهاض أي مشروع قوة ونهضة يولد في أحد الأقطار العربية ليس من الثوابت الإسـتراتيجية للكيان الصهيوني ، بل هو في مقدمة الأولويات في إستراتيجية أمريكا والغرب تجاه المنطقة)) . [11] . ذلك هو الدرس التاريخي الكبير الذي أفرزته وقائع وتواريخ المنطقة العربية ، وبرهنت عليه سيرورات المنطقة الحدثية الكبرى .
ولم تكن أقوال وزير الدفاع الفرنسي الأسبق : جان بيار شوفنمان الإستراتيجية مستمدة من رؤية ذاتية فردية خاصة ، بل هي إِستخلاصات علمية مبنية على وقائع تاريخية وحقيقية ، أبداها مُتَفَقِّه في القضايا الإستراتيجية على مستوى الرؤية الكلية والتاريخية والعالمية . لم يكن وطنياً عراقياً ولا قومياً عربياً ولا ينتمي إلى تكوين فكري ينطوي على مفاهيم حضارية إِسلامية. إنما كان بعيداً عن الرؤية الأيديولوجية المرسـومة كمخططات فكرية جامدة ، قريباً من المعلومات والأرقام والتواريخ والحقائق التاريخية . . . يقول الوزير الفرنسي : ((ففي كل مرة أراد العرب اِستدراك تخلفهم ، ولأسباب وجيهة أنْ يصنعوا وحدتهم ، كانوا يجدون ((الغرب)) على طريقهم لكي يمنعهم من تحقيق أهدافهم ، كما حصل غداة الحرب العالمية الأولى ، وأنْ يبقوهم داخل حدودهم المصطنعة أو ليردوهم نحو الماضي بما في ذلك اِستخدام قوة السلاح ، والحقيقة أنَّ ((الغرب)) (I Ocident) لم يرَ العالم العربي أبداً إلاّ كممر ـ المسألة الشرقية المشهورة في أيام ((الرجل المريض)) ـ وأخيراً مع البترول ((كصندوق حديدي يختزن المال)) وكذلك تأكيده على الآتي : ((وينسى ((الغرب)) أنه في كل مرة أراد نظام عربي أو مسلم الاِنفتاح على الحداثة ، كان ((الغرب)) نفسه يسّد الطريق عليه أو يسحق شرايينه : فبالأمس كان ذلك مع محمد على باشا وخديوية مصر ، والسـلاطين المجددين وبعد ذلك مع جـمال عبد الناصـر ، ولن أنسـى بالطبع الدكتور مصدق في إيران ! . .)) . [12] .
وفيما يتعلق بالواقع السياسي العالمي الراهن يضيف السيد شيفنمان ((والحقيقة أنَّ الأمر يتعلق ، هذه المرة ، بإعطاء شرعية للاِحتفاظ بالمقاطعة وفرض الوصـاية على العراق ، أمام سـمع وبصـر العالم أجمع ، لا أكثر ولا أقل)) . [13] .
وكانت رؤيته السياسية المسـجَّلة قد اِستمدت حيثياتها من العدوان العالمي الأول الذي قادته أمريكا على العراق في 17/1/1991 ومما يزيد تلك الرؤية الفكرية والسياسية الإستراتيجية مصداقيةً هو الاِحتلال للعراق والسطو على ثرواته في التاسع من نيسان عام 2003 بعد ثلاثة عشر عاماً من الحصار الكلي والشامل .
إذن ((منع نشوء قوة عربية)) من الناحية القومية المؤمنة المخلصة المناضلة وكفاحية إسلامية صادقة وليس مخاتلة من الناحية الحضارية بدلالات اِمتلاك ((اِستقلالية القرار السياسي)) والسعي لتكتيل الجهود العملية الممكنة على أرضية الثوابت الوطنية والقومية الحقيقية بغية تعديل ميزان القوى ، لـ((تشكيل حالة اِستقطاب وتوحيد)) : للقوة الكلية ((تقلب المعادلة الجيوسياسية)) للعرب المسلمين ولصالح ذاتهم الوطنية . . . إذن المسعى السياسي الغربي المشترك لتحقيق الهدف السياسي من الحرب على العراق يتمحور حول منع نشوء تلك القوة ، هو المثال العيني الملموس لـ((مضمون إسـتراتيجية الإجهاض التي يعتمدها الغرب في مواجهة أي نهوض عربي)) مسلم حقيقي .
ينبغي على كل المخلصين تدقيق النظر في الأسباب الكامنة وراء الجهود الأمريكية الحثيثة والمتواصلة الهادفة فرض الحصار على القوة الإسـتراتيجية العراقية ، وحديث الرئيس الأمريكي السابق: بيل كلينتون حول حرمان الدولة العراقية من 140 مليار دولار يأتي في ذلك السياق . والعمل الدؤوب المستمر الساعي منذ 8/8/1988 ـ كما يقول شوارتزكوف في مذكراته ـ لمنع العراق من اِستعادة قوته المادية وعرقلة مواصلة تحديثه لقواته عبر ما يُسمى بالمؤسسات الشرعية الدولية ، تمهيداً لتدمير الجيش العراقي ، وكذلك منع تطوره من خلال كل الخطوات السياسية الأمريكية هي خطوات عملية وملموسة في العمل السياسي الأمريكي .
كان العمل الأمريكي الغربي والصهيوني الإسـرائيلي المتلائم مع التصورات الغربية للمسـتقبل العربي : في الساحة العراقية هي البوصلة الأمريكية الإسرائيلية التي تركزت الأبصار عليها لرؤية المركز العراقي طوال 15 عاماً ، بالرغم من ضرورات اِحتياجات القوة العراقية الأساسية للدفاع عن الأمن الوطني العراقي ، التي كان يتقدمها : الدفاع عن الذات الوطنية العراقية ضد القصَـف الأجنبي من الجو : في شـمال العراق وجنوبه ، وبشـكل يومي تقريباً ، على يد الأمريكيين والبريطانيين . فضلاً عن إثارة الاِضطرابات في الداخل عن طريق مجموعات مسعود بارزاني وجلال طالباني وباقر حكيم المسَـلَّحة التي كانت تستَّمد عناصر قوتها السياسية من الخارج المضاد للعراق .
وشَّل الصناعة العسكرية العراقية كانت خطوة عملية محسوبةعلى الطريق ليس إلاّ ، وإذا كانت الصناعة العسكرية العراقية قاصرة عن الوصول لمثيلتها في الغرب الأمريكي . وهو أمر لا شك فيه . فإِنها اِكتسبت شرف المحاولة من خلال قطع أشواطٍ ملموسة من الجهود لإنجاز خطوات علمية وعملية في المجالات العسكرية من بينها إنزال طائرات بدون طيار وصناعات عسكرية دفاعية والتوصل إلى تقنيات متقدمة في ميادين الجهد العسكري . إنَّ تحطيم هذه النهضة العسكرية كلياً ـ من خلال حل الجيش العراقي وكافة مؤسساته العلمية التي يتقدمها مؤسسة التصنيع العسكري التي ضمَّت قرابة المائة ألف مواطن عراقي اِكتسبَ بعضهم معظم المهارات العلمية المتوفرة فيما اِكتسب أغلبهم الوعي بأهمية العلوم في ميدان التطور ،سيزيد فجوة التطور العلمي بين العرب كمجموع قومي ، من ناحية ، وبينه وبين الغرب المتطور على كل الصُعُد ، من ناحية أخرى . علماً إنَّ النهوض العلمي في العراق لم يكن مقتصراً على الجانب العســكري وحده ، وإنما شـمل أغلب الميادين التي تعطي الزخم الأقوى لقوة الدولة العراقية .
لقد ذهبت طموحات الساسة الإستراتيجيين العرب الذين رأوا ضرورة توحيد جهود العالم الثالث للتغلب على شروط العالم الغربي المتطور القاسية ، فبدلاً من التنسيق بين العرب وبلدان العالم الثالث ، كونها : ((الخيار الوحيد الذي يحقق إنهاء التبعية التي تتحقق من خلال تجارة السلاح وذلك لصناعة سلاح كامل للعالم الثالث)) الذييحتاج ((إلى إرادة تحدي وباقي الإمكانيات سواء ـ المالية أو الفنية أو حتى شراء التراخيص)) . [14] . من أجل مواجهة عالم الشمال الكبار والأغنياء . . . لقد ذهبت تلك الطموحات أدراج الهواء ، ليس بسبب عدم توفر إرادة التحدي الموحدة وتوفر الإمكانيات المادية فقط ، بل أيضاً جراء تآمر البعض العربي الرسـمي على العراق أيضاً خضوعاً لرؤية الإدارة الأمريكية السياسية .
# ـ منع العراق من اِرتياد دروب المعرفة واِمتلاك ناصية أسرار القوة التكنولوجية ، والحديث عن هذا الجانب حديث ذو شجون مؤلمة على كل الصُعد . لقد تمكنت الدعاية الأمريكية على وجه الخصوص من تصوير إنَّ البرنامج العلمي العراقي مقصور على الجوانب العسكرية فقط والاِهتمام منصبٌ على أسلحة الدمار الشامل . كانت الدعاية الأمريكية تركز على هذا الجانب ، وكذلك بذل كيان الاِغتصاب الصهيوني جهوداً في هذا المجال ربما اِستمر للوقت الحالي الذي حرّض معها على ضرورة ((تمشيط)) كل العراق ، إذ ((لم يتم تمشيط سوى نصف المواقع المشبوهة)) وأنْ ((لا ينبغي أنْ ننسى إنَّ الاِستخبارات الجيدة متعلقة أيضاً بالأجواء التي ستسود في العراق)) ـ كما يقول المعلق العسكري الصهيوني الأشهر : زئيف شيف في صحيفة هآرتس في 25/4/2003 ـ . ومن بعدهما وفي أعقاب دعايتهما كانت تعوي أصوات وصحف وإذاعات ((المعارضة السياسية العراقية)) بكل ما كانت تنبح من أجله الولايات المتحدة وكيان الاِغتصاب الصهيوني مرةً أُخرى ، دون حتى إبداء أي تفكير حول الفروقات العينية ما بين مصلحة السلطة الظرفية أو متطلبات رؤية المصلحة الوطنية العراقية من الناحية التاريخية . بين ضرورات الدول ـ أية دول ـ في تقدمها واِضطرارات السلطة في مواجهتها المشاكل الخارجية سواء المفروضة عليها أو التي تسببَّت هي في إثارتها .
اليوم يتواصل الحيص بيص الغربي في واشنطن ولندن عن أسلحة الدمار الشامل العراقية ، ويتعرى زيف الأكاذيب الملفقة الواحدة تلو الأخرى ، رموز الإدارة الجمهورية الحاليين يتعرضون للاِنتقادات المتكررة من قِبَل قيادات الحزب الديموقراطي الأمريكي والصحف الأمريكية الكُبرى المختلفة ، ومما يزيد هذه الاِنتقادات هو الخسـائر العسكرية البشرية الأمريكية على يد أبطال المقاومة الوطنية العراقية . ويتعرض مركز طوني بلير : {الحاكم البريطاني} السياسي والمستقبلي لمخاطر عدة جراء اِنتحار أحد البريطانيين واِستجوابات وتساؤلات وتقارير متنوعة . . . وحبل أكاذيب أسـلحة الدمار الشامل التي جرى تلفيقها بعناية فائقة . . . حبلٌ قصـير مهما طالت مدة مخاتلاته . كما يقال .
رموز المعارضـة العراقية السـياسـية التي ملأت أجهزة الإعلام والدعايـة حول ((معلوماتها التوثيقية ؟ !)) عن أسلحة الدمار الشامل تلتـزم صمت القبور عن أطنان الدعايات السياسية والإعلامية ضد الدولة العراقية ، راحت مطالبها تتناثر وتتلاشى واحدة بعد الأخرى حول ضرورة مشاركة لجان التفتيش رحلات التقصي والبحث . يتكشف اليوم زعيقها : مطلباً بعد المطلب وهي ترى تورط الأمريكيين في العراق جراء معلومات ملَّفقة أُستخدمت كذريعة لكي يُشَُـن العدوان العسكري وإنجاز عملية السطو . باقر الحكيم وجلال الطالباني والعديد من القيادات العسـكرية والاِسـتخبارية و((العلماء)) : حسـين الشهرستاني وخضر حمزة وغيرهم الكثير : لا يخجلـون ـ اليوم ـ من أكاذيبهم الدعائية الزائفة . . . الذين نجحوا في تسويق الدعايات السياسية للعدو الأمريكي المحتل على الساحة العراقية والعربية . وهل يخجل مَـنْ ساهم بصورة مباشرة أو بشكلٍ غير مباشـر مَـنْ وضع العراق : الوطن والمجتمع والدولة تحت مقصلة الإذلال الأجنبي والاِحتلال العسـكري ؟ .
ولكن السؤال الجوهري الشاخص أمام العراقي الوطني المخلص يتمحور حول ماهية التفكير العلمي بخصوص المستقبل لصالح العراق ؟ .
توطين التكنولوجيا يتطلب حيازتها من خلال التفاعل مع الآخر . ذلك ممر إجباري لا بد من قطعه . فلا ولادة ذاتية للتطور من دون مقدمات موضوعية في عصر المنافسة والسرعة . ذلك ما أكدته الوقائع العملية والشواهد التجريبية الماضية . المتقدمون يحاولون تصدير بضاعتهم الاِستهلاكية إلى بلداننا ، واِستنزاف علمائنا على رأس جدول أعمالهم ، سرقة الثروة البشرية على رأس اِهتمامات الدول المتقدمة . الدولة الوطنية في عالم الجنوب تدور في حلقة مفرغة لن يستطيع القائمون عليها مسـك أحد طرفيها للسيطرة على الحلقة اللاحقة التي تسند الأولى ، ظاهرة عدم اللحاق بالغرب منذ تطور التجربة اليابانية التي اِختتمت مراحل التطور العلمي الحقيقي في العالم ظاهرة مألوفة في عالم اليوم ، لماذا ؟ .
ألم يدفعنا ذلك للتفكير ؟ ! .
ألم تتوفر كل عناصر التعاون ما بين بعض البلدان حول رؤية عربية علمية مسـتقبلية فيما يخص الثروة الباطنية الأهم في بعض بلدان الوطن العربي : أي النفط ؟ ـ مثلاً ـ ألم يصرخ السيد أنطوان زحلان بضرورات قيام مشـروعات ((وبرامج مشـتركة لاِكتساب قدرات تكنولوجية إضافية مع أسواق مضمونة)) وكبيرة ؟ . الذي يوضح أنَّ ذلك ممكن .
مثلما : ((تستدعي ميادين النفط والبتروكيمياويات إلى رسم سياسات وطنية وإقليمية لإِنشاء المؤسسات التكنولوجية المناسبة مع توفر الخبرات الفنية والمرافق اللازمة لتصميم وتصنيع وتشييد وتركيب وخدمة وصيانة خطوط الأنابيب ، ومعامل التكرير ، ومصانع الأزوت ومصانع المنتجات ذات القاعدة الأوليفينية (الأثلين ، الربروبلين ، الأسـتيلين ، البوتادين) ومرافق الغاز الطبيعي المسـيل ، ومنشـآت تصنيع المواد البلاسـتيكية والمطاط والألياف)) . [15] .
ألا يشكل ذلك خطوة سياسية أولى وإجراءات عملية مطلوبة على نيل الاِسـتقلال الاِقتصادي الحقيقي وإِنجاز بعض خطوطه ، أم أنَّ المسألة تتعلق بالثرثرة السياسية والدعائية ؟ .
ألا يرتبط ذلك بالعلاقة العكسـية في مضمار الصراع بين ((النظام)) الشـرق أوسـطي لصالح أمريكا وإسرائيل ، من جهة ، والمستقبل العربي ـ الذي يشكِّل العراق أحد مداميكه الأساسية ـ لصالح ذاته القومية ، من جهة أخرى ؟ .
هل التطورات السياسية التي يتحكم بها المندوب الأمريكي بريمروالتي يشهدها العراق في هذه الأيام تعزز اِتجاهات التطور أم تلغيه من خلال الخصخصة الباحثة عن الربح ، في ظل ما يقوله أحد العلماء العراقيين ـ مثلاً ـ عن ((اِعتراف السـلطات الحكومية بضعف القطاع الصناعي ، وتم تشديد خاص على مسألة التكنولوجيا . فقد أُنشيء عدد كبير من مراكز البحوث ، كما تأسس في وزارة التخطيط قسم خاص للعلم والتكنولوجيا ، ومن المتوقع قريباً أنْ تكون كل المشروعات الصناعية في القطاع الحكومي ، وفيما يُطلق عليه القطاع الحكومي/الخاص المختلط ، مجبرة على أنْ يكون لديها أقسام البحث والتطوير الخاصة بها ، وأنْ تخصص موارد كافية لهذه الأقسام . ومن المتوقع أنْ تجهَّز هذه الأقسام بهيئات من الأفراد الأكفاء ، وأّنْ تعد خططا سـنوية ، وخططا أطول مدى ، للبحث والتطوير ، ومن المتوقع أنْ تتم مراقبة مركزية دقيقة لإِعداد وإنجاز مثل هذه الخطط)) . [16] . أي ضرورة تخطي هذا الضعف بخطوات عملية مدروسة .
لا سيما وإنَّ القانون الخاص بتشجيع الاِستثمار الصناعي الذي صدر في عام 1982 قد أكد على ضرورات ((الإعفاءات الضرورية والميزات الأخرى تعطي فقط لتلك المشروعات التي تنتج سلعاً تستوفي معايير الجودة التي يضعها قسم الضبط والمعايرة . وإذا ما تدهورت الجودة فإنه يتم مؤقتاً تعليق ميزات الإِعفاء الضـريبي كافة حتى يتمكن المشـروع من إظهار تحسـن في الجودة مرةً أُخـرى)) . [17] . فهل الكتابة عن العراق تأخذ هذه النظرة الداخلية بنظر الاِعتبار ، أم أن المسألة كلها هي الإرادة السياسية للبعض العراقي الذي يروج كلمته عبر الدعاية السياسية ؟ .
رد: العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية
أين هي مواقع وأدوار ألوف العلماء العراقيين : الثروة البشرية الضرورية لكل تقدم نحو الرفاهية الفعلية والاِزدهار الحقيقي؟ .
أين هي النهضة العلمية التكنولوجية التي كانت نبضاتها تنشيط في ميادين الكليات الهندسية والزراعية العلمية والطبية وغيرها الكثير ؟ .
أين هي فكرة التعشـيق ما بين العلماء العراقيين ـ وكذلك أساتذة الكليات العلمية العراقيين ـ والمنتجين ، والضرورات التي تتطلبها مواقع الإنتاج ؟ .
أين هي البحوث التطورية في مجالات الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية ؟ .
أين هي النتائج العملية لمؤثرات برنامج علمي كلَّف الدولة العراقية حوالي التسعين مليار دولاراً ؟ .
أين هي الطاقة الكهربائية التي كانت تعتمد على الثروة النفطية والغازية المتوفرتين بكثرة في العراق ؟ .
لماذا تتأخر نُظم الاِتصالات الهاتفية ـ ناهيك عن رخص أثمانها ـ والإِعلامية الحالِّية عما سبقها زمانياً في ميادين التطور ؟ .
وأين ، أين ، أين وآلاف التساؤلات التي ينبغي إثارتها حول المصائر المستقبلية لأنشطتها ؟ .
والسؤال المرفوع هو ألف باء كل فعالية تربوية والمقدمة الضرورية لكل عملية تطورية ، بدلاً من كلام الثرثرة الذي يطلقهكلُّ مَـنْ هبَّ في عالم ((الأحزاب والتكوينات التنظيمية)) المرتبطة بالرؤيـة الأجنبية ، وتكتنفها رؤية أيديولوجية خالصة ، ومن دون محددات زمانية ومكانية ، وترتبط بالأنا الفردية الذاتية ؟ .
قد يتذرع البعض بالبعد الإنساني لضرورات الحرب الأمريكية على السلطة العراقية وفقاً لمنطقهم ، فيما نعتقد إنَّ هذا العدوان الشـامل هو على الدولة العراقية : الوطن والشعب والمؤسسات الناظمة لعملهما . ولكن السؤال الشاخص هنا : ومتى كان اللجوء للحرب والعدوان والاِحتلال والسطو حلاً للمشاكل الإنسانية ؟ ، هذا من ناحية ، وإنَّ ما كشفه ـ من ناحية ثانية ـ مركز ((إباء)) العلمي عن ذلك البعد الإنساني للعراقيين يغني عن التفاصيل لمن يريد أنْ يكون صادقاً مع ضميره ونفسه وشعبه ووطنه :
كشف خبراء عراقيون في مركز ((إباء)) للبحوث ظهور أنواع كثيرة و((أجيال جديدة من الحشرات ، تتكاثر في شـكل ينذر بكارثة ، إذ أَتلَفت بساتين في أكثر من محافظة عراقية ، وقَتَلَت عشرات الآلاف من الماشية وأصابت عشـرات الأشـخاص خصوصـاً الأطفال بتقرحات جلدية وكانت سـبباً مباشـراً لنقل الأمراض أودت بحياة كثيرين . . .
وبدأت هذه الحشرات فجأة على شكل وباء قبل سنين في شمال بغداد مما دفع إلى الاِعتقاد بأنها أُدخلت عمداً ، وذلك لوجود فرق التفتيش الدولية وتركزها في هذه المنطقة ، ولأنَّ الدول المجاورة لم تُسجَّل فيها هذه الظاهرة . وساهمت في زيادتها ظروف الحصار التي منعت اِستيراد المبيدات بكميات مناسبة)) .
وأكد السيد عبد الستار عارف رئيس قسم رقابة النباتات في المركز: ((إِنَّ دراسات أُجريت قبل الحرب لمعرفة مصدر الحشرات وتم الاِتصال بمنظمة ((الفاو)) وأخذت نماذج من هذه الحشرات من الولايات المتحدة الأمريكية ومن ليبيا ، لأَنَّها من النوع ذاته الموجود في العراق وأوجبت مكافحة الحشرات مختبرات خاصة ، لكن تعرض المركز للقصف والسلب أدى إلى تسرب الكثير من تلك الحشرات ، ما ينذر بكارثة)) . [18] .
ومما زاد الطين بلة هو معرفة المحتلين بواقع هـذه المختبرات لأنها تعرضت للتفتيش مرات عديدة ، هذا : أولاً ، وجرى تحذير كل المنظمات الدولية ذات العلاقة من المخاطر المستقبلية من محتويات هذه المختبرات ، ثانياً ، ولكن القوات الغازية التي تمكنت من المحافظة المطلقة على المؤسسات النفطية أصرَّت على إدارة ظهرها عن حماية هذه المختبرات رغم مناشدة العلماء العراقيين الذين هبّوا للتدخل من أجل حماية المواطنين والثروات ، ثالثاً ، والحديث حول المبرر الرابع ـ وهو الأهم ـ ينبع من التأثيرات التي ستمُّس طبقة الفلاحين وفئات المربين للحيوانات ، وهي الطبقة الواسعة العدد والمتداخلة مع فئة المربين للجيوانات الداجنة . وهل الأضرار التي ستلحق بهم هي نتائج ((ضرورية للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان)) . ؟ . مجرد سؤال نطرحه على المتعاونين مع قوات الاِحتلال وقياداته الواعية بكل تصرفاتها المستمدة من معياري التصرف المنفرد بثروات النفط وأولوية خدمة الفكر المسيحي المتصهين وكيانها القائم على الاِغتصاب للأرض وإجلاء الفلسطينيين أو قتلهم ؟ .
باِختصار إنَّ الشرق أوسطية التي يتطلع إلى صيرورتها الأمريكيون والصهاينة مظهراً أساسياً في الواقع العربي ـ والعراقي إِسـتتباعاً وبالضرورة جراء الرؤية الأمريكية والإسرائيلية السياسية المشتركة لطابع المنطقة التاريخي ـ تستهدف : ((التهميش الاِقتصادي ، التخلف التقاني ، الاِختراق الثقافي. . . الشرق أوسطية هي ثمرة للعولمة في طرازها الأمريكي)) كما تقول السيدة نيفين مسعد ،وأمريكا هي الفاعل الرئيس في عملية إنتاج تسلطي جديد بواسطة عصا القوَّة العسكرية الكونية تحت شعار مخاتل اِسـمه : العولمة ، إضافة لخدمة رؤية كيان الاِغتصاب الصهيوني عبر نظام شرق أوسطي مخصص للمنطقة العربية .
هل يعني كل ذلك أنَّ واقع العراق كان زاهياً مطَّرد التطور ؟ كلا بالتأكيد ، ولكننا كنا نطمح إلى ما هو أبعد من ذلك ، سواء في ميادين التطور العلمي أو الإسهام في حياة سياسية ديموقراطية وإدارة شؤون المواطنين اليومية ، ترتبط بمطالب محددة من بينها الحكمُ الدستوري الذي يحقق ((سيادة القانون وإشاعة الحريات والديموقراطية في حياة الفرد والمجتمع وضمان حقوق الأفراد في إبداء الرأي والاِجتهاد وضمان أمنهم وسـلامتهم ، وضمان الحقوق والحريات لكافة الأقليات الدينية المتآخية في الوطن)) .
وهو ما لا يمكن تحقيقه إطلاقاً مع إلغاء الدولة والغزو الأجنبي والسطو على ثروات الوطن العراقي وتفتيت المجتمع العراقي وقتل أو تشريد العلماء منه وإلحاق الأضرار الفادحة بالفئات الكادحة والفقيرة! .
15 / 8 / 2
المصادر والهوامش التي اِعتمدتُ عليها
[1] ـ راجع كتاب الأسـتاذ محمد حسنين هيكل المعنون ((كلام في السياسة . نهاية طُرق : العربي التائـه)) الصادر عن الشـركة المصـرية للنشـر العربي والدولي ، الطبعة الثانية في شباط / فبراير 2002 ، ص 34 .
[2] ـ المصدر السابق ، ص 35 .
[3] ـ راجع كتاب السيد محمد حسنين هيكل المعنون ((كلام في السياسة ، الزمن الأمريكي : من نيويورك إلى كابول)) الصادر عن الشركة المصرية للنشر العربي والدولي ، الطبعة الثالثة في آب/أغسطس 2002 ، ص 29 . وجملة بكل العلاقات المحصورة بين {} الواردة في هذا الاِستشهاد هي إضافة فرضها اِنسجام سياق المعنى .
[4] ـ جرى الاِعتماد في هذا التشخيص على المعايير الفكرية التي أوردها السيد محمد حسنين هيكل في كتابه السابق ، ص 41 ـ 42 .
[5] ـ راجع المصدر الأسبق : العربي التائه ، ص 192 .
[6] ـ المصدر أعلاه ، ونفس الصفحة .
[7] ـ ذات المصدر ، وذات الصفحة .
[8] ـ المصدر السابق ، ص 93 .
[9] ـ راجع كتاب العلاقات العربية ـ التركية : حوار مستقبلي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت/لبنان ، الطبعة الأولى ، كانون الثاني/يناير 1995 ، ص 490 .
[10] ـ راجع كتاب التحديات ((الشـرق أوسـطية)) الجديدة والوطن العربي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت/لبنان ، الطبعة الأولى ، آذار/مارس 1994 ص 74 .
[11] ـ راجع نشرة ((نداء الوطن)) في عددها السادس التي نشرت الوثيقة النظرية للتحالف الوطني العراقي ، السنة الثالثة ، والصادرة في شباط 2001 .
[12] ـ راجع كتابه المعنون حرب الخليج دفعتني للاِستقالة من تعريب أحمد عبد الكريم ، الصادر عن دار الأهالي للنشـر والتوزيع ، دمشـق /سـوريا ، الطبعة الأولى في تشـرين الثاني عام 1992 ، ص 38 و 39 على التوالي .
[13] ـ المصدر السابق ، ص 125 .
[14] ـ راجع كتاب تجارة السلاح والأمن القومي العربي : دور العملاقين . أسرار المافيا . رشـاوى الكبار . من تأليف الدكتور سامي منصور ، إصدار مكتبة مدبولي ، مطبعة أطلس ، القاهرة ، دون ذكرٍ لتاريخ محدد يبين متى صدوره ، وإنْ جاء رقم الإيداع في عام 1991 . ص 317 .
[15] ـ راجع كتاب البعد التكنولوجي للوحدة العربية الكبرى ، من تأليف السيد أنطوان زحلان .إصـدار مركز دراسـات الوحـدة العربية ، بيروت/لبنان ، الطبعة الثانية ، أيلول / سبتمبر 1983 ، ص 111.
[16] ـ راجع كتاب حيازة التكنولوجيا المسـتوردة من أجل التنمية الصناعية : مشكلات الإستراتيجية والإدارة في الوطن العربي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية والأمم المتحدة : اللجنة الاِقتصادية والاِجتماعية لغرب آسـيا ، والعالم العراقي الوارد ذكره في ذلك الكتاب الذي ضمَّ أسماء العديد من الباحثين ، هو الدكتور فرهنك جلال الخبير الاِقتصادي في وزارة الصناعات الخفيفة ، ترجمة محمد رضا محرم ، الطبعة الأولى ، آذار / مارس عام 1987 ، ص 43 .
[17] ـ نفس المصدر وذات الصفحة .
[18] ـ راجع صحيفة ((الحياة)) الصادرة في يوم 8/8/2003 .
الفهرس
1 ـ جواب على سؤال لموقع كتابات : نص السؤال ص ـ 3
2 ـ الصراع بين الذات الوطنية والقوة الأجنبية :
مَنْ هو الذي يحدد الهدف الإستراتيجي في الصراع :
القوة الأقوى والأغنى أم الدولة المُعتدَى عليها ؟ ! .
السيرورة نحو النظام الشرق أوسطي الذي يحدد مضمونه في المنطقة :
كيان الاِغتصاب الصهيوني .
الرؤية رقم ـ 2 ـص ـ 4
3 ـ رسالة إلى مَنْ نشر الكتاب على سبيل المدخل لهذا الكتابص ـ 5 . . . . . ص ـ 8
4 ـ المقدمة : في الكتابة السياسية وشروطهاص ـ 9 . . . . .ص ـ21
5ـ العراق المستقبلي في رؤية البعض العراقي ص ـ 22 . . . . . ص ـ 37
6 ـ العدوان والغزو سمة أساسية للسياسة الأمريكية
في مرحلة عولمتها المفردة بالوضع العالمي ص ـ 38 . . . . . ص ـ 60
7 ـ بين الموضوعية والذاتية :
السياسة تكمن في التشخيص والاِستنتاج . . .
الرؤية العالمية في التحليل هي المنطلقص ـ 61 . . . . . ص ـ 868 ـ الفهرس . . .ص ـ 87
أين هي النهضة العلمية التكنولوجية التي كانت نبضاتها تنشيط في ميادين الكليات الهندسية والزراعية العلمية والطبية وغيرها الكثير ؟ .
أين هي فكرة التعشـيق ما بين العلماء العراقيين ـ وكذلك أساتذة الكليات العلمية العراقيين ـ والمنتجين ، والضرورات التي تتطلبها مواقع الإنتاج ؟ .
أين هي البحوث التطورية في مجالات الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية ؟ .
أين هي النتائج العملية لمؤثرات برنامج علمي كلَّف الدولة العراقية حوالي التسعين مليار دولاراً ؟ .
أين هي الطاقة الكهربائية التي كانت تعتمد على الثروة النفطية والغازية المتوفرتين بكثرة في العراق ؟ .
لماذا تتأخر نُظم الاِتصالات الهاتفية ـ ناهيك عن رخص أثمانها ـ والإِعلامية الحالِّية عما سبقها زمانياً في ميادين التطور ؟ .
وأين ، أين ، أين وآلاف التساؤلات التي ينبغي إثارتها حول المصائر المستقبلية لأنشطتها ؟ .
والسؤال المرفوع هو ألف باء كل فعالية تربوية والمقدمة الضرورية لكل عملية تطورية ، بدلاً من كلام الثرثرة الذي يطلقهكلُّ مَـنْ هبَّ في عالم ((الأحزاب والتكوينات التنظيمية)) المرتبطة بالرؤيـة الأجنبية ، وتكتنفها رؤية أيديولوجية خالصة ، ومن دون محددات زمانية ومكانية ، وترتبط بالأنا الفردية الذاتية ؟ .
قد يتذرع البعض بالبعد الإنساني لضرورات الحرب الأمريكية على السلطة العراقية وفقاً لمنطقهم ، فيما نعتقد إنَّ هذا العدوان الشـامل هو على الدولة العراقية : الوطن والشعب والمؤسسات الناظمة لعملهما . ولكن السؤال الشاخص هنا : ومتى كان اللجوء للحرب والعدوان والاِحتلال والسطو حلاً للمشاكل الإنسانية ؟ ، هذا من ناحية ، وإنَّ ما كشفه ـ من ناحية ثانية ـ مركز ((إباء)) العلمي عن ذلك البعد الإنساني للعراقيين يغني عن التفاصيل لمن يريد أنْ يكون صادقاً مع ضميره ونفسه وشعبه ووطنه :
كشف خبراء عراقيون في مركز ((إباء)) للبحوث ظهور أنواع كثيرة و((أجيال جديدة من الحشرات ، تتكاثر في شـكل ينذر بكارثة ، إذ أَتلَفت بساتين في أكثر من محافظة عراقية ، وقَتَلَت عشرات الآلاف من الماشية وأصابت عشـرات الأشـخاص خصوصـاً الأطفال بتقرحات جلدية وكانت سـبباً مباشـراً لنقل الأمراض أودت بحياة كثيرين . . .
وبدأت هذه الحشرات فجأة على شكل وباء قبل سنين في شمال بغداد مما دفع إلى الاِعتقاد بأنها أُدخلت عمداً ، وذلك لوجود فرق التفتيش الدولية وتركزها في هذه المنطقة ، ولأنَّ الدول المجاورة لم تُسجَّل فيها هذه الظاهرة . وساهمت في زيادتها ظروف الحصار التي منعت اِستيراد المبيدات بكميات مناسبة)) .
وأكد السيد عبد الستار عارف رئيس قسم رقابة النباتات في المركز: ((إِنَّ دراسات أُجريت قبل الحرب لمعرفة مصدر الحشرات وتم الاِتصال بمنظمة ((الفاو)) وأخذت نماذج من هذه الحشرات من الولايات المتحدة الأمريكية ومن ليبيا ، لأَنَّها من النوع ذاته الموجود في العراق وأوجبت مكافحة الحشرات مختبرات خاصة ، لكن تعرض المركز للقصف والسلب أدى إلى تسرب الكثير من تلك الحشرات ، ما ينذر بكارثة)) . [18] .
ومما زاد الطين بلة هو معرفة المحتلين بواقع هـذه المختبرات لأنها تعرضت للتفتيش مرات عديدة ، هذا : أولاً ، وجرى تحذير كل المنظمات الدولية ذات العلاقة من المخاطر المستقبلية من محتويات هذه المختبرات ، ثانياً ، ولكن القوات الغازية التي تمكنت من المحافظة المطلقة على المؤسسات النفطية أصرَّت على إدارة ظهرها عن حماية هذه المختبرات رغم مناشدة العلماء العراقيين الذين هبّوا للتدخل من أجل حماية المواطنين والثروات ، ثالثاً ، والحديث حول المبرر الرابع ـ وهو الأهم ـ ينبع من التأثيرات التي ستمُّس طبقة الفلاحين وفئات المربين للحيوانات ، وهي الطبقة الواسعة العدد والمتداخلة مع فئة المربين للجيوانات الداجنة . وهل الأضرار التي ستلحق بهم هي نتائج ((ضرورية للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان)) . ؟ . مجرد سؤال نطرحه على المتعاونين مع قوات الاِحتلال وقياداته الواعية بكل تصرفاتها المستمدة من معياري التصرف المنفرد بثروات النفط وأولوية خدمة الفكر المسيحي المتصهين وكيانها القائم على الاِغتصاب للأرض وإجلاء الفلسطينيين أو قتلهم ؟ .
باِختصار إنَّ الشرق أوسطية التي يتطلع إلى صيرورتها الأمريكيون والصهاينة مظهراً أساسياً في الواقع العربي ـ والعراقي إِسـتتباعاً وبالضرورة جراء الرؤية الأمريكية والإسرائيلية السياسية المشتركة لطابع المنطقة التاريخي ـ تستهدف : ((التهميش الاِقتصادي ، التخلف التقاني ، الاِختراق الثقافي. . . الشرق أوسطية هي ثمرة للعولمة في طرازها الأمريكي)) كما تقول السيدة نيفين مسعد ،وأمريكا هي الفاعل الرئيس في عملية إنتاج تسلطي جديد بواسطة عصا القوَّة العسكرية الكونية تحت شعار مخاتل اِسـمه : العولمة ، إضافة لخدمة رؤية كيان الاِغتصاب الصهيوني عبر نظام شرق أوسطي مخصص للمنطقة العربية .
هل يعني كل ذلك أنَّ واقع العراق كان زاهياً مطَّرد التطور ؟ كلا بالتأكيد ، ولكننا كنا نطمح إلى ما هو أبعد من ذلك ، سواء في ميادين التطور العلمي أو الإسهام في حياة سياسية ديموقراطية وإدارة شؤون المواطنين اليومية ، ترتبط بمطالب محددة من بينها الحكمُ الدستوري الذي يحقق ((سيادة القانون وإشاعة الحريات والديموقراطية في حياة الفرد والمجتمع وضمان حقوق الأفراد في إبداء الرأي والاِجتهاد وضمان أمنهم وسـلامتهم ، وضمان الحقوق والحريات لكافة الأقليات الدينية المتآخية في الوطن)) .
وهو ما لا يمكن تحقيقه إطلاقاً مع إلغاء الدولة والغزو الأجنبي والسطو على ثروات الوطن العراقي وتفتيت المجتمع العراقي وقتل أو تشريد العلماء منه وإلحاق الأضرار الفادحة بالفئات الكادحة والفقيرة! .
15 / 8 / 2
المصادر والهوامش التي اِعتمدتُ عليها
[1] ـ راجع كتاب الأسـتاذ محمد حسنين هيكل المعنون ((كلام في السياسة . نهاية طُرق : العربي التائـه)) الصادر عن الشـركة المصـرية للنشـر العربي والدولي ، الطبعة الثانية في شباط / فبراير 2002 ، ص 34 .
[2] ـ المصدر السابق ، ص 35 .
[3] ـ راجع كتاب السيد محمد حسنين هيكل المعنون ((كلام في السياسة ، الزمن الأمريكي : من نيويورك إلى كابول)) الصادر عن الشركة المصرية للنشر العربي والدولي ، الطبعة الثالثة في آب/أغسطس 2002 ، ص 29 . وجملة بكل العلاقات المحصورة بين {} الواردة في هذا الاِستشهاد هي إضافة فرضها اِنسجام سياق المعنى .
[4] ـ جرى الاِعتماد في هذا التشخيص على المعايير الفكرية التي أوردها السيد محمد حسنين هيكل في كتابه السابق ، ص 41 ـ 42 .
[5] ـ راجع المصدر الأسبق : العربي التائه ، ص 192 .
[6] ـ المصدر أعلاه ، ونفس الصفحة .
[7] ـ ذات المصدر ، وذات الصفحة .
[8] ـ المصدر السابق ، ص 93 .
[9] ـ راجع كتاب العلاقات العربية ـ التركية : حوار مستقبلي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت/لبنان ، الطبعة الأولى ، كانون الثاني/يناير 1995 ، ص 490 .
[10] ـ راجع كتاب التحديات ((الشـرق أوسـطية)) الجديدة والوطن العربي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت/لبنان ، الطبعة الأولى ، آذار/مارس 1994 ص 74 .
[11] ـ راجع نشرة ((نداء الوطن)) في عددها السادس التي نشرت الوثيقة النظرية للتحالف الوطني العراقي ، السنة الثالثة ، والصادرة في شباط 2001 .
[12] ـ راجع كتابه المعنون حرب الخليج دفعتني للاِستقالة من تعريب أحمد عبد الكريم ، الصادر عن دار الأهالي للنشـر والتوزيع ، دمشـق /سـوريا ، الطبعة الأولى في تشـرين الثاني عام 1992 ، ص 38 و 39 على التوالي .
[13] ـ المصدر السابق ، ص 125 .
[14] ـ راجع كتاب تجارة السلاح والأمن القومي العربي : دور العملاقين . أسرار المافيا . رشـاوى الكبار . من تأليف الدكتور سامي منصور ، إصدار مكتبة مدبولي ، مطبعة أطلس ، القاهرة ، دون ذكرٍ لتاريخ محدد يبين متى صدوره ، وإنْ جاء رقم الإيداع في عام 1991 . ص 317 .
[15] ـ راجع كتاب البعد التكنولوجي للوحدة العربية الكبرى ، من تأليف السيد أنطوان زحلان .إصـدار مركز دراسـات الوحـدة العربية ، بيروت/لبنان ، الطبعة الثانية ، أيلول / سبتمبر 1983 ، ص 111.
[16] ـ راجع كتاب حيازة التكنولوجيا المسـتوردة من أجل التنمية الصناعية : مشكلات الإستراتيجية والإدارة في الوطن العربي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية والأمم المتحدة : اللجنة الاِقتصادية والاِجتماعية لغرب آسـيا ، والعالم العراقي الوارد ذكره في ذلك الكتاب الذي ضمَّ أسماء العديد من الباحثين ، هو الدكتور فرهنك جلال الخبير الاِقتصادي في وزارة الصناعات الخفيفة ، ترجمة محمد رضا محرم ، الطبعة الأولى ، آذار / مارس عام 1987 ، ص 43 .
[17] ـ نفس المصدر وذات الصفحة .
[18] ـ راجع صحيفة ((الحياة)) الصادرة في يوم 8/8/2003 .
الفهرس
1 ـ جواب على سؤال لموقع كتابات : نص السؤال ص ـ 3
2 ـ الصراع بين الذات الوطنية والقوة الأجنبية :
مَنْ هو الذي يحدد الهدف الإستراتيجي في الصراع :
القوة الأقوى والأغنى أم الدولة المُعتدَى عليها ؟ ! .
السيرورة نحو النظام الشرق أوسطي الذي يحدد مضمونه في المنطقة :
كيان الاِغتصاب الصهيوني .
الرؤية رقم ـ 2 ـص ـ 4
3 ـ رسالة إلى مَنْ نشر الكتاب على سبيل المدخل لهذا الكتابص ـ 5 . . . . . ص ـ 8
4 ـ المقدمة : في الكتابة السياسية وشروطهاص ـ 9 . . . . .ص ـ21
5ـ العراق المستقبلي في رؤية البعض العراقي ص ـ 22 . . . . . ص ـ 37
6 ـ العدوان والغزو سمة أساسية للسياسة الأمريكية
في مرحلة عولمتها المفردة بالوضع العالمي ص ـ 38 . . . . . ص ـ 60
7 ـ بين الموضوعية والذاتية :
السياسة تكمن في التشخيص والاِستنتاج . . .
الرؤية العالمية في التحليل هي المنطلقص ـ 61 . . . . . ص ـ 868 ـ الفهرس . . .ص ـ 87
مواضيع مماثلة
» اللجنة الاولمبية العراقية توصي بمنح يونس محمود وسام الدولة
» بحاثة أوروبي يلقي نظرة على العولمة ضمن سياق تاريخي
» المحامون يناقشون المستجدات القضائية وتحديات المهنة في ظل العولمة
» دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي
» الرئيس بوش: واثق من قيام الدولة الفلسطينية
» بحاثة أوروبي يلقي نظرة على العولمة ضمن سياق تاريخي
» المحامون يناقشون المستجدات القضائية وتحديات المهنة في ظل العولمة
» دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي
» الرئيس بوش: واثق من قيام الدولة الفلسطينية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى