أقطعُ العاشرَ منحنياً في بهائِهِ
صفحة 1 من اصل 1
أقطعُ العاشرَ منحنياً في بهائِهِ
أقطعُه، حافياً / عارياً / مُنْبَتَّاً في الأزمنةِ / ومُنْبَتَّاً في الأمكنة /
أُشَدِّدُ خيباتِه مقطعاً.. مقطعاً / وأُشَدِّدُ فواصلَه الموجعة /
وما هو أكثرُ فجيعةً من الموتِ وعطاياه / أشددهُ قائلاً: أيها الأكثرُ فجيعةً من الموتِ وعطاياه، تقدمْ في بياضِكْ / وتقدمْ في شراهتِكْ / مرنحاً، ومتجهاً / على أرضٍ مرنحة /
أقول: تقدمْ، لتأخذَ هذا الْمَيَدَ إلى شراستِه / والضيعةَ إلى مدياتِها / والهاماتِ إلى الأسنة / ليبقى لنا الظلُّ / شاقاً ومهدداً / يكنسُ لعبَنا وصباحاتِنا / ومثلُه النقاءُ رسولياً، نندبُ كارثيتَهُ في الهجائن...
عنيفاً أضربُ الأرضَ / وأنا أقطعُ العاشرَ جريحاً.. جريحاً / أصيحُ : أيتها المواكَبَاتُ، صَعِّدِي أجراسَك إلى رنينِها الفتيّ / صَعِّدِي القرعَ إلى طبولِه الفتيّة / وأنتَ أيها الحجرُ صَعِّدْ البقاءَ بزهراتٍ شاحبة / صَعِّدْ البقاءَ بطفولةِ العشبِ الذي ينمو باهتاً في السكون / وعليَّ أنا أنْ أقطعَ هذي العرصةَ، جريحاً / وأنْ أُصَعِّدَ القهرَ إلى حوافِّهِ / قابضاً على الفجيعةِ، أَصُبُّها رماداً في آنيةِ المفجوعين / أمَّا العطشُ فهو قميصُ جرأتي الذي تكومَ في رثاثتِهِ / وهوَ الآخرُ الذي لا يزالُ على النَّوْل / وهذا اللهاثُ المتسارعُ، أكرِرِّهُ ضارعاً أمامَ لزوجةِ المراثي / مُحْتضناً برودةَ الدَبَقِ الذي يتبقّى لي في حِنّائِي / بعد أن تُشالَ الرؤوسُ إلى مجدِها في الأعالي / وينظرَ الربُّ العظيمُ إلى بهائِهِ ساطعاً أمامَ الركب / والى بَتولاتِه السبيّات / وفِلِزِّ تَرَمُّلِهِنَّ المشِعِّ في مثاراتِ الغبار / ودَوّاراتِ الرنينِ الملتفةِ على الموتِ وأثلامِهِ /
وما هو أكثر فجيعةً من الموتِ وعطاياه / ثَمَّةَ هذا اللهبُ الراكضُ في بريةِ ظَمَأي / وأنا أجَرْجِرُ البروقَ إلى سماواتِي أمنيةً.. أمنية / وأُرَتِّقُ رثاثةَ النهارِ بعينين غائمتين / مُقايِضَاً فحمةَ النَّكالِ هذه بفضةِ الحقيقة / وَمُدَلِّياً الأسلابَ والرؤوسَ المقطوعة / من سقفِ هذهِ الحكاية / وهي تُضِيءُ، بأقراطِ طفولةٍ مرتعشةٍ تتدحرجُ على أرضيةِ دمائِها / وما عليَّ سوى أنْ أَرُجَّ سكونَ النهايةِ / لأجمعَ أقراصَ المياهِ الناضجةِ قرصاً.. قرصاً / وأنْ أصيحَ بالأسدياتِ : طِيْنَكُنَّ.. طِيْنَكُنَّ / إلى حفلاتِ ندبٍ ممتدةٍ في الأبد / وإلى زقوراتٍ مسوّدةٍ بالقار / طِيْنَكُنَّ أيَّتُها المَجْدَلِيات / يا بناتِ أَدَدَ وإبراهيمَ وأُوْر / النائحاتِ على غيرِ قَتيلِهن / هذه الفجيعةُ إصبعٌ تتفقدُ مثيلاتِها / وهذا الألمُ وعَاجُهُ ضَرْعَانِ مُكْتَنِزَان / فيما أنا / أحرّضُ الْمَيَدَ على أشباهِهِ / وأشَدِّدُ اليَبَسَ في خلايا النَهارات / لأُعِيدَ طِيْنَتِي إلى كَرْبَلَتِهَا / وَأَعْضَائِي إلى حاشيةِ الظهيرةِ في بابل / عاقاً أُبُوَةَ مُكَرَّراتي من أجلِ هذهِ الفِيْوض / وَمُنْهَمِكَاً بِرُسُوبِيَتِي أُقَشِّرُ خَرابَها / وَبَعَناقِيْدِي أجمعُ إليها الألَقَ والسكون / وما هو لي بعدَ كلّ موتٍ وعطاياه / ثَمَّةَ حشدُ غضاراتِ اليُتْمِ وَأَحْرَازِهِ / وثَمَّةَ بلاهاتُ الفناءِ المكدّسةُ أمامَ رنيني /
وثَمَّةَ أناقةُ الحنظل ! /
وما أُشَرِّدُهُ منَ المعنى في براءةِ القُرنفلات / عندما أدْعَكُ اليقينَ بمجاوراتِهِ من الملحِ والسَاجْ / لأُرَتِّبَ البياضَ والبريقَ معاً على أريكةِ ذُهولي /
ها... ياقوتةُ جسدي مهشمةٌ على الجذع /
وها... صمغُ أحشائي سائلاً /
يا أسرابَ الحمام /
ويا أيتها الطيرُ هذهِ سنبلاتي /
أفرّطُ أمامَهنَّ بما يتبقّى لديّ من الليونة / هذه سنبلاتي / كلما أتكلمُ صادقاً ولجوجاً عن الحبِّ وإطراقاتِهِ المكرَّسة / هذه سنبلاتي ووشاياتُها المهذبةُ أمامَ الريحِ وأقمارِها المدورةِ في النَسرين / وغواياتِ الماء / عندما أتكلمُ طويلاً عن الحب / عندما أتكلمُ قائلاً عشيةِ احتفاءِ البراغيثِ بقريناتِها :
- في الكوفةِ خاصمْتُ !
وفي التَمّارِينَ أشرتُ إلى نخلتي /
وقبل أنْ تنفضَ الحراثاتُ الجديدةُ نعاسَها / قبل أن يصعدَ العبيدُ إلى الرشواتِ وأسيجَتِها نائمين / قبل أن يصيحَ الديكُ ثلاثاً في باديةِ نينوى وعلى تخومِ أور / نزلتُ وحيداً... وحيداً... أيتها المجدلياتُ عن النخلةِ إلى الأرض / نزلتُ وحيداً... وحيداً إلى مَغَاوِرِي / أصيحُ :
- أيتها السِكَاك
في سوقِ الكوفةِ خاصمتُ
وفي التمّارينَ...
آه... في التمّارينَ تعرفتُ إلى نخلتي !
عالقاً مثلَ بقايا العَراجِينِ في سماواتي أُرَتّبُ أهِلَّتَها / هكذا أبدا في التمّارينَ أخبرتُ صبيةَ الطرائقِ عن الحب / هكذا أيتها الطيرُ تعرفتُ إلى الكَناسةِ وفاخِتاتِها الرمادية / وهكذا أيتها الطيرُ / فركتُ حاشيةَ اليواقيتِ وبريقَها / نازلاً... صاعداً إلى خشباتِي أمامَ المياهِ ودوّاماتِها / نازلاً... صاعداً بفحمةِ هذا الظمأِ أمامَ فراتي ولؤلوئاتِه / ومن الحراثاتِ القديمةِ إلى جديداتِها / هكذا... أيتها الطيرُ أرفعُ سنبلاتي / خادشاً حنظلةَ يقيني / من أجلِ هذهِ الأصْمَاغِ السائلةِ في أحشائي / ملتصقاً بخلاياي / مثل سعفتينِ لهما الغوايةُ المجرّبةُ بأعسالِ آبْ / وبِأَتْرِبَتِي هذه التي أُرَقّدُ عليها عجينةَ ربّاتِ الألمِ وسيداتِه المُبَهْرَجات / قبل أن يبدأَ احتفالُ العاقول / أَتْرِبَتِي هذه وطينةُ اليقينِ المكتظةِ بالزخرفِ وأبَّهاتِه / عندما تلتمعُ في الحراثاتِ الجديدةِ جلودُ العظاياتِ الراكضةِ في لهبِ الكَناسةِ وعَقِيقَاتِهِ / أتذكَّرُ ماراً من الغبارِ إلى الغبار / شراساتِ العنبرِ وقُبَّراتِهِ / ماراً من الغبارِ الى عنفوانِ أرديةِ الغبار / ما يتبقى لي من عناقيد الرمادِ الباهتِ في طياتِهِ / ماراً من الغبارِ الذي أجمعه علي ّ / إلى الغبارِ الذي هو لي / رماداً... رماداً لا تعرفُهُ شهوةُ المياهِ الطافحةِ بأعسالِ آبْ / ساعةَ أعطّلُ هشاشةَ الدخانِ من المشهدِ الى المشهدِ بفضّةِ بَخُورِي / حاضراً ومكدساً في الموجةِ وأعراسِها / عندما أُفَتَّتُ مَذْرُواً مثلَ نداءاتِي :
- آه... في الكوفةِ رأيتُ الماء
وفي الكَناسةِ جَرَحَتْنِي رهافةُ الريح /
وفي الذُّبالاتِ وفوانيسِها المرَتَّبةِ أمامَ شراراتي / في الأقمارِ المعطَّلةِ بما أُشَتِّتُهُ من الضياءِ وأعذاقِهِ / في عباءةِ العتمةِ المرقَّعَةِ بدهشةِ العَسَسِ وإيماءاتِهم / في كل ما يشهدُ هذه الدقيقةَ / وما يشهدُ عظاياتِها الهاربةَ في اللهبِ... رأيت : / في الكَناسةِ كلما التمعَ الصهيلُ أمامَ عتمةِ الغوايةِ، رأيت : / في نينوى عندما جررتُ عرباتِ آشورَ الى حقولِهِ الذهبيةِ، رأيت : /وفي أورْ الكلدانيينَ جمعتُ قطيعي... /
أما في الغاضرياتِ فلم أركِّبْ اللهبَ على اللهب / من أجل هذه الكَناسةِ التي تعرفني /
- آه... في الكوفةِ أطلقتُ خيولي /
وفي الكناسةِ احترقتُ...
احترقتُ /
رافعاً في شمالِ الفجيعةِ عصارةَ الراكضِ منْ أراجيحِ الخيبةِ الى بياضِ الماء / ومعنياً أمامَ خيمةِ النهارِ بما أَصُفُّهُ من اليقظةِ في حوافِّها / ومنَ الغضاراتِ الهاربةِ في الغضارات / عندما أهدمُ اللهبَ بأجراسِهِ / وأخيطُ أذيالَ الهيبةِ بجلدةِ رنيني / وحيداً... حثوتُ شراسةَ الْمَيَدِ على أُجَاجَاتِهِ / واتكأتُ على قربةِ حكاياي / عاداً بين الثَنْيَةِ الى الثَنْيَةِ هذه الْمُرمّدَاتِ من أشباهِ اللحظة / ومُفَرّقاً بينَ فَخَارٍ أُكَسّرُهُ في أرجائي / وفَخَارٍ أُرَكِّبُ عليهِ تمائمَ الرقيمِ ومجاهراتِهِ في صباحاتِي / خارجاً من فَقاعةِ الرغيفِ العاطلِ الى هُزالاتِي / ومُشَدِّدَاً الغيابَ الشائخَ وعُبُوسَاتِهِ / بِما يَتَبَقّى لي من الطَيّةِ وهَلْهَلاتِها / آناً... آناً / أكررُ الخضرةَ وظلَّها / في البريةِ وظلِّها / حينما ألفّقُ صلابتي / وأرممُ فجاجةَ الألمِ في أحشائِي / ومن الفجيعةِ الى الفجيعةِ / أراني مأخوذاً بما يتقافزُ من الغزلانِ الفضيةِ في عتمةِ مساءاتي / صائحاً بين التيهِ ومجليّاتِهِ / وبين رغوةِ الحنينِ وفقاعاتِ أرغفتِهِ المعطَّلةِ :
- هذه نجمتي التي أحب /
وهذه كلماتي في السماواتِ التي أفتشها عن الحب / وربما أقدارِهِ / سماواتٍ من الفضةِ ورنينِها / وسماواتٍ من البياضِ وشراهاتِهِ / وسماواتٍ... ترتّبُ أرجاءَهَا المرنَّحةِ في صراخي الممتدِّ من الأفقِ الى براءةِ الأخضر /
- هذه نجمتي أيتها العَرّافات /
نجمتي التي أجمعُ بها القطيعَ الى حظائرِهِ... أيها العرّافون / لا خرافةَ لي / ولا مواسمَ أقشّرُ بها برتقالةَ الضوء / ليس سوى هذه البداهةِ التي أمشّطُ بها ضفيرةَ النواعيرِ كأساً... كأساً / ولي بعد ذلك مصاهراتِي المؤجلةِ مع العاقول / ومطارداتي مع الموجةِ وألوانِ الغِرْيَن في فراتٍ أصدّقُهُ / وفي ظلالٍ تتعرَّفُ إليّ / ساعةَ أسقطُ يَدِي مقطوعةً في المكان / وأسقطُ يَدِي مقطوعةً في المكان الآخر / لأحتضنَ هذي العرصةَ من النخلةِ الى النخلةِ دمَّلاً...دملاً / وأضعَ راحتيَّ على خاصرةِ الفلزّ / عابراً دهشةَ الفراغِ بما أمرّره من أنامِلي على فجاجةِ الدمِ وليونةِ المعدن / عندَ نهاياتٍ أرجُّها /
أنا الراكضُ
الراجزُ
الراكزُ، رايتي من الغيابِ الى الغياب /
وأنا المراقُ من قربةِ حكاياي /
أَسِيْلُ شربةً... شربةً أمامَ ملائكةٍ يتراكضونَ الى فجيعتي /
وملائكةٍ يحصونَ ما هو أكثر فجيعة من قمرٍ يتفقَّدُ أثلامَهُ / أو ربما نهارٍ يعلّقُ أحشاءَه على شجرِ الفولاذ / كلما اتكأتْ الفضةُ على البريق / وتلفّتَ الذهبُ الى عرقِ الأحصنة / آه...
هذا النعاسُ الهاطلُ في غيرِ أوانِهِ /
وهذا الثلجُ وأجنحتُهُ... وهذا البياض /
آه...
هذا الغيابُ وأَفْنِيَتُهُ المؤطرةُ بالحدوات /
آه... أخي /
ذلكَ هو الموتُ الباذخُ كما نعرفُهُ /
معلقاً مثلَ ثمرةٍ ناضجةٍ على شجرِ الفولاذ /
أما بقاياي... فللفراتِ وعطشِهِ /
وأما سلامُ يديَّ المقطوعتين... فللأطفالِ الراكضينَ في حدائقِ الفجيعةِ... يَلْهُوْنَ بأصابعي / بينما أمهاتُ أور / يؤجِّلنَ الحليبَ الى نواحٍ آخر / وبناتُ بابلَ / يؤجِّلنَ الأمنيات... أربعيناً أخرى / فيما هنَّ يركِّبن مصابيحَ رنينِهِنَّ في الفناءات /
حزنِهِنَّ الذي يبقى /
وفرحِهِنَّ القليل... القليل /
آه... أورُ التي هي لي /
وآه... بابلُ فراشةُ قلقي /
ربَّةُ الْمَثّالينَ /
وربَّةُ البَازِلْتْ.
أُشَدِّدُ خيباتِه مقطعاً.. مقطعاً / وأُشَدِّدُ فواصلَه الموجعة /
وما هو أكثرُ فجيعةً من الموتِ وعطاياه / أشددهُ قائلاً: أيها الأكثرُ فجيعةً من الموتِ وعطاياه، تقدمْ في بياضِكْ / وتقدمْ في شراهتِكْ / مرنحاً، ومتجهاً / على أرضٍ مرنحة /
أقول: تقدمْ، لتأخذَ هذا الْمَيَدَ إلى شراستِه / والضيعةَ إلى مدياتِها / والهاماتِ إلى الأسنة / ليبقى لنا الظلُّ / شاقاً ومهدداً / يكنسُ لعبَنا وصباحاتِنا / ومثلُه النقاءُ رسولياً، نندبُ كارثيتَهُ في الهجائن...
عنيفاً أضربُ الأرضَ / وأنا أقطعُ العاشرَ جريحاً.. جريحاً / أصيحُ : أيتها المواكَبَاتُ، صَعِّدِي أجراسَك إلى رنينِها الفتيّ / صَعِّدِي القرعَ إلى طبولِه الفتيّة / وأنتَ أيها الحجرُ صَعِّدْ البقاءَ بزهراتٍ شاحبة / صَعِّدْ البقاءَ بطفولةِ العشبِ الذي ينمو باهتاً في السكون / وعليَّ أنا أنْ أقطعَ هذي العرصةَ، جريحاً / وأنْ أُصَعِّدَ القهرَ إلى حوافِّهِ / قابضاً على الفجيعةِ، أَصُبُّها رماداً في آنيةِ المفجوعين / أمَّا العطشُ فهو قميصُ جرأتي الذي تكومَ في رثاثتِهِ / وهوَ الآخرُ الذي لا يزالُ على النَّوْل / وهذا اللهاثُ المتسارعُ، أكرِرِّهُ ضارعاً أمامَ لزوجةِ المراثي / مُحْتضناً برودةَ الدَبَقِ الذي يتبقّى لي في حِنّائِي / بعد أن تُشالَ الرؤوسُ إلى مجدِها في الأعالي / وينظرَ الربُّ العظيمُ إلى بهائِهِ ساطعاً أمامَ الركب / والى بَتولاتِه السبيّات / وفِلِزِّ تَرَمُّلِهِنَّ المشِعِّ في مثاراتِ الغبار / ودَوّاراتِ الرنينِ الملتفةِ على الموتِ وأثلامِهِ /
وما هو أكثر فجيعةً من الموتِ وعطاياه / ثَمَّةَ هذا اللهبُ الراكضُ في بريةِ ظَمَأي / وأنا أجَرْجِرُ البروقَ إلى سماواتِي أمنيةً.. أمنية / وأُرَتِّقُ رثاثةَ النهارِ بعينين غائمتين / مُقايِضَاً فحمةَ النَّكالِ هذه بفضةِ الحقيقة / وَمُدَلِّياً الأسلابَ والرؤوسَ المقطوعة / من سقفِ هذهِ الحكاية / وهي تُضِيءُ، بأقراطِ طفولةٍ مرتعشةٍ تتدحرجُ على أرضيةِ دمائِها / وما عليَّ سوى أنْ أَرُجَّ سكونَ النهايةِ / لأجمعَ أقراصَ المياهِ الناضجةِ قرصاً.. قرصاً / وأنْ أصيحَ بالأسدياتِ : طِيْنَكُنَّ.. طِيْنَكُنَّ / إلى حفلاتِ ندبٍ ممتدةٍ في الأبد / وإلى زقوراتٍ مسوّدةٍ بالقار / طِيْنَكُنَّ أيَّتُها المَجْدَلِيات / يا بناتِ أَدَدَ وإبراهيمَ وأُوْر / النائحاتِ على غيرِ قَتيلِهن / هذه الفجيعةُ إصبعٌ تتفقدُ مثيلاتِها / وهذا الألمُ وعَاجُهُ ضَرْعَانِ مُكْتَنِزَان / فيما أنا / أحرّضُ الْمَيَدَ على أشباهِهِ / وأشَدِّدُ اليَبَسَ في خلايا النَهارات / لأُعِيدَ طِيْنَتِي إلى كَرْبَلَتِهَا / وَأَعْضَائِي إلى حاشيةِ الظهيرةِ في بابل / عاقاً أُبُوَةَ مُكَرَّراتي من أجلِ هذهِ الفِيْوض / وَمُنْهَمِكَاً بِرُسُوبِيَتِي أُقَشِّرُ خَرابَها / وَبَعَناقِيْدِي أجمعُ إليها الألَقَ والسكون / وما هو لي بعدَ كلّ موتٍ وعطاياه / ثَمَّةَ حشدُ غضاراتِ اليُتْمِ وَأَحْرَازِهِ / وثَمَّةَ بلاهاتُ الفناءِ المكدّسةُ أمامَ رنيني /
وثَمَّةَ أناقةُ الحنظل ! /
وما أُشَرِّدُهُ منَ المعنى في براءةِ القُرنفلات / عندما أدْعَكُ اليقينَ بمجاوراتِهِ من الملحِ والسَاجْ / لأُرَتِّبَ البياضَ والبريقَ معاً على أريكةِ ذُهولي /
ها... ياقوتةُ جسدي مهشمةٌ على الجذع /
وها... صمغُ أحشائي سائلاً /
يا أسرابَ الحمام /
ويا أيتها الطيرُ هذهِ سنبلاتي /
أفرّطُ أمامَهنَّ بما يتبقّى لديّ من الليونة / هذه سنبلاتي / كلما أتكلمُ صادقاً ولجوجاً عن الحبِّ وإطراقاتِهِ المكرَّسة / هذه سنبلاتي ووشاياتُها المهذبةُ أمامَ الريحِ وأقمارِها المدورةِ في النَسرين / وغواياتِ الماء / عندما أتكلمُ طويلاً عن الحب / عندما أتكلمُ قائلاً عشيةِ احتفاءِ البراغيثِ بقريناتِها :
- في الكوفةِ خاصمْتُ !
وفي التَمّارِينَ أشرتُ إلى نخلتي /
وقبل أنْ تنفضَ الحراثاتُ الجديدةُ نعاسَها / قبل أن يصعدَ العبيدُ إلى الرشواتِ وأسيجَتِها نائمين / قبل أن يصيحَ الديكُ ثلاثاً في باديةِ نينوى وعلى تخومِ أور / نزلتُ وحيداً... وحيداً... أيتها المجدلياتُ عن النخلةِ إلى الأرض / نزلتُ وحيداً... وحيداً إلى مَغَاوِرِي / أصيحُ :
- أيتها السِكَاك
في سوقِ الكوفةِ خاصمتُ
وفي التمّارينَ...
آه... في التمّارينَ تعرفتُ إلى نخلتي !
عالقاً مثلَ بقايا العَراجِينِ في سماواتي أُرَتّبُ أهِلَّتَها / هكذا أبدا في التمّارينَ أخبرتُ صبيةَ الطرائقِ عن الحب / هكذا أيتها الطيرُ تعرفتُ إلى الكَناسةِ وفاخِتاتِها الرمادية / وهكذا أيتها الطيرُ / فركتُ حاشيةَ اليواقيتِ وبريقَها / نازلاً... صاعداً إلى خشباتِي أمامَ المياهِ ودوّاماتِها / نازلاً... صاعداً بفحمةِ هذا الظمأِ أمامَ فراتي ولؤلوئاتِه / ومن الحراثاتِ القديمةِ إلى جديداتِها / هكذا... أيتها الطيرُ أرفعُ سنبلاتي / خادشاً حنظلةَ يقيني / من أجلِ هذهِ الأصْمَاغِ السائلةِ في أحشائي / ملتصقاً بخلاياي / مثل سعفتينِ لهما الغوايةُ المجرّبةُ بأعسالِ آبْ / وبِأَتْرِبَتِي هذه التي أُرَقّدُ عليها عجينةَ ربّاتِ الألمِ وسيداتِه المُبَهْرَجات / قبل أن يبدأَ احتفالُ العاقول / أَتْرِبَتِي هذه وطينةُ اليقينِ المكتظةِ بالزخرفِ وأبَّهاتِه / عندما تلتمعُ في الحراثاتِ الجديدةِ جلودُ العظاياتِ الراكضةِ في لهبِ الكَناسةِ وعَقِيقَاتِهِ / أتذكَّرُ ماراً من الغبارِ إلى الغبار / شراساتِ العنبرِ وقُبَّراتِهِ / ماراً من الغبارِ الى عنفوانِ أرديةِ الغبار / ما يتبقى لي من عناقيد الرمادِ الباهتِ في طياتِهِ / ماراً من الغبارِ الذي أجمعه علي ّ / إلى الغبارِ الذي هو لي / رماداً... رماداً لا تعرفُهُ شهوةُ المياهِ الطافحةِ بأعسالِ آبْ / ساعةَ أعطّلُ هشاشةَ الدخانِ من المشهدِ الى المشهدِ بفضّةِ بَخُورِي / حاضراً ومكدساً في الموجةِ وأعراسِها / عندما أُفَتَّتُ مَذْرُواً مثلَ نداءاتِي :
- آه... في الكوفةِ رأيتُ الماء
وفي الكَناسةِ جَرَحَتْنِي رهافةُ الريح /
وفي الذُّبالاتِ وفوانيسِها المرَتَّبةِ أمامَ شراراتي / في الأقمارِ المعطَّلةِ بما أُشَتِّتُهُ من الضياءِ وأعذاقِهِ / في عباءةِ العتمةِ المرقَّعَةِ بدهشةِ العَسَسِ وإيماءاتِهم / في كل ما يشهدُ هذه الدقيقةَ / وما يشهدُ عظاياتِها الهاربةَ في اللهبِ... رأيت : / في الكَناسةِ كلما التمعَ الصهيلُ أمامَ عتمةِ الغوايةِ، رأيت : / في نينوى عندما جررتُ عرباتِ آشورَ الى حقولِهِ الذهبيةِ، رأيت : /وفي أورْ الكلدانيينَ جمعتُ قطيعي... /
أما في الغاضرياتِ فلم أركِّبْ اللهبَ على اللهب / من أجل هذه الكَناسةِ التي تعرفني /
- آه... في الكوفةِ أطلقتُ خيولي /
وفي الكناسةِ احترقتُ...
احترقتُ /
رافعاً في شمالِ الفجيعةِ عصارةَ الراكضِ منْ أراجيحِ الخيبةِ الى بياضِ الماء / ومعنياً أمامَ خيمةِ النهارِ بما أَصُفُّهُ من اليقظةِ في حوافِّها / ومنَ الغضاراتِ الهاربةِ في الغضارات / عندما أهدمُ اللهبَ بأجراسِهِ / وأخيطُ أذيالَ الهيبةِ بجلدةِ رنيني / وحيداً... حثوتُ شراسةَ الْمَيَدِ على أُجَاجَاتِهِ / واتكأتُ على قربةِ حكاياي / عاداً بين الثَنْيَةِ الى الثَنْيَةِ هذه الْمُرمّدَاتِ من أشباهِ اللحظة / ومُفَرّقاً بينَ فَخَارٍ أُكَسّرُهُ في أرجائي / وفَخَارٍ أُرَكِّبُ عليهِ تمائمَ الرقيمِ ومجاهراتِهِ في صباحاتِي / خارجاً من فَقاعةِ الرغيفِ العاطلِ الى هُزالاتِي / ومُشَدِّدَاً الغيابَ الشائخَ وعُبُوسَاتِهِ / بِما يَتَبَقّى لي من الطَيّةِ وهَلْهَلاتِها / آناً... آناً / أكررُ الخضرةَ وظلَّها / في البريةِ وظلِّها / حينما ألفّقُ صلابتي / وأرممُ فجاجةَ الألمِ في أحشائِي / ومن الفجيعةِ الى الفجيعةِ / أراني مأخوذاً بما يتقافزُ من الغزلانِ الفضيةِ في عتمةِ مساءاتي / صائحاً بين التيهِ ومجليّاتِهِ / وبين رغوةِ الحنينِ وفقاعاتِ أرغفتِهِ المعطَّلةِ :
- هذه نجمتي التي أحب /
وهذه كلماتي في السماواتِ التي أفتشها عن الحب / وربما أقدارِهِ / سماواتٍ من الفضةِ ورنينِها / وسماواتٍ من البياضِ وشراهاتِهِ / وسماواتٍ... ترتّبُ أرجاءَهَا المرنَّحةِ في صراخي الممتدِّ من الأفقِ الى براءةِ الأخضر /
- هذه نجمتي أيتها العَرّافات /
نجمتي التي أجمعُ بها القطيعَ الى حظائرِهِ... أيها العرّافون / لا خرافةَ لي / ولا مواسمَ أقشّرُ بها برتقالةَ الضوء / ليس سوى هذه البداهةِ التي أمشّطُ بها ضفيرةَ النواعيرِ كأساً... كأساً / ولي بعد ذلك مصاهراتِي المؤجلةِ مع العاقول / ومطارداتي مع الموجةِ وألوانِ الغِرْيَن في فراتٍ أصدّقُهُ / وفي ظلالٍ تتعرَّفُ إليّ / ساعةَ أسقطُ يَدِي مقطوعةً في المكان / وأسقطُ يَدِي مقطوعةً في المكان الآخر / لأحتضنَ هذي العرصةَ من النخلةِ الى النخلةِ دمَّلاً...دملاً / وأضعَ راحتيَّ على خاصرةِ الفلزّ / عابراً دهشةَ الفراغِ بما أمرّره من أنامِلي على فجاجةِ الدمِ وليونةِ المعدن / عندَ نهاياتٍ أرجُّها /
أنا الراكضُ
الراجزُ
الراكزُ، رايتي من الغيابِ الى الغياب /
وأنا المراقُ من قربةِ حكاياي /
أَسِيْلُ شربةً... شربةً أمامَ ملائكةٍ يتراكضونَ الى فجيعتي /
وملائكةٍ يحصونَ ما هو أكثر فجيعة من قمرٍ يتفقَّدُ أثلامَهُ / أو ربما نهارٍ يعلّقُ أحشاءَه على شجرِ الفولاذ / كلما اتكأتْ الفضةُ على البريق / وتلفّتَ الذهبُ الى عرقِ الأحصنة / آه...
هذا النعاسُ الهاطلُ في غيرِ أوانِهِ /
وهذا الثلجُ وأجنحتُهُ... وهذا البياض /
آه...
هذا الغيابُ وأَفْنِيَتُهُ المؤطرةُ بالحدوات /
آه... أخي /
ذلكَ هو الموتُ الباذخُ كما نعرفُهُ /
معلقاً مثلَ ثمرةٍ ناضجةٍ على شجرِ الفولاذ /
أما بقاياي... فللفراتِ وعطشِهِ /
وأما سلامُ يديَّ المقطوعتين... فللأطفالِ الراكضينَ في حدائقِ الفجيعةِ... يَلْهُوْنَ بأصابعي / بينما أمهاتُ أور / يؤجِّلنَ الحليبَ الى نواحٍ آخر / وبناتُ بابلَ / يؤجِّلنَ الأمنيات... أربعيناً أخرى / فيما هنَّ يركِّبن مصابيحَ رنينِهِنَّ في الفناءات /
حزنِهِنَّ الذي يبقى /
وفرحِهِنَّ القليل... القليل /
آه... أورُ التي هي لي /
وآه... بابلُ فراشةُ قلقي /
ربَّةُ الْمَثّالينَ /
وربَّةُ البَازِلْتْ.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى