التضخم..المفاهيم والأسباب والمكافحة
صفحة 1 من اصل 1
التضخم..المفاهيم والأسباب والمكافحة
صالح السلطان
مشكلات في الرقم القياسي ومقترحات
مشكلات في نشر الرقم القياسي
تظهر المصلحة بيانات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بثلاث طرق: مطبوعة شهرية، وقرص مضغوط CD وموقع انترنت. ولا يكفي واحد منها للتعرف على بيانات كل الشهور السابقة.
السلسلة الزمنية المتاحة في موقع المصلحة قصيرة (تبدأ منذ عام 1999)، وينبغي على المصلحة أن تظهر كل الشهور والسنوات السابقة المغطاة. وبالإضافة إلى مشكلة قصر المدة، فإن البيانات المنشورة في الموقع يتأخر تحديثها، مقارنة بنشرة الرقم القياسي الشهرية المطبوعة. لكن هذه النشرة المطبوعة تشمل فقط شهورا أخيرة، مما يستلزم الرجوع إلى عدة نشرات.
لا تتوافق بيانات مجموعات الأطعمة والنقل والتعليم المتاحة على موقع المصلحة، مع البيانات الخاصة بالمجموعات نفسها المتاحة على موقع مؤسسة النقد، مع أنه يفترض أنها متطابقة، لأن المؤسسة تنقل من المصلحة. ويبدو أن هناك مشكلة في انسجام التحديث بين المصلحة والمؤسسة، ومن المناسب أن يتوصل إلى آلية للتحديث الآني.
علامات استفهام
هناك انسجام بين أرقام الرقم القياسي والأنشطة الاقتصادية، وسأتعرض لهذه النقطة في الفصل الأخير من الجزء الثالث. إلا أن وجود هذا الانسجام لا يعكس بالضرورة دقة الرقم القياسي في قياس التضخم. ويشكك كثيرون في دقة هذا الرقم، ويرونه غير عاكس للواقع، ويستشهدون على ذلك بضرب أمثلة عن سلع كثيرة، ليست كمالية، ارتفعت أسعارها بنسب عالية تبلغ أضعاف أرقام الرقم القياسي.
لاشك في أن العاملين في المصلحة قد بذلوا جهودا كبيرة في تحسين جودة الرقم القياسي، وسبقت الإشارة إلى هذه الجهود. ورغم ذلك، فإن فحص الرقم القياسي يشير إلى وجود علامات استفهام على دقته. مثلا، التمعن في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة الخاص بفئة الترميم والإيجار يظهر أنماطا غير طبيعية، حيث يظهر الشكل 3وجود خط أفقي عن السنوات 1999-2005، ويلاحظ أن التذبذب لا يتجاوز 0.2%. قد يقبل وجود تطابق تام أو شبه تام، لفترة لا تزيد عن شهور قليلة، ولكن من الصعب قبول ذلك لفترة سنوات.
التعديلات التي أجريت عام 2001كانت خطوة كبيرة من جانب المصلحة. وقد نشرت المصلحة الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة المحسنة، وفق تعديلات 2001، ابتداء من يناير 1999م وهذا يثير استفسارات عن كيفية جمع بيانات مفصلة منذ بداية عام 1999، خاصة وأن نتائج مسح 1999لم تكن متاحة آنذاك.
الملحوظات السابقة تدل على وجود مشكلات في الرقم القياسي، وأن هناك حاجة إلى عمل المزيد لتحسين جودته.
وأخيرا، أشير إلى أن هناك مشكلات في احتساب الرقم القياسي، من حيث هو، بمعنى أنها لا تختص بدول بعينها، وإن كانت في دول أشد حدة من دول - يرجى الإطلاع على الإطار (2).
مقاييس إضافية؟
كثير من الدول تعمل مقياسا (إضافيا) لا يحوي كل الفئات لسبب ما، مثل كون أسعارها كثيرة التذبذب كالأطعمة. كما اقترح آخرون تطوير مقياس إضافي هو نفس الموجود، مع استبعاد السلع التي يمكن لعامة المواطنين الحصول عليها كلها أو أكثرها مجانا (مثل التعليم بالنسبة للمملكة). هذه المقاييس غير موجودة، واقترح أن تتبنى المصلحة إصدارها، لأنها تعبر عما يسميه البعض بالتضخم الأساسي بصورة أنسب من تعبير الرقم القياسي العام.
شكل: (3) معدلات التضخم في مجموعة الترميم
والإيجار والوقود للفترة 199002006م
معدل التضخم في مجموعة الترميم والايجار والوقود
إطار: (2) مشاكل في احتساب المؤشر
احتساب المؤشر في أي دولة، وإن كان يبدو للوهلة الأولى أنه عمل ليس بذاك التعقيد، لكنه عمليا محاط بصعوبات ومشكلات. الحديث هنا عن المشكلات، التي تتركز في ثلاثة أمور:
تمثيل المؤشر للمستهلك
أنماط الاستهلاك لدى عدد من المستهلكين لا تتفق مع أنماط الغالبية، ومن ثم فإن المؤشر لا يمثل هؤلاء البعض تمثيلا جيدا، نظرا لأن أوزان المؤشر تختلف عن أوزانهم اختلافا بينا، مثلا لنفترض مؤشرا يعطي السكن وزنا قدره 30%، لكن عددا من الناس يصرفون عليه نحو نصف دخلهم، وعددا آخر يصرفون عليه نحو سبع دخلهم. عندما ترتفع أسعار الإيجارات، قل، 30%، فإن المؤشر يميل إلى أن يعطي رقما عن التضخم أقل مما يشعر به الأولون، وأكثر مما يشعر به الآخرون.
تكييف المؤشر حسب تغير المواصفات أو الجودة
المؤشرات لا تعكس هذه التغييرات بصورة دقيقة. فعندما، على سبيل المثال، يطرأ على بعض السلع (التي سبق استعمال نفسها في مؤشر العام أو الأعوام الماضية)، تغيير في المواصفات، وترفع شركات هذه السلع في الوقت نفسه أسعار منتجاتها، فمن المحتمل ألا يكون سبب كل هذا الارتفاع زيادة تكاليف الإنتاج بغض النظر عن التغيير، بل يحتمل أن يكون جزءا منه نتيجة تغير المواصفات. من جهة الجودة، فإن طريقة القياس الشائعة في كثير إن لم يكن عامة دول العالم لا تعكس التغير في مستوى جودة السلع المستهلكة (ومن ثم عمرها). هناك علامات كثيرة على انخفاض أسعار سلع بسبب تغيير مصادر إنتاج هذه السلع إلى أخرى أقل جودة. وهذا الانخفاض يجعل معدلات التضخم الحقيقة أعلى من الأرقام المعلنة.
مراعاة قانون الطلب
قد تزيد أسعار سلع ما، ويعمل المستهلك على زيادة مشترياته من سلع بديلة (عملية إحلال)، مما يحدث إخلالا بأوزان المؤشر.
حدة المشكلات السابقة تتفاوت بين دول العالم، وهناك مشكلات أخرى تتركز على مدى جودة المعلومات المجمعة، وتظهر هذه المشكلات في دول نامية. رغم هذه المشكلات، فإنه يبقى أفضل المتاح، كما أن الجهود تبذل لتحسينه بين وقت وآخر.
رد: التضخم..المفاهيم والأسباب والمكافحة
الجزء الثاني: تفسير موجة التضخم الحالية
المنشأ التفاعلي: تمهيد تحليلي
هناك تضخم منشؤه خارجي، يتركز في ارتفاع أسعار الواردات من سلع وخدمات، سواء من منشؤها، و/أو بسبب تغير أسعار الصرف، وهذا سهل فهمه، ويسمى أحيانا بالتضخم المستورد. وهناك تضخم غير مستورد، منشؤه داخلي.
حيث إن التضخم يعني الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات (الإنتاج)، وبعبارة مكافئة الانخفاض المستمر في قيمة النقود، فإن هناك قناعة بين جمهور الاقتصاديين في تحليلاتهم بأن التضخم الداخلي ينشأ من جراء تفاعلات بين ثلاثة متغيرات اقتصادية: عرض النقود والإنتاج والفائدة (أو بتعبير آخر العائد الذي يدفعه الحاصل على التمويل إلى الممول). وفي إطار هذه القناعة انقسم جمهور الاقتصاديين إلى ثلاثة مذاهب.
1- هناك من يرون أن عملية التفاعل نفسها هي المسيطرة، وهؤلاء ينتمون إلى الاقتصاد الكينزي، نسبة إلى كينز (1883- 1946)، أشهر عالم اقتصاد في القرن الماضي.
2- وهناك من يرون أن التأثير النقدي هو المسيطر، ويسمون النقديين، نسبة إلى تأكيدهم على دور ووظيفة النقود (للتعرف على معنى ووظيفة النقود، يرجى الإطلاع على الإطار 3- وللمهتمين من المتخصصين، يرجى الاطلاع على الإطار 8الذي يعرض نموذجا نقديا للتضخم في الاقتصاد السعودي.
3- وهناك تفكير ثالث يرى أن تأثير العرض (الإنتاج) هو المسيطر، بمعنى أن قلة السلع والخدمات هي العامل الأقوى في نشوء التضخم.
الأولون لا ينكرون أهمية النقود في تقرير معدلات التضخم، لكن النقديين يرون أنها الأهم. وقد حدث تقارب كبير بين وجهات نظر الكينزيين ووجهات نظر النقديين خلال العقود الأربعة الماضية. هذا وجذور التأثير النقدي ترجع إلى النظرية الكمية في النقود والأسعار Quantity theory of money and prices الموضحة باختصار في الإطار (4).
وكل المذاهب إجمالا تدور في إطار وجود اختلال بين العرض والطلب، مع اختلاف في التركيز على مصدر هذا الاختلال. لفهم مبادئ العرض والطلب، يرجى الاطلاع على ملحق في آخر هذا الملف.
إطار: (3) معنى ووظيفة النقود
كلمة نقود جمع نقد، لكن شاع استعمال الجمع نقود مقابلا للكلمة ذات الأصل اللاتيني money، والتي كانت تعني كل ما تسكه السلطة ليكون وسيلة أو واسطة للتبادل. وحيث إن مادة السك كانت في العادة إما الذهب أو الفضة، فقد اشتهرت تسمية هذين المعدنين بالنقدين.
في العصر الحاضر، أصبحت الكلمة تعني كل وسائل الدفع المستعملة المعترف بها قانونيا للتبادل. ومن هذا المعنى نعرف أن أشهر وأهم وظيفة للنقود أنها وسيلة دفع: نحن ندفع النقود مقابل الحصول على السلع أو الخدمات أو لسداد الالتزامات. ذلك القبول يعطي صفة السيولة.
النقود أكثر من كونها مجرد وسيلة دفع، فهي زيت التشحيم الذي يسهل التبادل. تصور تعقيد الحياة بدون وجود النقود. لكن النقود مثلها مثل أي زيت تشحيم، قد تفقد فعاليتها، مثلا قد يتهاوى نظام السوق في اقتصاد نقدي، عند حصول تضخم جامح.
وتتصف النقود بالغرابة، فأولا نحن نكد لكسب النقود، ولكن كل ورقة نقدية لا قيمة لها بذاتها. وثانيا طبع النقود محصور بالحكومة، ولكن إصدار النقود ليس محصورا بها، فالبنوك التجارية تخلق (تولد) نقودا تزيد كثيرا عما تطبعه الحكومة.
إطار: (4) النظرية الكمية للنقود والأسعار
وضع أسس هذه النظرية فيشر (1867- 1947) (7) وفقا لهذه النظرية، تتحرك الأسعار بشكل يتناسب مع العرض النقدي. النظرية تعد صيغة تقريبية، وتساعد على فهم سبب وجود تضخم معتدل في الدول ذات النمو النقدي المنخفض، والعكس بالعكس.
هناك علاقة ثابتة بين أربعة عناصر: الإنتاج (ما ينتجه المجتمع من سلع وخدمات) Y، والمستوى العام للأسعار P، وكمية النقود المتاحة في الاقتصاد M ، وسرعة دوران النقود V. (دوران النقود Velocity of money) يعني السرعة التي فيها يجري تداول كمية معطاة من النقود في الاقتصاد، وبمعنى آخر متوسط عدد المرات التي فيها تتبادل الأيادي كمية نقدية لتمويل الاحتياجات خلال فترة زمنية محددة).
والمعادلة التي تربط بين هذه المتغيرات هي:
PY = MV
وهذه المعادلة تعني أن كمية النقود الموجودة في اقتصاد ما مضروبة في سرعة دوران النقود = الأسعار مضروبة في كمية السلع والخدمات.
الأسعار عند الاقتصاديين تشمل أسعار السلع وأسعار الخدمات، بما في ذلك خدمات اليد العاملة (مثلا الرواتب).
وتبعا لذلك لو ضربنا كافة الأسعار بالكميات المشتراة من السلع والخدمات (في اقتصاد ما مثل اقتصاد المملكة)، خلال فترة زمنية بعينها، فإن الناتج يساوي مجموع التداولات النقدية التي نفذت خلال تلك الفترة، وهذا بدوره يساوي كمية النقود مضروبة في سرعة دورانها.
المعادلة بصورة نسب تغير
نسبة التغير في عرض النقود + نسبة التغير في دوران النقود = نسبة التغير في الأسعار + نسبة التغير في الإنتاج
كون التضخم ظاهرة نقدية، لا يلغي وجود تأثيرات غير نقدية، لكن تأثيرها مرتبط بزيادة عرض النقود، (أو قلة المعروض من السلع مقارنة بكميات النقود المتاحة) ومن ثم ارتفاع الأسعار. بمعنى أن التضخم (ذا المنشأ الداخلي) لا يحدث إلا بزيادة في كمية النقود أكثر من الإنتاج، مما يوجد اختلالا بين عرض النقود والطلب عليها (7).
سأذكر باختصار ما أراه أهم التأثيرات أو العوامل الأساسية وراء التضخم في المملكة (وعامة دول مجلس التعاون)، وهي لا تخرج عن نطاق التفسيرات النظرية للتضخم المطروحة من قبل المدارس الاقتصادية الثلاث المذكورة سابقا.
تضخم الجذب الطلبي
ذكرت سابقا أن التضخم ينشأ من جراء تفاعلات عرض النقود والإنتاج (العرض). ولكن كيف تحصل أو تنشأ تلك التفاعلات؟
هذا موضوع طويل معقد، وما لا يدرك كله لا يترك جله. يميز الاقتصاديون باختصار بين نوعين أو شكلين لتفاعل القوى الاقتصادية، اعتمادا على مصدرها هل هو المشتري أو البائع: الطلب الكلي والتكاليف.
أي أن التضخم قد ينشأ من جراء ارتفاع الطلب الكلي. وهذا الطلب يتناول ما يطلبه المستهلكون (الاستهلاك) والمستثمرون (الاستثمار) والحكومة (الإنفاق الحكومي)، والتغيرات في كل أو أحد هذه المكونات.
ربما كان هذا التضخم الطلبي مألوفا لدى الناس أكثر من غيره، ويعني الارتفاع في المستوى العام للأسعار الناتج من فائض أو إفراط في الإنفاق الكلي (الطلب). تضخم الجذب الطلبي معناه "نقود كثيرة مقابل سلع قليلة". هذا يحدث عندما لا يتمكن (أو يرغب) المزودون (أو البائعون) من تلبية كل السلع والخدمات التي يطلبها الطالبون (المشترون)، وفي هذه الحالة يجنح البائعون إلى زيادة الأسعار. وبمعنى آخر، ينجذب المستوى العام للأسعار من جراء الضغوط التي يحدثها إنفاق المشترين.
وارتفاع الطلب له أكثر من سبب وسبب، كارتفاع الإنفاق الحكومي، وزيادة عرض النقود، مثلا من جراء زيادة الأجور أو ارتفاع السيولة لدى الناس (بسبب مثلا انخفاض تكلفة التمويل)، أو تمويل عجز الميزانية بإنشاء النقود. وهذا التوسع في عرض النقود ينتج تضخما، أو ما يسمى أحيانا "التمويل بالتضخم" (9) وهناك وسيلتان لخلق (إنشاء) نقود: الطباعة (الطريقة التقليدية عبر طباعة المزيد من النقود) والتوسع في الودائع (البنكية) تحت الطلب.
الإنفاق الحكومي له تأثير مباشر وتأثير غير مباشر. التأثير المباشر يأتي من زيادة الطلب الحكومي على السلع والخدمات، والتأثير غير المباشر من جراء اعتماد الأنشطة بعضها على بعض (الحكومة تشتري من مزودين وتدفع لموظفيها، وهؤلاء يشترون من مزودين آخرين وهكذا).
وتطبيقا على المملكة، فإن أهم العوامل الطلبية عاملان: التوسع في الإنفاق الحكومي والتوسع في العرض النقدي.
معروف أن النفط هو المحرك الأكبر للاقتصاد السعودي. ولكن النفط مملوك للحكومة، وإيرادات مبيعاته تذهب إليها، ولا تأثير لها إلا إذا أنفقت. المزيد من الإنفاق الحكومي يجذب الطلب الكلي (الحكومي وغير الحكومي)، كما يعني تلقائيا المزيد من عرض النقود (10).
توسع الإنفاق الحكومي توسعا كبيرا خلال فترة ارتفاع أسعار النفط الحالية، التي بدأت قبل سنوات قليلة، فقد زاد خلال الفترة 20062003بنسبة 50% تقريبا. الجدول (7) والشكل (4) يظهران الإنفاق الحكومي الفعلي خلال الفترة 1970- 2006م.
وصاحب تنامي الإنفاق الحكومي توسع الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، لأكثر من سبب، منها زيادة رواتب موظفي الحكومة، مما رفع الطلب الكلي بسرعة أكبر من الإنتاج الكلي، وتسبب في جذب الأسعار إلى أعلى، وهذا الانجذاب يستمر حتى يتوازن الاثنان: العرض والطلب - يجد القارئ شرحا عن مبادئ العرض والطلب في ملحق آخر هذا الملف. قوة الميول الاستهلاكية لدى الأفراد ساهمت في شدة ارتفاع الطلب. وهناك علامات دالة على وجود اختلال بين العرض والطلب، على سبيل المثال، أعلنت مشروعات حكومية خلال عام 2006، لكن كانت هناك صعوبات في التقدم لتنفيذ عدد منها بسبب نقص العمالة.
كما توسع عرض النقود (السيولة) نتيجة الطلب القوي على التمويل المصرفي، خاصة خلال عامي 2004و2005، نظرا لانخفاض تكلفة التمويل ورفع الحد الائتماني. الجدول 7والشكل 4يظهران التوسع في عرض النقود M3 خلال الفترة 20061970م.
إلا أن سوق الأسهم، بحسب تقرير مصرفي، امتصت قدرا كبيرا من السيولة خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تخفيف قوة التضخم، يرجى الإطلاع على الإطار (5).
ولكن ماذا نعني بعرض النقود؟
مجموع وسائل الدفع المتاحة في وقت محدد (لدى كل الأشخاص والمؤسسات بشتى صورها) في دولة ما تسمى عرض النقود، تماما مثلما نسمي مجموع كميات الطماطم في وقت محدد بعرض الطماطم، ومجموع أكياس الاسمنت في وقت محدد بعرض الاسمنت.
هناك عدة قياسات لعرض النقود، استنادا إلى المعايير المتبناة لما يعد داخلا أو غير داخل في السيولة، إلا أن أكثرها سهولة وانتشارا يشمل نوعين: العملة (الورقية والمعدنية) المتداولة بين الناس، والودائع (الإيداعات البنكية) تحت الطلب، وهو ما تسميه بعض أو عامة البنوك المركزية (ومنها مؤسسة النقد) M1.
شكل: (4) الإنفاق الحكومي وعرض النقود M3
إطار: (5) تقرير مصرفي: الأسهم امتصت آثار التضخم في السعودية
أكد تقرير مصرفي حديث أن سوق الأسهم السعودية ساهمت بشكل كبير في امتصاص آثار التضخم خلال الفترة الماضية التي شهدت فيها إقبالا من قبل المواطنين للدخول في السوق، من خلال توجيه السيولة إلى هذا النشاط. في الوقت الذي توقع التقرير أن يؤدي ارتفاع أسعار بعض المواد الخام وضغوط الطلب للأغراض الاستهلاكية والاستثمارية خاصة في قطاع التشييد إلى الضغط على الأسعار والمزيد من الارتفاع خلال 2007م.
وقال تقرير مصرف الراجحي إنه على الرغم من الزيادة السريعة في عرض النقود والسيولة خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاقتصاد السعودي لم يعان من آثار تذكر للتضخم. وقد يعود ذلك إلى الأحداث في سوق الأسهم حيث امتصت المضاربات القدر الأكبر من السيولة المتوافرة.
وتوقع التقرير أن يؤدي ارتفاع أسعار بعض المواد الخام وضغوط الطلب للأغراض الاستهلاكية والاستثمارية ولاسيما في قطاع التشييد إلى الضغط على الأسعار والمزيد من الارتفاع خلال 2007م وفي خطوةٍ تهدف إلى احتواء التضخم أقدمت مؤسسة النقد العربي السعودي في 7شباط (فبراير) 2007م على رفع سعر الفائدة على الريال بمقدار 30نقطة على اتفاقية إعادة الشراء إلى 5.5في المائة وعلى اتفاقية إعادة الشراء العكسية إلى 5.0في المائة.
المقصود ارتفاع عام في الأسعار نتيجة زيادة تكاليف الإنتاج، مثل ارتفاع الأجور أو أسعار المواد الخام أو أسعار الواردات (لذاتها و/أو لتغير أسعار الصرف)، أو نسبة التالف من الإنتاج...الخ. كما يمكن أن يساهم المحتكر (أو عدد من البائعين المتكتلين الذين يهيمنون على حصة كبيرة من السوق) في تضخم جذب التكلفة (على المشترين) عند رفعهم الأسعار (أو الحد من العرض حتى ترتفع الأسعار) بغرض زيادة الربح، وليس من باب التعويض عن زيادة التكاليف. وزيادة الأسعار بهدف الربح هو ما يتبادر إلى ذهن كثير من الناس. وفي هذا المقام أنبه إلى أن زيادة الأسعار لا تعني بالضرورة زيادة الربح، إذ يعتمد ذلك على مدى حساسية الطلب لتغير الأسعار (مرونة الطلب).
يتسبب ارتفاع التكاليف في رفع الأسعار أو الحد من العرض (كأن تقفل بعض المنشآت أو بعض الفروع أو تلغى بعض خطوط الإنتاج بسبب ضعف الجدوى)، والقارئ يعرف نتيجة ذلك على أسعار المنتجات تبعا لقانون العرض والطلب.
طبعا سيثار سؤال عن سبب ارتفاع التكاليف؟
هناك أكثر من سبب وسبب. على سبيل المثال، ساهم الازدهار الذي تشهدانه الصين والهند في زيادة الطلب على النفط، ومن ثم ساهم في رفع أسعار النفط عالميا، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
كما أن من أسباب ارتفاع التكاليف ازدياد التنظيمات الحكومية المنظمة لأنشطة القطاع الخاص. مثلا، زيادة التشديد في المعايير واشتراطات السلامة ترفع التكلفة. كما أن التكاليف ترتفع بصورة غير مباشرة في حال ازدياد المخاطرة على البائعين، الذين يلجأون إلى رفع الأسعار، ومن ثم رفع معدل العائد لموازنة المخاطر (هناك علاقة طردية بين معدلات العائد ودرجات المخاطرة). كما أن زيادة المخاطر قد تعمل على خفض العرض (أو ضعف نموه بما يتوازن مع الطلب) عبر طرد بعض الاستثمارات. وتلعب التنظيمات الحكومية، وكذلك ثقة الناس في وضوح القوانين أو تنفيذ الأحكام القضائية دورا كبيرا في تقليل أو زيادة بعض مخاطر الاستثمار.
وتطبيقا على المملكة، ساهمت العوامل الرئيسية التالية في ارتفاع التكلفة:
@ انخفاض قيمة الريال إزاء العملات الرئيسية اليورو والين والجنية، يرجى الاطلاع على الجدول ( كما انخفضت قيمة الريال تجاه عملات الصين وكوريا الجنوبية والهند واستراليا، وهي الدول التي تشكل مع دول اليورو والين والجنية والدولار أهم الدول المصدرة للمملكة، حيث تمثل الواردات منها تقريبا ثلاثة أرباع واردات المملكة للسنوات الثلاث الأخيرة، يرجى الاطلاع على الجدول (9) وتتأثر المملكة كثيرا من التضخم المستورد، نظرا لأن القاعدة الإنتاجية المحلية صغيرة، ومن ثم تلبى نسبة عالية من الطلب المحلي عبر الاستيراد، الذي يشكل نحو ربع الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي.
@ الازدهار الاقتصادي المرتفع الذي تشهده الصين ودول أخرى، وتأثيره بزيادة الطلب على المواد الأولية مما تسبب في ارتفاع أسعارها عالميا. والمملكة تستورد نسبة عالية من احتياجاتها من المواد الأولية.
@ الحد من الاستقدام خلال السنوات القليلة الماضية، مقرونا بزيادة رواتب موظفي الحكومة أواخر عام 2005، مما رفع أجور وحوافز اليد العاملة السعودية (على الأقل نسبة كبيرة منها) في القطاع الخاص، وزاد بدوره التكاليف على المنشآت. تقييد الاستقدام، ورفع الأجور يعني تقليل البطالة بين السعوديين، وهناك علاقة عكسية بين البطالة والأجور (مزيد من التفاصيل في الإطار 6) وتسهيل الاستقدام قد يعمل وقد لا يعمل على خفض الأجور اعتمادا على تفاصيل كثيرة عن النمو في الطلب على العمل حسب المهن ومكان العمل.. إلخ. لكن حتى لو لم يعمل تسهيل الاستقدام على خفض الأجور، فسيعمل على منع أو الحد من ارتفاع الأجور السائدة. لفهم هذه العملية بالرسم البياني، يرجى الاطلاع على ملحق مبادئ العرض والطلب آخر هذا الملف.
@ ارتفاع التكلفة نتيجة زيادة المخاطر، في حالات ينطبق عليها القول الطالح يخرب على الصالح. فعلى سبيل المثال، لوحظ في العقار أن هناك نسبة عالية من المستأجرين المماطلين في الدفع (ومنهم القادرون على السداد، ومنهم من يجدون صعوبات أو عدم قدرة) أو المحدثين أضرارا بالسكن (خلاف ما يسببه الاستعمال المعتاد)، دون تحمل تكلفته، مقابل تكاليف عالية عند طلب البت القضائي، وعند طلب تنفيذ الحكم القضائي، وهذا يرفع تكلفة المخاطرة على الملاك، تترجم بطلب إيجار أعلى و/أو تمييز بين المستأجرين، ورغبة أقل في الاستثمار العقاري السكني الخاص، مما يعني تكون نقص في المعروض، وهذا ما حصل خلال السنوات الأخيرة مما ساهم في زيادة الاختلال بين العرض والطلب مؤخرا، والذي بدوره ساهم في ارتفاع الإيجارات.
@ يضاف عامل التدخل الحكومي الفجائي المؤثر على التضخم سلبا أو إيجابا، كخفض (أو رفع) أسعار سلع تخضع لسيطرة الحكومة مثل أسعار الوقود.
المنشأ التفاعلي: تمهيد تحليلي
هناك تضخم منشؤه خارجي، يتركز في ارتفاع أسعار الواردات من سلع وخدمات، سواء من منشؤها، و/أو بسبب تغير أسعار الصرف، وهذا سهل فهمه، ويسمى أحيانا بالتضخم المستورد. وهناك تضخم غير مستورد، منشؤه داخلي.
حيث إن التضخم يعني الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات (الإنتاج)، وبعبارة مكافئة الانخفاض المستمر في قيمة النقود، فإن هناك قناعة بين جمهور الاقتصاديين في تحليلاتهم بأن التضخم الداخلي ينشأ من جراء تفاعلات بين ثلاثة متغيرات اقتصادية: عرض النقود والإنتاج والفائدة (أو بتعبير آخر العائد الذي يدفعه الحاصل على التمويل إلى الممول). وفي إطار هذه القناعة انقسم جمهور الاقتصاديين إلى ثلاثة مذاهب.
1- هناك من يرون أن عملية التفاعل نفسها هي المسيطرة، وهؤلاء ينتمون إلى الاقتصاد الكينزي، نسبة إلى كينز (1883- 1946)، أشهر عالم اقتصاد في القرن الماضي.
2- وهناك من يرون أن التأثير النقدي هو المسيطر، ويسمون النقديين، نسبة إلى تأكيدهم على دور ووظيفة النقود (للتعرف على معنى ووظيفة النقود، يرجى الإطلاع على الإطار 3- وللمهتمين من المتخصصين، يرجى الاطلاع على الإطار 8الذي يعرض نموذجا نقديا للتضخم في الاقتصاد السعودي.
3- وهناك تفكير ثالث يرى أن تأثير العرض (الإنتاج) هو المسيطر، بمعنى أن قلة السلع والخدمات هي العامل الأقوى في نشوء التضخم.
الأولون لا ينكرون أهمية النقود في تقرير معدلات التضخم، لكن النقديين يرون أنها الأهم. وقد حدث تقارب كبير بين وجهات نظر الكينزيين ووجهات نظر النقديين خلال العقود الأربعة الماضية. هذا وجذور التأثير النقدي ترجع إلى النظرية الكمية في النقود والأسعار Quantity theory of money and prices الموضحة باختصار في الإطار (4).
وكل المذاهب إجمالا تدور في إطار وجود اختلال بين العرض والطلب، مع اختلاف في التركيز على مصدر هذا الاختلال. لفهم مبادئ العرض والطلب، يرجى الاطلاع على ملحق في آخر هذا الملف.
إطار: (3) معنى ووظيفة النقود
كلمة نقود جمع نقد، لكن شاع استعمال الجمع نقود مقابلا للكلمة ذات الأصل اللاتيني money، والتي كانت تعني كل ما تسكه السلطة ليكون وسيلة أو واسطة للتبادل. وحيث إن مادة السك كانت في العادة إما الذهب أو الفضة، فقد اشتهرت تسمية هذين المعدنين بالنقدين.
في العصر الحاضر، أصبحت الكلمة تعني كل وسائل الدفع المستعملة المعترف بها قانونيا للتبادل. ومن هذا المعنى نعرف أن أشهر وأهم وظيفة للنقود أنها وسيلة دفع: نحن ندفع النقود مقابل الحصول على السلع أو الخدمات أو لسداد الالتزامات. ذلك القبول يعطي صفة السيولة.
النقود أكثر من كونها مجرد وسيلة دفع، فهي زيت التشحيم الذي يسهل التبادل. تصور تعقيد الحياة بدون وجود النقود. لكن النقود مثلها مثل أي زيت تشحيم، قد تفقد فعاليتها، مثلا قد يتهاوى نظام السوق في اقتصاد نقدي، عند حصول تضخم جامح.
وتتصف النقود بالغرابة، فأولا نحن نكد لكسب النقود، ولكن كل ورقة نقدية لا قيمة لها بذاتها. وثانيا طبع النقود محصور بالحكومة، ولكن إصدار النقود ليس محصورا بها، فالبنوك التجارية تخلق (تولد) نقودا تزيد كثيرا عما تطبعه الحكومة.
إطار: (4) النظرية الكمية للنقود والأسعار
وضع أسس هذه النظرية فيشر (1867- 1947) (7) وفقا لهذه النظرية، تتحرك الأسعار بشكل يتناسب مع العرض النقدي. النظرية تعد صيغة تقريبية، وتساعد على فهم سبب وجود تضخم معتدل في الدول ذات النمو النقدي المنخفض، والعكس بالعكس.
هناك علاقة ثابتة بين أربعة عناصر: الإنتاج (ما ينتجه المجتمع من سلع وخدمات) Y، والمستوى العام للأسعار P، وكمية النقود المتاحة في الاقتصاد M ، وسرعة دوران النقود V. (دوران النقود Velocity of money) يعني السرعة التي فيها يجري تداول كمية معطاة من النقود في الاقتصاد، وبمعنى آخر متوسط عدد المرات التي فيها تتبادل الأيادي كمية نقدية لتمويل الاحتياجات خلال فترة زمنية محددة).
والمعادلة التي تربط بين هذه المتغيرات هي:
PY = MV
وهذه المعادلة تعني أن كمية النقود الموجودة في اقتصاد ما مضروبة في سرعة دوران النقود = الأسعار مضروبة في كمية السلع والخدمات.
الأسعار عند الاقتصاديين تشمل أسعار السلع وأسعار الخدمات، بما في ذلك خدمات اليد العاملة (مثلا الرواتب).
وتبعا لذلك لو ضربنا كافة الأسعار بالكميات المشتراة من السلع والخدمات (في اقتصاد ما مثل اقتصاد المملكة)، خلال فترة زمنية بعينها، فإن الناتج يساوي مجموع التداولات النقدية التي نفذت خلال تلك الفترة، وهذا بدوره يساوي كمية النقود مضروبة في سرعة دورانها.
المعادلة بصورة نسب تغير
نسبة التغير في عرض النقود + نسبة التغير في دوران النقود = نسبة التغير في الأسعار + نسبة التغير في الإنتاج
كون التضخم ظاهرة نقدية، لا يلغي وجود تأثيرات غير نقدية، لكن تأثيرها مرتبط بزيادة عرض النقود، (أو قلة المعروض من السلع مقارنة بكميات النقود المتاحة) ومن ثم ارتفاع الأسعار. بمعنى أن التضخم (ذا المنشأ الداخلي) لا يحدث إلا بزيادة في كمية النقود أكثر من الإنتاج، مما يوجد اختلالا بين عرض النقود والطلب عليها (7).
سأذكر باختصار ما أراه أهم التأثيرات أو العوامل الأساسية وراء التضخم في المملكة (وعامة دول مجلس التعاون)، وهي لا تخرج عن نطاق التفسيرات النظرية للتضخم المطروحة من قبل المدارس الاقتصادية الثلاث المذكورة سابقا.
تضخم الجذب الطلبي
ذكرت سابقا أن التضخم ينشأ من جراء تفاعلات عرض النقود والإنتاج (العرض). ولكن كيف تحصل أو تنشأ تلك التفاعلات؟
هذا موضوع طويل معقد، وما لا يدرك كله لا يترك جله. يميز الاقتصاديون باختصار بين نوعين أو شكلين لتفاعل القوى الاقتصادية، اعتمادا على مصدرها هل هو المشتري أو البائع: الطلب الكلي والتكاليف.
أي أن التضخم قد ينشأ من جراء ارتفاع الطلب الكلي. وهذا الطلب يتناول ما يطلبه المستهلكون (الاستهلاك) والمستثمرون (الاستثمار) والحكومة (الإنفاق الحكومي)، والتغيرات في كل أو أحد هذه المكونات.
ربما كان هذا التضخم الطلبي مألوفا لدى الناس أكثر من غيره، ويعني الارتفاع في المستوى العام للأسعار الناتج من فائض أو إفراط في الإنفاق الكلي (الطلب). تضخم الجذب الطلبي معناه "نقود كثيرة مقابل سلع قليلة". هذا يحدث عندما لا يتمكن (أو يرغب) المزودون (أو البائعون) من تلبية كل السلع والخدمات التي يطلبها الطالبون (المشترون)، وفي هذه الحالة يجنح البائعون إلى زيادة الأسعار. وبمعنى آخر، ينجذب المستوى العام للأسعار من جراء الضغوط التي يحدثها إنفاق المشترين.
وارتفاع الطلب له أكثر من سبب وسبب، كارتفاع الإنفاق الحكومي، وزيادة عرض النقود، مثلا من جراء زيادة الأجور أو ارتفاع السيولة لدى الناس (بسبب مثلا انخفاض تكلفة التمويل)، أو تمويل عجز الميزانية بإنشاء النقود. وهذا التوسع في عرض النقود ينتج تضخما، أو ما يسمى أحيانا "التمويل بالتضخم" (9) وهناك وسيلتان لخلق (إنشاء) نقود: الطباعة (الطريقة التقليدية عبر طباعة المزيد من النقود) والتوسع في الودائع (البنكية) تحت الطلب.
الإنفاق الحكومي له تأثير مباشر وتأثير غير مباشر. التأثير المباشر يأتي من زيادة الطلب الحكومي على السلع والخدمات، والتأثير غير المباشر من جراء اعتماد الأنشطة بعضها على بعض (الحكومة تشتري من مزودين وتدفع لموظفيها، وهؤلاء يشترون من مزودين آخرين وهكذا).
وتطبيقا على المملكة، فإن أهم العوامل الطلبية عاملان: التوسع في الإنفاق الحكومي والتوسع في العرض النقدي.
معروف أن النفط هو المحرك الأكبر للاقتصاد السعودي. ولكن النفط مملوك للحكومة، وإيرادات مبيعاته تذهب إليها، ولا تأثير لها إلا إذا أنفقت. المزيد من الإنفاق الحكومي يجذب الطلب الكلي (الحكومي وغير الحكومي)، كما يعني تلقائيا المزيد من عرض النقود (10).
توسع الإنفاق الحكومي توسعا كبيرا خلال فترة ارتفاع أسعار النفط الحالية، التي بدأت قبل سنوات قليلة، فقد زاد خلال الفترة 20062003بنسبة 50% تقريبا. الجدول (7) والشكل (4) يظهران الإنفاق الحكومي الفعلي خلال الفترة 1970- 2006م.
وصاحب تنامي الإنفاق الحكومي توسع الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، لأكثر من سبب، منها زيادة رواتب موظفي الحكومة، مما رفع الطلب الكلي بسرعة أكبر من الإنتاج الكلي، وتسبب في جذب الأسعار إلى أعلى، وهذا الانجذاب يستمر حتى يتوازن الاثنان: العرض والطلب - يجد القارئ شرحا عن مبادئ العرض والطلب في ملحق آخر هذا الملف. قوة الميول الاستهلاكية لدى الأفراد ساهمت في شدة ارتفاع الطلب. وهناك علامات دالة على وجود اختلال بين العرض والطلب، على سبيل المثال، أعلنت مشروعات حكومية خلال عام 2006، لكن كانت هناك صعوبات في التقدم لتنفيذ عدد منها بسبب نقص العمالة.
كما توسع عرض النقود (السيولة) نتيجة الطلب القوي على التمويل المصرفي، خاصة خلال عامي 2004و2005، نظرا لانخفاض تكلفة التمويل ورفع الحد الائتماني. الجدول 7والشكل 4يظهران التوسع في عرض النقود M3 خلال الفترة 20061970م.
إلا أن سوق الأسهم، بحسب تقرير مصرفي، امتصت قدرا كبيرا من السيولة خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تخفيف قوة التضخم، يرجى الإطلاع على الإطار (5).
ولكن ماذا نعني بعرض النقود؟
مجموع وسائل الدفع المتاحة في وقت محدد (لدى كل الأشخاص والمؤسسات بشتى صورها) في دولة ما تسمى عرض النقود، تماما مثلما نسمي مجموع كميات الطماطم في وقت محدد بعرض الطماطم، ومجموع أكياس الاسمنت في وقت محدد بعرض الاسمنت.
هناك عدة قياسات لعرض النقود، استنادا إلى المعايير المتبناة لما يعد داخلا أو غير داخل في السيولة، إلا أن أكثرها سهولة وانتشارا يشمل نوعين: العملة (الورقية والمعدنية) المتداولة بين الناس، والودائع (الإيداعات البنكية) تحت الطلب، وهو ما تسميه بعض أو عامة البنوك المركزية (ومنها مؤسسة النقد) M1.
شكل: (4) الإنفاق الحكومي وعرض النقود M3
إطار: (5) تقرير مصرفي: الأسهم امتصت آثار التضخم في السعودية
أكد تقرير مصرفي حديث أن سوق الأسهم السعودية ساهمت بشكل كبير في امتصاص آثار التضخم خلال الفترة الماضية التي شهدت فيها إقبالا من قبل المواطنين للدخول في السوق، من خلال توجيه السيولة إلى هذا النشاط. في الوقت الذي توقع التقرير أن يؤدي ارتفاع أسعار بعض المواد الخام وضغوط الطلب للأغراض الاستهلاكية والاستثمارية خاصة في قطاع التشييد إلى الضغط على الأسعار والمزيد من الارتفاع خلال 2007م.
وقال تقرير مصرف الراجحي إنه على الرغم من الزيادة السريعة في عرض النقود والسيولة خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاقتصاد السعودي لم يعان من آثار تذكر للتضخم. وقد يعود ذلك إلى الأحداث في سوق الأسهم حيث امتصت المضاربات القدر الأكبر من السيولة المتوافرة.
وتوقع التقرير أن يؤدي ارتفاع أسعار بعض المواد الخام وضغوط الطلب للأغراض الاستهلاكية والاستثمارية ولاسيما في قطاع التشييد إلى الضغط على الأسعار والمزيد من الارتفاع خلال 2007م وفي خطوةٍ تهدف إلى احتواء التضخم أقدمت مؤسسة النقد العربي السعودي في 7شباط (فبراير) 2007م على رفع سعر الفائدة على الريال بمقدار 30نقطة على اتفاقية إعادة الشراء إلى 5.5في المائة وعلى اتفاقية إعادة الشراء العكسية إلى 5.0في المائة.
المقصود ارتفاع عام في الأسعار نتيجة زيادة تكاليف الإنتاج، مثل ارتفاع الأجور أو أسعار المواد الخام أو أسعار الواردات (لذاتها و/أو لتغير أسعار الصرف)، أو نسبة التالف من الإنتاج...الخ. كما يمكن أن يساهم المحتكر (أو عدد من البائعين المتكتلين الذين يهيمنون على حصة كبيرة من السوق) في تضخم جذب التكلفة (على المشترين) عند رفعهم الأسعار (أو الحد من العرض حتى ترتفع الأسعار) بغرض زيادة الربح، وليس من باب التعويض عن زيادة التكاليف. وزيادة الأسعار بهدف الربح هو ما يتبادر إلى ذهن كثير من الناس. وفي هذا المقام أنبه إلى أن زيادة الأسعار لا تعني بالضرورة زيادة الربح، إذ يعتمد ذلك على مدى حساسية الطلب لتغير الأسعار (مرونة الطلب).
يتسبب ارتفاع التكاليف في رفع الأسعار أو الحد من العرض (كأن تقفل بعض المنشآت أو بعض الفروع أو تلغى بعض خطوط الإنتاج بسبب ضعف الجدوى)، والقارئ يعرف نتيجة ذلك على أسعار المنتجات تبعا لقانون العرض والطلب.
طبعا سيثار سؤال عن سبب ارتفاع التكاليف؟
هناك أكثر من سبب وسبب. على سبيل المثال، ساهم الازدهار الذي تشهدانه الصين والهند في زيادة الطلب على النفط، ومن ثم ساهم في رفع أسعار النفط عالميا، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
كما أن من أسباب ارتفاع التكاليف ازدياد التنظيمات الحكومية المنظمة لأنشطة القطاع الخاص. مثلا، زيادة التشديد في المعايير واشتراطات السلامة ترفع التكلفة. كما أن التكاليف ترتفع بصورة غير مباشرة في حال ازدياد المخاطرة على البائعين، الذين يلجأون إلى رفع الأسعار، ومن ثم رفع معدل العائد لموازنة المخاطر (هناك علاقة طردية بين معدلات العائد ودرجات المخاطرة). كما أن زيادة المخاطر قد تعمل على خفض العرض (أو ضعف نموه بما يتوازن مع الطلب) عبر طرد بعض الاستثمارات. وتلعب التنظيمات الحكومية، وكذلك ثقة الناس في وضوح القوانين أو تنفيذ الأحكام القضائية دورا كبيرا في تقليل أو زيادة بعض مخاطر الاستثمار.
وتطبيقا على المملكة، ساهمت العوامل الرئيسية التالية في ارتفاع التكلفة:
@ انخفاض قيمة الريال إزاء العملات الرئيسية اليورو والين والجنية، يرجى الاطلاع على الجدول ( كما انخفضت قيمة الريال تجاه عملات الصين وكوريا الجنوبية والهند واستراليا، وهي الدول التي تشكل مع دول اليورو والين والجنية والدولار أهم الدول المصدرة للمملكة، حيث تمثل الواردات منها تقريبا ثلاثة أرباع واردات المملكة للسنوات الثلاث الأخيرة، يرجى الاطلاع على الجدول (9) وتتأثر المملكة كثيرا من التضخم المستورد، نظرا لأن القاعدة الإنتاجية المحلية صغيرة، ومن ثم تلبى نسبة عالية من الطلب المحلي عبر الاستيراد، الذي يشكل نحو ربع الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي.
@ الازدهار الاقتصادي المرتفع الذي تشهده الصين ودول أخرى، وتأثيره بزيادة الطلب على المواد الأولية مما تسبب في ارتفاع أسعارها عالميا. والمملكة تستورد نسبة عالية من احتياجاتها من المواد الأولية.
@ الحد من الاستقدام خلال السنوات القليلة الماضية، مقرونا بزيادة رواتب موظفي الحكومة أواخر عام 2005، مما رفع أجور وحوافز اليد العاملة السعودية (على الأقل نسبة كبيرة منها) في القطاع الخاص، وزاد بدوره التكاليف على المنشآت. تقييد الاستقدام، ورفع الأجور يعني تقليل البطالة بين السعوديين، وهناك علاقة عكسية بين البطالة والأجور (مزيد من التفاصيل في الإطار 6) وتسهيل الاستقدام قد يعمل وقد لا يعمل على خفض الأجور اعتمادا على تفاصيل كثيرة عن النمو في الطلب على العمل حسب المهن ومكان العمل.. إلخ. لكن حتى لو لم يعمل تسهيل الاستقدام على خفض الأجور، فسيعمل على منع أو الحد من ارتفاع الأجور السائدة. لفهم هذه العملية بالرسم البياني، يرجى الاطلاع على ملحق مبادئ العرض والطلب آخر هذا الملف.
@ ارتفاع التكلفة نتيجة زيادة المخاطر، في حالات ينطبق عليها القول الطالح يخرب على الصالح. فعلى سبيل المثال، لوحظ في العقار أن هناك نسبة عالية من المستأجرين المماطلين في الدفع (ومنهم القادرون على السداد، ومنهم من يجدون صعوبات أو عدم قدرة) أو المحدثين أضرارا بالسكن (خلاف ما يسببه الاستعمال المعتاد)، دون تحمل تكلفته، مقابل تكاليف عالية عند طلب البت القضائي، وعند طلب تنفيذ الحكم القضائي، وهذا يرفع تكلفة المخاطرة على الملاك، تترجم بطلب إيجار أعلى و/أو تمييز بين المستأجرين، ورغبة أقل في الاستثمار العقاري السكني الخاص، مما يعني تكون نقص في المعروض، وهذا ما حصل خلال السنوات الأخيرة مما ساهم في زيادة الاختلال بين العرض والطلب مؤخرا، والذي بدوره ساهم في ارتفاع الإيجارات.
@ يضاف عامل التدخل الحكومي الفجائي المؤثر على التضخم سلبا أو إيجابا، كخفض (أو رفع) أسعار سلع تخضع لسيطرة الحكومة مثل أسعار الوقود.
من المهم أن أذكر صعوبة وأحيانا تعذر وجود بيانات عن التكاليف. لا يوجد رقم قياسي لأسعار الصرف مراعى فيه الوزن النسبي لعملات الدول الأكثر تصديرا للمملكة. إلا أن التعرف على حركة أسعار.
مواضيع مماثلة
» التضخم..المفاهيم والأسباب والمكافحة
» التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
» التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
» من المسؤول عن التضخم؟
» أثر احتكار الأراضي على التضخم
» التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
» التضخم.. المفاهيم والأسباب والمكافحة
» من المسؤول عن التضخم؟
» أثر احتكار الأراضي على التضخم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى