جشع الأوروبيين يهدد الكرة الإفريقية

في الوقت الذي تنتظر فيه القارة الإفريقية انطلاق بطولة كأس الأمم "غانا 2008" فاجأ السويسري جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الجميع بمطالبته تعديل موعد بطولات أمم إفريقيا المقبلة حرصا على انتظام المسابقات الأوروبية وذلك بعد ساعات قليلة على إنشاء الرابطة الأوروبية للأندية مما ينذر بصراعات تهدد مستقبل اللعبة في القارة السمراء.

وطلب بلاتر في تصريحات علنية أن يتم تعديل موعد إقامة بطولات كأس الأمم من يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط إلى منتصف الصيف خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز.

وقال رئيس الفيفا : "البطولة تقام في موعد ثابت لكن حان الوقت للنظر في الأجندة الدولية ونرى امكانية تعديل هذا الموعد" وكان الكاف قد أجرى تعديلاعلى موعد البطولة المقبلة في انجولا 2010 لتقام قبل موعدها التقليدي بعشرة أيام بناء على طلب الأندية الأوربية أي ستقام من 10 إلى 31 يناير بدلا من 20 يناير إلى 10 فبراير.

وسبق للاتحاد الإفريقي لكرة القدم رفض اقتراحات عديدة من الأندية الأوروبية التي تتنازل عن لاعبيها بإقامة البطولة في الصيف على غرار بطولة كأس العالم وذلك لتفادي درجات الحرارة المرتفعة في غالبية أنحاء القارة خلال أشهر الصيف وهو ما ينبيء بمواجهة بين الاتحاد الدولي ونظيره الإفريقي الذي يتمتع بثقل كبير نظرا لكثرة عدد أعضائه

ووقف بلاتر دوما إلى جوار الكاف ليدافع عن حق اللاعبين الأفارقة في تمثيل بلادهم إعمالا لمباديء الفيفا التي تحمي المنتخبات من مصالح الأندية وتسمح لمدرب أي دولة باستدعاء لاعبي منتخبه قبل 14 يوما من أي بطولة كبرى.

واعتادت وسائل الإعلام العالمية أن تقدم وجبة دسمة من التحليلات التي تتناول تأثير غياب اللاعبين الأفارقة عن أنديتهم الأوروبية حاملة تصريحات للمدربين تنتقد موعد إقامة البطولة.

بل اشترط عدد من الأندية الأوروبية على نجومها الأفارقة الاعتزال الدولي أو عدم المشاركة مع منتخبات بلادهم في بطولة كأس الأمم حتى يتم تجديد تعاقداتهم ، وفي حالات أخرى مثل الكاميروني صامويل إيتو اشترط عليه فريقه برشلونة أن يلعب معه حتى قبل إنطلاق كأس إفريقيا بأيام قليلة في كأس إسبانيا.

والمدهش أن تغير موقف بلاتر جاء يوم الخميس وهو اليوم التالي لإعلان إنشاء رابطة الأندية الأوروبية في مدينة زيوريخ السويسرية بحضور الرجل والفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حيث طالب بتعديل موعد بطولة إفريقيا وإقامتها في صيف السنوات الفردية بدلا من الزوجية حتى لا تتزامن مع إقامة بطولة كأس العالم.

حكاية الـ"جي 14"

والمثير أن طلب تغيير موعد كأس الأمم الإفريقية قد يكون المطلب الأول من الكاف وليس الأخير لأن رابطة الأندية الأوروبية تم إنشاؤها لمنح أندية أوروبا الفرصة في صناعة القرار باعتبارها أحد صناع اللعبة حول العالم وذلك باعتراف بلاتر شخصيا.

ويعد المطلب الأول للأندية الأعضاء في الرابطة هو التعويض المادي للفرق التي يتعرض لاعبوها لإصابات خلال أدائهم مباريات مع منتخبات بلادهم إذ أن العقلية التي تدير معظم أندية أوروبا الكبرى حاليا هي عقلية "البيزنس" وحساب المكسب والخسارة بمقاييس مادية بحتة للدفاع عن مصالح ملاك الأندية وحملة أسهمها في البورصات العالمية.

وجاءت الرابطة لتكون البديل الشرعي لمجموعة "جي 14" التي تكونت من أكبر 18 ناديا أوروبيا للدفاع عن مصالحها في مواجهة اليوفا والفيفا وضمت تحت جناحها أندية مانشستر يونايتد وأرسنال وليفربول الإنجليزية وريال مدريد وبرشلونة وفالنسيا الإسبانية وميلان والإنتر ويوفنتوس الإيطالية وبايرن ميونيخ وباير ليفركوزن وبروسيا دورتموند الألمانية وباريس سان جيرمان وليون ومرسيليا الفرنسية وأياكس وإيندهوفن الهولنديين وبورتو البرتغالي.

وهددت المجموعة بإقامة دعاوى قضائية ضد الفيفا بأحقيتها في نيل تعويضات عن لاعبيها المصابين وبحقها في عدم دفع رواتب اللاعبين في الأسابيع التي يمثلون فيها منتخبات بلادهم بالإضافة إلى حقهم في نيل حصص أكبر من عوائد النقل التلفزيوني عن بطولات اليوفا.

ولعل أخطر ما كان يخشاه بلاتيني ومن قبله السويدي لينارت يوهانسن رئيس اليوفا السابق أن تنفذ الأندية الـ18 تهديدها بتنظيم بطولة دوري سوبر تجمعها بعيدا عن الدوريات المحلية والبطولات الأوروبية وهو ما كان بمثابة خروج لهذه الأندية من تحت مظلة اليوفا وذلك طمعا في عائد النقل التلفزيوني الذي كان سيعد الأغلى في تاريخ كرة القدم.

بل أن شبكة "سكاي سبورت" التي يملكها الملياردير الأسترالي روبرت ميردوخ عرضت على الأندية الأوروبية الكبرى فكرة إقامة الدوري السوبر وهو ما أثار حفيظة اليوفا وكان سببا رئيسيا في إقامة دوري أبطال أوروبا بشكله الحالي المعتمد على تقسيم الفرق في مجموعات للعب دوري من دورين ومنح أندية إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا أفضلية مطلقة في المشاركة في المسابقة على حساب باقي الدول التي تشارك بممثل واحد فقط.

الأسئلة الصعبة

وما أن وافق ممثلو الأندية الـ18 على الدخول في عضوية رابطة الأندية الأوروبية حتى تنفس بلاتر وبلاتيني الصعداء لتخلصهما من مشاكل الـ"جي 14" للأبد خصوصا وأن المنظمة الجديدة ستضم 100 ناد من بينها ممثل عن كل دولة في اليوفا وهو ما سيخفف من نفوذ الأندية الغنية.

وفي المقابل يعرف الرجلان أن عليهما أن يقدما للأندية الأوروبية مكافأة تتناسب مع تضحيتها فجاء مطلب بلاتر بتعديل موعد كأس الأمم الإفريقية.

وقال بلاتيني عقب إنشاء الرابطة : "مطالب الأندية ستجد آذانا صاغية وهذا أمر طبيعي".

وشهدت إنجلترا إحدى الدول المعروفة بتقدم صناعة كرة القدم فيها بتبني مطالب الأندية مثلما قام الاتحاد الإنجليزي مؤخرا بتعويض نادي نيوكاسل عن إصابة مهاجمه مايكل أوين خلال تصفيات كأس الأمم الأوروبية.

وبقدر ما كانت بداية الرابطة دبلوماسية وسهلة بقدر ما أثارت عدة تساؤلات حسب ما أوضح جيمس مونرو مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الذي كان يغطي حدث إنشاء الرابطة.

وقال مونرو : "لم يتم الاتفاق على تفاصيل، هل ستقوم الاتحادات الوطنية بتعويض الأندية عندما تستخدم لاعبيها بألف دولار أسبوعيا أم 100 ألف".

ولا يفتقد تساؤل مونرو للواقعية .. فإذا كان هناك لاعبون يحصلون على 200 ألف دولار أسبوعيا في الدوري الإنجليزي مثل كريستيانو رونالدو وستيفن جيرارد ويستطيع الاتحادان البرتغالي أو الإنجليزي تعويض ناديهما عن إصابتاهما فماذا يكون وضع الاتحاد الكاميروني حينما يصاب صامويل إيتو أو حال الاتحاد الإيفواري عندما يصاب لاعب في حجم دروغبا.

وهل يوافق كل اللاعبون الأفارقة على خوض نهائيات أمم إفريقيا مع منتخبات بلادهم في حال إقامتها صيفا لتتعارض مع إجازاتهم السنوية أم يخلعون قمصان بلدانهم كما يفعل نجوم البرازيل مع بطولة كوبا أمريكا..؟