أميركا جديدة دينياً
نجــــــــــــــــــــــــــــــــــــد :: نجـــــــــد العامـــــــــــــــــــــــــــــــة :: تقارير أمريكية
صفحة 1 من اصل 1
أميركا جديدة دينياً
أميركا جديدة دينياً
(حلقة في سلسلة "أميركا كما أراها")
بقلم الدكتورة ديانا ل. إيك
واشنطن، 16 تشرين الأول/أكتوبر، 2007- يشكل مبدأ الحرية الدينية وفصل الدين عن الدولة أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الولايات المتحدة. وقد اعتبر الآباء المؤسسون هذا المثل الأعلى من الأهمية بحيث أنهم أوردوه في وثيقة الحقوق التي نصت عليه بوصفه التعديل الأول للدستور الأميركي. وقد كانت الغالبية الساحقة من الأميركيين، لدى تأسيس الجمهورية قبل أكثر من قرنين، من المسيحيين. ولكن الولايات المتحدة أصبحت في الفترة التي انقضت على ذلك، وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، كما توثق الدكتورة ديانا ل. إيك في كتابها الذي صدر أخيرا، "أميركا جديدة دينيا،" أكثر المجتمعات تنوعاً دينياً في العالم.
والدكتورة إيك هي أستاذة الدين المقارن والدراسات الهندية في كلية الآداب والعلوم، وعضو هيئة اللاهوت التعليمية في جامعة هارفارد. وفي ما يلي مقتطفات من مقدمة كتابها أوردناها هنا كحلقة في سلسلة "أميركا كما أراها":
ترتفع قبة المسجد البيضاء الضخمة بمآذنه الشامخة نحو السماء من حقول الذرة قرب توليدو بولاية أوهايو. ويمكن للمرء رؤيته أثناء مروره بالسيارة في الطريق العام الذي يربط الولاية بالولايات المجاورة. ويقبع على تل في الضواحي الغربية لناشفيل، بولاية تنسي، هيكل هندوكي ضخم تزين بوابته صور فيلة منحوتة فيها. وفي الأراضي الزراعية الممتدة جنوب منيابوليس، بولاية منسوتا، يجد المرء معبداً بوذياً كمبودياً وديراً للرهبان التابعين له تذكر هندسة سقفيهما المعمارية بأسقف جنوب شرق آسيا. أما في ضواحي فيرمونت، بولاية كاليفورنيا، فتخفق الرايات المرتفعة فوق القباب الذهبية لغوردوارا (معبد) جديد للسيخ شيد في منطقة هيلسايد تيراس، التي أصبح يطلق عليها الآن اسم طريق غوردوارا. لقد تغيرت تضاريس أميركا الدينية بشكل أساسي في السنوات الثلاثين الماضية، ولكن معظمنا لم يبدأ بعد بمشاهدة أبعاد ونطاق ذلك التغير، إذ كان تدريجياً جداً ولكنه ضخم جدا أيضا. وقد بدأ الأمر بـ"الهجرة الجديدة،" التي حفزها قانون الهجرة والتجنس لعام 1965، إذ وفد الناس من جميع أنحاء العالم إلى أميركا وأصبحوا مواطنين أميركيين. وقد جاءت معهم تقاليد العالم الدينية إلى أميركا، الشعائر الدينية الإسلامية والهندوسية والبوذية واليانية والسيخية والزرادشتية والإفريقية والإفريقية-الكاريبية. وانتقل أتباع هذه الأديان وممارسو هذه الشعائر الدينية الحية إلى الأحياء السكنية الأميركية، بتردد وحذر في بداية الأمر، مقيمين مذابحهم وقاعات صلاتهم في المخازن ومباني المكاتب وفي الأدوار الواقعة تحت الأرض وجاراجات السيارات وفي غرف الترفيه وخزائن المعاطف، بحيث ظلت مخفية عن أعيننا تقريبا. وفي حين أننا لم نشاهد جميعنا مسجد توليدو أو معبد ناشفيل، لكننا سنشاهد أماكن مشابهة لهما حتى في الأحياء التي نعيش فيها، إن فتحنا أعيننا. وهي جميعاً مؤشرات هندسية معمارية على أميركا جديدة دينيا.
إننا ندهش عندما ندرك أن عدد الأميركيين المسلمين يفوق عدد الأميركيين المنتمين إلى الكنيسة الأسقفية البروتستانتية، وأن المسلمين يفوقون أتباع الكنيسة المشيخية الأميركية عددا، وأن عدد المسلمين مماثل لعدد اليهود، أي حوالى ستة ملايين نسمة. وندهش عندما ندرك أن لوس آنجيلس هي أكثر المدن البوذية تعقيداً في العالم، إذ تضم الجالية البوذية فيها أشخاصاً من شتى أنحاء العالم البوذي الآسيوي الممتد من سريلانكا إلى كوريا، إلى جانب عدد وافر من البوذيين من الأميركيين المولودين في أميركا. وقد يصل العدد الإجمالي لأعضاء هذا الطيف البوذي برمته إلى أربعة ملايين نسمة في الولايات المتحدة. ونحن نعرف أن الكثير من أطباء الأمراض الباطنية والجراحين والممرضات الذين يوفرون لنا الرعاية الصحية هم من أصل هندي، ولكننا لم نتوقف للتفكير بأنهم يملكون هم أيضاً حياتهم الدينية الخاصة بهم، وبأنهم قد يتوقفون دقائق في الصباح للصلاة أمام مذبح في غرفة الجلوس في منزلهم، وأنهم ربما كانوا يجلبون الفاكهة والزهور إلى هيكل شيفا-فيشنو المحلي في عطلة نهاية الأسبوع وربما كانوا يشكلون جزءاً من الجالية الهندوكية المتنوعة التي يفوق عددها المليون نسمة. وفي حين أننا ندرك تماماً هجرة المتحدرين من دول أميركا اللاتينية من المكسيك وأميركا الوسطى ونعي وجود جالية كبيرة من السكان الذين يتكلمون الإسبانية في مدننا، إلا أننا قد لا ندرك رغم ذلك ما لهذا الأمر من تأثير عميق على المسيحية في الولايات المتحدة، الكاثوليكية والبروتستانتية على السواء، في جميع المجالات من التراتيل الكنسية وحتى الأعياد.
يبلغنا المؤرخون أن أميركا كانت دوماً بلد أديان كثيرة، وهذا صحيح. فقد كانت هناك تعددية مركبة ضخمة تميز طريقة حياة سكان أميركا الأصليين حتى قبل وصول المستوطنين الأوروبيين إلى هذه الشواطئ. وما زال التنوع الكبير في الممارسات الدينية لسكان أميركا الأصليين مستمر حتى اليوم، من ممارسات البسكاتاواي في ولاية ماريلاند حتى شعائر البلاكفيت في ولاية مونتانا. كما كانت للذين عبروا الأطلسي من أوروبا إلى أميركا تقاليد دينية متنوعة، من الكاثوليك الإسبان والفرنسيين، إلى البريطانيين الأنجليكانيين والكويكرز (الصاحبيين)، مروراً باليهود والهولنديين المسيحيين أتباع الكنيسة الإصلاحية. وقد ازدادت هذه التعددية، كما سنشاهد، عبر 300 عام من الاستيطان. وكان الكثير من الأفارقة الذين أحضروا إلى هذا البلد كعبيد مسلمين. أما الصينيون واليابانيون الذي وفدوا للعمل في المناجم والحقول في الولايات الغربية فقد جلبوا معهم مزيجاً من التقاليد والشعائر البوذية والطاوية والكونفوشيوسية. كما وصلت إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر أعداد كبيرة من اليهود من أوروبا الشرقية ومن الكاثوليك من إيرلندا وإيطاليا. ووفد إليها مهاجرون مسيحيون ومسلمون من الشرق الأوسط. وهاجر إليها البنجابيون من شمال غرب الهند في العقد الأول من القرن العشرين. وكان معظمهم من السيخ الذين استوطنوا في واديي سنترال وإمبيريال في كاليفورنيا، وشيدوا أول معابد السيخ في أميركا، وتزوجوا من مكسيكيات مستحدثين ثقافة فرعية سيخية-إسبانية غنية. وتشكل قصص جميع هؤلاء جزءاً مهماً من تاريخ الهجرة الأميركي.
(حلقة في سلسلة "أميركا كما أراها")
بقلم الدكتورة ديانا ل. إيك
واشنطن، 16 تشرين الأول/أكتوبر، 2007- يشكل مبدأ الحرية الدينية وفصل الدين عن الدولة أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الولايات المتحدة. وقد اعتبر الآباء المؤسسون هذا المثل الأعلى من الأهمية بحيث أنهم أوردوه في وثيقة الحقوق التي نصت عليه بوصفه التعديل الأول للدستور الأميركي. وقد كانت الغالبية الساحقة من الأميركيين، لدى تأسيس الجمهورية قبل أكثر من قرنين، من المسيحيين. ولكن الولايات المتحدة أصبحت في الفترة التي انقضت على ذلك، وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، كما توثق الدكتورة ديانا ل. إيك في كتابها الذي صدر أخيرا، "أميركا جديدة دينيا،" أكثر المجتمعات تنوعاً دينياً في العالم.
والدكتورة إيك هي أستاذة الدين المقارن والدراسات الهندية في كلية الآداب والعلوم، وعضو هيئة اللاهوت التعليمية في جامعة هارفارد. وفي ما يلي مقتطفات من مقدمة كتابها أوردناها هنا كحلقة في سلسلة "أميركا كما أراها":
ترتفع قبة المسجد البيضاء الضخمة بمآذنه الشامخة نحو السماء من حقول الذرة قرب توليدو بولاية أوهايو. ويمكن للمرء رؤيته أثناء مروره بالسيارة في الطريق العام الذي يربط الولاية بالولايات المجاورة. ويقبع على تل في الضواحي الغربية لناشفيل، بولاية تنسي، هيكل هندوكي ضخم تزين بوابته صور فيلة منحوتة فيها. وفي الأراضي الزراعية الممتدة جنوب منيابوليس، بولاية منسوتا، يجد المرء معبداً بوذياً كمبودياً وديراً للرهبان التابعين له تذكر هندسة سقفيهما المعمارية بأسقف جنوب شرق آسيا. أما في ضواحي فيرمونت، بولاية كاليفورنيا، فتخفق الرايات المرتفعة فوق القباب الذهبية لغوردوارا (معبد) جديد للسيخ شيد في منطقة هيلسايد تيراس، التي أصبح يطلق عليها الآن اسم طريق غوردوارا. لقد تغيرت تضاريس أميركا الدينية بشكل أساسي في السنوات الثلاثين الماضية، ولكن معظمنا لم يبدأ بعد بمشاهدة أبعاد ونطاق ذلك التغير، إذ كان تدريجياً جداً ولكنه ضخم جدا أيضا. وقد بدأ الأمر بـ"الهجرة الجديدة،" التي حفزها قانون الهجرة والتجنس لعام 1965، إذ وفد الناس من جميع أنحاء العالم إلى أميركا وأصبحوا مواطنين أميركيين. وقد جاءت معهم تقاليد العالم الدينية إلى أميركا، الشعائر الدينية الإسلامية والهندوسية والبوذية واليانية والسيخية والزرادشتية والإفريقية والإفريقية-الكاريبية. وانتقل أتباع هذه الأديان وممارسو هذه الشعائر الدينية الحية إلى الأحياء السكنية الأميركية، بتردد وحذر في بداية الأمر، مقيمين مذابحهم وقاعات صلاتهم في المخازن ومباني المكاتب وفي الأدوار الواقعة تحت الأرض وجاراجات السيارات وفي غرف الترفيه وخزائن المعاطف، بحيث ظلت مخفية عن أعيننا تقريبا. وفي حين أننا لم نشاهد جميعنا مسجد توليدو أو معبد ناشفيل، لكننا سنشاهد أماكن مشابهة لهما حتى في الأحياء التي نعيش فيها، إن فتحنا أعيننا. وهي جميعاً مؤشرات هندسية معمارية على أميركا جديدة دينيا.
إننا ندهش عندما ندرك أن عدد الأميركيين المسلمين يفوق عدد الأميركيين المنتمين إلى الكنيسة الأسقفية البروتستانتية، وأن المسلمين يفوقون أتباع الكنيسة المشيخية الأميركية عددا، وأن عدد المسلمين مماثل لعدد اليهود، أي حوالى ستة ملايين نسمة. وندهش عندما ندرك أن لوس آنجيلس هي أكثر المدن البوذية تعقيداً في العالم، إذ تضم الجالية البوذية فيها أشخاصاً من شتى أنحاء العالم البوذي الآسيوي الممتد من سريلانكا إلى كوريا، إلى جانب عدد وافر من البوذيين من الأميركيين المولودين في أميركا. وقد يصل العدد الإجمالي لأعضاء هذا الطيف البوذي برمته إلى أربعة ملايين نسمة في الولايات المتحدة. ونحن نعرف أن الكثير من أطباء الأمراض الباطنية والجراحين والممرضات الذين يوفرون لنا الرعاية الصحية هم من أصل هندي، ولكننا لم نتوقف للتفكير بأنهم يملكون هم أيضاً حياتهم الدينية الخاصة بهم، وبأنهم قد يتوقفون دقائق في الصباح للصلاة أمام مذبح في غرفة الجلوس في منزلهم، وأنهم ربما كانوا يجلبون الفاكهة والزهور إلى هيكل شيفا-فيشنو المحلي في عطلة نهاية الأسبوع وربما كانوا يشكلون جزءاً من الجالية الهندوكية المتنوعة التي يفوق عددها المليون نسمة. وفي حين أننا ندرك تماماً هجرة المتحدرين من دول أميركا اللاتينية من المكسيك وأميركا الوسطى ونعي وجود جالية كبيرة من السكان الذين يتكلمون الإسبانية في مدننا، إلا أننا قد لا ندرك رغم ذلك ما لهذا الأمر من تأثير عميق على المسيحية في الولايات المتحدة، الكاثوليكية والبروتستانتية على السواء، في جميع المجالات من التراتيل الكنسية وحتى الأعياد.
يبلغنا المؤرخون أن أميركا كانت دوماً بلد أديان كثيرة، وهذا صحيح. فقد كانت هناك تعددية مركبة ضخمة تميز طريقة حياة سكان أميركا الأصليين حتى قبل وصول المستوطنين الأوروبيين إلى هذه الشواطئ. وما زال التنوع الكبير في الممارسات الدينية لسكان أميركا الأصليين مستمر حتى اليوم، من ممارسات البسكاتاواي في ولاية ماريلاند حتى شعائر البلاكفيت في ولاية مونتانا. كما كانت للذين عبروا الأطلسي من أوروبا إلى أميركا تقاليد دينية متنوعة، من الكاثوليك الإسبان والفرنسيين، إلى البريطانيين الأنجليكانيين والكويكرز (الصاحبيين)، مروراً باليهود والهولنديين المسيحيين أتباع الكنيسة الإصلاحية. وقد ازدادت هذه التعددية، كما سنشاهد، عبر 300 عام من الاستيطان. وكان الكثير من الأفارقة الذين أحضروا إلى هذا البلد كعبيد مسلمين. أما الصينيون واليابانيون الذي وفدوا للعمل في المناجم والحقول في الولايات الغربية فقد جلبوا معهم مزيجاً من التقاليد والشعائر البوذية والطاوية والكونفوشيوسية. كما وصلت إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر أعداد كبيرة من اليهود من أوروبا الشرقية ومن الكاثوليك من إيرلندا وإيطاليا. ووفد إليها مهاجرون مسيحيون ومسلمون من الشرق الأوسط. وهاجر إليها البنجابيون من شمال غرب الهند في العقد الأول من القرن العشرين. وكان معظمهم من السيخ الذين استوطنوا في واديي سنترال وإمبيريال في كاليفورنيا، وشيدوا أول معابد السيخ في أميركا، وتزوجوا من مكسيكيات مستحدثين ثقافة فرعية سيخية-إسبانية غنية. وتشكل قصص جميع هؤلاء جزءاً مهماً من تاريخ الهجرة الأميركي.
رد: أميركا جديدة دينياً
ولكن المهاجرين الذين وصلوا في العقود الثلاثة الأخيرة زادوا تنوع حياتنا الدينية بشكل مثير هائل. فقد وصل البوذيون من تايلاندا وفيتنام وكمبوديا والصين وكوريا؛ ووصل الهندوس من الهند وشرق إفريقيا وترنيداد؛ ووصل المسلمون من إندونيسيا وبنغلادش وباكستان والشرق الأوسط ونيجيريا؛ ووفد السيخ واليانيون من الهند؛ والزردشتيون من الهند وإيران. وجلب المهاجرون من هاييتي وكوبا معهم إلى الولايات المتحدة تقاليد إفريقية-كاريبية، مازجين بين الرموز والصور الإفريقية والكاثوليكية. ووفد مهاجرون يهود جدد من روسيا وأوكرانيا، وأصبح التنوع الداخلي بين اليهود الأميركيين أعظم الآن مما كان عليه في أي وقت مضى. كما تغيرت صورة المسيحية الأميركية هي أيضاً مع وجود جاليات كبيرة من الكاثوليك المتحدرين من دول أميركا اللاتينية (اللاتينو) ومن الفليبين وفيتنام؛ والجاليات العَنصرية (أتباع كنيسة معاصرة تشدد على أهمية حلول الروح القدس) من الصين وهاييتي والبرازيل؛ وأتباع الكنيسة المشيخية من كوريا وكنيسة مار توما من الهند والأقباط من مصر. وفي كل مدينة من المدن الأميركية تعلن اللوائح الكنسية عن أوقات اجتماعات المصلين الكوريين واللاتينو داخل جدران كنائس بروتستانتية وكاثوليكية قديمة في المدن الأميركية.
لقد أعاد تنقل أعداد ضخمة من البشر خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، كمهاجرين ولاجئين، تشكيل عالمنا من الناحية الديموغرافية. وفي حين يبلغ عدد المهاجرين في شتى أنحاء العالم أكثر من 130 مليون نسمة، يوجد 30 مليوناً منهم تقريباً في الولايات المتحدة، بحيث يصل إليها مليون في كل عام. إن الصورة العالمية الديناميكية المثيرة لعصرنا ليست ما يطلق عليه صدام الحضارات وإنما تحويل الحضارات والشعوب إلى ما يشبه الرخام المعرق المجزع. فكما أوجد انتهاء الحرب الباردة وضعاً جغرافياً-سياسياً جديدا، أوجد تنقل البشر عالمياً حقيقة جغرافية-دينية جديدة. لقد أصبح الهندوس والسيخ والمسلمون الآن جزءاً من النسيج الديني في بريطانيا؛ وظهرت المساجد في باريس وليون، والمعابد البوذية في تورنتو، وهياكل السيخ (الغوردوارا) في فنكوفر. ولكن تنوع العقائد الدينية لم يصل في أي مكان، حتى في عهد الهجرة الضخمة التي تميز العالم اليوم، إلى ما هو عليه في الولايات المتحدة. فعلى المرء أن يضيف إلى التنوع الديني الكبير في الهند ديانات الصين وأميركا اللاتينية وإفريقيا المختلفة. وعليه أن يضيف إلى تعددية بريطانيا أو كندا موجات هجرة اللاتينو علاوة على الفيتناميين والكمبوديين والفليبينيين. إن هذا واقع جديد مدهش. إنه واقع لم نشهد له مثيلاً من قبل.
وتختلف حقبة الهجرة الجديدة عن حقب الهجرة السابقة ليس فقط من حيث حجمها وتعقيدها وإنما أيضاً حتى من حيث القوى الداخلية المحركة لها والنواميس الخاصة بها. فالكثير من المهاجرين الذين يفدون إلى الولايات المتحدة اليوم يحافظون على علاقات قوية مع أوطانهم الأصلية، إذ يبقون على صلاتهم معها عبر السفر وشبكات الاتصال العابرة لحدود الدول، والرسائل الإلكترونية والفاكسات وخطوط الهاتف عبر الأقمار الصناعية ونشرات أخبار الفضائيات التلفزيونية. وهم ينجحون في العيش هنا وهناك في نفس الوقت بجميع الطرق التي أصبحت توفرها وسائل الاتصال والاتصال عن بعد الحديثة. فما الذي ستصبح عليه فكرة ورؤيا أميركا مع تقبل مواطنيها، الجدد والقدامى، لجميع هذه التعددية؟ إن التساؤلات التي تنبثق اليوم نتيجة تلاقي أتباع هذا الكم الكبير من التقاليد الدينية والثقافية هي من صميم الفكرة التي نحملها عن أنفسنا كشعب. إنها ليست تساؤلات تافهة لأنها تجبرنا على أن نطرح على أنفسنا، بصورة أو بأخرى، الأسئلة التالية: من الذين نقصدهم عندما نستشهد بالكلمات التي تشكل بداية دستورنا، "نحن شعب الولايات المتحدة الأميركية"؟ من الذي نقصده عندما نقول "نحن"؟ هذا، دون شك، تحد للمواطنة، لأنه يتعلق بمجموعة السكان المتخيلة التي نعتبر أنفسنا جزءاً منها. ويشكل أيضاً تحدياً للدين، لأن أتباع جميع العقائد الدينية يعيشون الآن مع أتباع ديانات أخرى، ليس فقط حول العالم وإنما في المنزل المواجه لمنزلهم.
"نحن شعب الولايات المتحدة" نشكل الآن البلد الأكثر ديانات على وجه الأرض. ففي أي اتجاه سنتوجه الآن؟ إن عدم الاهتمام بوجود جيران مسلمين أو بوذيين في ركن آخر من أركان المعمورة أو الجهل بذلك أمر يختلف تماماً عن وجود البوذيين كجيران في المنزل المجاور لنا وعن كون أعز صديق لأولادنا هو تلميذ مسلم وكون هندوسي قد ترشح للفوز بمقعد في لجنة المدرسة، إذ يصبح لدى كل منا في هذه الحالة اهتمام شخصي مكتسب بجيراننا، كمواطنين وكأتباع دين أيضا.
ومع حلول فجر القرن الجديد، نواجه نحن الأميركيين تحدياً بأن نحترم ونطبق وعد الحرية الدينية الأساسي جداً لفكرة أميركا وصورة أميركا. ولطالما أدت الحرية الدينية إلى ظهور التنوع والتعددية الدينية، ولم تكن تعدديتنا الدينية في أي وقت من الأوقات بنفس الزخم الذي هي عليه اليوم. وسيتطلب هذا منا استعادة أعمق معاني المبادئ التي نعتز بها وخلق مجتمع أميركي تعددي حقاً لا يتم فيه التسامح فقط بشأن هذا التنوع الكبير وإنما يصبح فيه هذا التنوع ذاته مصدر قوتنا نفسها. إلا أنه سيتعين علينا، كي نحقق ذلك، أن نعرف المزيد عن بعضنا بعضاً وأن نصغي للطرق الجديدة التي يلفظ بها الأميركيون الجدد كلمة "نحن" ويسهمون في صوت وروح أميركا.
ما كان يمكن لواضعي الدستور ووثيقة الحقوق أن يتخيلوا نطاق التعددية الدينية في أميركا في بداية القرن الحادي والعشرين. ولا شك في أنهم عندما كتبوا الكلمات الـ16 في التعديل الأول، "لا يجوز للكونغرس الأميركي إصدار أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان (كدين رسمي للدولة) أو بمنع حرية ممارسته،" لم يكونوا يفكرون بالديانة البوذية أو الهندوكية. ولكن المبادئ التي بينوها بوضوح، "عدم إقامة" دين و"حرية ممارسة" الدين، وفرت دفة قوية ثابتة لتوجيه البلد خلال القرنين الماضيين أثناء ازدياد التعددية الدينية في أميركا. ولا عجب في ذلك إذ إن الحرية الدينية هي منبع التعددية الدينية. وهما أمران لا ينفصمان. وقد بدأنا نطالب، خطوة خطوة، ونؤكد على ما لم يتخيله واضعو الدستور ولكنهم جهزونا للترحيب به.
إن الدين لا يشكل أبداًً منتجاً مستكمل الصنع تم تغليفه وتعليبه وتسليمه ليتم نقله كما هو تماماً من جيل إلى جيل. وفي حين أن بين أتباع كل دين عدداً من الأشخاص الذين يفكرون بدينهم على هذا النحو، مصرين على أنه موجود بكل عناصره المتكاملة في الكتب المقدسة والعقائد والشعائر الدينية التي يعرفونها ويحترمونها ويعتزون بها، لكن أي جولة، مهما كانت قصيرة، في التاريخ تثبت خطأهم. فتقاليدنا الدينية ديناميكية لا ساكنة، ومتغيرة لا ثابتة، وهي أشبه بالأنهر منها بالنصب التذكارية. وتاريخ الدين عملية مستمرة. وتشكل أميركا اليوم مكاناً مثيراً لدراسة تاريخ الأديان الحية الديناميكي، مع تحول البوذية إلى دين أميركي متميز ومع التقاء المسيحيين واليهود مع بوذيين وتبين دينهم مجدداً في ضوء ذلك اللقاء أو ربما التوصل إلى أنهم جزء من التقليدين معا. ويتعين حتى على أتباع الفلسفة الإنسانية (المؤمنين بقيمة الإنسان وقدرته على تحقيق الذات عن طريق العقل)، وحتى على الدنيويين الذين لا يقيمون أي اعتبار للدين، وحتى على الملحدين الذين لا يؤمنون بوجود إله، أن يعيدوا النظر في نظرتهم إلى العالم والوجود الإنساني ضمن واقع ديني أكثر تعقيدا. ذلك أنه يتعين عليهم، بوجود الهندوس المؤمنين بآلهة متعددة والبوذيين الذين لا تتضمن ديانتهم أي إله، أن يكونوا أكثر دقة وتحديداً في ما يتعلق بنوع "الإله" الذي لا يؤمنون به.
وكما أن تقاليدنا الدينية ديناميكية غير ساكنة، كذلك أميركا نفسها كفكرة. وليس شعار الجمهورية، "من الكثرة، واحد،" حقيقة منجزة بل هو مثل أعلى يواصل الأميركيون السعي إليه والمطالبة به. فقصة شعوب أميركا الكثيرة وإقامة دولة واحدة قصة لم تكتمل فصولها بعد يتم خلالها استرجاع وإعادة تكوين المثل المنصوص عليها في إعلان الاستقلال والدستور. إن "الكثرة" التي نتصف بها اليوم ملفتة أكثر من أي وقت مضى، بأعراقنا ووجوهنا، وبموسيقانا المتنوعة من الجاز حتى القوالي (الصوفية ذات الأصل الإيراني)، وطبولنا المتباينة البنغالية والعائدة إلى هاييتي، ورقصات الهيب هوب والبنغرا، وفرق موسيقى المارياشي (المكسيكية الأصل) والغاملان (التي تعزف على آلات النقر العائدة إلى جافا وبالي)، وبمآذننا الإسلامية وأبراج هياكلنا الهندوسية، وبقمم معابدنا المورمونية المستدقة وقباب الغردوارا السيخية الذهبية. وسوف يتطلب الإعراب عن "الواحد"، عن توحدنا، في خضم هذه التعددية، الكثير من الأصوات الجديدة التي يسهم كل منها بطريقته الخاصة، كأصوات السيخ الذين سيدافعون عن "الحقيقة البديهية البينة بذاتها" بتساوي البشر ليس فقط لأنها حقيقة منصوص عليها في إعلان الاستقلال وإنما أيضاً لأنها ضمن تعاليم الغورو ناناك ومبدأ من مبادئهم الدينية كسيخ. ويشكل سماع الطرق الجديدة التي يتم الإعراب فيها عن أميركا كفكرة التحدي الذي نواجهه اليوم.
ومع دخولنا الألفية الجديدة، أصبح الأميركيون في طريقهم إلى اكتشاف من "نحن" مجددا. وقد يبدو كل عنصر تتألف منه أميركا الدينية الجديدة صغيرا، إلا أن كلاً منها يسهم في رسم الصورة الذاتية الجديدة لأميركا. فمع ازدياد عدد المسلمين وبروزهم في المجتمع الأميركي، على سبيل المثال، بدأ المسؤولون الأميركيون يتحولون من التحدث عن "الكنائس والكنيس (المعابد اليهودية)" إلى التحدث عن "الكنائس والكنيس والمساجد." وأصبح حلول شهر رمضان المبارك يلقى اهتماماً شعبياً ويشكل مناسبة لنشر لمحة عن الجيران المسلمين في صحيفة دالاس مورننغ نيوز وصحيفة منيابولس ستار تربيون. وتحولت حفلات الإفطار اليومية إلى لحظات للتقدير. وقد أقام موظفو الكونغرس ووزارتي الدفاع والخارجية المسلمون مآدب إفطار في أواخر التسعينات من القرن الماضي. واستضاف البيت الأبيض أول احتفال بعيد الفطر في عام 1996، وهو الاحتفال الذي أصبح تقليداً متبعاً حتى اليوم. وفي نفس ذلك العام، عينت البحرية الأميركية أول مرشد روحي مسلم، هو الملازم ملك عبد المطاع علي نويل، وتم في عام 1998 تدشين أول مسجد تابع للبحرية الأميركية في قاعدة نورفوك البحرية في ولاية فرجينيا، مقر الملازم نويل. وعندما يشارك 50 بحاراً أميركياً في صلاة الجمعة في ذلك المسجد، فإنهم يشيرون لنا جميعاً بأننا نعيش حقبة جديدة في حياة أميركا الدينية.
كما بدأ الهندوس يبعثون هم أيضاً بمؤشرات على وجودهم في أميركا. فعلى سبيل المثال، شارك شري فنكاتاتشالاباثي سامدرالا، وهو كاهن في هيكل شيفا فشنو لكليفلاند في بارما، بولاية أوهايو، في 14 أيلول/سبتمبر، 2000، في افتتاح جلسة لمجلس النواب الأميركي رافعاً صلاة المرشد الروحي لذلك اليوم. وكانت صلاته باللغتين الهندية والإنجليزية واختتمها بترتيلة سنسكريتية، سُجلت جميعها على موقع الهيكل على الشبكة العنكبوتية. وفي حين أن المناسبة كانت زيارة رئيس الوزراء الهندي للولايات المتحدة، إلا أنه كان من الواضح أن الرسالة الأعم كانت أن ولاية أوهايو تضم هي أيضاً هندوساً، تماماً ككل ولاية أخرى من الولايات المتحدة. وعلينا، كأميركيين، مشاهدة هذه المؤشرات على وجود أميركا جديدة دينياً وبدء التفكير بأنفسنا مجدداً في سياقها.
وتقدم لنا حركة تحاور وتعاون الأديان المختلفة المزدهرة في أميركا مجموعة أخرى من المؤشرات على ما يحدث حالياً في أميركا مع بدء أتباع التقاليد الدينية المختلفة التعاون معاً بطرق ملموسة. وقد أثار أحد الأمثلة على ذلك الاهتمام لأنه جاء نتيجة مبادرة وقيادة بوذية. ففي عام 1998، ومن باغودة (هيكل) السلام الأبيض المبهرة القائمة على قمة تل تنتشر فيه أشجار القيقب في منطقة ليفرت الريفية في ولاية مساتشوستس، أطلقت مجموعة من الحجاج البوذيين حج الأديان المشترك للمرحلة الوسطى (Interfaith Pilgrimage of the Middle Passage). وقد سار "الحجاج" الذين كانوا مجموعة من الأميركيين من جميع الأعراق والأديان، ما بين 15 إلى 20 ميلاً يومياً لمدة سبعة أشهر زاروا خلالها أماكن مرتبطة بالاسترقاق على طول الساحل من مدينة بوسطن حتى مدينة نيو أورلينز. وقد تابع بعضهم الرحلة من هناك بحراً إلى ساحل إفريقيا الغربي. وكانت المجموعة البوذية الراعية للمسيرة، وهي مجموعة تدعى نيبونزان ميوهوجي، صغيرة الحجم ولكنها، مثلها في ذلك مثل الكويكرز، تتصف بقدرة وممارسات قيادية تفوق عددها بكثير. ولم تكن هذه أول مرة تنظم فيها هذه المجموعة مسيرة في سبيل التآلف العرقي والديني. فقد سارت أيضاً من آوسشفتز إلى هيروشيما لتذكير العالم بفظائع معسكرات الاعتقال والقنبلة الذرية. أما على الصعيد المحلي، فتسير هذه المجموعة مدة ثلاثة أيام في كل عام من الباغودا على قمة التل إلى وسط مدينة سبرنغفيلد، بولاية مساتشوستس، للاحتفال بـ"جونتينث" (وربما صحت ترجمة ذلك إلى الحزيرانية)، وهو الاحتفال السنوي بتحرير السود من العبودية. وفي كل حالة من هذه الحالات، يسير أعضاء المجموعة على أقدامهم لتذكير كل منا بأعمق التزاماتنا.
ويتطلب تصور أميركا الجديدة في القرن الحادي والعشرين قفزة بارعة تتسم بسعة الخيال، لأنه يعني رؤية تضاريس أميركا الدينية، من أقصاها إلى أقصاها، بكل تعقدها الجميل.
مقتطفات مأخوذة من كتاب "A New Religious America،" بقلم ديانا ل. إيك، الصادر عن دار هاربر سان فرانسيسكو، وهي شعبة من دار نشر هاربر كولنز، إنك. حقوق الطبع 2001 محفوظة لديانا ل. إيك. جميع الحقوق محفوظة.
****
لقد أعاد تنقل أعداد ضخمة من البشر خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، كمهاجرين ولاجئين، تشكيل عالمنا من الناحية الديموغرافية. وفي حين يبلغ عدد المهاجرين في شتى أنحاء العالم أكثر من 130 مليون نسمة، يوجد 30 مليوناً منهم تقريباً في الولايات المتحدة، بحيث يصل إليها مليون في كل عام. إن الصورة العالمية الديناميكية المثيرة لعصرنا ليست ما يطلق عليه صدام الحضارات وإنما تحويل الحضارات والشعوب إلى ما يشبه الرخام المعرق المجزع. فكما أوجد انتهاء الحرب الباردة وضعاً جغرافياً-سياسياً جديدا، أوجد تنقل البشر عالمياً حقيقة جغرافية-دينية جديدة. لقد أصبح الهندوس والسيخ والمسلمون الآن جزءاً من النسيج الديني في بريطانيا؛ وظهرت المساجد في باريس وليون، والمعابد البوذية في تورنتو، وهياكل السيخ (الغوردوارا) في فنكوفر. ولكن تنوع العقائد الدينية لم يصل في أي مكان، حتى في عهد الهجرة الضخمة التي تميز العالم اليوم، إلى ما هو عليه في الولايات المتحدة. فعلى المرء أن يضيف إلى التنوع الديني الكبير في الهند ديانات الصين وأميركا اللاتينية وإفريقيا المختلفة. وعليه أن يضيف إلى تعددية بريطانيا أو كندا موجات هجرة اللاتينو علاوة على الفيتناميين والكمبوديين والفليبينيين. إن هذا واقع جديد مدهش. إنه واقع لم نشهد له مثيلاً من قبل.
وتختلف حقبة الهجرة الجديدة عن حقب الهجرة السابقة ليس فقط من حيث حجمها وتعقيدها وإنما أيضاً حتى من حيث القوى الداخلية المحركة لها والنواميس الخاصة بها. فالكثير من المهاجرين الذين يفدون إلى الولايات المتحدة اليوم يحافظون على علاقات قوية مع أوطانهم الأصلية، إذ يبقون على صلاتهم معها عبر السفر وشبكات الاتصال العابرة لحدود الدول، والرسائل الإلكترونية والفاكسات وخطوط الهاتف عبر الأقمار الصناعية ونشرات أخبار الفضائيات التلفزيونية. وهم ينجحون في العيش هنا وهناك في نفس الوقت بجميع الطرق التي أصبحت توفرها وسائل الاتصال والاتصال عن بعد الحديثة. فما الذي ستصبح عليه فكرة ورؤيا أميركا مع تقبل مواطنيها، الجدد والقدامى، لجميع هذه التعددية؟ إن التساؤلات التي تنبثق اليوم نتيجة تلاقي أتباع هذا الكم الكبير من التقاليد الدينية والثقافية هي من صميم الفكرة التي نحملها عن أنفسنا كشعب. إنها ليست تساؤلات تافهة لأنها تجبرنا على أن نطرح على أنفسنا، بصورة أو بأخرى، الأسئلة التالية: من الذين نقصدهم عندما نستشهد بالكلمات التي تشكل بداية دستورنا، "نحن شعب الولايات المتحدة الأميركية"؟ من الذي نقصده عندما نقول "نحن"؟ هذا، دون شك، تحد للمواطنة، لأنه يتعلق بمجموعة السكان المتخيلة التي نعتبر أنفسنا جزءاً منها. ويشكل أيضاً تحدياً للدين، لأن أتباع جميع العقائد الدينية يعيشون الآن مع أتباع ديانات أخرى، ليس فقط حول العالم وإنما في المنزل المواجه لمنزلهم.
"نحن شعب الولايات المتحدة" نشكل الآن البلد الأكثر ديانات على وجه الأرض. ففي أي اتجاه سنتوجه الآن؟ إن عدم الاهتمام بوجود جيران مسلمين أو بوذيين في ركن آخر من أركان المعمورة أو الجهل بذلك أمر يختلف تماماً عن وجود البوذيين كجيران في المنزل المجاور لنا وعن كون أعز صديق لأولادنا هو تلميذ مسلم وكون هندوسي قد ترشح للفوز بمقعد في لجنة المدرسة، إذ يصبح لدى كل منا في هذه الحالة اهتمام شخصي مكتسب بجيراننا، كمواطنين وكأتباع دين أيضا.
ومع حلول فجر القرن الجديد، نواجه نحن الأميركيين تحدياً بأن نحترم ونطبق وعد الحرية الدينية الأساسي جداً لفكرة أميركا وصورة أميركا. ولطالما أدت الحرية الدينية إلى ظهور التنوع والتعددية الدينية، ولم تكن تعدديتنا الدينية في أي وقت من الأوقات بنفس الزخم الذي هي عليه اليوم. وسيتطلب هذا منا استعادة أعمق معاني المبادئ التي نعتز بها وخلق مجتمع أميركي تعددي حقاً لا يتم فيه التسامح فقط بشأن هذا التنوع الكبير وإنما يصبح فيه هذا التنوع ذاته مصدر قوتنا نفسها. إلا أنه سيتعين علينا، كي نحقق ذلك، أن نعرف المزيد عن بعضنا بعضاً وأن نصغي للطرق الجديدة التي يلفظ بها الأميركيون الجدد كلمة "نحن" ويسهمون في صوت وروح أميركا.
ما كان يمكن لواضعي الدستور ووثيقة الحقوق أن يتخيلوا نطاق التعددية الدينية في أميركا في بداية القرن الحادي والعشرين. ولا شك في أنهم عندما كتبوا الكلمات الـ16 في التعديل الأول، "لا يجوز للكونغرس الأميركي إصدار أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان (كدين رسمي للدولة) أو بمنع حرية ممارسته،" لم يكونوا يفكرون بالديانة البوذية أو الهندوكية. ولكن المبادئ التي بينوها بوضوح، "عدم إقامة" دين و"حرية ممارسة" الدين، وفرت دفة قوية ثابتة لتوجيه البلد خلال القرنين الماضيين أثناء ازدياد التعددية الدينية في أميركا. ولا عجب في ذلك إذ إن الحرية الدينية هي منبع التعددية الدينية. وهما أمران لا ينفصمان. وقد بدأنا نطالب، خطوة خطوة، ونؤكد على ما لم يتخيله واضعو الدستور ولكنهم جهزونا للترحيب به.
إن الدين لا يشكل أبداًً منتجاً مستكمل الصنع تم تغليفه وتعليبه وتسليمه ليتم نقله كما هو تماماً من جيل إلى جيل. وفي حين أن بين أتباع كل دين عدداً من الأشخاص الذين يفكرون بدينهم على هذا النحو، مصرين على أنه موجود بكل عناصره المتكاملة في الكتب المقدسة والعقائد والشعائر الدينية التي يعرفونها ويحترمونها ويعتزون بها، لكن أي جولة، مهما كانت قصيرة، في التاريخ تثبت خطأهم. فتقاليدنا الدينية ديناميكية لا ساكنة، ومتغيرة لا ثابتة، وهي أشبه بالأنهر منها بالنصب التذكارية. وتاريخ الدين عملية مستمرة. وتشكل أميركا اليوم مكاناً مثيراً لدراسة تاريخ الأديان الحية الديناميكي، مع تحول البوذية إلى دين أميركي متميز ومع التقاء المسيحيين واليهود مع بوذيين وتبين دينهم مجدداً في ضوء ذلك اللقاء أو ربما التوصل إلى أنهم جزء من التقليدين معا. ويتعين حتى على أتباع الفلسفة الإنسانية (المؤمنين بقيمة الإنسان وقدرته على تحقيق الذات عن طريق العقل)، وحتى على الدنيويين الذين لا يقيمون أي اعتبار للدين، وحتى على الملحدين الذين لا يؤمنون بوجود إله، أن يعيدوا النظر في نظرتهم إلى العالم والوجود الإنساني ضمن واقع ديني أكثر تعقيدا. ذلك أنه يتعين عليهم، بوجود الهندوس المؤمنين بآلهة متعددة والبوذيين الذين لا تتضمن ديانتهم أي إله، أن يكونوا أكثر دقة وتحديداً في ما يتعلق بنوع "الإله" الذي لا يؤمنون به.
وكما أن تقاليدنا الدينية ديناميكية غير ساكنة، كذلك أميركا نفسها كفكرة. وليس شعار الجمهورية، "من الكثرة، واحد،" حقيقة منجزة بل هو مثل أعلى يواصل الأميركيون السعي إليه والمطالبة به. فقصة شعوب أميركا الكثيرة وإقامة دولة واحدة قصة لم تكتمل فصولها بعد يتم خلالها استرجاع وإعادة تكوين المثل المنصوص عليها في إعلان الاستقلال والدستور. إن "الكثرة" التي نتصف بها اليوم ملفتة أكثر من أي وقت مضى، بأعراقنا ووجوهنا، وبموسيقانا المتنوعة من الجاز حتى القوالي (الصوفية ذات الأصل الإيراني)، وطبولنا المتباينة البنغالية والعائدة إلى هاييتي، ورقصات الهيب هوب والبنغرا، وفرق موسيقى المارياشي (المكسيكية الأصل) والغاملان (التي تعزف على آلات النقر العائدة إلى جافا وبالي)، وبمآذننا الإسلامية وأبراج هياكلنا الهندوسية، وبقمم معابدنا المورمونية المستدقة وقباب الغردوارا السيخية الذهبية. وسوف يتطلب الإعراب عن "الواحد"، عن توحدنا، في خضم هذه التعددية، الكثير من الأصوات الجديدة التي يسهم كل منها بطريقته الخاصة، كأصوات السيخ الذين سيدافعون عن "الحقيقة البديهية البينة بذاتها" بتساوي البشر ليس فقط لأنها حقيقة منصوص عليها في إعلان الاستقلال وإنما أيضاً لأنها ضمن تعاليم الغورو ناناك ومبدأ من مبادئهم الدينية كسيخ. ويشكل سماع الطرق الجديدة التي يتم الإعراب فيها عن أميركا كفكرة التحدي الذي نواجهه اليوم.
ومع دخولنا الألفية الجديدة، أصبح الأميركيون في طريقهم إلى اكتشاف من "نحن" مجددا. وقد يبدو كل عنصر تتألف منه أميركا الدينية الجديدة صغيرا، إلا أن كلاً منها يسهم في رسم الصورة الذاتية الجديدة لأميركا. فمع ازدياد عدد المسلمين وبروزهم في المجتمع الأميركي، على سبيل المثال، بدأ المسؤولون الأميركيون يتحولون من التحدث عن "الكنائس والكنيس (المعابد اليهودية)" إلى التحدث عن "الكنائس والكنيس والمساجد." وأصبح حلول شهر رمضان المبارك يلقى اهتماماً شعبياً ويشكل مناسبة لنشر لمحة عن الجيران المسلمين في صحيفة دالاس مورننغ نيوز وصحيفة منيابولس ستار تربيون. وتحولت حفلات الإفطار اليومية إلى لحظات للتقدير. وقد أقام موظفو الكونغرس ووزارتي الدفاع والخارجية المسلمون مآدب إفطار في أواخر التسعينات من القرن الماضي. واستضاف البيت الأبيض أول احتفال بعيد الفطر في عام 1996، وهو الاحتفال الذي أصبح تقليداً متبعاً حتى اليوم. وفي نفس ذلك العام، عينت البحرية الأميركية أول مرشد روحي مسلم، هو الملازم ملك عبد المطاع علي نويل، وتم في عام 1998 تدشين أول مسجد تابع للبحرية الأميركية في قاعدة نورفوك البحرية في ولاية فرجينيا، مقر الملازم نويل. وعندما يشارك 50 بحاراً أميركياً في صلاة الجمعة في ذلك المسجد، فإنهم يشيرون لنا جميعاً بأننا نعيش حقبة جديدة في حياة أميركا الدينية.
كما بدأ الهندوس يبعثون هم أيضاً بمؤشرات على وجودهم في أميركا. فعلى سبيل المثال، شارك شري فنكاتاتشالاباثي سامدرالا، وهو كاهن في هيكل شيفا فشنو لكليفلاند في بارما، بولاية أوهايو، في 14 أيلول/سبتمبر، 2000، في افتتاح جلسة لمجلس النواب الأميركي رافعاً صلاة المرشد الروحي لذلك اليوم. وكانت صلاته باللغتين الهندية والإنجليزية واختتمها بترتيلة سنسكريتية، سُجلت جميعها على موقع الهيكل على الشبكة العنكبوتية. وفي حين أن المناسبة كانت زيارة رئيس الوزراء الهندي للولايات المتحدة، إلا أنه كان من الواضح أن الرسالة الأعم كانت أن ولاية أوهايو تضم هي أيضاً هندوساً، تماماً ككل ولاية أخرى من الولايات المتحدة. وعلينا، كأميركيين، مشاهدة هذه المؤشرات على وجود أميركا جديدة دينياً وبدء التفكير بأنفسنا مجدداً في سياقها.
وتقدم لنا حركة تحاور وتعاون الأديان المختلفة المزدهرة في أميركا مجموعة أخرى من المؤشرات على ما يحدث حالياً في أميركا مع بدء أتباع التقاليد الدينية المختلفة التعاون معاً بطرق ملموسة. وقد أثار أحد الأمثلة على ذلك الاهتمام لأنه جاء نتيجة مبادرة وقيادة بوذية. ففي عام 1998، ومن باغودة (هيكل) السلام الأبيض المبهرة القائمة على قمة تل تنتشر فيه أشجار القيقب في منطقة ليفرت الريفية في ولاية مساتشوستس، أطلقت مجموعة من الحجاج البوذيين حج الأديان المشترك للمرحلة الوسطى (Interfaith Pilgrimage of the Middle Passage). وقد سار "الحجاج" الذين كانوا مجموعة من الأميركيين من جميع الأعراق والأديان، ما بين 15 إلى 20 ميلاً يومياً لمدة سبعة أشهر زاروا خلالها أماكن مرتبطة بالاسترقاق على طول الساحل من مدينة بوسطن حتى مدينة نيو أورلينز. وقد تابع بعضهم الرحلة من هناك بحراً إلى ساحل إفريقيا الغربي. وكانت المجموعة البوذية الراعية للمسيرة، وهي مجموعة تدعى نيبونزان ميوهوجي، صغيرة الحجم ولكنها، مثلها في ذلك مثل الكويكرز، تتصف بقدرة وممارسات قيادية تفوق عددها بكثير. ولم تكن هذه أول مرة تنظم فيها هذه المجموعة مسيرة في سبيل التآلف العرقي والديني. فقد سارت أيضاً من آوسشفتز إلى هيروشيما لتذكير العالم بفظائع معسكرات الاعتقال والقنبلة الذرية. أما على الصعيد المحلي، فتسير هذه المجموعة مدة ثلاثة أيام في كل عام من الباغودا على قمة التل إلى وسط مدينة سبرنغفيلد، بولاية مساتشوستس، للاحتفال بـ"جونتينث" (وربما صحت ترجمة ذلك إلى الحزيرانية)، وهو الاحتفال السنوي بتحرير السود من العبودية. وفي كل حالة من هذه الحالات، يسير أعضاء المجموعة على أقدامهم لتذكير كل منا بأعمق التزاماتنا.
ويتطلب تصور أميركا الجديدة في القرن الحادي والعشرين قفزة بارعة تتسم بسعة الخيال، لأنه يعني رؤية تضاريس أميركا الدينية، من أقصاها إلى أقصاها، بكل تعقدها الجميل.
مقتطفات مأخوذة من كتاب "A New Religious America،" بقلم ديانا ل. إيك، الصادر عن دار هاربر سان فرانسيسكو، وهي شعبة من دار نشر هاربر كولنز، إنك. حقوق الطبع 2001 محفوظة لديانا ل. إيك. جميع الحقوق محفوظة.
****
مواضيع مماثلة
» تقنيات زراعية جديدة قد تفضي الى "ثورة خضراء" جديدة
» غابات أميركا الغربية تكافح من أجل البقاء
» الدستورية:أميركا وما يتعداها
» معرض ثري للتراث الإسلامي في أميركا
» معرض ثري للتراث الإسلامي في أميركا
» غابات أميركا الغربية تكافح من أجل البقاء
» الدستورية:أميركا وما يتعداها
» معرض ثري للتراث الإسلامي في أميركا
» معرض ثري للتراث الإسلامي في أميركا
نجــــــــــــــــــــــــــــــــــــد :: نجـــــــــد العامـــــــــــــــــــــــــــــــة :: تقارير أمريكية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى